الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ر: ف 46) . فَإِنْ عَادَ إِلَى التَّوَحُّشِ رَجَعَ مُبَاحًا كَمَا كَانَ. (1)
النَّوْعُ الْخَامِسُ: كُل طَائِرٍ لَهُ مِخْلَبٌ صَائِدٌ:
31 -
وَذَلِكَ كَالْبَازِي وَالْبَاشِقِ وَالصَّقْرِ وَالشَّاهِينِ وَالْحِدَأَةِ وَالْعُقَابِ، وَهَذَا النَّوْعُ - بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنِ الأَْمْثِلَةِ - مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَحَرَامٌ فِي بَاقِي الْمَذَاهِبِ، (2) إِلَاّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَقَدْ قَالُوا فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُمْ: إِنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الطُّيُورِ مُبَاحَةٌ وَلَوْ كَانَتْ جَلَاّلَةً (3) ، وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ عَدَمُ جَوَازِ أَكْلِهَا. وَمَال الْمَازِرِيُّ لِحَمْل النَّهْيِ عَلَى التَّنْزِيهِ. (4)
32 -
وَمِنْ أَدِلَّةِ تَحْرِيمِ هَذَا النَّوْعِ أَوْ كَرَاهَتِهِ كَرَاهَةً تَحْرِيمِيَّةً حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ أَكْل كُل ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَعَنْ كُل ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ. (5) وَالْمُرَادُ مِخْلَبٌ يَصِيدُ بِهِ، إِذْ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى ذَا مِخْلَبٍ عِنْدَ الْعَرَبِ إِلَاّ الصَّائِدُ بِمِخْلَبِهِ وَحْدَهُ.
وَأَمَّا الدِّيكُ وَالْعَصَافِيرُ وَالْحَمَامُ وَسَائِرُ مَا لَا يَصِيدُ بِمِخْلَبِهِ فَلَا تُسَمَّى ذَوَاتَ مَخَالِبَ فِي اللُّغَةِ، (6) لأَِنَّ
(1) انظر المراجع الآتية في النوع الثامن: الخيل (ف / 44 حاشية) .
(2)
البدائع 5 / 39، ونهاية المحتاج 8 / 144، والمقنع 3 / 527، والمحلى 7 / 403، والبحر الزخار 4 / 329.
(3)
الجلالة مأخوذة من الجلة (بتثليث الجيم وتشديد اللام) وهي البعر ونحوه من روث الحيوان، فسميت الدابة جلالة إذا كانت تتغذى بالجلة ونحوها من النجاسات كما في القاموس.
(4)
الوهوني وكنون 3 / 39.
(5)
حديث ابن عباس: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل ذي ناب من السباع. . ". أخرجه مسلم (3 / 1534 - ط الحلبي) .
(6)
المحلى 4 / 405.
مَخَالِبَهَا لِلاِسْتِمْسَاكِ وَالْحَفْرِ بِهَا، وَلَيْسَتْ لِلصَّيْدِ وَالاِفْتِرَاسِ.
وَاسْتَدَل الْمَالِكِيَّةُ بِالْحَصْرِ الَّذِي فِي قَوْله تَعَالَى: {قُل لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِّل لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} . (1)
النَّوْعُ السَّادِسُ: الطَّائِرُ الَّذِي لَا يَأْكُل إِلَاّ الْجِيَفَ غَالِبًا:
33 -
اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى تَحْرِيمِ الْغُرَابِ الأَْسْوَدِ الْكَبِيرِ وَالْغُرَابِ الأَْبْقَعِ، إِلَاّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ عَبَّرُوا بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ. وَالْمَقْصُودُ وَاحِدٌ، وَهُوَ مَنْعُ الشَّارِعِ الأَْكْل، وَمَعْلُومٌ أَنَّ دَلِيل الْمَنْعِ لَيْسَ قَطْعِيًّا، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ يَصِحُّ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْهُ بِالتَّحْرِيمِ وَبِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ. وَكِلَا النَّوْعَيْنِ لَا يَأْكُل غَالِبًا إِلَاّ الْجِيَفَ، فَهُمَا مُسْتَخْبَثَانِ عِنْدَ ذَوِي الطَّبَائِعِ السَّلِيمَةِ، وَيَدْخُل فِي هَذَا النَّوْعِ النَّسْرُ، لأَِنَّهُ لَا يَأْكُل سِوَى اللَّحْمِ مِنْ جِيَفٍ وَسِوَاهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَا مِخْلَبٍ صَائِدٍ. (2)
34 -
وَيَحِل غُرَابُ الزَّرْعِ، وَهُوَ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: الزَّاغُ وَهُوَ غُرَابٌ أَسْوَدُ صَغِيرٌ، وَقَدْ يَكُونُ مُحْمَرَّ الْمِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ.
وَثَانِيهِمَا: الْغُدَافُ الصَّغِيرُ، وَهُوَ غُرَابٌ صَغِيرٌ لَوْنُهُ كَلَوْنِ الرَّمَادِ، وَكِلَاهُمَا يَأْكُل الزَّرْعَ وَالْحَبَّ وَلَا يَأْكُل الْجِيَفَ. وَبِحِلِّهِمَا أَيْضًا قَال الشَّافِعِيَّةُ
(1) سورة الأنعام / 145.
