الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَانَتْ هَذِهِ الإِْرَاقَةُ لَا يُعْقَل السِّرُّ فِي التَّقَرُّبِ بِهَا، وَجَبَ الاِقْتِصَارُ فِي التَّقَرُّبِ بِهَا عَلَى الْوَقْتِ الَّذِي خَصَّهَا الشَّارِعُ بِهِ. فَلَا تُقْضَى بِعَيْنِهَا بَعْدَ فَوَاتِ وَقْتِهَا، بَل يَنْتَقِل التَّغَرُّبُ إِلَى التَّصَدُّقِ بِعَيْنِ الشَّاةِ حَيَّةً، أَوْ بِقِيمَتِهَا أَوْ بِقِيمَةِ أُضْحِيَّةٍ مُجْزِئَةٍ، فَمَنْ عَيَّنَ أُضْحِيَّةً شَاةً أَوْ غَيْرَهَا بِالنَّذْرِ أَوْ بِالشِّرَاءِ بِالنِّيَّةِ فَلَمْ يُضَحِّ بِهَا حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا حَيَّةً، لأَِنَّ الأَْصْل فِي الأَْمْوَال التَّقَرُّبُ بِالتَّصَدُّقِ بِهَا لَا بِالإِْتْلَافِ وَهُوَ الإِْرَاقَةُ. إِلَاّ أَنَّ الشَّارِعَ نَقَلَهُ إِلَى إِرَاقَةِ دَمِهَا مُقَيَّدَةً بِوَقْتٍ مَخْصُوصٍ حَتَّى أَنَّهُ يَحِل أَكْل لَحْمِهَا لِلْمَالِكِ وَالأَْجْنَبِيِّ وَالْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، لأَِنَّ النَّاسَ أَضْيَافُ اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذَا الْوَقْتِ.
43 -
وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِالْبَهِيمَةِ حَيَّةً لَمْ يَحِل لَهُ ذَبْحُهَا وَلَا الأَْكْل مِنْهَا وَلَا إِطْعَامُ الأَْغْنِيَاءِ وَلَا إِتْلَافُ شَيْءٍ مِنْهَا، فَإِنْ ذَبَحَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهَا مَذْبُوحَةً، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا بَعْدَ الذَّبْحِ أَقَل مِنْ قِيمَتِهَا حَيَّةً تَصَدَّقَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ فَضْلاً عَنِ التَّصَدُّقِ بِهَا. فَإِنْ أَكَل مِنْهَا بَعْدَ الذَّبْحِ شَيْئًا أَوْ أَطْعَمَ مِنْهَا غَنِيًّا أَوْ أَتْلَفَ شَيْئًا وَجَبَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِقِيمَتِهِ.
44 -
وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ التَّضْحِيَةُ وَلَمْ يُضَحِّ حَتَّى فَاتَ الْوَقْتُ ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُوصِيَ بِالتَّصَدُّقِ بِقِيمَةِ شَاةٍ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، لأَِنَّ الْوَصِيَّةَ هِيَ الطَّرِيقُ إِلَى تَخْلِيصِهِ مِنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ. هَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ. (1)
وَلِلإِْيصَاءِ بِالتَّضْحِيَةِ صُوَرٌ نَكْتَفِي بِالإِْشَارَةِ إِلَيْهَا، وَلِتَفْصِيلِهَا وَبَيَانِ أَحْكَامِهَا (ر: وَصِيَّةٌ) .
(1) البدائع 5 / 68 - 69.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: مَنْ لَمْ يُضَحِّ حَتَّى فَاتَ الْوَقْتُ فَإِنْ كَانَتْ مَسْنُونَةً - وَهُوَ الأَْصْل - لَمْ يُضَحِّ، وَفَاتَتْهُ تَضْحِيَةُ هَذَا الْعَامِ، فَإِنْ ذَبَحَ وَلَوْ بِنِيَّةِ التَّضْحِيَةِ لَمْ تَكُنْ ذَبِيحَتُهُ أُضْحِيَّةً، وَيُثَابُ عَلَى مَا يُعْطِي الْفُقَرَاءَ مِنْهَا ثَوَابَ الصَّدَقَةِ. وَإِنْ كَانَتْ مَنْذُورَةً لَزِمَهُ أَنْ يُضَحِّيَ قَضَاءً، وَهُوَ رَأْيٌ لِبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ، لأَِنَّهَا قَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فَلَمْ تَسْقُطْ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ، فَإِذَا وَجَبَتِ الأُْضْحِيَّةُ بِإِيجَابِهِ لَهَا فَضَلَّتْ أَوْ سُرِقَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لأَِنَّهَا أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، فَإِنْ عَادَتْ إِلَيْهِ ذَبَحَهَا سَوَاءٌ أَكَانَتْ عَوْدَتُهَا فِي زَمَنِ الأُْضْحِيَّةِ أَوْ بَعْدَهُ. (1)
فَإِذَا مَضَى الْوَقْتُ وَلَمْ يُضَحِّ بِالشَّاةِ الْمُعَيَّنَةِ عَادَ الْحُكْمُ إِلَى الأَْصْل، وَهُوَ التَّصَدُّقُ بِعَيْنِ الأُْضْحِيَّةِ حَيَّةً سَوَاءٌ أَكَانَ الَّذِي عَيَّنَهَا مُوسِرًا أَمْ مُعْسِرًا أَوْ بِقِيمَتِهَا. وَفِي هَذِهِ الْحَال لَا تَحِل لَهُ وَلَا لأَِصْلِهِ وَلَا لِفَرْعِهِ وَلَا لِغَنِيٍّ.
مَا يُسْتَحَبُّ قَبْل التَّضْحِيَةِ:
45 -
يُسْتَحَبُّ قَبْل التَّضْحِيَةِ أُمُورٌ:
(1)
أَنْ يَرْبِطَ الْمُضَحِّي الأُْضْحِيَّةَ قَبْل يَوْمِ النَّحْرِ بِأَيَّامٍ، لِمَا فِيهِ مِنَ الاِسْتِعْدَادِ لِلْقُرْبَةِ وَإِظْهَارِ الرَّغْبَةِ فِيهَا، فَيَكُونُ لَهُ فِيهِ أَجْرٌ وَثَوَابٌ.
(2)
أَنْ يُقَلِّدَهَا (2) وَيُجَلِّلَهَا (3) قِيَاسًا عَلَى الْهَدْيِ، لأَِنَّ ذَلِكَ يُشْعِرُ بِتَعْظِيمِهَا، قَال تَعَالَى:{وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} . (4)
(1) المجموع للنووي 8 / 388، والمغني 11 / 115، 116.
(2)
التقليد: تعليق شيء في عنق الحيوان ليعلم أنه هدي أو أضحية.
(3)
والتجليل: إلباس الدابة الجل بضم الجيم، ويجوز فتحها مع تشديد اللام، وهو ما تغطى به الدابة لصيانتها.
(4)
سورة الحج / 32.