الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلَا يَقْعُدْ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ} . (1)
نَجَاسَةُ الْخَمْرِ:
32 -
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْخَمْرَ نَجِسَةٌ نَجَاسَةً مُغَلَّظَةً، كَالْبَوْل وَالدَّمِ لِثُبُوتِ حُرْمَتِهَا وَتَسْمِيَتِهَا رِجْسًا. (2) كَمَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ:{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَْنْصَابُ وَالأَْزْلَامُ رِجْسٌ. . .} (3) وَالرِّجْسُ فِي اللُّغَةِ: الشَّيْءُ الْقَذِرُ وَالنَّتِنُ (4) . أَمَّا الأَْشْرِبَةُ الأُْخْرَى الْمُخْتَلَفُ فِيهَا فَالْحُكْمُ بِالْحُرْمَةِ يَسْتَتْبِعُ عِنْدَهُمُ الْحُكْمَ بِنَجَاسَتِهَا. (5) وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ، مِنْهُمْ رَبِيعَةُ شَيْخُ مَالِكٍ وَالصَّنْعَانِيُّ وَالشَّوْكَانِيُّ، إِلَى طَهَارَتِهَا، تَمَسُّكًا بِالأَْصْل، وَحَمَلُوا الرِّجْسَ فِي الآْيَةِ عَلَى الْقَذَارَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ. (6) أَمَّا الْبَهِيمَةُ إِذَا سُقِيَتْ خَمْرًا، فَهَل تَحِل أَوْ تَحْرُمُ لأَِجْل الْخَمْرِ؟ فِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (أَطْعِمَةٌ) .
(1) كشاف القناع 6 / 118. وحديث: " من كان يؤمن. . . . " أخرجه الدرمي من حديث جابر رضي الله عنه مرفوعا، وأصله في سنن أبي داود من حديث سالم عن أبيه بلفظ: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مطعمين: عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر، وأن يأكل (الرجل) وهو منبطح على بطنه وسنن الدارمي 2 / 112 نشر دار إحياء السنة النبوية) .
(2)
المجموع 2 / 564.
(3)
سورة المائدة / 9.
(4)
المصباح المنير.
(5)
حاشية ابن عابدين مع الدر المختار 5 / 289 - 291، وتبيين الحقائق 6 / 45.
(6)
ابن عابدين 5 / 289، والمجموع 2 / 564، والمغني 8 / 318، ومغني المحتاج 4 / 188، والمحلى 1 / 163.
أَثَرُ تَخَلُّل الْخَمْرِ وَتَخْلِيلِهَا:
33 -
إِذَا تَخَلَّلَتِ الْخَمْرُ بِنَفْسِهَا بِغَيْرِ قَصْدِ التَّخْلِيل يَحِل ذَلِكَ الْخَل (1) بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ. (2) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: {نِعْمَ الأُْدْمُ الْخَل} . (3) وَيُعْرَفُ التَّخَلُّل بِالتَّغَيُّرِ مِنَ الْمَرَارَةِ إِلَى الْحُمُوضَةِ، بِحَيْثُ لَا يَبْقَى فِيهَا مَرَارَةٌ أَصْلاً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، حَتَّى لَوْ بَقِيَ فِيهَا بَعْضُ الْمَرَارَةِ لَا يَحِل شُرْبُهَا، لأَِنَّ الْخَمْرَ عِنْدَهُ لَا تَصِيرُ خَلًّا إِلَاّ بَعْدَ تَكَامُل مَعْنَى الْخَلِيَّةِ فِيهِ. كَمَا لَا يَصِيرُ الْعَصِيرُ خَمْرًا إِلَاّ بَعْدَ تَكَامُل مَعْنَى الْخَمْرِيَّةِ. وَقَال الصَّاحِبَانِ: تَصِيرُ الْخَمْرُ خَلًّا بِظُهُورِ قَلِيلٍ مِنَ الْحُمُوضَةِ فِيهَا، اكْتِفَاءً بِظُهُورِ الْخَلِّيَّةِ فِيهِ، كَمَا أَنَّ الْعَصِيرَ يَصِيرُ خَمْرًا بِظُهُورِ دَلِيل الْخَمْرِيَّةِ، كَمَا أَشَرْنَا فِي بَيَانِ مَذْهَبِهِمَا.
تَخْلِيل الْخَمْرِ بِعِلَاجٍ:
34 -
قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ لَا يَحِل تَخْلِيل الْخَمْرِ بِالْعِلَاجِ كَالْخَل وَالْبَصَل وَالْمِلْحِ، أَوْ إِيقَادُ نَارٍ عِنْدَهَا، وَلَا تَطْهُرُ حِينَئِذٍ، لأَِنَّنَا مَأْمُورُونَ بِاجْتِنَابِهَا، فَيَكُونُ التَّخْلِيل اقْتِرَابًا مِنَ الْخَمْرِ عَلَى وَجْهِ التَّمَوُّل، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلأَْمْرِ بِالاِجْتِنَابِ، وَلأَِنَّ الشَّيْءَ الْمَطْرُوحَ فِي الْخَمْرِ يَتَنَجَّسُ بِمُلَاقَاتِهَا
(1) الخل معروف، والجمع خلول، سمي بذلك؛ لأنه اختل منه طعم الحلاوة، يقال: اختل الشيء: إذا تغير واضطرب (ر: المصباح المنير) .
(2)
المحلى 1 / 117، والبحر الزخار 4 / 351 وما بعدها، والروضة البهية 2 / 290.
