الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْهُ. (1) قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَهُوَ أَحْسَنُ.
بَقِيَّةُ الْحَشَرَاتِ:
56 -
لِلْفُقَهَاءِ فِي حُكْمِ بَقِيَّةِ الْحَشَرَاتِ، مَا عَدَا الْجَرَادَ وَالضَّبَّ، وَالدُّودَ ثَلَاثَةُ آرَاءٍ:
الأَْوَّل: - حُرْمَةُ أَصْنَافِ الْحَشَرَاتِ كُلِّهَا، لأَِنَّهَا تُعَدُّ مِنَ الْخَبَائِثِ لِنُفُورِ الطَّبَائِعِ السَّلِيمَةِ مِنْهَا. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ. (2)
الثَّانِي: - حِل أَصْنَافِهَا كُلِّهَا لِمَنْ لَا تَضُرُّهُ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، لَكِنَّهُمُ اشْتَرَطُوا فِي الْحِل تَذْكِيَتَهَا: فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ ذُكِّيَتْ كَمَا يُذَكَّى الْجَرَادُ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَهُ دَمٌ سَائِلٌ ذُكِّيَتْ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ مِنْ أَمَامِ الْعُنُقِ بِنِيَّةٍ وَتَسْمِيَةٍ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ فِي الْفَأْرِ إِذَا عُلِمَ وُصُولُهُ إِلَى النَّجَاسَةِ: إِنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ وُصُولُهُ إِلَيْهَا فَهُوَ مُبَاحٌ. (3)
الثَّالِثُ: - التَّفْصِيل بِتَحْرِيمِ بَعْضِ أَصْنَافِهَا دُونَ بَعْضٍ: فَالشَّافِعِيَّةُ: قَالُوا بِإِبَاحَةِ الْوَبَرِ، وَأُمِّ حُبَيْنٍ، وَالْيَرْبُوعِ، وَابْنِ عُرْسٍ، وَالْقُنْفُذِ. أَمَّا أُمُّ حُبَيْنٍ فَلِشَبَهِهَا بِالضَّبِّ، وَأَمَّا الْبَقِيَّةُ فَلأَِنَّهَا غَيْرُ
(1) وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه أتي بتمر عتيق فجعل يفتشه يخرج السوس منه " أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وقال المنذري: هذا مرسل (عون المعبود 3 / 426 ط الهند، وسنن ابن ماجه 2 / 106 ط عيسى الحلبي) .
(2)
الخانية بهامش الفتاوى الهندية 3 / 358.
(3)
الخرشي على خليل 1 / 81، 88، والدسوقي على الشرح الكبير 2 / 115، والصاوي على الشرح الصغير 1 / 323 وفيها تفصيلات أخرى لمتأخري فقهاء المالكية تنظر هناك.
مُسْتَخْبَثَةٍ (1) .
وَالْحَنَابِلَةُ خَالَفُوا الشَّافِعِيَّةَ فِي الْقُنْفُذِ وَابْنِ عُرْسٍ، فَقَالُوا بِحُرْمَتِهِمَا، وَلَهُمْ رِوَايَتَانِ فِي الْوَبَرِ وَالْيَرْبُوعِ أَصَحُّهُمَا الإِْبَاحَةُ. (2)
النَّوْعُ الثَّانِي عَشَرَ: الْمُتَوَلِّدَاتُ، وَمِنْهَا: الْبِغَال:
57 -
يُقْصَدُ بِالْمُتَوَلِّدَاتِ مَا تَوَلَّدَ بَيْنَ نَوْعَيْنِ مِنَ الْحَيَوَانِ. وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ:
الصِّنْفُ الأَْوَّل: مَا تَوَلَّدَ بَيْنَ نَوْعَيْنِ حَلَالَيْنِ. وَهُوَ حَلَالٌ بِلَا خِلَافٍ.
الصِّنْفُ الثَّانِي: مَا تَوَلَّدَ بَيْنَ نَوْعَيْنِ مُحَرَّمَيْنِ أَوْ مَكْرُوهَيْنِ تَحْرِيمًا. وَهُوَ مُحَرَّمٌ أَوْ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا بِلَا خِلَافٍ.
