الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: (1) إِذَا عَيَّنَ أُضْحِيَّةً فَوَلَدَتْ فَوَلَدُهَا تَابِعٌ لَهَا، حُكْمُهُ حُكْمُهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ حَامِلاً بِهِ حِينَ التَّعْيِينِ، أَوْ حَدَثَ الْحَمْل بَعْدَهُ، فَيَجِبُ ذَبْحُهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً سَأَلَهُ فَقَال: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي اشْتَرَيْتُ هَذِهِ الْبَقَرَةَ لأُِضَحِّيَ بِهَا، وَإِنَّهَا وَضَعَتْ هَذَا الْعِجْل؟ فَقَال عَلِيٌّ: لَا تَحْلُبْهَا إِلَاّ فَضْلاً عَنْ تَيْسِيرِ وَلَدِهَا فَإِذَا كَانَ يَوْمَ الأَْضْحَى فَاذْبَحْهَا وَوَلَدَهَا عَنْ سَبْعَةٍ (2) .
48 -
(الأَْمْرُ الرَّابِعُ) : - مِنَ الأُْمُورِ الَّتِي تُكْرَهُ تَحْرِيمًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قَبْل التَّضْحِيَةِ - رُكُوبُ الأُْضْحِيَّةِ وَاسْتِعْمَالُهَا وَالْحَمْل عَلَيْهَا.
فَإِنْ فَعَل شَيْئًا مِنْهَا أَثِمَ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِشَيْءٍ، إِلَاّ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْفِعْل نَقَّصَ قِيمَتَهَا، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَةِ النَّقْصِ.
فَإِنْ آجَرَهَا لِلرُّكُوبِ أَوِ الْحَمْل تَصَدَّقَ بِقِيمَةِ النَّقْصِ فَضْلاً عَنْ تَصَدُّقِهِ بِالْكِرَاءِ. (3)
وَلِلْمَالِكِيَّةِ فِي إِجَارَةِ الأُْضْحِيَّةِ قَبْل ذَبْحِهَا قَوْلَانِ: (أَحَدُهُمَا) الْمَنْعُ (وَثَانِيهِمَا) الْجَوَازُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. (4)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يَجُوزُ لِصَاحِبِ الأُْضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ رُكُوبُهَا وَإِرْكَابُهَا بِلَا أُجْرَةٍ، وَإِنْ تَلِفَتْ أَوْ
(1) المغني لابن قدامة 11 / 105.
(2)
الأثر عن علي رضي الله عنه أن رجلا سأله فقال: يا أمير المؤمنين إني اشتريت هذه البقرة لأضحي بها. . . رواه سعيد ابن منصور عن أبي منصور عن أبي الأحوص عن زهير العبسي عن المغيرة بن حذف عن علي، (المغني لابن قدامة 11 / 105) .
(3)
البدائع 5 / 78 - 79، وحاشية ابن عابدين على الدر المختار 5 / 205.
(4)
الدسوقي 2 / 122.
نَقَصَتْ بِذَلِكَ ضَمِنَهَا.
لَكِنْ إِنْ حَصَل ذَلِكَ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ ضَمِنَهَا الْمُسْتَعِيرُ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُهَا هُوَ أَوِ الْمُسْتَعِيرُ إِذَا تَلِفَتْ أَوْ نَقَصَتْ بَعْدَ دُخُول الْوَقْتِ وَالتَّمَكُّنِ مِنَ الذَّبْحِ، أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا ضَمَانَ، لأَِنَّهَا أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُعِيرِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ إِنَّمَا يَضْمَنُ إِذَا لَمْ تَكُنْ يَدُ مُعِيرِهِ يَدَ أَمَانَةٍ. (1)
49 -
هَذَا وَهُنَاكَ مَكْرُوهَاتٌ ذُكِرَتْ فِي غَيْرِ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ: مِنْهَا: مَا صَرَّحَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ مِنْ أَنَّ التَّغَالِيَ بِكَثْرَةِ ثَمَنِهَا زِيَادَةٌ عَلَى عَادَةِ أَهْل الْبَلَدِ يُكْرَهُ - أَيْ تَنْزِيهًا - لأَِنَّ شَأْنَ ذَلِكَ الْمُبَاهَاةُ. وَكَذَا زِيَادَةُ الْعَدَدِ.
