الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَسَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ لِلتَّطَوُّعِ أَمْ لِنَذْرٍ فِي الذِّمَّةِ، وَمِثْلُهُ الْجُعْل كَأَنْ يَقُول: جَعَلْتُ هَذِهِ الشَّاةَ أُضْحِيَّةً، فَالنِّيَّةُ فِي هَذَا كُلِّهِ تَكْفِي عَنِ النِّيَّةِ عِنْدَ الذَّبْحِ، وَأَمَّا الْمَنْذُورَةُ الْمُعَيَّنَةُ فَلَا تَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ كَمَا سَبَقَ. هَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَتَكْفِي عِنْدَهُمُ النِّيَّةُ السَّابِقَةُ عِنْدَ الشِّرَاءِ أَوِ التَّعْيِينِ (1) .
37 -
(الشَّرْطُ الثَّالِثُ) : أَلَاّ يُشَارِكَ الْمُضَحِّي فِيمَا يَحْتَمِل الشَّرِكَةَ مَنْ لَا يُرِيدُ الْقُرْبَةَ رَأْسًا
، فَإِنْ شَارَكَ لَمْ يَصِحَّ عَنِ الأُْضْحِيَّةِ.
وَإِيضَاحُ هَذَا، أَنَّ الْبَدَنَةَ (2) وَالْبَقَرَةَ كُلٌّ مِنْهُمَا يُجْزِئُ عَنْ سَبْعَةٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا مَرَّ.
فَإِذَا اشْتَرَكَ فِيهَا سَبْعَةٌ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُرِيدًا لِلْقُرْبَةِ، وَإِنِ اخْتَلَفَ نَوْعُهَا. فَلَوِ اشْتَرَى سَبْعَةٌ أَوْ أَقَل بَدَنَةً، أَوِ اشْتَرَاهَا وَاحِدٌ بِنِيَّةِ التَّشْرِيكِ فِيهَا، ثُمَّ شَرِكَ فِيهَا سِتَّةً أَوْ أَقَل، وَأَرَادَ وَاحِدٌ مِنْهُمُ التَّضْحِيَةَ، وَآخَرُ هَدْيَ الْمُتْعَةِ، وَثَالِثٌ هَدْيَ الْقِرَانِ، وَرَابِعٌ كَفَّارَةَ الْحَلِفِ، وَخَامِسٌ كَفَّارَةَ الدَّمِ عَنْ تَرْكِ الْمِيقَاتِ، وَسَادِسٌ هَدْيَ التَّطَوُّعِ، وَسَابِعٌ الْعَقِيقَةَ عَنْ وَلَدِهِ أَجْزَأَتْهُمْ الْبَدَنَةُ. بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ يُرِيدُ سُبْعَهَا لِيَأْكُلَهُ، أَوْ لِيُطْعِمَ أَهْلَهُ، أَوْ لِيَبِيعَهُ، فَلَا تُجْزِئُ عَنِ الآْخَرِينَ الَّذِينَ أَرَادُوا الْقُرْبَةَ.
(1) الإنصاف 4 / 93 - 94، والمغني 8 / 642، وحاشية الدسوقي 2 / 123.
(2)
البدنة بفتح الباء والدال تشمل الإبل والبقر فتطلق على الثور والبقرة والجمل والناقة، وسميت بذلك لضخامة بدنها، وتجمع على " بدن " بضم الباء وسكون الدال، وبعضهم يخصها بالإبل فتعطف عليها البقرة فيقول:" تجزئ البدنة والبقرة كل منهما عن سبعة "
هَذَا قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ.
وَذَلِكَ، لأَِنَّ الْقُرْبَةَ الَّتِي فِي الأُْضْحِيَّةِ، وَفِي هَذِهِ الأَْنْوَاعِ كُلِّهَا إِنَّمَا هِيَ فِي إِرَاقَةِ الدَّمِ، وَإِرَاقَةُ الدَّمِ فِي الْبَدَنَةِ الْوَاحِدَةِ لَا تَتَجَزَّأُ، لأَِنَّهَا ذَبْحٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الإِْرَاقَةُ قُرْبَةً مِنْ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ تَكُنْ قُرْبَةً مِنَ الْبَاقِينَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الإِْرَاقَةُ قُرْبَةً مِنَ الْجَمِيعِ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ جِهَتُهَا، أَوْ كَانَ بَعْضُهَا وَاجِبًا وَبَعْضُهَا تَطَوُّعًا.
وَقَال زُفَرُ: لَا يُجْزِئُ الذَّبْحُ عَنِ الأُْضْحِيَّةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الْقُرَبِ عِنْدَ الاِشْتِرَاكِ، إِلَاّ إِذَا كَانَ الْمُشْتَرِكُونَ مُتَّفِقِينَ فِي جِهَةِ الْقُرْبَةِ، كَأَنْ يَشْتَرِكَ سَبْعَةٌ كُلُّهُمْ يُرِيدُ الأُْضْحِيَّةَ، أَوْ سَبْعَةٌ كُلُّهُمْ يُرِيدُ جَزَاءَ الصَّيْدِ، فَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي الْجِهَةِ لَمْ يَصِحَّ الذَّبْحُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، لأَِنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى الاِشْتِرَاكَ، إِذِ الذَّبْحُ فِعْل وَاحِدٍ لَا يَتَجَزَّأُ، فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَقَعَ بَعْضُهُ عَنْ جِهَةٍ، وَبَعْضُهُ عَنْ جِهَةٍ أُخْرَى، لَكِنْ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَل كَقُرْبَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ عِنْدَ الاِخْتِلَافِ، فَبَقِيَ الأَْمْرُ فِيهِ مَرْدُودًا إِلَى الْقِيَاسِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَرِهَ الاِشْتِرَاكَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِهَةِ، وَقَال: لَوْ كَانَ هَذَا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ، وَهَكَذَا قَال أَبُو يُوسُفَ (1) .
38 -
وَلَوِ اشْتَرَى رَجُلٌ بَقَرَةً يُرِيدُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا، ثُمَّ أَشْرَكَ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ غَيْرَهُ، فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا حِينَ اشْتَرَاهَا فَقَدْ أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ كَمَا سَبَقَ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشْرِكَ فِيهَا غَيْرَهُ. وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا مُقِيمًا، وَقَدِ اشْتَرَاهَا قَبْل وَقْتِ الْوُجُوبِ، أَوْ غَنِيًّا مُسَافِرًا فَكَذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا مُقِيمًا، وَاشْتَرَاهَا بَعْدَ وَقْتِ
(1) حاشية ابن عابدين 5 / 207، 208 ط بولاق.