الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِنَفْسِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَهَا غَيْرَهُ. لأَِنَّ الأَْصْل فِي الْمُقَيَّدِ اعْتِبَارُ الْقَيْدِ فِيهِ إِلَاّ إِذَا تَعَذَّرَ اعْتِبَارُهُ. وَالاِعْتِبَارُ فِي هَذَا الْقَيْدِ مُمْكِنٌ، لأَِنَّهُ مُقَيَّدٌ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي اسْتِعْمَال الدَّوَابِّ، فَإِنْ خَالَفَ الْمُسْتَعِيرُ وَأَعَارَ الدَّابَّةَ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ.
تَعْلِيقُهَا وَإِضَافَتُهَا:
13 -
جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ - مَا عَدَا الزَّرْكَشِيُّ - وَفِي قَوْلٍ لِلْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِضَافَتُهَا، وَلَا تَعْلِيقُهَا، لأَِنَّهَا عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ فَلَهُ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَ. وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لِلْحَنَفِيَّةِ جَوَازُ إِضَافَتِهَا دُونَ تَعْلِيقِهَا.
وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فُرُوعًا ظَاهِرُهَا أَنَّهَا تَعْلِيقٌ أَوْ إِضَافَةٌ كَقَوْلِهِمْ: أَعِرْنِي دَابَّتَكَ الْيَوْمَ أُعِيرُكَ دَابَّتِي غَدًا، وَالْوَاقِعُ أَنَّهَا إِجَارَةٌ لَا إِعَارَةٌ. (1)
وَلَمْ نَطَّلِعْ عَلَى تَصْرِيحٍ لِلْحَنَابِلَةِ بِحُكْمِ إِضَافَةِ الإِْعَارَةِ أَوْ تَعْلِيقِهَا. وَإِنْ كَانُوا قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الأَْصْل فِي الإِْعَارَةِ عَدَمُ لُزُومِهَا.
حُكْمُ الإِْعَارَةِ وَأَثَرُهَا:
14 -
مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ - عَدَا الْكَرْخِيَّ - وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ وَجْهٌ لِلْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنِ الْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالثَّوْرِيِّ وَالأَْوْزَاعِيِّ وَابْنِ شُبْرُمَةَ أَنَّ الإِْعَارَةَ تُفِيدُ تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ، وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُعِيرَ سَلَّطَ
(1) البدائع 8 / 3898 ط الإمام، وابن عابدين 5 / 23، 4 / 233 والشرح الصغير 3 / 573، والرملي هامش الروض 2 / 329.
الْمُسْتَعِيرَ عَلَى تَحْصِيل الْمَنَافِعِ، وَصَرَفَهَا إِلَى نَفْسِهِ عَلَى وَجْهٍ زَالَتْ يَدُهُ عَنْهَا، وَالتَّسْلِيطُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ تَمْلِيكًا لَا إِبَاحَةً، كَمَا فِي الأَْعْيَانِ.
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالْكَرْخِيِّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَذَهَبَ إِلَيْهِ إِسْحَاقُ أَنَّهَا تُفِيدُ إِبَاحَةَ الْمَنْفَعَةِ، وَذَلِكَ لِجَوَازِ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ أَجَلٍ، وَلَوْ كَانَ تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ لِمَا جَازَ مِنْ غَيْرِ أَجَلٍ كَالإِْجَارَةِ.
وَكَذَلِكَ الإِْعَارَةُ تَصِحُّ بِلَفْظِ الإِْبَاحَةِ، وَالتَّمْلِيكُ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الإِْبَاحَةِ.
وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ أَعَارَ الْمُسْتَعِيرُ الشَّيْءَ الْمُسْتَعَارَ إِلَى مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ كَاسْتِعْمَالِهِ، فَهَل تَصِحُّ إِعَارَتُهُ أَوْ لَا تَصِحُّ؟ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْمُخْتَارُ مِنْ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ إِعَارَتَهُ صَحِيحَةٌ، حَتَّى وَلَوْ قَيَّدَ الْمُعِيرُ الإِْعَارَةَ بِاسْتِعْمَال الْمُسْتَعِيرِ بِنَفْسِهِ، لأَِنَّ التَّقْيِيدَ بِمَا لَا يَخْتَلِفُ غَيْرُ مُفِيدٍ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لَا يَجُوزُ.
وَفِي الْبَحْرِ: وَلِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُودِعَ، عَلَى الْمُفْتَى بِهِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَصَحَّحَ بَعْضُهُمْ عَدَمَهُ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ مَا لَوْ أَرْسَلَهَا عَلَى يَدِ أَجْنَبِيٍّ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ عَلَى الْقَوْل الثَّانِي لَا الأَْوَّل. فَلِلْمُعِيرِ أَجْرُ الْمِثْل.
وَيَتَرَتَّبُ عَلَى مَذْهَبِ الْقَائِلِينَ بِالإِْبَاحَةِ، وَهُمُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالْكَرْخِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، أَنَّهُ لَوْ أَعَارَ الْمُسْتَعِيرُ الشَّيْءَ فَلِمَالِكِ الْعَارِيَّةِ أَجْرُ الْمِثْل، وَيُطَالَبُ الْمُسْتَعِيرَ الأَْوَّل أَوِ الثَّانِيَ أَيُّهُمَا شَاءَ، لأَِنَّ الْمُسْتَعِيرَ الأَْوَّل سَلَّطَ غَيْرَهُ عَلَى أَخْذِ مَال الْمُعِيرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ. وَلأَِنَّ الْمُسْتَعِيرَ الثَّانِي اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ بِغَيْرِ إِذْنِ مَالِكِهَا. فَإِنْ ضَمَّنَ الْمَالِكُ الْمُسْتَعِيرَ الأَْوَّل رَجَعَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ الثَّانِي، لأَِنَّ الاِسْتِيفَاءَ حَصَل مِنْهُ