فَإِنْ نَوَى بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ أَوِ الْعَدَدِ الثَّوَابَ وَكَثْرَةَ الْخَيْرِ لَمْ يُكْرَهْ بَل يُنْدَبُ (2) .
مَا يُسْتَحَبُّ وَمَا يُكْرَهُ عِنْدَ إِرَادَةِ التَّضْحِيَةِ:
50 -
لَمَّا كَانَتِ التَّضْحِيَةُ نَوْعًا مِنَ التَّذْكِيَةِ، كَانَتْ مُسْتَحَبَّاتُ التَّذْكِيَةِ مِنْ ذَبْحٍ وَنَحْرٍ مُسْتَحَبَّةً فِيهَا، وَمَكْرُوهَاتُهَا مَكْرُوهَةٌ فِيهَا. وَلِتَفْصِيل مَا يُسْتَحَبُّ وَمَا يُكْرَهُ فِي التَّذْكِيَةِ (ر: ذَبَائِحُ) .
وَلِلتَّضْحِيَةِ مُسْتَحَبَّاتٌ وَمَكْرُوهَاتٌ خَاصَّةٌ تَكُونُ عِنْدَهَا، وَهِيَ إِمَّا أَنْ تَرْجِعَ إِلَى الأُْضْحِيَّةِ، أَوْ إِلَى الْمُضَحِّي، أَوْ إِلَى الْوَقْتِ. وَلْنَذْكُرْ ذَلِكَ فِي ثَلَاثَةِ مَبَاحِثَ:
مَا يَرْجِعُ إِلَى الأُْضْحِيَّةِ مِنَ الْمُسْتَحَبَّاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ عِنْدَ التَّضْحِيَةِ:
51 -
يُسْتَحَبُّ فِي الأُْضْحِيَّةِ أَنْ تَكُونَ أَسْمَنَ وَأَعْظَمَ
(1) المنهج مع حاشية البجيرمي 4 / 300.
(2)
الدسوقي 2 / 122.
بَدَنًا مِنْ غَيْرِهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} . (1) وَمِنْ تَعْظِيمِهَا أَنْ يَخْتَارَهَا صَاحِبُهَا عَظِيمَةَ الْبَدَنِ سَمِينَةً.
وَإِذَا اخْتَارَ التَّضْحِيَةَ بِالشِّيَاهِ، فَأَفْضَلُهَا الْكَبْشُ الأَْمْلَحُ الأَْقْرَنُ الْمَوْجُوءُ (أَيِ الْمَخْصِيُّ)، لِحَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه: ضَحَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، وَلأَِنَّهُ صلى الله عليه وسلم (2) ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ، (3) وَالأَْقْرَنُ: الْعَظِيمُ الْقَرْنِ، وَالأَْمْلَحُ: الأَْبْيَضُ، وَالْمَوْجُوءُ: قِيل: هُوَ الْمَدْقُوقُ الْخُصْيَتَيْنِ، وَقِيل: هُوَ الْخَصِيُّ (4)، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: دَمُ عَفْرَاءَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ دَمِ سَوْدَاوَيْنِ. (5)
قَال الْحَنَفِيَّةُ: الشَّاةُ أَفْضَل مِنْ سُبْعِ الْبَقَرَةِ. بَل أَفْضَل مِنَ الْبَقَرَةِ إِنِ اسْتَوَتَا فِي الْقِيمَةِ وَمِقْدَارِ اللَّحْمِ. وَالأَْصْل فِي هَذَا أَنَّ مَا اسْتَوَيَا فِي مِقْدَارِ اللَّحْمِ وَالْقِيمَةِ فَأَطْيَبُهُمَا لَحْمًا أَفْضَل. وَمَا اخْتَلَفَا فِيهِمَا فَالْفَاضِل أَوْلَى، وَالذَّكَرُ مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ إِذَا كَانَ مَوْجُوءًا فَهُوَ أَوْلَى مِنَ الأُْنْثَى، وَإِلَاّ فَالأُْنْثَى أَفْضَل عِنْدَ الاِسْتِوَاءِ فِي الْقِيمَةِ وَمِقْدَارِ اللَّحْمِ. وَالأُْنْثَى مِنْ الإِْبِل وَالْبَقَرِ أَفْضَل مِنَ الذَّكَرِ عِنْدَ اسْتِوَاءِ اللَّحْمِ وَالْقِيمَةِ.