(2)
أي: بل له منسر، وهو من الطائر الجارح شبيه المنقار لغير الجارح، أما المخلب فهو شبيه الظفر للإنسان. . (المصباح: خلب ونسر، وحياة الحيوان للدميري 2 / 410 ط بولاق) .
وَالْحَنَابِلَةُ. (1)
35 -
وَأَمَّا الْعَقْعَقُ، وَهُوَ غُرَابٌ نَحْوُ الْحَمَامَةِ حَجْمًا، طَوِيل الذَّنَبِ فِيهِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ، فَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، حَلَالٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَالأَْصَحُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ حِلُّهُ، لأَِنَّهُ يُخْلَطُ فَيَأْكُل الْجِيَفَ وَالْحَبَّ، فَلَا يَكُونُ مُسْتَخْبَثًا.
36 -
وَلَيْسَتِ الْعِبْرَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِالأَْسْمَاءِ، وَلَا بِالْكِبَرِ وَالصِّغَرِ، وَلَا بِالأَْلْوَانِ، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ بِنَوْعِ غِذَائِهِ: فَاَلَّذِي لَا يَأْكُل إِلَاّ الْجِيَفَ غَالِبًا مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا، وَاَلَّذِي يَخْلِطُ حَلَالٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لأَِبِي يُوسُفَ، وَاَلَّذِي لَا يَأْكُل الْجِيَفَ حَلَالٌ اتِّفَاقًا، هَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ. (2)
37 -
وَالْمَالِكِيَّةِ أَبَاحُوا الْغِرْبَانَ كُلَّهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ عَدَمُ جَوَازِ آكِلَةِ الْجِيَفِ. (3)
38 -
وَحُجَّةُ الْقَائِلِينَ بِتَحْرِيمِ الْغِرْبَانِ أَوْ كَرَاهَتِهَا التَّحْرِيمِيَّةِ (إِلَاّ مَا اسْتُثْنِيَ) حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: خَمْسُ فَوَاسِقَ تُقْتَلْنَ فِي الْحِل وَالْحَرَمِ: الْحَيَّةُ، وَالْغُرَابُ الأَْبْقَعُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْحُدَيَّا. (4) وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَيْضًا أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: خَمْسٌ
(1) نهاية المحتاج 8 / 143، والمقنع 3 / 527.
(2)
البدائع 5 / 40، وحاشية ابن عابدين على الدر المختار 5 / 194.
(3)
الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 2 / 119، ونهاية المحتاج 8 / 143، والمقنع 3 / 527.
(4)
الحديا: (بضم الحاء وتشديد الياء) تصغير: الحدأة، وزان (عتبة) وهي طائر من الجوارح (وتسميها العامة الحداية) وجمعها حدأ كعنب، وحداء ككساء. والمراد بالفواسق هنا: المؤذيات.
مِنَ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ، يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ: الْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ (1) وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ: الْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ. (2)
فَالْغُرَابُ الأَْبْقَعُ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ أُبِيحَ قَتْلُهُ، وَكَذَا سَائِرُ الْغِرْبَانِ الَّتِي يَدُل عَلَيْهَا عُمُومُ لَفْظِ " الْغُرَابِ " فِي الأَْحَادِيثِ الأُْخْرَى.
وَمَا أُبِيحَ قَتْلُهُ فَلَا ذَكَاةَ لَهُ، لأَِنَّ كَلِمَةَ الْقَتْل مَتَى أُطْلِقَتْ تَنْصَرِفُ إِلَى إِزْهَاقِ الرُّوحِ بِأَيَّةِ وَسِيلَةٍ اسْتَطَاعَهَا الإِْنْسَانُ، فَلَوْ حَل بِالذَّكَاةِ لَكَانَ إِزْهَاقُ رُوحِهِ بِغَيْرِهَا إِضَاعَةً لِلْمَال، وَقَدْ نَهَى عليه الصلاة والسلام عَنْ إِضَاعَةِ الْمَال.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُرْوَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال: مَنْ يَأْكُل الْغُرَابَ وَقَدْ سَمَّاهُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسِقًا؟ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَال: كَرِهَ رِجَالٌ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ أَكْل الْحِدَاءِ وَالْغُرَابِ حَيْثُ سَمَّاهُمَا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ فَوَاسِقِ الدَّوَابِّ الَّتِي تُقْتَل فِي الْحَرَمِ.
39 -
وَحُجَّةُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ إِبَاحَةَ الْقَتْل لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى تَحْرِيمِ الأَْكْل لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُل لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ. . .} الآْيَةَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْغُرَابَ لَيْسَ فِي الآْيَةِ، فَيَكُونُ مُبَاحَ الأَْكْل.
(1) حديث عائشة: " خمس من الدواب كلهن فاسق. . . . " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 34) ومسلم (2 / 857 - ط الحلبي) .
(2)
حديث ابن عمر: " خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهم من جناح. . . " أخرجه مسلم (2 / 858 - ط الحلبي) .