الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ أَقَلَّهُ سَاعَةٌ (1) مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، لِبِنَاءِ النَّفْل عَلَى الْمُسَامَحَةِ، وَبِهِ يُفْتَى.
وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ. قَال فِي الإِْنْصَافِ: أَقَلُّهُ إِذَا كَانَ تَطَوُّعًا أَوْ نَذْرًا مُطْلَقًا مَا يُسَمَّى بِهِ مُعْتَكِفًا لَابِثًا. قَال فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ لَحْظَةً، وَالْمَذْهَبُ مَا تَقَدَّمَ.
وَالْمُسْتَحَبُّ عِنْدَهُمْ أَلَاّ يَنْقُصَ الاِعْتِكَافُ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ يَقُول: أَقَلُّهُ ذَلِكَ.
وَاخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي أَقَل الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ.
فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، سِوَى وَقْتِ خُرُوجِهِ لِمَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ لأَِجْلِهِ، مِنَ الْبَوْل وَالْغَائِطِ وَالْوُضُوءِ وَغُسْل الْجَنَابَةِ، وَالْمَقْصُودُ بِلَيْلَةِ الْيَوْمِ: اللَّيْلَةُ الَّتِي قَبْلَهُ.
وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ فَمَا فَوْقَهُ إِذَا كَانَ دُخُولُهُ فِي الاِعْتِكَافِ مَعَ الْفَجْرِ، بِاعْتِبَارِ أَنَّ أَوَّل الْيَوْمِ الْفَجْرُ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لَا يُقَدَّرُ اللُّبْثُ بِزَمَانٍ، بَل اشْتَرَطُوا فِي اللُّبْثِ أَنْ يَكُونَ قَدْرًا يُسَمَّى عُكُوفًا وَإِقَامَةً، وَلَوْ بِلَا سُكُونٍ بِحَيْثُ يَكُونُ زَمَنُهُ فَوْقَ زَمَنِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَنَحْوِهِ، فَيَكْفِي التَّرَدُّدُ فِيهِ لَا الْمُرُورُ بِلَا لُبْثٍ.
وَيُنْدَبُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ يَوْمًا، لأَِنَّهُ لَمْ يَرِدْ أَنَّ
(1) الساعة في عرف الفقهاء جزء من الزمن لا جزء من أربع وعشرين. ابن عابدين مع الدر المختار 2 / 444
النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اعْتَكَفَ أَقَل مِنْ يَوْمٍ (1) ، وَلَا أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ.
الصَّوْمُ فِي الاِعْتِكَافِ:
17 -
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الصَّوْمِ فِي الاِعْتِكَافِ، فَمِنْهُمْ مَنْ رَآهُ وَاجِبًا، وَمِنْهُمْ مَنِ اسْتَحَبَّهُ، إِلَاّ إِنْ نَذَرَهُ مَعَ الاِعْتِكَافِ فَيَجِبُ، وَفِيمَا يَلِي تَفْصِيل حُكْمِ الصَّوْمِ فِي الاِعْتِكَافِ غَيْرِ الْمَنْذُورِ فِيهِ الصَّوْمُ:
أ - الْقَوْل الأَْوَّل بِوُجُوبِ الصَّوْمِ مَعَ الاِعْتِكَافِ:
لَا يَصِحُّ الاِعْتِكَافُ إِلَاّ بِصَوْمٍ، وَبِهِ قَال أَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ، وَمِنْ مَشَايِخِ الْحَنَفِيَّةِ مَنِ اعْتَمَدَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ، وَبِهِ قَال ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَالزُّهْرِيُّ وَالأَْوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ، وَهُوَ قَوْلٌ قَدِيمٌ مَحْكِيٌّ عَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالُوا: لَا يَصِحُّ الاِعْتِكَافُ إِلَاّ بِصَوْمٍ.
قَال الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَهُوَ قَوْل جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.
وَالصَّوْمُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ رُكْنٌ لِلاِعْتِكَافِ كَالنِّيَّةِ وَغَيْرِهَا.
وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: لَا اعْتِكَافَ إِلَاّ بِصِيَامٍ (2)
(1) ابن عابدين 2 / 441 ط الحلبي، وبلغة السالك مع الحاشية 1 / 538 - 539، والدسوقي مع الشرح الكبير 2 / 541، وكفاية الطالب 1 / 354 - 355، والروضة 2 / 391، وحاشية الجمل 2 / 361 - 362، وكشاف القناع 2 / 347.
(2)
حديث: " لا اعتكاف إلا بصيام. . . " أخرجه الدارقطني والحاكم والبيهقي من حديث عائشة رضي الله عنها، وفيه سويد بن عبد العزيز. قال عنه البيهقي: سويد ضعيف لا يقبل ما تفرد به. وروي عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها موقوفا بلفظ: " من اعتكف فعليه الصيام ". ور (سنن الدارقطني 2 / 199 - 200 ط شركة الطباعة الفنية المتحدة، والسنن الكبرى للبيهقي 4 / 317 ط الهند، والمستدرك 1 / 440، وعون المعبود 2 / 310 - 311 ط الهند، ونيل الأوطار 4 / 267 ط المطبعة العثمانية) .