الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَرُوِيَ مِثْل ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَتَادَةَ، وَهُوَ أَيْضًا قَوْل عَامَّةِ أَهْل التَّأْوِيل. (1)
الْمُقَارَنَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَشْهُرِ الْحَجِّ:
2 -
ذِكْرُ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَرَدَ فِي قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} . (2) وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ. فَقِيل: إِنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ كُلُّهُ، يُرِيدُونَ بِذَلِكَ أَنَّهُنَّ أَشْهُرُ الْحَجِّ، لَا أَشْهُرُ الْعُمْرَةِ، وَأَنَّ أَشْهُرَ الْعُمْرَةِ سِوَاهُنَّ مِنْ شُهُورِ السَّنَةِ. وَقِيل: يَعْنِي بِالأَْشْهُرِ الْمَعْلُومَاتِ شَوَّالاً وَذَا الْقَعْدَةِ وَعَشْرًا مِنْ ذِي الْحِجَّةِ.
وَقَدْ صَوَّبَ الطَّبَرِيُّ ذَلِكَ الْقَوْل، لأَِنَّ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ مِيقَاتِ الْحَجِّ، وَلَا عَمَل لِلْحَجِّ يُعْمَل بَعْدَ انْقِضَاءِ أَيَّامِ مِنًى (3)
وَعَلَى ذَلِكَ فَبَيْنَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَالأَْشْهُرِ الْحُرُمِ بَعْضُ التَّدَاخُل، إِذْ أَنَّ ذَا الْقَعْدَةِ وَعَشْرًا مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَالأَْشْهُرِ الْحُرُمِ، أَمَّا شَوَّالٌ فَهُوَ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَقَطْ، وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ مِنَ الأَْشْهُرِ الْحُرُمِ فَقَطْ.
فَضْل الأَْشْهُرِ الْحُرُمِ:
3 -
الأَْشْهُرُ الْحُرُمُ فَضَّلَهَا اللَّهُ عَلَى سَائِرِ شُهُورِ الْعَامِ، وَشَرَّفَهُنَّ عَلَى سَائِرِ الشُّهُورِ. فَخَصَّ الذَّنْبَ فِيهِنَّ بِالتَّعْظِيمِ، كَمَا خَصَّهُنَّ بِالتَّشْرِيفِ، وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} (4) قَال ابْنُ عَبَّاسٍ: خَصَّ اللَّهُ مِنْ شُهُورِ
(1) الطبري 10 / 88.
(2)
البقرة / 197.
(3)
الطبري 2 / 150.
(4)
البقرة / 238.
الْعَامِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَجَعَلَهُنَّ حُرُمًا، وَعَظَّمَ حُرُمَاتِهِنَّ، وَجَعَل الذَّنْبَ فِيهِنَّ وَالْعَمَل الصَّالِحَ وَالأَْجْرَ أَعْظَمَ، وَعَنْ قَتَادَةَ: الظُّلْمُ فِي الأَْشْهُرِ الْحُرُمِ أَعْظَمُ خَطِيئَةً وَوِزْرًا مِنَ الظُّلْمِ فِيمَا سِوَاهَا، وَإِنْ كَانَ الظُّلْمُ فِي كُل حَالٍ عَظِيمًا، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُعَظِّمُ مِنْ أَمْرِهِ مَا شَاءَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى اصْطَفَى صَفَايَا مِنْ خَلْقِهِ، اصْطَفَى مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً، وَمِنَ النَّاسِ رُسُلاً، وَاصْطَفَى مِنَ الْكَلَامِ ذِكْرَهُ، وَاصْطَفَى مِنَ الأَْرْضِ الْمَسَاجِدَ، وَاصْطَفَى مِنَ الشُّهُورِ رَمَضَانَ وَالأَْشْهُرَ الْحُرُمَ، وَاصْطَفَى مِنَ الأَْيَّامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَاصْطَفَى مِنَ اللَّيَالِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ. قَال قَتَادَةُ: فَعَظِّمُوا مَا عَظَّمَ اللَّهُ، فَإِنَّمَا تُعَظَّمُ الأُْمُورُ بِمَا عَظَّمَهَا اللَّهُ عِنْدَ أَهْل الْفَهْمِ وَأَهْل الْعَقْل (1) .
مَا تَخْتَصُّ بِهِ مِنَ الأَْحْكَامِ:
أ -
الْقِتَال فِي الأَْشْهُرِ الْحُرُمِ:
4 -
كَانَ الْقِتَال فِي الأَْشْهُرِ الْحُرُمِ مُحَرَّمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْل الإِْسْلَامِ، فَكَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تُعَظِّمُهُنَّ وَتُحَرِّمُ الْقِتَال فِيهِنَّ، حَتَّى لَوْ لَقِيَ الرَّجُل مِنْهُمْ فِيهِنَّ قَاتِل أَبِيهِ أَوْ أَخِيهِ تَرَكَهُ.
قَال النَّيْسَابُورِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} (2) ، أَيْ هُوَ الدِّينُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيل عليهما السلام، وَقَدْ تَوَارَثَتْهُ الْعَرَبُ مِنْهُمَا فَكَانُوا يُحَرِّمُونَ الْقِتَال فِيهَا. (3) ثُمَّ جَاءَ الإِْسْلَامُ يُؤَيِّدُ حُرْمَةَ الْقِتَال فِي الأَْشْهُرِ الْحُرُمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ
(1) الطبري 10 / 89.
(2)
سورة التوبة / 36.
(3)
النيسابوري بهامش الطبري 10 / 79.