الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَذَا يَدُل عَلَى أَنَّ الْحَالَاتِ الْمَذْكُورَةَ لَيْسَتْ حَصْرًا لِلْحَالَاتِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا التَّسْعِيرُ، بَل كُلَّمَا كَانَتْ حَاجَةُ النَّاسِ لَا تَنْدَفِعُ إِلَاّ بِالتَّسْعِيرِ، وَلَا تَتَحَقَّقُ مَصْلَحَتُهُمْ إِلَاّ بِهِ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْحَاكِمِ حَقًّا لِلْعَامَّةِ، مِثْل وُجُوبِ التَّسْعِيرِ عَلَى الْوَالِي عَامَ الْغَلَاءِ كَمَا قَال بِهِ مَالِكٌ، وَهُوَ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا. (1)
الصِّفَةُ الْوَاجِبُ تَوَافُرُهَا فِي التَّسْعِيرِ:
16 -
إِنَّ الْمُتَتَبِّعَ لِلنُّصُوصِ الْفِقْهِيَّةِ وَآرَاءِ الْفُقَهَاءِ يَجِدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِفَرْضِ التَّسْعِيرِ مِنْ تَحَقُّقِ صِفَةِ الْعَدْل؛ إِذْ لَا يَكُونُ التَّسْعِيرُ مُحَقِّقًا لِلْمَصْلَحَةِ إِلَاّ إِذَا كَانَتْ فِيهِ الْمَصْلَحَةُ لِلْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ، وَلَا يَمْنَعُ الْبَائِعَ رِبْحًا، وَلَا يُسَوِّغُ لَهُ مِنْهُ مَا يَضُرُّ بِالنَّاسِ (2) .
وَلِهَذَا اشْتَرَطَ مَالِكٌ عِنْدَمَا رَأَى التَّسْعِيرَ عَلَى الْجَزَّارِينَ أَنْ يَكُونَ التَّسْعِيرُ مَنْسُوبًا إِلَى قَدْرِ شِرَائِهِمْ، أَيْ أَنْ تُرَاعَى فِيهِ ظُرُوفُ شِرَاءِ الذَّبَائِحِ، وَنَفَقَةُ الْجِزَارَةِ، وَإِلَاّ فَإِنَّهُ يُخْشَى أَنْ يُقْلِعُوا عَنْ تِجَارَتِهِمْ، وَيَقُومُوا مِنَ السُّوقِ.
وَهَذَا مَا أَعْرَبَ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ مِنْ أَنَّ التَّسْعِيرَ بِمَا لَا رِبْحَ فِيهِ لِلتُّجَّارِ
(1) ابن عابدين 5 / 256، والزيلعي 6 / 28، والأحكام السلطانية للماوردي ص 256 ط مصطفى البابي الحلبي، ونيل الأوطار 5 / 220.
(2)
المنتقى شرح الموطأ 5 / 19، ومواهب الجليل 4 / 380.
يُؤَدِّي إِلَى فَسَادِ الأَْسْعَارِ، وَإِخْفَاءِ الأَْقْوَاتِ وَإِتْلَافِ أَمْوَال النَّاسِ (1) .
كَيْفِيَّةُ التَّسْعِيرِ:
17 -
تَعَرَّضَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ التَّسْعِيرِ لِبَيَانِ كَيْفِيَّةِ تَعْيِينِ الأَْسْعَارِ، وَقَالُوا: يَنْبَغِي لِلإِْمَامِ أَنْ يَجْمَعَ وُجُوهَ أَهْل سُوقِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَيُحْضِرَ غَيْرَهُمُ اسْتِظْهَارًا عَلَى صِدْقِهِمْ، وَأَنْ يُسَعِّرَ بِمَشُورَةِ أَهْل الرَّأْيِ وَالْبَصِيرَةِ، فَيَسْأَلَهُمْ كَيْفَ يَشْتَرُونَ وَكَيْفَ يَبِيعُونَ؟ فَيُنَازِلُهُمْ إِلَى مَا فِيهِ لَهُمْ وَلِلْعَامَّةِ سَدَادٌ حَتَّى يَرْضَوْا بِهِ. (2)
قَال أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ: وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ بِهَذَا يُتَوَصَّل إِلَى مَعْرِفَةِ مَصَالِحِ الْبَاعَةِ وَالْمُشْتَرِينَ، وَيَجْعَل لِلْبَاعَةِ فِي ذَلِكَ مِنَ الرِّبْحِ مَا يَقُومُ بِهِمْ، وَلَا يَكُونُ فِيهِ إِجْحَافٌ بِالنَّاسِ (3) .
وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنْ يَقُول لَهُمْ: لَا تَبِيعُوا إِلَاّ بِكَذَا رَبِحْتُمْ أَوْ خَسِرْتُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْظَرَ إِلَى مَا يَشْتَرُونَ بِهِ. وَكَذَلِكَ لَا يَقُول لَهُمْ: لَا تَبِيعُوا إِلَاّ بِمِثْل الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَيْتُمْ بِهِ (4) .
(1) المنتقى شرح الموطأ 5 / 19.
(2)
ابن عابدين 5 / 256، والاختيار 4 / 161، والهداية 4 / 93، وكشف الحقائق 2 / 237، والفتاوى الهندية 3 / 214، والمنتقى للباجي 5 / 18، والمواق بهامش الحطاب 4 / 380.
(3)
المنتقى 5 / 19.
(4)
الطرق الحكمية ص 255.