الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ فِي الْقَسْمِ:
8 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْقَسْمَ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ وَاجِبٌ عَلَى الرَّجُل وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا، لأَِنَّ مِنْ مَقَاصِدِ الْقَسْمِ الأُْنْسَ، وَهُوَ حَاصِلٌ مِمَّنْ لَا يَطَأُ. فَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا كَانَ فِي مَرَضِهِ جَعَل يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ، وَيَقُول: أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ (1) .
وَيَقْسِمُ لِلْمَرِيضَةِ، وَالْحَائِضِ، وَالنُّفَسَاءِ، وَالرَّتْقَاءِ، وَالْقَرْنَاءِ، وَالْمُحْرِمَةِ، وَمَنْ آلَى مِنْهَا أَوْ ظَاهَرَ، وَالشَّابَّةِ، وَالْعَجُوزِ، وَالْقَدِيمَةِ، وَالْحَدِيثَةِ. (2)
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} (3) الآْيَةَ.
وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْدِل بَيْنَ نِسَائِهِ فِي الْقَسْمِ وَيَقُول: اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تُؤَاخِذُنِي فِيمَا تَمْلِكُ أَنْتَ وَلَا أَمْلِكُ. (4)
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(1) حديث: " أين أنا غدا " أخرجه البخاري (الفتح 8 / 144 ط السلفية) .
(2)
البدائع 2 / 332، وجواهر الإكليل 1 / 326، والمغني لابن قدامة 7 / 28، ومغني المحتاج 3 / 252.
(3)
سورة النساء / 3.
(4)
حديث: " كان يعدل بين نسائه في القسمة ويقول:. . . . " أخرجه أبو داود (2 / 600 ط عبيد الدعاس) والترمذي (3 / 437 ط مصطفى البابي) وهو مرسل كما قال الترمذي والبغوي في شرح السنة (9 / 151 ط المكتب الإسلامي) .
أَنَّهُ قَال: مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ، فَمَال إِلَى إِحْدَاهُمَا دُونَ الأُْخْرَى، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ. (1)
وَيُسَوِّي فِي الْقَسْمِ بَيْنَ الْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الدَّلَائِل مِنْ غَيْرِ فَضْلٍ، وَلأَِنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي سَبَبِ وُجُوبِ الْقَسْمِ وَهُوَ النِّكَاحُ، فَيَسْتَوِيَانِ فِي الْقَسْمِ. (2)
وَتَفْصِيل الْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَفِي بَدْءِ الْقَسْمِ، وَمَا يَخْتَصُّ بِهِ الْعَرُوسُ عِنْدَ الدُّخُول وَغَيْرِ ذَلِكَ، يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى مُصْطَلَحِ (الْقَسْمُ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ) .
التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ فِي التَّقَاضِي:
9 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ عَلَى الْقَاضِي الْعَدْل بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي كُل شَيْءٍ مِنَ الْمَجْلِسِ، وَالْخِطَابِ، وَاللَّحْظِ، وَاللَّفْظِ، وَالإِْشَارَةِ، وَالإِْقْبَال، وَالدُّخُول عَلَيْهِ، وَالإِْنْصَاتِ إِلَيْهِمَا، وَالاِسْتِمَاعِ مِنْهُمَا، وَالْقِيَامِ لَهُمَا، وَرَدِّ التَّحِيَّةِ عَلَيْهِمَا، وَطَلَاقَةِ الْوَجْهِ لَهُمَا؛ لِلأَْحَادِيثِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي ثَبَتَتْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ مِنْهَا:
(1) حديث: " من كان له امرأتان فمال إلى. . . . " أخرجه أبو داود (2 / 600 ط عبيد الدعاس) والترمذي (3 / 438 ط مصطفى البابي) وصحح ابن حجر إسناده (التلخيص الحبير 3 / 201 ط شركة الطباعة الفنية) .
(2)
البدائع 2 / 332، وجواهر الإكليل 1 / 327، ومغني المحتاج 3 / 254، والمغني لابن قدامة 7 / 35.
قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: مَنِ ابْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلْيَعْدِل بَيْنَهُمْ فِي لَفْظِهِ وَإِشَارَتِهِ وَمَقْعَدِهِ، وَلَا يَرْفَعْ صَوْتَهُ عَلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ مَا لَا يَرْفَعُهُ عَلَى الآْخَرِ وَفِي رِوَايَةٍ: فَلْيُسَوِّ بَيْنَهُمْ فِي النَّظَرِ وَالْمَجْلِسِ وَالإِْشَارَةِ (1)
وَكَتَبَ عُمَرُ رضي الله عنه إِلَى أَبِي مُوسَى الأَْشْعَرِيِّ رضي الله عنه أَنْ آسِ بَيْنَ النَّاسِ فِي وَجْهِكَ وَعَدْلِكَ وَمَجْلِسِكَ، حَتَّى لَا يَطْمَعَ شَرِيفٌ فِي حَيْفِكَ، وَلَا يَيْأَسَ ضَعِيفٌ مِنْ عَدْلِكَ.
