الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْقَارِيَّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ رَجُلٌ مِنْ قِبَل أَبِي مُوسَى فَقَال لَهُ عُمَرُ: هَل مِنْ مُغْرِبَةِ خَبَرٍ؟ قَال: نَعَمْ. رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ، فَقَال: مَا فَعَلْتُمْ بِهِ؟ قَال: قَرَّبْنَاهُ فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ. فَقَال عُمَرُ: فَهَلَاّ حَبَسْتُمُوهُ ثَلَاثًا، فَأَطْعَمْتُمُوهُ رَغِيفًا كُل يَوْمٍ وَاسْتَتَبْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ أَوْ يُرَاجِعُ أَمْرَ اللَّهِ، اللَّهُمَّ إِنِّي لَمْ أَحْضُرْ، وَلَمْ أَرْضَ إِذْ بَلَغَنِي.
وَلَوْ لَمْ تَجِبِ اسْتِتَابَتُهُ لَمَا بَرِئَ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَلأَِنَّهُ أَمْكَنَ اسْتِصْلَاحُهُ فَلَمْ يَجُزْ إِتْلَافُهُ قَبْل اسْتِصْلَاحِهِ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ، وَأَمَّا الأَْمْرُ بِقَتْلِهِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ بَدَّل دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ. فَالْمُرَادُ بِهِ قَتْلُهُ بَعْدَ الاِسْتِتَابَةِ. (1)
الإِْعْذَارُ إِلَى الْمُرْتَدَّةِ:
13 -
مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرِّجَال وَالنِّسَاءِ فِي وُجُوبِ قَتْل الْمُرْتَدِّ أَوِ الْمُرْتَدَّةِ بَعْدَ الاِسْتِتَابَةِ إِنْ لَمْ يَرْجِعُوا إِلَى الإِْسْلَامِ عَلَى التَّفْصِيل السَّابِقِ فِي وُجُوبِ الإِْعْذَارِ أَوِ اسْتِحْبَابِهِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما، وَبِهِ قَال الْحَسَنُ وَالزُّهْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَمَكْحُولٌ وَحَمَّادٌ وَاللَّيْثُ وَالأَْوْزَاعِيُّ مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ بَدَّل دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ أَنَّهَا تُسْتَرَقُّ وَلَا تُقْتَل، لأَِنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَرَقَّ نِسَاءَ بَنِي حَنِيفَةَ.
وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى الإِْسْلَامِ بِالْحَبْسِ وَالضَّرْبِ وَلَا تُقْتَل، لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لَا
(1) الدر المختار ورد المحتار 3 / 286، والشرح الكبير والدسوقي 4 / 304، وقليوبي وعميرة 4 / 177، والمغني 8 / 124 - 125.
تَقْتُلُوا امْرَأَةً (1) ، وَلأَِنَّهَا لَا تُقْتَل بِالْكُفْرِ الأَْصْلِيِّ فَلَا تُقْتَل بِالطَّارِئِ.
وَلِلْمَالِكِيَّةِ تَفْصِيلٌ إِذْ قَالُوا: إِنَّهَا تُقْتَل إِنْ لَمْ تَرْجِعْ إِلَى الإِْسْلَامِ، لَكِنْ تُسْتَبْرَأُ قَبْل الْقَتْل بِحَيْضَةٍ، خَشْيَةَ أَنْ تَكُونَ حَامِلاً، فَإِنْ حَاضَتْ أَيَّامَ الاِسْتِتَابَةِ انْتُظِرَ تَمَامُهَا فَيُنْتَظَرُ أَقْصَرُ الأَْجَلَيْنِ، فَإِنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ أُخِّرَتْ حَتَّى تَضَعَ. (2)
وَمُقْتَضَى مَا ذُكِرَ أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُسْتَتَابُ عِنْدَ الأَْئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، فَإِنْ رَجَعَتْ إِلَى الإِْسْلَامِ وَإِلَاّ قُتِلَتْ، وَأَنَّ مَذْهَبَ الْحَنَفِيَّةِ جَبْرُهَا عَلَى الْعَوْدَةِ إِلَى الإِْسْلَامِ بِالْحَبْسِ وَالضَّرْبِ.
الإِْعْذَارُ فِي الْجِهَادِ:
14 -
الْحَرْبِيُّونَ هُمُ الْكُفَّارُ الَّذِينَ يُقِيمُونَ بِبِلَادِ الْكُفْرِ، وَلَا صُلْحَ لَهُمْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ (3) . فَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ يُحَارَبُونَ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} (4) . وَشَرْطُ مُحَارَبَتِهِمْ بُلُوغُ الدَّعْوَةِ إِلَيْهِمْ فَلَا تَجُوزُ مُحَارَبَتُهُمْ قَبْل ذَلِكَ، وَهُوَ أَمْرٌ أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى
(1) حديث: " لا تقتلوا امرأة ". أخرجه البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ " وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان ". (فتح الباري 6 / 148 - ط السلفية) .
(2)
قليوبي وعميرة 4 / 177، والمغني 8 / 123 - ط الرياض، والشرح الكبير 4 / 304، ومعين الحكام / 228. وترى اللجنة أن قواعد المذاهب الأخرى لا تأبى مثل ذلك، وترى أنه ينبغي التحقق من خلو المرأة من الحمل قبل إقامة الحد عليها.
(3)
المصباح المنير.
(4)
الأنفال / 39.