(1) سورة الحج / 32.
(2)
حديث أنس رضي الله عنه: " ضحى النبي. . . " أخرجه مسلم (3 / 1556 - 1557 - ط الحلبي) .
(3)
حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين موجوءين ". أخرجه أحمد من حديث أبي رافع وقال الهيثمي: إسناده حسن (مسند أحمد بن حنبل 6 / 8 ط الميمنية ومجمع الزوائد 4 / 21) .
(4)
البدائع 5 / 80 والدر المختار مع حاشية ابن عابدين 5 / 205.
(5)
حديث: " دم عفراء أحب إلى الله من دم سوداوين ". أخرجه أحمد (2 / 417 ط الميمنية) ، والحاكم (4 / 227 ط دار المعارف) وسكت عنه الذهبي فلم يصرح بإقراره أو بتعقبه.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُنْدَبُ أَنْ تَكُونَ جَيِّدَةً، بِأَنْ تَكُونَ أَعْلَى النَّعَمِ، وَأَنْ تَكُونَ سَمِينَةً، وَيُنْدَبُ أَيْضًا تَسْمِينُهَا، لِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه. قَال: كُنَّا نُسَمِّنُ الأُْضْحِيَّةَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ ".
وَالذَّكَرُ أَفْضَل مِنَ الأُْنْثَى، وَالأَْقْرَنُ أَفْضَل مِنَ الأَْجَمِّ، وَيُفَضَّل الأَْبْيَضُ عَلَى غَيْرِهِ، وَالْفَحْل عَلَى الْخَصِيِّ إِنْ لَمْ يَكُنِ الْخَصِيُّ أَسْمَنَ، وَأَفْضَل الأَْضَاحِيِّ ضَأْنٌ مُطْلَقًا: فَحْلُهُ، فَخَصِيُّهُ، فَأُنْثَاهُ، فَمَعْزٌ كَذَلِكَ، وَاخْتُلِفَ فِيمَا يَلِيهِمَا أَهِيَ الإِْبِل أَمِ الْبَقَرُ.
وَالْحَقُّ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ، فَفِي بَعْضِهَا تَكُونُ الإِْبِل أَطْيَبَ لَحْمًا فَتَكُونُ أَفْضَل، وَفِي بَعْضِهَا يَكُونُ الْبَقَرُ أَطْيَبَ لَحْمًا فَيَكُونُ أَفْضَل. (1)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: أَفْضَل الأَْضَاحِيِّ سَبْعُ شِيَاهٍ، فَبَدَنَةٌ فَبَقَرَةٌ، فَشَاةٌ وَاحِدَةٌ، فَسُبْعُ بَدَنَةٍ، فَسُبْعُ بَقَرَةٍ، وَالضَّأْنُ أَفْضَل مِنَ الْمَعْزِ، وَالذَّكَرُ الَّذِي لَمْ يَنْزُ أَفْضَل مِنَ الأُْنْثَى الَّتِي لَمْ تَلِدْ، وَيَلِيهِمَا الذَّكَرُ الَّذِي يَنْزُو، فَالأُْنْثَى الَّتِي تَلِدُ.
وَالْبَيْضَاءُ أَفْضَل، فَالْعَفْرَاءُ، فَالصَّفْرَاءُ، فَالْحَمْرَاءُ، فَالْبَلْقَاءُ، وَيَلِي ذَلِكَ السَّوْدَاءُ.
وَيُسْتَحَبُّ تَسْمِينُ الأُْضْحِيَّةِ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: أَفْضَل الأَْضَاحِيِّ الْبَدَنَةُ، ثُمَّ الْبَقَرَةُ، ثُمَّ الشَّاةُ، ثُمَّ شِرْكٌ فِي بَدَنَةٍ، ثُمَّ شِرْكٌ فِي
(1) الدسوقي 2 / 122.