الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السُّبْكِيُّ: أَنَّ مَحَل الْعَمَل بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ مَا لَمْ يَشْتَدَّ ضَعْفُهُ (1) .
ب -
التَّرَحُّمُ فِي التَّسْلِيمِ مِنَ الصَّلَاةِ:
6 -
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الأَْكْمَل فِي التَّسْلِيمِ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَقُول: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ (2) وَغَيْرِهِمَا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ (3) .
فَإِنْ قَال: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ - وَلَمْ يَزِدْ - يُجْزِئُهُ؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: تَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ (4) وَالتَّحْلِيل يَحْصُل بِهَذَا الْقَوْل، وَلأَِنَّ ذِكْرَ الرَّحْمَةِ تَكْرِيرٌ لِلثَّنَاءِ فَلَمْ يَجِبْ، كَقَوْلِهِ: وَبَرَكَاتُهُ. وَقَال ابْنُ عَقِيلٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ - وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ - الأَْصَحُّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ الاِقْتِصَارُ عَلَى: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، لأَِنَّ الصَّحِيحَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ
(1) ابن عابدين 1 / 344، والأذكار ص 107، والفتوحات الربانية 3 / 227 وما بعدها.
(2)
حديث ابن مسعود أخرجه الترمذي (2 / 89 ط الحلبي) وقال: حسن صحيح، وحديث جابر بن سمرة أخرجه مسلم (1 / 322 - ط الحلبي) .
(3)
ابن عابدين 1 / 353، والاختيار 1 / 54، وروضة الطالبين 1 / 568، والمغني 1 / 554، وكشاف القناع 1 / 361.
(4)
حديث: " تحليلها التسليم. . . " أخرجه الترمذي (1 / 9 - ط الحلبي) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد حسنه النووي في الخلاصة كما في نصب الراية (1 / 307 ط المجلس العلمي بالهند) .
يَقُول: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ (1) ، وَلأَِنَّ السَّلَامَ فِي الصَّلَاةِ وَرَدَ مَقْرُونًا بِالرَّحْمَةِ، فَلَمْ يَجُزْ بِدُونِهَا، كَالتَّسْلِيمِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي التَّشَهُّدِ.
قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: وَالأَْوْلَى تَرْكُ " وَبَرَكَاتُهُ " كَمَا فِي أَكْثَرِ الأَْحَادِيثِ.
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ: بِأَنَّ زِيَادَةَ " وَرَحْمَةُ اللَّهِ " لَا يَضُرُّ؛ لأَِنَّهَا خَارِجَةٌ عَنِ الصَّلَاةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَهْل الْمَذْهَبِ أَنَّهَا غَيْرُ سُنَّةٍ، وَإِنْ ثَبَتَ بِهَا الْحَدِيثُ؛ لأَِنَّهَا لَمْ يَصْحَبْهَا عَمَل أَهْل الْمَدِينَةِ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الأَْوْلَى الاِقْتِصَارُ عَلَى: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَأَنَّ زِيَادَةَ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ هُنَا خِلَافُ الأَْوْلَى (2) .
ج -
التَّرَحُّمُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَارِجَ الصَّلَاةِ:
7 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ التَّرَحُّمِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَارِجَ الصَّلَاةِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى الْمَنْعِ مُطْلَقًا وَوَجَّهَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: بِأَنَّ الرَّحْمَةَ إِنَّمَا تَكُونُ غَالِبًا عَنْ فِعْلٍ يُلَامُ عَلَيْهِ، وَنَحْنُ أُمِرْنَا بِتَعْظِيمِهِ، وَلَيْسَ فِي التَّرَحُّمِ مَا يَدُل عَلَى التَّعْظِيمِ، مِثْل الصَّلَاةِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ أَنْ يُدْعَى بِهَا
(1) الحديث الذي فيه زيادة وبركاته: أخرجه أبو داود (1 / 607 - ط عزت عبيد دعاس) من حديث وائل بن حجر وصححه النووي في المجموع (3 / 479 ط السلفية) .
