الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَابِ وَاخْتِلَافِ السَّلَفِ، فَذَهَبُوا إِلَى كَرَاهَةِ الْخَيْل احْتِيَاطًا، وَلأَِنَّ فِي أَكْلِهَا تَقْلِيل آلَةِ الْجِهَادِ. (1)
45 -
وَبِنَاءً عَلَى الْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ يُقَرِّرُ الْحَنَفِيَّةُ: أَنَّ سُؤْرَ الْفَرَسِ وَلَبَنَهَا طَاهِرَانِ، لأَِنَّ كَرَاهَةَ أَكْل الْخَيْل لَيْسَتْ لِنَجَاسَتِهَا، بَل لاِحْتِرَامِهَا، لأَِنَّهَا آلَةُ الْجِهَادِ، وَفِي تَوْفِيرِهَا إِرْهَابُ الْعَدُوِّ، (2) كَمَا يَقُول اللَّهُ تَعَالَى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْل تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} . (3)
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْهُ إِلَى الْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ، وَنَحْوُهُ قَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ بِالتَّحْرِيمِ، وَبِهِ جَزَمَ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ. (4)
وَحُجَّتُهُمْ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} (5) فَالاِقْتِصَارُ عَلَى الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ يَدُل عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مَأْكُولَةً، إِذْ لَوْ كَانَتْ مَأْكُولَةً لَقَال: وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ، كَمَا قَال قَبْل ذَلِكَ:{وَالأَْنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} . وَكَذَا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ أَكْل لُحُومِ الْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحَمِيرِ، وَكُل ذِي نَابٍ مِنَ
(1) البدائع 5 / 38 - 39، وحاشية ابن عابدين 1 / 148 و 5 / 193، ونهاية المحتاج 8 / 143، والمقنع 3 / 528، والمغني مع الشرح الكبير 11 / 66، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي 2 / 117، وحاشيتا الرهوني وكنون 3 / 39.
(2)
الدر المختار بحاشية رد المختار 5 / 193 - 194، ونقل هنا في رد المحتار عن الطحطاوي أن الخلاف في خيل البر، أما خيل البحر فلا تؤكل عند الحنفية اتفاقا.
(3)
سورة الأنفال / 60.
(4)
ابن عابدين 5 / 193، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 2 / 117.
(5)
سورة النحل / 8.
السِّبَاعِ، وَكُل ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ. (1)
وَلَمَّا كَانَتْ دَلَالَةُ الآْيَةِ وَالْحَدِيثِ عَلَى التَّحْرِيمِ غَيْرَ قَطْعِيَّةٍ كَانَ الْحُكْمُ هُوَ الْكَرَاهَةُ التَّحْرِيمِيَّةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَلَا مَانِعَ مِنْ تَسْمِيَتِهَا (تَحْرِيمًا) بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ هُوَ الْمَنْعُ بِالْمَعْنَى الشَّامِل لِمَا كَانَ دَلِيلُهُ قَطْعِيًّا أَوْ ظَنِّيًّا.
النَّوْعُ التَّاسِعُ: الْحِمَارُ الأَْهْلِيُّ:
46 -
ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - وَهُوَ الْقَوْل الرَّاجِحُ لِلْمَالِكِيَّةِ - إِلَى حُرْمَةِ أَكْلِهِ. وَنَحْوُهُ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ عَبَّرُوا بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ الَّتِي تَقْتَضِي الْمَنْعَ، وَسَوَاءٌ أَبَقِيَ عَلَى أَهْلِيَّتِهِ أَمْ تَوَحَّشَ.
وَمِنْ أَدِلَّةِ التَّحْرِيمِ أَوِ الْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ: حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَْهْلِيَّةِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ، فَأُكْفِئَتِ الْقُدُورُ وَإِنَّهَا لَتَفُورُ بِاللَّحْمِ. (2)
وَحَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمْرِ الأَْهْلِيَّةِ، وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْل. (3)
وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ نَقَل تَحْرِيمَ الْحُمُرِ الأَْهْلِيَّةِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ طَرِيقِ تِسْعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بِأَسَانِيدَ كَالشَّمْسِ، فَهُوَ نَقْل تَوَاتُرٍ لَا يَسَعُ أَحَدًا
(1) حديث خالد: " نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الخيل والبغال. . . . " ذكره ابن حزم (7 / 408 ط المنيرية) وأعله الإمام أحمد وغيره كذا في التلخيص (4 / 1 ط دار المحاسن) .
(2)
حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر مناديا فنادى. . . . . " أخرجه البخاري (الفتح 9 / 653 - ط السلفية) .
(3)
حديث جابر. سبق تخريجه (ف / 44) .