نَبْعَثَ رَسُولاً} (1)
وَلَكِنْ هَل يَجِبُ تَكْرَارُ دَعْوَتُهُمْ إِذَا تَكَرَّرَتْ مُحَارَبَتُهُمْ؟ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَكْرَارُ دَعْوَتِهِمْ، بَل يُسْتَحَبُّ.
قَال الْكَاسَانِيُّ: وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَجِبُ عَلَى الْغُزَاةِ الاِفْتِتَاحُ بِهِ حَالَةَ الْوَقْعَةِ وَلِقَاءِ الْعَدُوِّ، فَإِنَّ الأَْمْرَ فِيهِ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَةُ قَدْ بَلَغَتْهُمْ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ لَمْ تَبْلُغْهُمْ، فَإِنْ كَانَتِ الدَّعْوَةُ لَمْ تَبْلُغْهُمْ فَعَلَيْهِمُ الاِفْتِتَاحُ بِالدَّعْوَةِ إِلَى الإِْسْلَامِ بِاللِّسَانِ، لِقَوْل اللَّهِ تبارك وتعالى:{اُدْعُ إِلَى سَبِيل رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (2) وَلَا يَجُوزُ لَهُمُ الْقِتَال قَبْل الدَّعْوَةِ، لأَِنَّ الإِْيمَانَ وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ قَبْل بُلُوغِ الدَّعْوَةِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْل، فَاسْتَحَقُّوا الْقَتْل بِالاِمْتِنَاعِ، لَكِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى حَرَّمَ قِتَالَهُمْ قَبْل بَعْثِ الرَّسُول عليه الصلاة والسلام، وَبُلُوغِ الدَّعْوَةِ إِيَّاهُمْ فَضْلاً مِنْهُ وَمِنَّةً، قَطْعًا لِمَعْذِرَتِهِمْ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنْ كَانَ لَا عُذْرَ لَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ، لَمَّا أَقَامَ سبحانه وتعالى مِنَ الدَّلَائِل الْعَقْلِيَّةِ الَّتِي لَوْ تَأَمَّلُوهَا حَقَّ التَّأَمُّل وَنَظَرُوا فِيهَا لَعَرَفُوا حَقَّ اللَّهِ تبارك وتعالى عَلَيْهِمْ، لَكِنْ تَفَضَّل عَلَيْهِمْ بِإِرْسَال الرُّسُل صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ، لِئَلَاّ يَبْقَى لَهُمْ شُبْهَةُ عُذْرٍ فَيَقُولُونَ:{رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ} (3) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ لِمَا بَيَّنَّا، وَلأَِنَّ الْقِتَال مَا فُرِضَ لِعَيْنِهِ، بَل لِلدَّعْوَةِ إِلَى الإِْسْلَامِ.
وَالدَّعْوَةُ دَعْوَتَانِ: دَعْوَةُ بِالْبَنَانِ وَهِيَ الْقِتَال،
(1) سورة الإسراء / 15.
(2)
سورة النحل / 125.
(3)
سورة طه / 134.
وَدَعْوَةُ بِالْبَيَانِ وَهِيَ اللِّسَانُ، وَذَلِكَ بِالتَّبْلِيغِ، وَالثَّانِيَةُ أَهْوَنُ مِنَ الأُْولَى، لأَِنَّ فِي الْقِتَال مُخَاطَرَةَ الرُّوحِ وَالنَّفْسِ وَالْمَال، وَلَيْسَ فِي دَعْوَةِ التَّبْلِيغِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَإِذَا احْتَمَل حُصُول الْمَقْصُودِ بِأَهْوَنِ الدَّعْوَتَيْنِ لَزِمَ الاِفْتِتَاحُ بِهَا، هَذَا إِذَا كَانَتِ الدَّعْوَةُ لَمْ تَبْلُغْهُمْ. فَإِنْ كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْهُمْ جَازَ لَهُمْ أَنْ يَفْتَتِحُوا الْقِتَال مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ الدَّعْوَةِ، لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْحُجَّةَ لَازِمَةٌ، وَالْعُذْرُ فِي الْحَقِيقَةِ مُنْقَطِعٌ، وَشُبْهَةُ الْعُذْرِ انْقَطَعَتْ بِالتَّبْلِيغِ مَرَّةً، لَكِنْ مَعَ هَذَا الأَْفْضَل أَلَاّ يَفْتَتِحُوا الْقِتَال إِلَاّ بَعْدَ تَجْدِيدِ الدَّعْوَةِ لِرَجَاءِ الإِْجَابَةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يُقَاتِل الْكَفَرَةَ حَتَّى يَدْعُوهُمْ إِلَى الإِْسْلَامِ (1) . فِيمَا كَانَ دَعَاهُمْ غَيْرَ مَرَّةٍ. دَل أَنَّ الاِفْتِتَاحَ بِتَجْدِيدِ الدَّعْوَةِ أَفْضَل، ثُمَّ إِذَا دَعَوْهُمْ إِلَى الإِْسْلَامِ فَإِنْ أَسْلَمُوا كَفُّوا عَنْهُمُ الْقِتَال، لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِل النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَاّ بِحَقِّهَا (2) وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام مَنْ قَال:
(1) حديث: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يقاتل الكفرة حتى يدعوهم إلى الإسلام " أخرجه أحمد والطبراني بلفظ " ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما حتى يدعوهم " قال أحمد شاكر محقق المسند: إسناده صحيح. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه أوالمعجم الكبير للطبراني 11 / 95، 132، ط الوطن العربي، ومجمع الزوائد 5 / 304 نشر مكتبة القدس) .
(2)
حديث: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 288 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1337 ط الحلبي) .