الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
34 -
وَلَوْ أَوْدَعَ رَجُلٌ رَجُلاً شَاةً، فَضَحَّى بِهَا عَنْ نَفْسِهِ، فَاخْتَارَ صَاحِبُهَا الْقِيمَةَ فَأَخَذَهَا، فَإِنَّ الشَّاةَ لَا تَكُونُ أُضْحِيَّةً عَنِ الذَّابِحِ، بِخِلَافِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْمُسْتَحَقَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الضَّمَانِ فِي الْوَدِيعَةِ هُوَ الذَّبْحُ، فَلَا يُعْتَبَرُ الذَّابِحُ مَالِكًا إِلَاّ بَعْدَ الذَّبْحِ، فَحِينَ الذَّبْحِ لَمْ يَذْبَحْ مَا هُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ، فَلَمْ يُجْزِئْهُ أُضْحِيَّةً، وَسَبَبُ وُجُوبِ الضَّمَانِ فِي الْغَصْبِ وَالاِسْتِحْقَاقِ هُوَ الأَْخْذُ السَّابِقُ عَلَى الذَّبْحِ، وَالضَّمَانُ يُوجِبُ الْمِلْكِيَّةَ كَمَا سَبَقَ، فَيَكُونُ الذَّابِحُ فِي حَالَتَيِ الْغَصْبِ وَالاِسْتِحْقَاقِ ذَابِحًا مَا هُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ فَيُجْزِئُ عَنْهُ.
وَمَا قِيل فِي الْوَدِيعَةِ يُقَال فِي الْعَارِيَّةِ وَالْمُسْتَأْجَرَةِ (1) .
النَّوْعُ الثَّانِي: شَرَائِطُ تَرْجِعُ إِلَى الْمُضَحِّي
يُشْتَرَطُ فِي الْمُضَحِّي لِصِحَّةِ التَّضْحِيَةِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ:
35 -
(الشَّرْطُ الأَْوَّل) : نِيَّةُ التَّضْحِيَةِ:
لأَِنَّ الذَّبْحَ قَدْ يَكُونُ لِلَّحْمِ، وَقَدْ يَكُونُ لِلْقُرْبَةِ، وَالْفِعْل لَا يَقَعُ قُرْبَةً إِلَاّ بِالنِّيَّةِ، قَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا الأَْعْمَال بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُل امْرِئٍ مَا نَوَى. (2)
وَالْمُرَادُ بِالأَْعْمَال الْقُرُبَاتُ، ثُمَّ إِنَّ الْقُرُبَاتِ مِنَ الذَّبَائِحِ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ، كَهَدْيِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَالإِْحْصَارِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَكَفَّارَةِ الْحَلِفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَلَا تَتَعَيَّنُ الأُْضْحِيَّةُ مِنْ بَيْنِ هَذِهِ الْقُرُبَاتِ إِلَاّ بِنِيَّةِ التَّضْحِيَةِ، وَتَكْفِي النِّيَّةُ بِالْقَلْبِ دُونَ التَّلَفُّظِ بِهَا كَمَا فِي الصَّلَاةِ، لأَِنَّ
(1) البدائع 5 / 77 - 78.
(2)
حديث: " إنما الأعمال بالنيات " أخرجه البخاري (الفتح 1 / 9 - ط السلفية) ، ومسلم (3 / 1515 - 1516 - ط الحلبي) .
النِّيَّةَ عَمَل الْقَلْبِ، وَالذِّكْرُ بِاللِّسَانِ دَلِيلٌ عَلَى مَا فِيهِ.
وَقَدِ اتَّفَقَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ. (1)
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِاسْتِثْنَاءِ الْمُعَيَّنَةِ بِالنَّذْرِ، كَأَنْ قَال بِلِسَانِهِ - مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ بِقَلْبِهِ - لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَذِهِ الشَّاةِ، فَإِنَّ نَذْرَهُ يَنْعَقِدُ بِاللَّفْظِ وَلَوْ بِلَا نِيَّةٍ، وَلَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ عِنْدَ ذَبْحِهَا، بِخِلَافِ الْمَجْعُولَةِ، بِأَنْ قَال بِلِسَانِهِ: جَعَلْتُ هَذِهِ الشَّاةَ أُضْحِيَّةً، فَإِنَّ إِيجَابَهُ يَنْعَقِدُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ عِنْدَ النُّطْقِ، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنَ النِّيَّةِ عِنْدَ ذَبْحِهَا إِنْ لَمْ يَنْوِ عِنْدَ النُّطْقِ.
وَقَالُوا: لَوْ وَكَّل فِي الذَّبْحِ كَفَتْ نِيَّتُهُ وَلَا حَاجَةَ لِنِيَّةِ الْوَكِيل، بَل لَا حَاجَةَ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهَا أُضْحِيَّةٌ.
وَقَالُوا أَيْضًا: يَجُوزُ لِصَاحِبِ الأُْضْحِيَّةِ أَنْ يُفَوِّضَ فِي نِيَّةِ التَّضْحِيَةِ مُسْلِمًا مُمَيِّزًا يَنْوِي عِنْدَ الذَّبْحِ أَوِ التَّعْيِينِ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ وَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ بِجُنُونٍ أَوْ نَحْوِهِ. (2)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ الأُْضْحِيَّةَ الْمُعَيَّنَةَ لَا تَجِبُ فِيهَا النِّيَّةُ عِنْدَ الذَّبْحِ، لَكِنْ لَوْ ذَبَحَهَا غَيْرُ مَالِكِهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَنَوَاهَا عَنْ نَفْسِهِ عَالِمًا بِأَنَّهَا مِلْكُ غَيْرِهِ لَمْ تُجْزِئْ عَنْهُمَا، أَمَّا مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ فَتُجْزِئُ عَنِ الْمَالِكِ وَلَا أَثَرَ لِنِيَّةِ الْفُضُولِيِّ.
36 -
(الشَّرْطُ الثَّانِي) : أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ مُقَارِنَةً لِلذَّبْحِ
أَوْ مُقَارِنَةً لِلتَّعْيِينِ السَّابِقِ عَلَى الذَّبْحِ، سَوَاءٌ أَكَانَ هَذَا التَّعْيِينُ بِشِرَاءِ الشَّاةِ أَمْ بِإِفْرَازِهَا مِمَّا يَمْلِكُهُ،
(1) البدائع 5 / 71، والمنهج بحاشية البجيرمي 4 / 296، والمغني 11 / 117، والدسوقي 2 / 123.
(2)
المنهج على البجيرمي 4 / 296، والبدائع 5 / 72، وابن عابدين 5 / 198.