(3)
وفي لفظ: " نعم الإدام الخل " رواه مسلم وأحمد وأصحاب السنن الأربعة عن جابر بن عبد الله، وأخرجه مسلم عن عائشة، ورواه الحاكم والبيهقي عن آخرين (نصب الراية 4 / 310، والمقاصد الحسنة للسخاوي ص 447) .
فَيُنَجِّسُهَا بَعْدَ انْقِلَابِهَا خَلًّا، وَلأَِنَّ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِإِهْرَاقِ الْخَمْرِ بَعْدَ نُزُول آيَةِ الْمَائِدَةِ بِتَحْرِيمِهَا. وَعَنْ {أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَأَل النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا، فَقَال: أَهْرِقْهَا، قَال: أَفَلَا أُخَلِّلُهَا؟ قَال: لَا} (1) وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {أَهْدَى رَجُلٌ لِرَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَاوِيَةَ خَمْرٍ، فَقَال لَهُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَهَا؟ فَقَال: لَا، فَسَارَّهُ رَجُلٌ إِلَى جَنْبِهِ، فَقَال: بِمَ سَارَرْتَهُ؟ فَقَال: أَمَرْتُهُ أَنْ يَبِيعَهَا، فَقَال لَهُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا، فَفَتَحَ الرَّجُل الْمَزَادَتَيْنِ حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيهِمَا} . (2)
(1) حديث: " سأل أبو طلحة النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرا. . . " أخرجه أحمد وأبو داود والدارمي من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: قال شعيب الأرناؤوط: إسناده قوي. وأصله في صحيح مسلم من حديث أنس رضي الله عنه بلفظ: " أن النبي صلى الله عليه وسلم وعون المعبود 3 / 366، 367 ط الهند، وسنن الدارمي 2 / 118 نشر دار إحياء السنة النبوية، وشرح السنة للبغوي بتحقيق شعيب الأرناؤوط 8 / 32 نشر المكتب الإسلامي) . وأجاب الطحاوي عن الحديث بأنه محمول على التغليظ والتشديد؛ لأنه كان في ابتداء الإسلام، كما ورد ذلك في سؤر الكلب. يعني أن ذلك المعنى قد انعدم في زماننا لاستقرار التحريم، فلا يحتمل ال
(2)
حديث ابن عباس " أهدى رجل. . . . " رواه مالك في الموطأ وأحمد ومسلم والنسائي (نيل الأوطار 8 / 169، والمنتقى على الموطأ 3 / 153) والرواية: المزادة من ثلاثة جلود ويوضع فيها الماء. والمزادة: جلود يضم بعضها إلى بعض، يوضع فيها الماء.
فَقَدْ أَرَاقَ الرَّجُل مَا فِي الْمَزَادَتَيْنِ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ، وَلَوْ جَازَ تَخْلِيلُهَا لَمَا أَبَاحَ لَهُ إِرَاقَتَهَا، وَلَنَبَّهَهُ عَلَى تَخْلِيلِهَا. وَهَذَا نَهْيٌ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، وَلَوْ كَانَ إِلَى اسْتِصْلَاحِهَا سَبِيلٌ مَشْرُوعٌ لَمْ تَجُزْ إِرَاقَتُهَا، بَل أَرْشَدَهُمْ إِلَيْهِ، سِيَّمَا وَهِيَ لأَِيْتَامٍ يَحْرُمُ التَّفْرِيطُ فِي أَمْوَالِهِمْ. وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - كَمَا يَقُولُونَ - فَقَدْ رَوَى أَسْلَمُ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَال: لَا تَأْكُل خَلًّا مِنْ خَمْرٍ أُفْسِدَتْ، حَتَّى يَبْدَأَ اللَّهُ تَعَالَى إِفْسَادَهَا، وَذَلِكَ حِينَ طَابَ الْخَل، وَلَا بَأْسَ عَلَى امْرِئٍ أَصَابَ خَلًّا مِنْ أَهْل الْكِتَابِ أَنْ يَبْتَاعَهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُمْ تَعَمَّدُوا إِفْسَادَهَا فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقَعُ النَّهْيُ. (1) وَهَذَا قَوْلٌ يَشْتَهِرُ بَيْنَ النَّاسِ لأَِنَّهُ إِعْلَانٌ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ. وَبِهِ قَال الزُّهْرِيُّ. وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالرَّاجِحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يَحِل شُرْبُهَا، وَيَكُونُ التَّخْلِيل جَائِزًا أَيْضًا، (2) لأَِنَّهُ إِصْلَاحٌ، وَالإِْصْلَاحُ مُبَاحٌ، قِيَاسًا عَلَى دَبْغِ الْجِلْدِ، فَإِنَّ الدِّبَاغَ يُطَهِّرُهُ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:{أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ} (3) وَقَال عَنْ جِلْدِ الشَّاةِ
(1) أثر عمر رواه أبو عبيد في كتاب الأموال بنحو من هذا المعنى ص 104 وما بعدها (المغني 8 / 330) .
(2)
البدائع 5 / 114، وابن عابدين 1 / 290، والمنتقى على الموطأ 3 / 153 - 154، وبداية المجتهد 1 / 461، والقوانين الفقهية ص 34.
(3)
حديث: " أيما إهاب دبغ فقد طهر " أخرجه النسائي بهذا اللفظ (7 / 173 - ط المكتبة التجارية) ورواه مسلم (1 / 277 ط الحلبي) بلفظ: " إذا دبغ الإهاب فقد طهر "