الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلِلتَّفْصِيل تُنْظَرُ أَحْكَامُ (الْخِيَارِ، وَالشُّفْعَةِ)
د -
حُقُوقٌ مَالِيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِمَال الْمُوَرِّثِ، لَا بِشَخْصِهِ وَلَا بِإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ
،
وَهَذِهِ حُقُوقٌ تُورَثُ عَنْهُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَذَلِكَ كَحَقِّ الرَّهْنِ، وَحُقُوقِ الاِرْتِفَاقِ الْمَعْرُوفَةِ، كَحَقِّ الْمُرُورِ وَحَقِّ الشُّرْبِ وَحَقِّ الْمَجْرَى وَحَقِّ التَّعَلِّي.
4 -
فَيَدْخُل فِي التَّرِكَةِ مَا كَانَ لِلإِْنْسَانِ حَال حَيَاتِهِ، وَخَلَّفَهُ بَعْدَ مَمَاتِهِ، مِنْ مَالٍ أَوْ حُقُوقٍ أَوِ اخْتِصَاصٍ، كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْقِصَاصِ وَالْوَلَاءِ وَحَدِّ الْقَذْفِ.
وَكَذَا مَنْ أَوْصَى لَهُ بِمَنْفَعَةِ شَيْءٍ مِنَ الأَْشْيَاءِ كَدَارٍ مَثَلاً، كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ لَهُ حَال حَيَاتِهِ وَلِوَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، إِلَاّ إِذَا كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ مُؤَقَّتَةً بِمُدَّةِ حَيَاتِهِ فِي الْوَصِيَّةِ.
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ مِنَ التَّرِكَةِ أَيْضًا مَا دَخَل فِي مِلْكِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، بِسَبَبٍ كَانَ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ، كَصَيْدٍ وَقَعَ فِي شَبَكَةٍ نَصَبَهَا فِي حَيَاتِهِ، فَإِنَّ نَصْبَهُ لِلشَّبَكَةِ لِلاِصْطِيَادِ هُوَ سَبَبُ الْمِلْكِ،
وَكَمَا لَوْ مَاتَ عَنْ خَمْرٍ فَتَخَلَّلَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ (1) .
قَال الْقَرَافِيُّ: اعْلَمْ أَنَّهُ يُرْوَى عَنْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(1) الدسوقي 4 / 461، 470، ومغني المحتاج 3 / 3، وبجيرمي على المنهج 3 / 257، والمهذب 1 / 383، وكشاف القناع 4 / 402، وبداية المجتهد 2 / 260، والمغني 5 / 346 - 347، وابن عابدين 5 / 482 وما بعدها.
أَنَّهُ قَال: مَنْ مَاتَ عَنْ حَقٍّ فَلِوَرَثَتِهِ (1) وَهَذَا اللَّفْظُ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ، بَل مِنَ الْحُقُوقِ مَا يُنْقَل إِلَى الْوَارِثِ، وَمِنْهَا مَا لَا يَنْتَقِل. فَمِنْ حَقِّ الإِْنْسَانِ أَنْ يُلَاعِنَ عِنْدَ سَبَبِ اللِّعَانِ، وَأَنْ يَفِيءَ بَعْدَ الإِْيلَاءِ، وَأَنْ يَعُودَ بَعْدَ الظِّهَارِ، وَأَنْ يَخْتَارَ مِنْ نِسْوَةٍ إِذَا أَسْلَمَ عَلَيْهِنَّ وَهُنَّ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ، وَأَنْ يَخْتَارَ إِحْدَى الأُْخْتَيْنِ إِذَا أَسْلَمَ عَلَيْهِمَا، وَإِذَا جَعَل الْمُتَبَايِعَانِ الْخِيَارَ لأَِجْنَبِيٍّ عَنِ الْعَقْدِ فَمِنْ حَقِّهِ أَنْ يَمْلِكَ إِمْضَاءَ الْبَيْعِ عَلَيْهِمَا أَوْ فَسْخَهُ، وَمِنْ حَقِّهِ مَا فُوِّضَ إِلَيْهِ مِنَ الْوِلَايَاتِ وَالْمَنَاصِبِ كَالْقِصَاصِ وَالإِْمَامَةِ وَالْخَطَابَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَكَالأَْمَانَةِ وَالْوَكَالَةِ. فَجَمِيعُ هَذِهِ الْحُقُوقِ لَا يَنْتَقِل لِلْوَارِثِ مِنْهَا شَيْءٌ وَإِنْ كَانَتْ ثَابِتَةً لِلْمُوَرِّثِ. وَالضَّابِطُ: أَنَّهُ يَنْتَقِل إِلَيْهِ كُل مَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالْمَال، أَوْ يَدْفَعُ ضَرَرًا عَنِ الْوَارِثِ فِي عِرْضِهِ بِتَخْفِيفِ أَلَمِهِ. أَمَّا مَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِنَفْسِ الْمُوَرِّثِ وَعَقْلِهِ وَشَهَوَاتِهِ فَلَا يَنْتَقِل لِلْوَارِثِ.
وَالسِّرُّ فِي الْفَرْقِ: أَنَّ الْوَرَثَةَ يَرِثُونَ الْمَال، فَيَرِثُونَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَبَعًا لَهُ، وَلَا يَرِثُونَ عَقْلَهُ وَلَا شَهْوَتَهُ وَلَا نَفْسَهُ، فَلَا يَرِثُونَ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ، وَمَا لَا يُورَثُ لَا يَرِثُونَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، فَاللِّعَانُ يَرْجِعُ إِلَى أَمْرٍ يَعْتَقِدُهُ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ غَالِبًا، وَالاِعْتِقَادَاتُ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الْمَال، وَالْفَيْئَةُ شَهْوَتُهُ، وَالْعَوْدُ إِرَادَتُهُ، وَاخْتِيَارُ الأُْخْتَيْنِ وَالنِّسْوَةِ
(1) حديث: " من مات وترك مالا فماله لموالي العصبة. . . " أخرجه البخاري (12 / 27 - الفتح - ط السلفية) من حديث أبي هريرة.