الصِّنْفُ الثَّالِثُ: مَا تَوَلَّدَ بَيْنَ نَوْعَيْنِ أَحَدُهُمَا مُحَرَّمٌ أَوْ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا، وَالثَّانِي حَلَالٌ مَعَ الإِْبَاحَةِ أَوْ مَعَ الْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ. وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا الصِّنْفِ: الْبِغَال. وَفِي حُكْمِهَا تَفْصِيلٌ:
58 -
قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّ الْبَغْل وَغَيْرَهُ مِنَ الْمُتَوَلِّدَاتِ يَتْبَعُ أَخَسَّ الأَْصْلَيْنِ. (3) وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ هَذِهِ التَّبِيعَةَ إِنَّمَا هِيَ عِنْدَ الْعِلْمِ بِالتَّوَلُّدِ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ. وَعَلَى هَذَا لَوْ وَلَدَتِ الشَّاةُ كَلْبَةً دُونَ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهَا نَزَا عَلَيْهَا كَلْبٌ فَإِنَّهَا تَحِل، لِعَدَمِ الْيَقِينِ بِتَوَلُّدِهَا مِنْ كَلْبٍ، لأَِنَّهُ قَدْ تَقَعُ الْخِلْقَةُ عَلَى خِلَافِ صُورَةِ الأَْصْل، وَإِنْ كَانَ الْوَرَعُ
(1) نهاية المحتاج 8 / 144.
(2)
المقنع 3 / 526، 529، ومطالب أولي النهى 6 / 309، 314.
(3)
نهاية المحتاج 8 / 144، 146، والمقنع 3 / 527، والمغني مع الشرح الكبير 11 / 66.
تَرْكَهَا.
وَحُجَّتُهُمْ فِي قَوْلِهِمْ يَتْبَعُ أَخَسَّ الأَْصْلَيْنِ، أَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْهُمَا فَيَجْتَمِعُ فِيهِ حِلٌّ وَحُرْمَةٌ، فَيُغَلَّبُ جَانِبُ الْحُرْمَةِ احْتِيَاطًا. وَمِنَ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَ الْمَانِعُ وَالْمُقْتَضِي، أَوِ الْحَاظِرُ وَالْمُبِيحُ، غُلِّبَ جَانِبُ الْمَانِعِ الْحَاظِرِ احْتِيَاطًا (1) .
59 -
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الْبِغَال تَابِعَةٌ لِلأُْمِّ، فَالْبَغْل الَّذِي أُمُّهُ أَتَانٌ (حِمَارَةٌ) يُكْرَهُ أَكْل لَحْمِهِ تَحْرِيمًا تَبَعًا لأُِمِّهِ، وَاَلَّذِي أُمُّهُ فَرَسٌ يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِيهِ الْخَيْل: فَيَكُونُ مَكْرُوهًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُبَاحًا عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ. فَلَوْ فُرِضَ تَوَلُّدُهُ بَيْنَ حِمَارٍ وَبَقَرَةٍ، أَوْ بَيْنَ حِصَانٍ وَبَقَرَةٍ فَهُوَ مُبَاحٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْحَنَفِيَّةِ بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ، تَبَعًا لأُِمِّهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَمَا يُقَال فِي الْبِغَال يُقَال فِي كُل مُتَوَلِّدٍ بَيْنَ نَوْعَيْنِ مِنَ الْحَيَوَانِ، (2) فَالتَّبَعِيَّةُ لِلأُْمِّ هِيَ الْقَاعِدَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَيُعْرَفُ مِنَ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَحَاشِيَتِهِ لاِبْنِ عَابِدِينَ (3) أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلأُْمِّ وَلَوْ وَلَدَتِ الْمَأْكُولَةُ مَا صُورَتُهُ صُورَةُ غَيْرِ الْمَأْكُول، كَمَا لَوْ وَلَدَتِ الشَّاةُ ذِئْبًا فَإِنَّهُ يَحِل. (4)
60 -
وَالْمَالِكِيَّةُ أَيْضًا يَقُولُونَ بِقَاعِدَةِ التَّبَعِيَّةِ لِلأُْمِّ فِي الْحُكْمِ مَعَ بَعْضِ اخْتِلَافٍ: فَهُمْ يُقَيِّدُونَ ذَلِكَ بِأَلَاّ
(1) المجلة وشروحها، المادة / 46.
