الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأَْوَّل: تَحْرِيمُ شُرْبِهَا قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا:
7 -
ثَبَتَتْ حُرْمَةُ الْخَمْرِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَإِجْمَاعِ الأُْمَّةِ. أَمَّا الْكِتَابُ. فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَْنْصَابُ وَالأَْزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَل الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَل أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} . (1) وَتَحْرِيمُ الْخَمْرِ كَانَ بِتَدْرِيجٍ وَبِمُنَاسَبَةِ حَوَادِثَ مُتَعَدِّدَةٍ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُولَعِينَ بِشُرْبِهَا. وَأَوَّل مَا نَزَل صَرِيحًا فِي التَّنْفِيرِ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُل فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} (2) فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآْيَةُ تَرَكَهَا بَعْضُ النَّاسِ، وَقَالُوا: لَا حَاجَةَ لَنَا فِيمَا فِيهِ إِثْمٌ كَبِيرٌ، وَلَمْ يَتْرُكْهَا بَعْضُهُمْ، وَقَالُوا: نَأْخُذُ مَنْفَعَتَهَا، وَنَتْرُكُ إِثْمَهَا. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآْيَةُ:{لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} (3) فَتَرَكَهَا بَعْضُ النَّاسِ، وَقَالُوا: لَا حَاجَةَ لَنَا فِيمَا يُشْغِلُنَا عَنِ الصَّلَاةِ، وَشَرِبَهَا بَعْضُهُمْ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتْ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ. . .} الآْيَةَ. فَصَارَتْ حَرَامًا عَلَيْهِمْ، حَتَّى صَارَ يَقُول بَعْضُهُمْ: مَا حَرَّمَ اللَّهُ شَيْئًا أَشَدَّ مِنَ الْخَمْرِ 8 - وَقَدْ أَكَّدَ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ بِوُجُوهٍ مِنَ التَّأْكِيدِ: مِنْهَا: تَصْدِيرُ الْجُمْلَةِ بِإِنَّمَا. وَمِنْهَا: أَنَّهُ سبحانه وتعالى قَرَنَهُمَا بِعِبَادَةِ الأَْصْنَامِ.
(1) سورة المائدة / 90 - 91.
(2)
سورة البقرة / 219.
(3)
سورة النساء / 43.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ جَعَلَهُمَا رِجْسًا. وَمِنْهَا: أَنَّهُ جَعَلَهُمَا مِنْ عَمَل الشَّيْطَانِ، وَالشَّيْطَانُ لَا يَأْتِي مِنْهُ إِلَاّ الشَّرُّ الْبَحْتُ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ أَمَرَ بِاجْتِنَابِهِمَا. وَمِنْهَا: أَنَّهُ جَعَل الاِجْتِنَابَ مِنَ الْفَلَاحِ، وَإِذَا كَانَ الاِجْتِنَابُ فَلَاحًا كَانَ الاِرْتِكَابُ خَيْبَةً وَمَمْحَقَةً. وَمِنْهَا: أَنَّهُ ذَكَرَ مَا يَنْتُجُ مِنْهُمَا مِنَ الْوَبَال، وَهُوَ وُقُوعُ التَّعَادِي وَالتَّبَاغُضِ مِنْ أَصْحَابِ الْخَمْرِ وَالْقِمَارِ، وَمَا يُؤَدِّيَانِ إِلَيْهِ مِنَ الصَّدِّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَعَنْ مُرَاعَاةِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى:{فَهَل أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} مِنْ أَبْلَغِ مَا يُنْهَى بِهِ، كَأَنَّهُ قِيل: قَدْ تُلِيَ عَلَيْكُمْ مَا فِيهِمَا مِنْ أَنْوَاعِ الصَّوَارِفِ وَالْمَوَانِعِ، فَهَل أَنْتُمْ مَعَ هَذِهِ الصَّوَارِفِ مُنْتَهُونَ، أَمْ أَنْتُمْ عَلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ، كَأَنْ لَمْ تُوعَظُوا وَلَمْ تُزْجَرُوا (1) . 9 - وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا. وَقَدْ قَال جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ: كُل شَرَابٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ حَرُمَ قَلِيلُهُ، فَيَعُمُّ الْمُسْكِرَ مِنْ نَقِيعِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَغَيْرِهِمَا، لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الآْيَةِ الْكَرِيمَةِ وَلِلأَْحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ التَّالِيَةِ: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَال: {كُل شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ} . (2)
(1) تفسير الزمخشري 1 / 674 - 675 نشر دار الكتاب العربي، وتفسير القرطبي 6 / 285 وما بعدها مطبعة دار الكتب، وتفسير الطبري 7 / 31 وما بعدها ط مصطفى الحلبي، وتفسير الرازي 2 / 179 وما بعدها المطبعة البهية، وتفسير الآلوسي 7 / 15 وما بعدها الطباعة المنيرية.
(2)
حديث: " كل شراب أسكر فهو حرام ". أخرجه البخاري (10 / 41 - الفتح - ط السلفية) ومسلم (3 / 1585 - ط الحلبي) .
