الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تُنَاسِبُهُ الرَّحْمَةُ، وَقِيل: يُسْتَحَبُّ وَهُوَ أَكْمَل، لأَِنَّ فِي الذَّبْحِ رَحْمَةً بِالآْكِلِينَ. (1)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يَقُول الْمُضَحِّي عِنْدَ الذَّبْحِ: " بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ. وَالتَّسْمِيَةُ وَاجِبَةٌ عِنْدَ التَّذَكُّرِ وَالْقُدْرَةِ، وَالتَّكْبِيرُ مُسْتَحَبٌّ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا ذَبَحَ قَال: بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ. وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَسَمَّى وَكَبَّرَ (2) وَإِنْ زَادَ فَقَال: اللَّهُمَّ هَذَا مِنْكَ وَلَكَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّل مِنِّي أَوْ مِنْ فُلَانٍ فَحَسَنٌ، لأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِكَبْشٍ لَهُ لِيَذْبَحَهُ فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ قَال: اللَّهُمَّ تَقَبَّل مِنْ مُحَمَّدٍ وَآل مُحَمَّدٍ وَأُمَّةِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ ضَحَّى بِهِ. (3)
55 -
أَنْ يَجْعَل الدُّعَاءَ الْمَذْكُورَ قَبْل ابْتِدَاءِ الذَّبْحِ أَوْ بَعْدَ انْتِهَائِهِ وَيَخُصُّ حَالَةَ الذَّبْحِ بِالتَّسْمِيَةِ مُجَرَّدَةً. هَكَذَا قَال الْحَنَفِيَّةُ.
وَيُكْرَهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ خَلْطُ التَّسْمِيَةِ بِكَلَامٍ آخَرَ حَالَةَ الذَّبْحِ وَلَوْ كَانَ دُعَاءً، لأَِنَّهُ يَنْبَغِي كَمَا تَقَدَّمَ أَنْ تُجْعَل الأَْدْعِيَةُ سَابِقَةً عَلَى ابْتِدَاءِ الذَّبْحِ أَوْ مُتَأَخِّرَةً عَنِ الْفَرَاغِ مِنْهُ (4) .
مَا يَرْجِعُ إِلَى وَقْتِ التَّضْحِيَةِ مِنَ الْمُسْتَحَبَّاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ:
56 -
تُسْتَحَبُّ الْمُبَادَرَةُ إِلَى التَّضْحِيَةِ، فَالتَّضْحِيَةُ فِي
(1) البجيرمي على الإقناع 4 / 284، 285، والشبراملسي على نهاية المحتاج للرملي 8 / 112.
(2)
حديث: " كان إذا ذبح قال: بسم الله والله أكبر ". وفي حديث أنس: " وسمي وكبر ". أخرجه البخاري (10 / 18 - الفتح - ط السلفية) وأبو عوانة (5 / 192 - ط دار المعارف العثمانية) .
(3)
حديث: " اللهم تقبل من محمد. . . . " أخرجه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها مطولا (صحيح مسلم 3 / 1557 ط عيسى الحلبي) .
(4)
البدائع 5 / 78 - 80.
الْيَوْمِ الأَْوَّل أَفْضَل مِنْهَا فِيمَا يَلِيهِ، لأَِنَّهَا مُسَارَعَةٌ إِلَى الْخَيْرِ، وَقَدْ قَال اللَّهُ تَعَالَى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَْرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} . (1)
وَالْمَقْصُودُ الْمُسَارَعَةُ إِلَى سَبَبِ الْمَغْفِرَةِ وَالْجَنَّةِ، وَهُوَ الْعَمَل الصَّالِحُ. (2)
وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ، غَيْرَ أَنَّ لِلْمَالِكِيَّةِ تَفْصِيلاً وَهُوَ أَنَّ التَّضْحِيَةَ قَبْل الزَّوَال فِي كُل يَوْمٍ أَفْضَل مِنْهَا بَعْدَ الزَّوَال، وَالتَّضْحِيَةُ مِنَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إِلَى مَا قَبْل الزَّوَال فِي الْيَوْمَيْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ أَفْضَل مِنَ التَّضْحِيَةِ قَبْل ذَلِكَ مِنَ الْفَجْرِ إِلَى الاِرْتِفَاعِ، وَقَدْ تَرَدَّدُوا فِي التَّضْحِيَةِ بَيْنَ زَوَال الْيَوْمِ الثَّانِي وَغُرُوبِهِ، وَالتَّضْحِيَةِ بَيْنَ فَجْرِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَزَوَالِهِ، أَيَّتُهُمَا أَفْضَل؟ وَالرَّاجِحُ: أَنَّ التَّضْحِيَةَ فِي الْوَقْتِ الأَْوَّل أَفْضَل، (3) وَلَا تَضْحِيَةَ عِنْدَهُمْ فِي اللَّيْل كَمَا تَقَدَّمَ.
وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ التَّضْحِيَةَ فِي اللَّيْل تُكْرَهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. (4)
وَمَعْلُومٌ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ مِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ لَا يُجِيزُ لأَِهْل الْقُرَى أَنْ يُضَحُّوا إِلَاّ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُضَحِّي فِيهِ أَهْل الْمُدُنِ.
مَا يُسْتَحَبُّ وَمَا يُكْرَهُ بَعْدَ التَّضْحِيَةِ:
أ -
يُسْتَحَبُّ لِلْمُضَحِّي بَعْدَ الذَّبْحِ أُمُورٌ:
57 -
مِنْهَا: أَنْ يَنْتَظِرَ حَتَّى تَسْكُنَ جَمِيعُ أَعْضَاءِ
(1) سورة آل عمران / 133.
(2)
البدائع 5 / 80.
(3)
الشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي 2 / 120 - 122.
(4)
البدائع 5 / 80.
الذَّبِيحَةِ فَلَا يَنْخَعُ (1) وَلَا يَسْلُخُ قَبْل زَوَال الْحَيَاةِ عَنْ جَمِيعِ جَسَدِهَا.
58 -
وَمِنْهَا: أَنْ يَأْكُل مِنْهَا وَيُطْعِمَ وَيَدَّخِرَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُل ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُل فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَْنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} . (2)
وَقَوْلُهُ عز وجل: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} . (3)
وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا ضَحَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُل مِنْ أُضْحِيَّتِهِ. (4)
59 -
وَالأَْفْضَل أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالثُّلُثِ، وَيَتَّخِذَ الثُّلُثَ ضِيَافَةً لأَِقَارِبِهِ وَأَصْدِقَائِهِ، وَيَدَّخِرَ الثُّلُثَ، وَلَهُ أَنْ يَهَبَ الْفَقِيرَ وَالْغَنِيَّ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي صِفَةِ أُضْحِيَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال:" وَيُطْعِمُ أَهْل بَيْتِهِ الثُّلُثَ، وَيُطْعِمُ فُقَرَاءَ جِيرَانِهِ الثُّلُثَ، وَيَتَصَدَّقُ عَلَى السُّؤَال بِالثُّلُثِ ". (5)
(1) ينخع: بفتح الخاء أي: يتجاوز محل الذبح إلى النخاع وهو الخيط الأبيض الذي في داخل العظم.
(2)
سورة الحج / 27، 28.
(3)
سورة الحج / 36.
(4)
حديث: " إذا ضحى أحدكم فليأكل من أضحيته ". أخرجه أحمد (2 / 391 ط الميمنية) وذكره الهيثمي في المجمع (4 / 25 - ط القدسي) وقال: رجاله رجال الصحيح.
(5)
حديث: " ويطعم أهل بيته الثلث. . . " رواه أبو موسى الأصفهاني في الوظائف وحسنه كما في المغني (11 / 109 ط المنار) .
قَال الْحَنَفِيَّةُ: وَلَوْ تَصَدَّقَ بِالْكُل جَازَ، وَلَوْ حَبَسَ الْكُل لِنَفْسِهِ جَازَ، لأَِنَّ الْقُرْبَةَ فِي إِرَاقَةِ الدَّمِ، وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي الاِدِّخَارِ عَنْ ثَلَاثِ لَيَالٍ، لأَِنَّ نَهْيَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَجْل الدَّافَّةِ، وَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَرَاءِ دَفَّتْ (أَيْ نَزَلَتْ) بِالْمَدِينَةِ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَصَدَّقَ أَهْل الْمَدِينَةِ عَلَيْهِمْ بِمَا فَضَل عَنْ أَضَاحِيِّهِمْ، فَنَهَى عَنِ الاِدِّخَارِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.
فَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: قَالُوا يَا رَسُول اللَّهِ: إِنَّ النَّاسَ يَتَّخِذُونَ الأَْسْقِيَةَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ وَيَجْعَلُونَ فِيهَا الْوَدَكَ، قَال: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: نَهَيْتَ أَنْ تُؤْكَل لُحُومُ الأَْضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَقَال: إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْل الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ، فَكُلُوا، وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا. (1) وَفِي حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الأَْكْوَعِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلَا يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَفِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِل. قَالُوا يَا رَسُول اللَّهِ نَفْعَل كَمَا فَعَلْنَا عَامَ الْمَاضِي؟ قَال: كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا، فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ، فَأَرَدْتُ أَنْ تُعِينُوا فِيهَا. (2)
وَإِطْعَامُهَا وَالتَّصَدُّقُ بِهَا أَفْضَل مِنَ ادِّخَارِهَا، إِلَاّ أَنْ يَكُونَ الْمُضَحِّي ذَا عِيَالٍ وَهُوَ غَيْرُ مُوَسَّعِ الْحَال، فَإِنَّ الأَْفْضَل لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَدَّخِرَهُ لِعِيَالِهِ تَوْسِعَةً عَلَيْهِمْ، لأَِنَّ حَاجَتَهُ وَحَاجَةَ عِيَالِهِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَاجَةِ غَيْرِهِمْ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا،
(1) حديث: " إنما نهيتكم من أجل الدافة. . . . " أخرجه مسلم (3 / 1561 - ط الحلبي) .
(2)
حديث: " من ضحى منكم. . . . . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 24 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1563 ط الحلبي) .
فَإِنْ فَضَل شَيْءٌ فَلأَِهْلِكَ، فَإِنْ فَضَل شَيْءٌ عَنْ أَهْلِكَ فَلِذِي قَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضَل عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا. (1)
هَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ. (2)
60 -
وَهَاهُنَا تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ وَهُوَ أَنَّ أَكْل الْمُضَحِّي مِنَ الأُْضْحِيَّةِ وَإِطْعَامَ الأَْغْنِيَاءِ وَالاِدِّخَارَ لِعِيَالِهِ تَمْتَنِعُ كُلُّهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي صُوَرٍ.
مِنْهَا: الأُْضْحِيَّةُ الْمَنْذُورَةُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمَنْذُورَةَ كَغَيْرِهَا فِي جَوَازِ الأَْكْل.
وَمِنْهَا: أَنْ يُمْسِكَ عَنِ التَّضْحِيَةِ بِالشَّاةِ الَّتِي عَيَّنَهَا لِلتَّضْحِيَةِ بِالنَّذْرِ أَوْ بِالنِّيَّةِ عِنْدَ الشِّرَاءِ حَتَّى تَغْرُبَ شَمْسُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَيَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهَا حَيَّةً.
وَمِنْهَا: أَنْ يُضَحِّيَ عَنِ الْمَيِّتِ بِأَمْرِهِ فَيَجِبُ التَّصَدُّقُ بِالأُْضْحِيَّةِ كُلِّهَا عَلَى الْمُخْتَارِ.
وَمِنْهَا: أَنْ تَلِدَ الأُْضْحِيَّةُ فَيَجِبَ ذَبْحُ الْوَلَدِ عَلَى قَوْلٍ، وَإِذَا ذُبِحَ وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِهِ كُلِّهِ، لأَِنَّهُ لَمْ يَبْلُغِ السِّنَّ الَّتِي تُجْزِئُ التَّضْحِيَةُ فِيهَا، فَلَا تَكُونُ الْقُرْبَةُ بِإِرَاقَةِ دَمِهِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ الْقُرْبَةُ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ، وَلِهَذَا قِيل: إِنَّ الْمُسْتَحَبَّ فِي الْوَلَدِ التَّصَدُّقُ بِهِ حَيًّا.
