الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كُلِّفَ الْمُسْتَعِيرُ قَلْعَهَا، وَضَمِنَ الْمُعِيرُ لَهُ مَا نَقَصَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ، لَكِنْ هَل يَضْمَنُهُمَا قَائِمَيْنِ أَوْ مَقْلُوعَيْنِ؟ .
مَا مَشَى عَلَيْهِ الْكَنْزُ وَالْهِدَايَةُ أَنَّهُ يَضْمَنُهُمَا مَقْلُوعَيْنِ، وَذُكِرَ فِي الْبَحْرِ عَنِ الْمُحِيطِ ضَمَانُ الْقِيمَةِ قَائِمًا إِلَاّ أَنْ يُقْلِعَهُ الْمُسْتَعِيرُ وَلَا ضَرَرَ، فَإِنْ ضَمِنَ فَضَمَانُ الْقِيمَةِ مَقْلُوعًا. وَعِبَارَةُ الْمَجْمَعِ: وَأَلْزَمْنَاهُ الضَّمَانَ فَقِيل: مَا نَقَصَهُمَا الْقَلْعُ، وَقِيل: قِيمَتُهُمَا وَيَمْلِكُهُمَا. وَقِيل: إِنْ ضَرَّ يُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ ضَمَانِ مَا نَقَصَ، وَضَمَانِ الْقِيمَةِ، وَمِثْلُهُ فِي دُرَرِ الْبِحَارِ وَالْمَوَاهِبُ وَالْمُلْتَقَى وَكُلُّهُمْ قَدَّمُوا الأَْوَّل، وَبَعْضُهُمْ جَزَمَ بِهِ وَعَبَّرَ عَنْ غَيْرِهِ بِقِيل فَلِذَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ ابْنُ عَابِدِينَ وَهُوَ رِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ، وَالثَّانِي رِوَايَةُ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ (1) .
وَقَال الْقَاضِي زَكَرِيَّا الأَْنْصَارِيُّ فِي الْمَنْهَجِ: إِذَا أَعَارَ لِبِنَاءٍ أَوْ غَرْسٍ، وَلَوْ إِلَى مُدَّةٍ، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ بَنَى الْمُسْتَعِيرُ أَوْ غَرَسَ، فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ قَلْعَهُ لَزِمَهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ فَإِنِ اخْتَارَ الْمُسْتَعِيرُ الْقَلْعَ قَلَعَ مَجَّانًا وَلَزِمَهُ تَسْوِيَةُ الأَْرْضِ، لأَِنَّهُ قَلَعَ بِاخْتِيَارِهِ، وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ قَلْعَهُ خُيِّرَ الْمُعِيرُ بَيْنَ تَمَلُّكِهِ بِقِيمَتِهِ مُسْتَحَقَّ الْقَلْعِ حِينَ التَّمَلُّكِ، وَبَيْنَ قَلْعِهِ مَعَ ضَمَانِ نَقْصِهِ، وَهُوَ قَدْرُ التَّفَاوُتِ بَيْنَ قِيمَتِهِ قَائِمًا وَقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا وَبَيْنَ تَبْقِيَتِهِ بِأُجْرَةٍ. (2)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ أَعَارَهُ أَرْضًا لِلْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ، وَشَرَطَ عَلَيْهِ الْقَلْعَ فِي وَقْتٍ أَوْ عِنْدَ رُجُوعِهِ، ثُمَّ رَجَعَ لَزِمَ الْمُسْتَعِيرَ الْقَلْعُ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ لَمْ يَلْزَمْهُ إِلَاّ أَنْ يَضْمَنَ لَهُ الْمُعِيرُ النَّقْصَ، فَإِنْ أَبَى الْقَلْعَ فِي
(1) ابن عابدين 4 / 504 ط بولاق.
(2)
الجمل على شرح المنهج 3 / 464.
الْحَال الَّتِي لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ فِيهَا، فَبَذَل لَهُ الْمُعِيرُ قِيمَةَ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ لِيَمْلِكَهُ أُجْبِرَ الْمُسْتَعِيرُ عَلَيْهِ، فَإِنِ امْتَنَعَ الْمُعِيرُ مِنْ دَفْعِ الْقِيمَةِ وَأَرْشِ النَّقْصِ، وَامْتَنَعَ الْمُسْتَعِيرُ مِنَ الْقَلْعِ وَدَفْعِ الأَْجْرِ لَمْ يُقْلَعْ، وَإِنْ أَبَيَا الْبَيْعَ تُرِكَ بِحَالِهِ وَلِلْمُعِيرِ التَّصَرُّفُ بِأَرْضِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِالشَّجَرِ. (1)
إِعَارَةُ الأَْرْضِ لِلزَّرْعِ:
11 -
لِلْفُقَهَاءِ اخْتِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ فِي الْحُكْمِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَى الرُّجُوعِ فِي إِعَارَةِ الأَْرْضِ لِلزِّرَاعَةِ قَبْل تَمَامِ الزَّرْعِ.
فَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الْمُقَدَّمُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَعَلَيْهِ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ الْقَوْل غَيْرُ الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ مُعِيرَ الأَْرْضِ لِلزِّرَاعَةِ إِذَا رَجَعَ قَبْل تَمَامِ الزَّرْعِ وَحَصَادِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهَا مِنَ الْمُسْتَعِيرِ، بَل تَبْقَى فِي يَدِهِ بِأَجْرِ الْمِثْل. وَهَذَا الْحُكْمُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ اسْتِحْسَانٌ سَوَاءٌ أَكَانَتِ الإِْعَارَةُ مُطْلَقَةً أَمْ مُقَيَّدَةً.
وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ: أَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ مَصْلَحَةِ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ، بِأَنْ يَأْخُذَ الْمُعِيرُ أَجْرَ مِثْل الأَْرْضِ مِنْ تَارِيخِ رُجُوعِهِ حَتَّى حَصَادِ الزَّرْعِ، فَيَنْتَفِي ضَرَرُهُ بِذَلِكَ، وَيَبْقَى الزَّرْعُ فِي الأَْرْضِ حَتَّى يُحْصَدَ. وَفِي ذَلِكَ مَصْلَحَةُ الْمُسْتَعِيرِ، فَلَا يُضَرُّ بِالْقَلْعِ قَبْل الْحَصَادِ، وَهَذَا هُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الإِْعَارَةِ الْمُطْلَقَةِ إِنْ نَقَصَ الزَّرْعُ بِالْقَلْعِ، لأَِنَّهُ مُحْتَرَمٌ، وَلَهُ أَمَدٌ يَنْتَهِي إِلَيْهِ، وَتَبْقَى بِأَجْرِ الْمِثْل.
(1) الشرح الكبير على المقنع 5 / 360 - 361.