إِرَبُهُ وَمَيْلُهُ، وَقَضَاؤُهُ عَلَى الْمُتَبَايِعَيْنِ عَقْلُهُ وَفِكْرَتُهُ، وَرَأْيُهُ وَمَنَاصِبُهُ وَوِلَايَاتُهُ وَآرَاؤُهُ وَاجْتِهَادَاتُهُ، وَأَفْعَالُهُ الدِّينِيَّةُ فَهُوَ دِينُهُ، وَلَا يَنْتَقِل شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِلْوَارِثِ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَرِثْ مُسْتَنَدَهُ وَأَصْلَهُ، وَانْتَقَل لِلْوَارِثِ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي الْبِيَاعَاتِ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
ثُمَّ قَال الْقَرَافِيُّ: إِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حُقُوقِ الأَْمْوَال - فِيمَا يُورَثُ - إِلَاّ صُورَتَانِ فِيمَا عَلِمْتُ: حَدُّ الْقَذْفِ وَقِصَاصُ الأَْطْرَافِ وَالْجُرْحِ وَالْمَنَافِعِ فِي الأَْعْضَاءِ. فَإِنَّ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ تَنْتَقِلَانِ لِلْوَارِثِ، وَهُمَا لَيْسَتَا بِمَالٍ، لأَِجْل شِفَاءِ غَلِيل الْوَارِثِ بِمَا دَخَل عَلَى عِرْضِهِ مِنْ قَذْفِ مُوَرِّثِهِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا قِصَاصُ النَّفْسِ فَإِنَّهُ لَا يُورَثُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ قَبْل مَوْتِهِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً؛ لأَِنَّ اسْتِحْقَاقَهُ فَرْعُ زَهُوقِ النَّفْسِ، فَلَا يَقَعُ إِلَاّ لِلْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْرُوثِ (1) .
5 -
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْمُوَرِّثِ، وَيَجِبُ لَهُ بِمَوْتِهِ، كَالدِّيَةِ وَالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ فَلِلْوَرَثَةِ اسْتِيفَاؤُهُ.
وَمَا كَانَ وَاجِبًا لِلْمُوَرِّثِ فِي حَيَاتِهِ إِنْ كَانَ قَدْ طَالَبَ بِهِ، أَوْ هُوَ فِي يَدِهِ ثَبَتَ لِلْوَرَثَةِ إِرْثُهُ، وَذَلِكَ
(1) الفروق 3 / 275 - 279، وبداية المجتهد 2 / 229 نشر مكتبة الكليات الأزهرية.
عَلَى تَفْصِيلٍ فِي الْمَذْهَبِ (1) .
6 -
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ التَّرِكَةَ هِيَ الْمَال فَقَطْ، وَيَدْخُل فِيهَا الدِّيَةُ الْوَاجِبَةُ بِالْقَتْل الْخَطَأِ، أَوْ بِالصُّلْحِ عَنْ عَمْدٍ، أَوْ بِانْقِلَابِ الْقِصَاصِ بِعَفْوِ بَعْضِ الأَْوْلِيَاءِ، فَتُعْتَبَرُ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ، حَتَّى تُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ وَتُخْرَجَ وَصَايَاهُ، وَيَرِثُ الْبَاقِيَ وَرَثَتُهُ.
وَلَا تَدْخُل الْحُقُوقُ فِي التَّرِكَةِ؛ لأَِنَّهَا لَيْسَتْ ثَابِتَةً بِالْحَدِيثِ، وَمَا لَمْ يَثْبُتْ لَا يَكُونُ دَلِيلاً. وَلأَِنَّ الْحُقُوقَ لَيْسَتْ أَمْوَالاً، وَلَا يُورَثُ مِنْهَا إِلَاّ مَا كَانَ تَابِعًا لِلْمَال أَوْ فِي مَعْنَى الْمَال، مِثْل حُقُوقِ الاِرْتِفَاقِ وَالتَّعَلِّي وَحَقِّ الْبَقَاءِ فِي الأَْرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ لِلْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ، أَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْحُقُوقِ فَلَا يُعْتَبَرُ تَرِكَةً، كَحَقِّ الْخِيَارِ فِي السِّلْعَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا الْمُوَرِّثُ وَكَانَ لَهُ فِيهَا حَقُّ الْخِيَارِ - كَمَا سَبَقَ - وَحَقُّ الاِنْتِفَاعِ بِمَا أُوصِيَ لَهُ بِهِ، وَمَاتَ قَبْل مُضِيِّ الْمُدَّةِ الَّتِي حَدَّدَهَا الْمُوصِي (2) .
قَال ابْنُ رُشْدٍ: وَعُمْدَةُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ (وَالْحَنَابِلَةِ أَيْضًا) أَنَّ الأَْصْل هُوَ أَنْ تُورَثَ الْحُقُوقُ وَالأَْمْوَال، إِلَاّ مَا قَامَ دَلِيلٌ عَلَى مُفَارَقَةِ الْحَقِّ فِي هَذَا الْمَعْنَى لِلْمَال.
وَعُمْدَةُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الأَْصْل هُوَ أَنْ يُورَثَ الْمَال
(1) القواعد لابن رجب ص 315 وما بعدها.
(2)
ابن عابدين 5 / 483، وحاشية الفناري على شرح السراجية ص 13، والبدائع 7 / 386، وتبيين الحقائق 5 / 257 - 258.