الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الْجُبْنَ الْمَصْنُوعَ مِنْ لَبَنِ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُول إِذَا عُقِدَ بِإِنْفَحَةِ الْمُذَكَّى ذَكَاةً شَرْعِيَّةً فَهُوَ طَاهِرٌ مَأْكُولٌ بِالاِتِّفَاقِ، وَإِنْ عُقِدَ بِإِنْفَحَةِ الْمَيْتَةِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ.
رَابِعًا - الْجَنِينُ:
86 -
جَنِينُ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُول إِنْ خَرَجَ مِنْ حَيٍّ أَوْ مَيْتَةٍ لَا يَحِل إِلَاّ إِنْ أُدْرِكَتْ ذَكَاتُهُ، فَذُكِّيَ ذَكَاةً شَرْعِيَّةً.
وَإِنْ خَرَجَ مِنْ مُذَكَّاةٍ ذَكَاةً شَرْعِيَّةً اخْتِيَارِيَّةً أَوِ اضْطِرَارِيَّةً فَهُنَاكَ حَالَتَانِ:
(الْحَالَةُ الأُْولَى) : أَنْ يَخْرُجَ قَبْل نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ، بِأَنْ يَكُونَ عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً أَوْ جَنِينًا غَيْرَ كَامِل الْخِلْقَةِ فَلَا يَحِل عِنْدَ الْجُمْهُورِ، لأَِنَّهُ مَيْتَةٌ، إِذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَوْتِ تَقَدُّمُ الْحَيَاةِ. قَال تَعَالَى:{وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} . (1) فَمَعْنَى قَوْلِهِ: (كُنْتُمْ أَمْوَاتًا) كُنْتُمْ مَخْلُوقِينَ بِلَا حَيَاةٍ، وَذَلِكَ قَبْل أَنْ تُنْفَخَ فِيهِمُ الرُّوحُ.
(الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) : أَنْ يَخْرُجَ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ بِأَنْ يَكُونَ جَنِينًا كَامِل الْخِلْقَةِ - أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِرْ - وَلِهَذِهِ الْحَالَةِ صُوَرٌ:
(الصُّورَةُ الأُْولَى) : أَنْ يَخْرُجَ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً فَتَجِبُ تَذْكِيَتُهُ، فَإِنْ مَاتَ قَبْل التَّذْكِيَةِ فَهُوَ مَيْتَةٌ اتِّفَاقًا.
(الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ) : أَنْ يَخْرُجَ حَيًّا حَيَاةَ مَذْبُوحٍ، فَإِنْ أَدْرَكْنَا ذَكَاتَهُ وَذَكَّيْنَاهُ حَل اتِّفَاقًا، وَإِنْ لَمْ يُذَكَّ حَل أَيْضًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، لأَِنَّ حَيَاةَ الْمَذْبُوحِ كَلَا حَيَاةٍ، فَكَأَنَّهُ مَاتَ بِتَذْكِيَةِ أُمِّهِ.
(1) سورة البقرة / 28.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ إِذَا خَرَجَ حَيًّا، وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا يَقْدِرُ عَلَى ذَبْحِهِ فَمَاتَ يُؤْكَل، وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِمَا: إِنَّ ذَكَاةَ الْجَنِينِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ إِنْ سَارَعْنَا إِلَيْهِ بِالذَّكَاةِ فَمَاتَ قَبْلَهَا حَل، لأَِنَّ حَيَاتَهُ حِينَئِذٍ كَلَا حَيَاةٍ، وَكَأَنَّهُ خَرَجَ مَيِّتًا بِذَكَاةِ أُمِّهِ، لَكِنَّهُمُ اشْتَرَطُوا فِي حِلِّهِ حِينَئِذٍ أَنْ يَنْبُتَ شَعْرُ جَسَدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَامَل، وَلَا يَكْفِي شَعْرُ رَأْسِهِ أَوْ عَيْنِهِ.
(الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ) : أَنْ يَخْرُجَ مَيِّتًا، وَيُعْلَمُ أَنَّ مَوْتَهُ كَانَ قَبْل تَذْكِيَةِ أُمِّهِ، فَلَا يَحِل اتِّفَاقًا، وَيُعْرَفُ مَوْتُهُ قَبْل ذَكَاةِ أُمِّهِ بِأُمُورٍ، مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ مُتَحَرِّكًا فِي بَطْنِهَا فَتُضْرَبُ فَتَسْكُنُ حَرَكَتُهُ، ثُمَّ تُذَكَّى، فَيَخْرُجُ مَيِّتًا، وَمِنْهَا: أَنْ يُخْرِجَ رَأْسَهُ مَيِّتًا ثُمَّ تُذَكَّى.
(الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ) : أَنْ يَخْرُجَ مَيِّتًا بَعْدَ تَذْكِيَةِ أُمِّهِ بِمُدَّةٍ لِتَوَانِي الْمُذَكِّي فِي إِخْرَاجِهِ فَلَا يَحِل اتِّفَاقًا لِلشَّكِّ فِي أَنَّ مَوْتَهُ كَانَ بِتَذْكِيَةِ أُمِّهِ أَوْ بِالاِنْخِنَاقِ لِلتَّوَانِي فِي إِخْرَاجِهِ.
(الصُّورَةُ الْخَامِسَةُ) : أَنْ يَخْرُجَ مَيِّتًا عَقِبَ تَذْكِيَةِ أُمِّهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْلَمَ مَوْتُهُ قَبْل التَّذْكِيَةِ، فَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ مَوْتَهُ بِسَبَبِ التَّذْكِيَةِ لَا بِسَبَبٍ آخَرَ. وَهَذِهِ الصُّورَةُ هِيَ مَحَل الْخِلَافِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ. فَأَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ يَرَوْنَ أَنَّهُ لَا يَحِل، وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ يَقُولُونَ: إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ. غَيْرَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ اشْتَرَطُوا الإِْشْعَارَ. وَهُوَ مَذْهَبُ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ.
وَحُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ مَعَهُ قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} وَالْجَنِينُ الَّذِي لَمْ يُدْرَكْ حَيًّا