الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَال الْقُرْطُبِيُّ: الزِّينَةُ الْمُكْتَسَبَةُ مَا تُحَاوِل الْمَرْأَةُ أَنْ تُحَسِّنَ نَفْسَهَا بِهِ، كَالثِّيَابِ وَالْحُلِيِّ وَالْكُحْل وَالْخِضَابِ (1)، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى:{خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُل مَسْجِدٍ} (2)
أَمَّا كُلٌّ مِنَ التَّحَسُّنِ وَالتَّجَمُّل فَيَكُونُ بِزِيَادَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِالأَْصْل أَوْ نُقْصَانٍ فِيهِ، كَمَا تُفِيدُهُ الآْيَةُ الْكَرِيمَةُ:{وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} (3) .
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
5 -
الأَْصْل فِي التَّزَيُّنِ: الاِسْتِحْبَابُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُل مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} (4) وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم مَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ نِعْمَةً، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ (5) .
فَفِي هَذِهِ الآْيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ لُبْسِ الرَّفِيعِ مِنَ الثِّيَابِ، وَالتَّجَمُّل بِهَا فِي الْجُمَعِ وَالأَْعْيَادِ وَعِنْدَ لِقَاءِ النَّاسِ وَزِيَارَةِ الإِْخْوَانِ. قَال أَبُو الْعَالِيَةِ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا تَزَاوَرُوا تَجَمَّلُوا.
وَقَدْ رَوَى مَكْحُولٌ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها
(1) تفسير القرطبي 12 / 229، وانظر تفسير ابن كثير 2 / 210، 3 / 304.
(2)
سورة الأعراف / 31.
(3)
سورة غافر / 64.
(4)
سورة الأعراف / 32.
(5)
حديث: " من أنعم الله عليه نعمة. . . " أخرجه أحمد (4 / 438 - ط الميمنية) وقال الهيثمي: رجاله ثقات (المجمع 5 / 132 - ط القدسي) .
قَالَتْ: كَانَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْتَظِرُونَهُ عَلَى الْبَابِ، فَخَرَجَ يُرِيدُهُمْ، وَفِي الدَّارِ رَكْوَةٌ فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَل يَنْظُرُ فِي الْمَاءِ وَيُسَوِّي لِحْيَتَهُ وَشَعْرَهُ. فَقُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ. وَأَنْتَ تَفْعَل هَذَا؟ قَال: نَعَمْ، إِذَا خَرَجَ الرَّجُل إِلَى إِخْوَانِهِ فَلْيُهَيِّئْ مِنْ نَفْسِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَال (1) وَالأَْحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ تَدُل كُلُّهَا عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّزَيُّنِ وَتَحْسِينِ الْهَيْئَةِ (2) .
6 -
وَيَنْبَغِي أَلَاّ يُقْصَدَ بِالتَّزَيُّنِ التَّكَبُّرُ وَلَا الْخُيَلَاءُ؛ لأَِنَّ قَصْدَ ذَلِكَ حَرَامٌ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ فِي حَاشِيَتِهِ مَا نَصُّهُ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ قَصْدِ الْجَمَال وَقَصْدِ الزِّينَةِ، فَالْقَصْدُ الأَْوَّل: لِدَفْعِ الشَّيْنِ وَإِقَامَةِ مَا بِهِ الْوَقَارُ وَإِظْهَارُ النِّعْمَةِ، شُكْرًا لَا فَخْرًا، وَهُوَ أَثَرُ أَدَبِ النَّفْسِ وَشَهَامَتِهَا.
وَأَمَّا الثَّانِي: وَهُوَ قَصْدُ الزِّينَةِ أَثَرُ ضَعْفِهَا، وَقَالُوا بِالْخِضَابِ وَرَدَتِ السُّنَّةُ وَلَمْ يَكُنْ لِقَصْدِ الزِّينَةِ. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إِنْ حَصَلَتْ زِينَةٌ فَقَدْ حَصَلَتْ فِي ضِمْنِ قَصْدٍ مَطْلُوبٍ فَلَا يَضُرُّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُلْتَفِتًا إِلَيْهِ. وَلِهَذَا قَال فِي الْوَلْوَالِجِيَّةِ: لُبْسُ
(1) حديث: " إذا خرج الرجل إلى إخوانه. . . " أخرجه السمعاني في أدب الإملاء والاستملاء (ص 32 - ط ليدن) وفي إسناده انقطاع بين مكحول وعائشة.
(2)
حاشية ابن عابدين 5 / 481، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 7 / 195 - 198.