(2)
البدائع 5 / 37.
(3)
الدر المختار مع حاشية ابن عابدين 1 / 150، 5 / 193، 197.
(4)
وهذا يناقض ما في حاشية ابن عابدين، فإما أن يكون مبنيا على القول بأن المعتبر هو غلبة الشبه - كما قاله ملا مسكين - وإما أن يكون مبنيا على أن تبعية الأم مشروطة بكون المتولد مخالفا للأب في النوع.
يَأْتِيَ الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ نَوْعَيْنِ عَلَى صُورَةِ الْمُحَرَّمِ، فَإِنَّهُ عِنْدَئِذٍ يَحْرُمُ، وَإِنْ كَانَتِ الأُْمُّ مُبَاحَةً، كَمَا لَوْ وَلَدَتِ الشَّاةُ خِنْزِيرًا. وَكَذَلِكَ لَا يُجَوِّزُونَ أَكْل مُبَاحٍ وَلَدَتْهُ مُحَرَّمَةٌ، كَشَاةٍ مِنْ أَتَانٍ (وَفْقًا لِلْقَاعِدَةِ) وَلَا عَكْسُهُ أَيْضًا، كَأَتَانٍ مِنْ شَاةٍ (عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ) وَلَكِنَّ هَذَا الْوَلَدَ الَّذِي وَلَدَتْهُ الْمُحَرَّمَةُ عَلَى صُورَةِ الْمُبَاحِ إِذَا نَسَل يُؤْكَل نَسْلُهُ عِنْدَهُمْ حَيْثُ كَانَ عَلَى صُورَةِ الْمُبَاحِ، لِبُعْدِهِ عَنْ أُمِّهِ الْمُحَرَّمَةِ.
وَقَدْ ذَكَرُوا فِي الْبَغْل قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: التَّحْرِيمُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَثَانِيهِمَا: الْكَرَاهَةُ (1) دُونَ تَفْرِيقٍ أَيْضًا بَيْنَ كَوْنِ أُمِّهِ فَرَسًا أَوْ أَتَانًا، اعْتِمَادًا عَلَى أَدِلَّةٍ أُخْرَى فِي خُصُوصِ الْبَغْل غَيْرِ قَاعِدَةِ التَّوَلُّدِ.
61 -
وَحُجَّةُ مَنْ قَال: إِنَّ الْبَغْل يَتْبَعُ أُمَّهُ أَنَّهُ قَبْل خُرُوجِهِ مِنْهَا هُوَ جُزْءٌ مِنْهَا، فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَهَا: حِلًّا، وَحُرْمَةً، وَكَرَاهَةً، فَيَبْقَى هَذَا الْحُكْمُ بَعْدَ خُرُوجِهِ اسْتِصْحَابًا.
وَحُجَّةُ مَنْ أَطْلَقَ التَّحْرِيمَ أَوِ الْكَرَاهَةَ التَّحْرِيمِيَّةَ. مِنَ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى: {وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} . (2) فَقَدْ بَيَّنَتِ الآْيَةُ مَزَايَاهَا أَنَّهَا رَكَائِبُ وَزِينَةٌ، وَسَكَتَتْ عَنِ الأَْكْل فِي مَقَامِ الاِمْتِنَانِ فَيَدُل عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مَأْكُولَةٍ.
وَمِنَ السُّنَّةِ حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَال: حَرَّمَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي يَوْمَ خَيْبَرَ - لُحُومَ الْحُمُرِ الإِْنْسِيَّةِ وَلُحُومَ الْبِغَال، وَكُل ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ،
(1) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2 / 117، وبداية المجتهد 1 / 455، والخرشي علي الخليل 1 / 86.
(2)
سورة النحل / 8.