وَقَال عليه الصلاة والسلام: {كُل مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُل خَمْرٍ حَرَامٌ} . (1) وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَال: {أَنْهَاكُمْ عَنْ قَلِيل مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ} . (2) وَعَنِ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَال: {مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ} . (3) وَقَال عليه الصلاة والسلام: {كُل مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَا أَسْكَرَ مِنْهُ الْفَرَقُ (4) فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ} . (5) وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: {نَهَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كُل مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ} . (6)
(1) الحديث تقدم (ف 4) .
(2)
حديث: " أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره " أخرجه الدارقطني (4 / 251 - ط دار المحاسن بالقاهرة) والنسائي (8 / 301 - ط المكتبة التجارية) وجوده المنذري في مختصر السنن (5 / 267 نشر دار المعرفة) .
(3)
حديث: " ما أسكر كثيره فقليله حرام ". أخرجه ابن ماجه (2 / 1125 - ط الحلبي) والدارقطني (4 / 254 - ط دار المحاسن بالقاهرة) . وصححه ابن حجر في الفتح (10 / 43 - ط السلفية) .
(4)
الفرق (بفتح الراء) مكيال يسع ستة عشر رطلا، والفرق (بالسكون) هو ما يسع مائة وعشرين رطلا، وهو المراد في الحديث - (النهاية لابن الأثير ولسان العرب مادة: فرق) .
(5)
حديث: " كل مسكر حرام، وما أسكر منه الفرق، فملء الكفء منه حرام ". أخرجه أبو داود والترمذي وابن حبان من حديث عائشة رضي الله عنها، قال الترمذي: هذا حديث حسن، وأقره المنذري. قال الشوكاني: أعله الدارقطني بالوقف (عون المعبود 3 / 379 ط الهندية، وتحفة الأحوذي 5 / 607 نشر المكتبة السلفية، وموارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان ص 336 نشر دار الكتب العلمية، ونيل الأوطار 9 / 65، 66 نشر دار الجيل 1973 م) .
(6)
حديث: " نهى عن كل مسكر ومفتر " أخرجه أبو داود من حديث أم سلمة رضي الله عنها. قال المنذري: فيه شهر بن حوشب وثقه الإمام أحمد بن حنيل ويحيى بن معين، وتكلم فيه غير واحد. قال الشوكاني: هذا الحديث صالح للاحتجاج به. قال عبد القادر الأرناؤوط محقق جامع الأصول: وفي سنده ضعف وقد حسنه الحافظ في الفتح، كما أن في إسناده الحكم بن عتيبة. وجامع الأصول 5 / 93 نشر مكتبة الحلواني، وتهذيب التهذيب 2 / 432 - 434 ط دار صادر) . قال الخطابي: المفتر كل شراب يورث الفتور والخدر في الأعضاء، وهذا لاشك أنه متناول لجميع أنواعه الأشربة المسكرة. (التفسير الكبير 6 / 45) .
فَهَذِهِ الأَْحَادِيثُ كُلُّهَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ كُل مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمِنْهَا مَا يَدُل عَلَى تَسْمِيَةِ كُل مُسْكِرٍ خَمْرًا، وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:{كُل مُسْكِرٍ خَمْرٌ} . كَمَا يَدُل بَعْضُهَا عَلَى أَنَّ الْمُسْكِرَ حَرَامٌ لِعَيْنِهِ، قَل أَوْ كَثُرَ، سَكِرَ مِنْهُ شَارِبُهُ أَوْ لَمْ يَسْكَرْ، وَهَذَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ (1) . وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ النِّيءَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ إِذَا غَلَى وَاشْتَدَّ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ، وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، هُوَ الْخَمْرُ الَّتِي يَحْرُمُ شُرْبُ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا إِلَاّ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، لأَِنَّهَا مُحَرَّمَةُ الْعَيْنِ، فَيَسْتَوِي فِي الْحُرْمَةِ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا. أَمَّا عَصِيرُ غَيْرِ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ، أَوِ الْمَطْبُوخُ مِنْهُمَا بِشَرْطِهِ، فَلَيْسَ حَرَامًا لِعَيْنِهِ (2) . وَمِنْ هُنَا فَلَا يَحْرُمُ إِلَاّ السُّكْرُ مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ. وَأَمَّا السَّكَرُ وَالْفَضِيخُ وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ، فَيَحْرُمُ شُرْبُ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الأَْحَادِيثِ، وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:{الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ} . (3) وَأَشَارَ عليه الصلاة والسلام
(1) مغني المحتاج 4 / 187، والمغني 8 / 304، والمدونة 6 / 261، وكشاف القناع 6 / 117، والتفسير الكبير 6 / 44 - 45.
(2)
هذه الأشياء تصنع من التمر أو من العنب كما تقدم.
(3)
حديث: " الخمر من هاتين الشجرتين " أخرجه مسلم (3 / 1573 ط الحلبي) ، وأبو داود (4 / 84 - 85 ط عزت عبيد دعاس) . وحصر الأحناف الخمر في التمر والعنب بناء على هذا الحديث، وخالفهم الجمهور، فقالوا: ليس في الحديث حصر، ويجوز أن تكون الخمرة من غير هاتين الشجرتين. (انظر المغني 8 / 304 - 305، والمدونة 6 / 261، والمحلى 7 / 493 وما بعدها) .