وَلأَِنَّ مُخَالَفَةَ ذَلِكَ يُوهِمُ الْخَصْمَ الآْخَرَ مَيْل الْقَاضِي إِلَى خَصْمِهِ، فَيُضْعِفُهُ ذَلِكَ عَنِ الْقِيَامِ بِحُجَّتِهِ، وَلَا يُسَارُّ أَحَدَهُمَا دُونَ الآْخَرِ، وَلَا يُلَقِّنُهُ حُجَّتَهُ، وَلَا يَضْحَكُ فِي وَجْهِهِ؛ لأَِنَّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مُخَالَفَةً لِلْمُسَاوَاةِ الْمَطْلُوبَةِ.
وَيَشْمَل هَذَا الشَّرِيفَ وَالْوَضِيعَ وَالأَْبَ وَالاِبْنَ، وَالصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالرَّجُل وَالْمَرْأَةَ (2)
(1) حديث: " من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليعدل. . . " أخرجه البيهقي (10 / 135 ط دار المعرفة) والدارقطني (4 / 502 ط المدني) . وقال البيهقي: إسناده فيه ضعف (10 / 135 ط دار المعرفة) . ولفظ الرواية الأخرى قال الهيثمي (مجمع الزوائد 4 / 197) : رواه أبو يعلى والطبراني في الكبير باختصار، وفيه عماد بن كثير الثقفي وهو ضعيف.
(2)
فتح القدير 6 / 373، والقوانين الفقهية ص 300، مغني المحتاج 4 / 400، وروضة الطالبين 11 / 161، والمغني لابن قدامة 9 / 80، وحاشية الطحطاوي على الدر 3 / 184.
كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى تَقْدِيمِ الأَْوَّل فَالأَْوَّل، إِذَا حَضَرَ الْقَاضِي خُصُومٌ وَازْدَحَمُوا؛ لأَِنَّ الْحَقَّ لِلسَّابِقِ، فَإِنْ جَهِل الأَْسْبَقَ مِنْهُمْ، أَوْ جَاءُوا مَعًا أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، وَقَدَّمَ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ؛ إِذْ لَا مُرَجِّحَ إِلَاّ بِهَا. فَإِنْ حَضَرَ مُسَافِرُونَ وَمُقِيمُونَ: فَإِنْ كَانَ الْمُسَافِرُونَ قَلِيلاً، بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ تَقْدِيمُهُمْ عَلَى الْمُقِيمِينَ قَدَّمَهُمْ؛ لأَِنَّهُمْ عَلَى جَنَاحِ السَّفَرِ؛ وَلِئَلَاّ يَتَضَرَّرُوا بِالتَّخَلُّفِ. وَكَذَلِكَ النِّسْوَةُ يُقَدَّمْنَ عَلَى الرِّجَال طَلَبًا لِسَتْرِهِنَّ مَا لَمْ يَكْثُرْ عَدَدُهُنَّ أَيْضًا.
10 -
وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ تَسْوِيَةِ الْمُسْلِمِ مَعَ خَصْمِهِ الْكَافِرِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِلَى وُجُوبِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا فِي كُل الأُْمُورِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا؛ لأَِنَّ تَفْضِيل الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ وَرَفْعَهُ عَلَيْهِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ كَسْرٌ لِقَلْبِهِ، وَتَرْكٌ لِلْعَدْل الْوَاجِبِ التَّطْبِيقِ بَيْنَ النَّاسِ جَمِيعًا.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ، وَالْحَنَابِلَةُ: إِلَى جَوَازِ رَفْعِ الْمُسْلِمِ عَلَى خَصْمِهِ الْكَافِرِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه مِنْ أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى السُّوقِ، فَوَجَدَ دِرْعَهُ مَعَ يَهُودِيٍّ، فَعَرَفَهَا فَقَال: دِرْعِي سَقَطَتْ وَقْتَ كَذَا فَقَال الْيَهُودِيُّ: دِرْعِي وَفِي يَدَيَّ بَيْنِي وَبَيْنَكَ قَاضِي الْمُسْلِمِينَ. فَارْتَفَعَا إِلَى شُرَيْحٍ رضي الله عنه، فَلَمَّا رَآهُ شُرَيْحٌ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ، وَأَجْلَسَهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَجَلَسَ مَعَ الْيَهُودِيِّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَال