الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هُنَا مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ لأَِنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالضَّمَانِ مُطْلَقًا.
كَيْفِيَّةُ التَّضْمِينِ:
17 -
مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ مُقَابِل الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَجِبُ ضَمَانُ الْعَيْنِ بِمِثْلِهَا إِنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً، وَإِلَاّ فَبِقِيمَتِهَا يَوْمَ التَّلَفِ.
وَالأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ إِذَا وَجَبَ الضَّمَانُ فِي الْعَارِيَّةِ فَإِنَّهَا تُضْمَنُ بِقِيمَتِهَا يَوْمَ التَّلَفِ، مُتَقَوَّمَةً كَانَتْ أَوْ مِثْلِيَّةً، لأَِنَّ رَدَّ مِثْل الْعَيْنِ مَعَ اسْتِعْمَال جُزْءٍ مِنْهَا مُتَعَذِّرٌ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ فَقْدِ الْمِثْل، فَيُرْجَعُ لِلْقِيمَةِ، وَلَا تُضْمَنُ الْعَارِيَّةُ بِأَقْصَى الْقِيمَةِ، وَلَا بِيَوْمِ الْقَبْضِ. (1)
الاِخْتِلَافُ بَيْنَ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ:
18 -
تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْعَارِيَّةَ مِنَ الأَْمَانَاتِ فَلَا تُضْمَنُ. وَكَذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ فِيمَا لَا يَخْفَى. وَفَرَّعُوا عَلَى ذَلِكَ أَنَّهَا لَا تُضْمَنُ، إِلَاّ بِالتَّعَدِّي، وَأَنَّ الأَْمِينَ يُصَدَّقُ فِيمَا يَدَّعِيهِ بِيَمِينِهِ. وَاعْتِبَارُ الْمَقْبُوضِ عَارِيَّةً أَوْ غَيْرَ عَارِيَّةً، وَأَنَّ هُنَاكَ تَعَدِّيًا أَمْ لَا، يُرْجَعُ فِيهِ لِلْعُرْفِ وَالْعَادَةِ.
فَقَدْ قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّهُ إِذَا اخْتَلَفَ رَبُّ الدَّابَّةِ وَالْمُسْتَعِيرُ فِيمَا أَعَارَهَا لَهُ، وَقَدْ عَقَرَهَا الرُّكُوبُ أَوِ الْحُمُولَةُ، فَالْقَوْل قَوْل رَبِّ الدَّابَّةِ. وَقَال ابْنُ أَبِي لَيْلَى: الْقَوْل قَوْل الْمُسْتَعِيرِ. وَحُجَّتُهُ أَنَّ رَبَّ الدَّابَّةِ يَدَّعِي عَلَى الْمُسْتَعِيرِ سَبَبَ الضَّمَانِ، وَهُوَ الْمُخَالَفَةُ فِي الاِسْتِعْمَال، وَهُوَ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ فَالْقَوْل قَوْلُهُ.
وَاحْتَجَّ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الإِْذْنَ فِي الاِسْتِعْمَال يُسْتَفَادُ
(1) البدائع 8 / 3907، ونهاية المحتاج 5 / 141، والمغني 5 / 223، ونيل المآرب 1 / 137 ط الأميرية، والخرشي 6 / 123، والشرح الصغير 3 / 574، والقوانين الفقهية / 218.
مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الدَّابَّةِ، وَلَوْ أَنْكَرَ أَصْل الإِْذْنِ كَانَ الْقَوْل قَوْلَهُ، فَكَذَلِكَ إِذَا أَنْكَرَ الإِْذْنَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي انْتَفَعَ بِهِ الْمُسْتَعِيرُ.
وَفِي الولوالجية: إِذَا جَهَّزَ الأَْبُ ابْنَتَهُ ثُمَّ مَاتَ فَجَاءَ وَرَثَتُهُ يَطْلُبُونَ قِسْمَةَ الْجِهَازِ بَيْنَهُمْ، فَإِنْ كَانَ الأَْبُ اشْتَرَى لَهَا الْجِهَازَ فِي صِغَرِهَا أَوْ بَعْدَمَا كَبِرَتْ، وَسَلَّمَهُ إِلَيْهَا فِي حَال صِحَّتِهِ، فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ حَقٌّ فِيهِ بَل هُوَ لِلْبِنْتِ خَاصَّةً.
فَهَذَا يَدُل عَلَى أَنَّ قَبُول قَوْل الْمَالِكِ أَنَّهَا عَارِيَّةً بِيَمِينِهِ لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ، بَل ذَلِكَ إِذَا صَدَّقَهُ الْعُرْفُ.
وَقَالُوا: كُل أَمِينٍ ادَّعَى إِيصَال الأَْمَانَةِ إِلَى مُسْتَحِقِّهَا قُبِل قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ، كَالْمُودَعِ إِذَا ادَّعَى الرَّدَّ وَالْوَكِيل وَالنَّاظِرِ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي حَيَاةِ مُسْتَحِقِّهَا أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ، إِلَاّ فِي الْوَكِيل بِقَبْضِ الدَّيْنِ، إِذَا ادَّعَى بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَكِّل أَنَّهُ قَبَضَهُ وَدَفَعَهُ لَهُ فِي حَيَاتِهِ لَمْ يُقْبَل قَوْلُهُ، إِلَاّ بِبَيِّنَةٍ. (1)
وَلَوْ جَهَّزَ ابْنَتَهُ بِمَا يُجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا، ثُمَّ قَال: كُنْتُ أَعَرْتُهَا الأَْمْتِعَةَ. إِنْ كَانَ الْعُرْفُ مُسْتَمِرًّا بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ الأَْبَ يَدْفَعُ الْجِهَازَ مِلْكًا لَا إِعَارَةً، لَا يُقْبَل قَوْلُهُ إِنَّهُ إِعَارَةٌ، لأَِنَّ الظَّاهِرَ يُكَذِّبُهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْعُرْفُ كَذَلِكَ أَوْ تَارَةً وَتَارَةً فَالْقَوْل لَهُ فِي جَمِيعِ الْجِهَازِ، لَا فِي الزَّائِدِ عَلَى جِهَازِ مِثْلِهَا، وَالْفَتْوَى عَلَى ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ الْجِهَازُ أَكْثَرَ مِمَّا يُجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا فَالْقَوْل لَهُ اتِّفَاقًا.
وَالْمَالِكِيَّةُ كَالْحَنَفِيَّةِ فِي أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ، إِذْ قَالُوا: إِذَا هَلَكَتِ الْعَيْنُ الْمُعَارَةُ وَاخْتَلَفَ
(1) حاشية ابن عابدين 4 / 506، 507، والمبسوط 11 / 143 ط دار المعرفة.