(2)
حاشية الدسوقي 1 / 241 ط دار الفكر.
لِغَيْرِ الأَْنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ عليهم السلام. أَمَّا هُوَ صلى الله عليه وسلم فَمَرْحُومٌ قَطْعًا، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ تَحْصِيل الْحَاصِل، وَقَدِ اسْتَغْنَيْنَا عَنْ هَذِهِ بِالصَّلَاةِ، فَلَا حَاجَةَ إِلَيْهَا؛ وَلأَِنَّهُ يُجَل مَقَامُهُ عَنِ الدُّعَاءِ بِهَا.
قَال ابْنُ دِحْيَةَ: يَنْبَغِي لِمَنْ ذَكَرَهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُول بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} (1)
وَنُقِل مِثْلُهُ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَالصَّيْدَلَانِيِّ، كَمَا حَكَاهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ.
وَصَرَّحَ أَبُو زُرْعَةَ ابْنُ الْحَافِظِ الْعِرَاقِيُّ فِي فَتَاوَاهُ، بِأَنَّ الْمَنْعَ أَرْجَحُ لِضَعْفِ الأَْحَادِيثِ الَّتِي اسْتَنَدَ إِلَيْهَا، فَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: حُرْمَتُهُ مُطْلَقًا (2) .
وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا: أَيْ وَلَوْ بِدُونِ انْضِمَامِ صَلَاةٍ أَوْ سَلَامٍ.
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْل الأَْعْرَابِيِّ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَهُوَ قَوْلُهُ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي، وَارْحَمْ مُحَمَّدًا، وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا لِتَقْرِيرِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَوْلِهِ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَارْحَمْ مُحَمَّدًا، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ سِوَى قَوْلِهِ: وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا (3) .
(1) سورة النور / 63.
(2)
ابن عابدين 5 / 480، والطحطاوي على الدر، 1 / 266، والقليوبي 3 / 175، ونهاية المحتاج 1 / 21، 22، 531.
(3)
حديث: " تقرير النبي صلى الله عليه وسلم الأعرابي. . . " أخرجه البخاري (الفتح 10 / 438 - ط السلفية) .
وَقَال السَّرَخْسِيُّ: لَا بَأْسَ بِالتَّرَحُّمِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لأَِنَّ الأَْثَرَ وَرَدَ بِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم؛ وَلأَِنَّ أَحَدًا وَإِنْ جَل قَدْرُهُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ (1) .
كَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: لَنْ يُدْخِل أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ، قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُول اللَّهِ؟ قَال: وَلَا أَنَا إِلَاّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ (2) .
وَلأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ مِنْ أَشْوَقِ الْعُبَّادِ إِلَى مَزِيدِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَعْنَاهَا مَعْنَى الصَّلَاةِ، فَلَمْ يُوجَدْ مَا يَمْنَعُ ذَلِكَ.
وَلَا يُنَافِي الدُّعَاءَ لَهُ بِالرَّحْمَةِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام عَيَّنَ الرَّحْمَةَ بِنَصٍّ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (3) لأَِنَّ حُصُول ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ طَلَبَ الزِّيَادَةِ لَهُ؛ إِذْ فَضْل اللَّهِ لَا يَتَنَاهَى، وَالْكَامِل يَقْبَل الْكَمَال (4) .
وَفَصَّل بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَقَال بِالْحُرْمَةِ إِنْ
(1) ابن عابدين 1 / 345، والطحطاوي 1 / 226، ونهاية المحتاج 1 / 531.
(2)
حديث: " لن يدخل أحدا عمله الجنة. . . " أخرجه البخاري (الفتح 10 / 127 - ط السلفية) ومسلم (4 / 2170 ط الحلبي) .
(3)
سورة الأنبياء / 107.
(4)
ابن عابدين 5 / 480، والبدائع 1 / 213، والطحطاوي 1 / 226، والفتوحات الربانية 3 / 329 وما بعدها.