الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ أَوَّلاً، يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ نَوْعِ الْبَدَلَيْنِ، وَهُوَ كَالآْتِي: إِنْ كَانَ الْبَيْعُ بَيْعَ عَيْنٍ بِعَيْنٍ، وَاخْتَلَفَا فِيمَنْ يُسَلِّمُ أَوَّلاً، يَجِبُ عَلَى الْعَاقِدَيْنِ التَّسْلِيمُ مَعًا تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ فِي الْمُعَاوَضَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْمُسَاوَاةِ عَادَةً الْمَطْلُوبَةِ بَيْنَ الْعَاقِدَيْنِ؛ إِذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِالتَّقْدِيمِ أَوْلَى مِنَ الآْخَرِ، فَيُجْعَل بَيْنَهُمَا عَدْلٌ يَقْبِضُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَيُسَلِّمُ الآْخَرَ.
وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ إِنْ تَبَايَعَا دَيْنًا بِدَيْنٍ، كَمَا فِي عَقْدِ الصَّرْفِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَأَحَدِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيَّةِ. (1)
وَإِنْ كَانَ بَيْعَ عَيْنٍ بِدَيْنٍ، فَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الْقَوْل الثَّانِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (2) تَسْلِيمُ الثَّمَنِ - أَيِ الدَّيْنِ أَوَّلاً - وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: وُجُوبُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ أَوَّلاً، وَاسْتَثْنَى الْجَمِيعُ مِنْ ذَلِكَ أَمْرَيْنِ:(3)
أَوَّلُهُمَا: الْمُسْلَمُ فِيهِ لأَِنَّهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ. وَالثَّانِي: الثَّمَنُ الْمُؤَجَّل، فَإِنْ كَانَ عَيْنًا أَوْ
(1) الدر المختار 4 / 42، وحاشية الدسوقي 3 / 147، والمغني مع الشرح الكبير 4 / 270.
(2)
البدائع 5 / 243، وابن عابدين 4 / 42، 43، والمبسوط للسرخسي 13 / 292، والقوانين الفقهية لابن جزي ص 164.
(3)
نهاية المحتاج 4 / 100، 101، ومغني المحتاج 2 / 74، والدر المختار 4 / 43، والمغني مع الشرح الكبير 4 / 270 ط المنار بمصر.
عَرَضًا بِعَرَضٍ جُعِل بَيْنَهُمَا عَدْلٌ - عِنْدَ الْجُمْهُورِ -، فَيَقْبِضُ مِنْهُمَا، ثُمَّ يُسَلِّمُ إِلَيْهِمَا، وَهَذَا قَوْل الثَّوْرِيِّ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، لأَِنَّ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ يَتَعَلَّقُ بِهِ اسْتِقْرَارُ الْبَيْعِ وَتَمَامُهُ، فَكَانَ تَقْدِيمُهُ أَوْلَى، سِيَّمَا مَعَ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِعَيْنِهِ، وَتَعَلُّقِ حَقِّ الْبَائِعِ بِالذِّمَّةِ، وَتَقْدِيمُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ أَوْلَى لِتَأَكُّدِهِ. وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُمَا يُسَلَّمَانِ مَعًا. (1)
ب -
تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ
6 -
تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ حَرَامٌ؛ لأَِنَّ " عَقْدَ الرِّبَا حَرَامٌ. (2)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (رِبًا) .
ج -
التَّسْلِيمُ فِي السَّلَمِ:
7 -
اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ فِي السَّلَمِ إِنْ كَانَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ - سَوَاءٌ أَكَانَ عَيْنًا (سِلْعَةً مُعَيَّنَةً) أَمْ نُقُودًا - فَلَا بُدَّ مِنْ
(1) الدسوقي 3 / 147، والمغني والشرح الكبير 4 / 270، والدر المختار 4 / 42.
(2)
البدائع 5 / 183، وابن عابدين 4 / 184، والمبسوط للسرخسي 12 / 109، 112 ط دار المعرفة - بيروت لبنان، وفتح القدير 6 / 146 وما بعدها، والموافقات للشاطبي 4 / 42 ط المكتبة التجارية بمصر، وحاشية الدسوقي 3 / 47 وما بعدها، ومغني المحتاج 2 / 21 وما بعدها، والمغني لابن قدامة 4 / 1 ط الرياض.
تَسْلِيمِهِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ قَبْل التَّفَرُّقِ، وَلَوْ طَال الْمَجْلِسُ. وَإِذَا قَامَا مِنَ الْمَجْلِسِ يَمْشِيَانِ، ثُمَّ قَبَضَ الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ رَأْسَ السَّلَمِ بَعْدَ مَسَافَةٍ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ إِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا. وَكَذَا إِذَا تَعَاقَدَا ثُمَّ قَامَ رَبُّ السَّلَمِ - الْمُشْتَرِي - لِيُحْضِرَ الثَّمَنَ مِنْ دَارِهِ، فَإِنْ لَمْ يَغِبْ شَخْصُهُ عَنِ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ - الْبَائِعِ - يَصِحُّ وَإِلَاّ فَلَا؛ لأَِنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ، فَلَوْ أُخِّرَ تَسْلِيمُ رَأْسِ مَال السَّلَمِ عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ لَكَانَ التَّسْلِيمُ فِي مَعْنَى مُبَادَلَةِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَقَدْ نَهَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ (1) وَلأَِنَّ تَسْمِيَةَ هَذَا الْعَقْدِ دَلِيلٌ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ، فَإِنَّهُ يُسَمَّى سَلَمًا وَسَلَفًا، وَالسَّلَمُ يُنْبِئُ عَنِ التَّسْلِيمِ، وَالسَّلَفُ يُنْبِئُ عَنِ التَّقَدُّمِ، فَيَقْتَضِي لُزُومَ تَقْدِيمِ رَأْسِ الْمَال، وَيُقَدَّمُ قَبْضُهُ عَلَى قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ؛ وَلأَِنَّ فِي السَّلَمِ غَرَرًا - أَيْ تَعْرِيضًا لِلْهَلَاكِ أَوْ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ - فَلَا يُضَمُّ إِلَيْهِ غَرَرُ تَأْخِيرِ رَأْسِ الْمَال.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يَقُومُ مَقَامَ الْقَبْضِ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ، كَمَا إِذَا كَانَ عِنْدَ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ أَمَانَةٌ أَوْ عَيْنٌ مَغْصُوبَةٌ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَجْعَلَهَا صَاحِبُ السَّلَمِ رَأْسَ مَالٍ مَا دَامَتْ مِلْكًا لَهُ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْقَبْضِ.
(1) حديث: " نهى عن بيع الكالئ بالكالئ " أخرجه الدارقطني (3 / 71 - ط دار المحاسن) وأعله الشافعي كما في التلخيص (3 / 26 - ط شركة الطباعة الفنية) .
وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ أَنْ يَكُونَ قَبْضُ رَأْسِ الْمَال فِي الْمَجْلِسِ قَبْضًا حَقِيقِيًّا، فَلَا تَنْفَعُ فِيهِ الْحَوَالَةُ، وَلَوْ قَبَضَهُ مِنَ الْمُحَال عَلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ، لأَِنَّ الْمُحَال عَلَيْهِ مَا دَفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ إِلَاّ إِذَا قَبَضَهُ رَبُّ السَّلَمِ وَسَلَّمَهُ بِنَفْسِهِ لِلْمُسْلَمِ إِلَيْهِ. (1)
وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ اشْتِرَاطُ قَبْضِ رَأْسِ الْمَال كُلِّهِ، وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ قَبْضِهِ إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَأَقَل، وَلَوْ بِشَرْطٍ فِي الْعَقْدِ سَوَاءٌ أَكَانَ رَأْسُ الْمَال عَيْنًا أَوْ دَيْنًا؛ لأَِنَّ السَّلَمَ مُعَاوَضَةٌ لَا يَخْرُجُ بِتَأْخِيرِ قَبْضِ رَأْسِ الْمَال عَنْ أَنْ يَكُونَ سَلَمًا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَأَخَّرَ إِلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ، وَكُل مَا قَارَبَ الشَّيْءَ يُعْطَى حُكْمَهُ، وَلَا يَكُونُ لَهُ بِذَلِكَ حُكْمُ الْكَالِئِ، فَإِنْ أَخَّرَ رَأْسَ الْمَال عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ: فَإِنْ كَانَ التَّأْخِيرُ بِشَرْطٍ فَسَدَ السَّلَمُ اتِّفَاقًا، سَوَاءٌ أَكَانَ التَّأْخِيرُ كَثِيرًا جِدًّا، بِأَنْ حَل أَجَل الْمُسْلَمِ فِيهِ، أَوْ لَمْ يَكْثُرْ جِدًّا بِأَنْ لَمْ يَحِل أَجَلُهُ. وَإِنْ كَانَ التَّأْخِيرُ بِلَا شَرْطٍ فَقَوْلَانِ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْكُبْرَى لِمَالِكٍ بِفَسَادِ السَّلَمِ وَعَدَمِ فَسَادِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ التَّأْخِيرُ كَثِيرًا جِدًّا أَمْ لَا. وَالْمُعْتَمَدُ الْفَسَادُ بِالزِّيَادَةِ عَنِ الثَّلَاثَةِ
(1) البدائع 5 / 202 - 203 - الطبعة الأولى، ورد المحتار على الدر المختار 4 / 208 ط بيروت - لبنان، ومغني المحتاج 2 / 102 - 103، والمهذب 1 / 304، 307، والمغني لابن قدامة 4 / 328، وكشاف القناع 3 / 304 ط الرياض، وغاية المنتهى 2 / 79.