وَمِنْهَا: أَنْ يَشْتَرِكَ فِي الْبَدَنَةِ سَبْعَةٌ أَوْ أَقَل، وَيَنْوِي بَعْضُهُمْ بِنَصِيبِهِ الْقَضَاءَ عَنْ أُضْحِيَّةٍ فَاتَتْهُ مِنْ عَامٍ أَوْ أَعْوَامٍ مَضَتْ، فَيَجِبُ عَلَى جَمِيعِ الشُّرَكَاءِ التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِ حِصَصِهِمْ، لأَِنَّ الَّذِي نَوَى الْقَضَاءَ لَمْ تَصِحَّ
(1) حديث: " ابدأ بنفسك. . . . . " أخرجه مسلم (2 / 693 - ط الحلبي) .
(2)
بدائع الصنائع 5 / 81.
نِيَّتُهُ، فَكَانَ نَصِيبُهُ تَطَوُّعًا مَحْضًا وَهُوَ لَمْ يَنْوِ التَّقَرُّبَ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ، لأَِنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إِنَّمَا يَقْضِي بِالتَّصَدُّقِ بِالْقِيمَةِ، وَنَصِيبُ الْمُضَحِّي الَّذِي نَوَى الْقَضَاءَ شَائِعٌ فِي الْبَدَنَةِ كُلِّهَا، فَلَا سَبِيل لِلَّذِي نَوَى الأَْدَاءَ أَنْ يَأْكُل شَيْئًا مِنْهَا، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّصَدُّقِ بِجَمِيعِهَا. (1)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُنْدَبُ لِلْمُضَحِّي الْجَمْعُ بَيْنَ الأَْكْل مِنْ أُضْحِيَّتِهِ وَالتَّصَدُّقِ وَالإِْهْدَاءِ بِلَا حَدٍّ فِي ذَلِكَ بِثُلُثٍ وَلَا غَيْرِهِ (2) وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَنْذُورَةٍ وَغَيْرِهَا. (3)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يَجِبُ بَعْدَ ذَبْحِ الأُْضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ بِالنَّذْرِ أَوِ الْجُعْل وَالْمُعَيَّنَةِ عَنِ الْمَنْذُورِ فِي الذِّمَّةِ التَّصَدُّقُ بِهَا كُلِّهَا، وَأَمَّا غَيْرُ الْوَاجِبَةِ فَيَجِبُ بَعْدَ الذَّبْحِ التَّصَدُّقُ بِجُزْءٍ مِنْ لَحْمِهَا نِيئًا غَيْرَ قَدِيدٍ وَلَا تَافِهٍ جِدًّا. وَزَادَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَتَصَدَّقْ حَتَّى فَاتَتْ ضَمِنَ لِلْفُقَرَاءِ ثَمَنَ أَقَل مَا لَا يُعْتَبَرُ تَافِهًا.
فَلَا يَكْفِي التَّصَدُّقُ بِشَيْءٍ مِنَ الشَّحْمِ أَوِ الْكَبِدِ أَوْ نَحْوِهِمَا وَلَا التَّصَدُّقُ بِمَطْبُوخٍ، وَلَا التَّصَدُّقُ بِقَدِيدٍ وَهُوَ الْمُجَفَّفُ، وَلَا التَّصَدُّقُ بِجُزْءٍ تَافِهٍ جِدًّا لَيْسَ لَهُ وَقْعٌ.
وَوُجُوبُ التَّصَدُّقِ هُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ وَهُوَ أَصَحُّهُمَا، وَيَكْفِي فِي التَّصَدُّقِ الإِْعْطَاءُ، وَلَا يُشْتَرَطُ النُّطْقُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ وَنَحْوِهِ، وَمَا عَدَا الْجُزْءَ الْمُتَصَدَّقَ بِهِ
(1) حاشية ابن عابدين 5 / 205، 208، والمغني على الشرح الكبير 11 / 108، 118، ومطالب أولي النهى 2 / 474.
(2)
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2 / 122.
(3)
لكنهم قالوا في الهدي المنذور: إذا نذره للمساكين وجب ذبحه والتصدق به جميعه وإذا نذره وأطلق وجب ذبحه ويسلك به بعد الذبح مسلك هدي التطوع (الشرح الكبير بحاشية الدسوقي 2 / 89) والظاهر أن الأضحية عندهم كذلك.