الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى جَوَازِ الاِنْتِبَاذِ فِي كُل شَيْءٍ مِنَ الأَْوَانِي، سَوَاءٌ الدُّبَّاءُ (1) وَالْحَنْتَمُ (2) وَالْمُزَفَّتُ (3) وَالنَّقِيرُ (4) ، وَغَيْرُهَا، لأَِنَّ الشَّرَابَ الْحَاصِل بِالاِنْتِبَاذِ فِيهَا لَيْسَتْ فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الاِنْتِبَاذُ فِي هَذِهِ الأَْوْعِيَةِ وَغَيْرِهَا مُبَاحًا. وَمَا وَرَدَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الاِنْتِبَاذِ فِي هَذِهِ الأَْوْعِيَةِ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:{كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ الأَْشْرِبَةِ فِي ظُرُوفِ الأَْدَمِ، فَاشْرَبُوا فِي كُل وِعَاءٍ، غَيْرَ أَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا} وَفِي رِوَايَةٍ {نَهَيْتُكُمْ عَنِ الظُّرُوفِ، وَإِنَّ ظَرْفًا لَا يُحِل شَيْئًا وَلَا يُحَرِّمُهُ، وَكُل مُسْكِرٍ حَرَامٌ} (5) فَهَذَا إِخْبَارٌ صَرِيحٌ عَنِ النَّهْيِ عَنْهُ فِيمَا مَضَى، فَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ نَاسِخًا لِلنَّهْيِ. وَيَدُل عَلَيْهِ أَيْضًا مَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ أَنَسٍ، قَال:{نَهَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّبِيذِ فِي الدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ} (6)، ثُمَّ قَال بَعْدَ ذَلِكَ: {أَلَا كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ فِي الأَْوْعِيَةِ، فَاشْرَبُوا فِيمَا شِئْتُمْ،
(1) الدباء بضم الدال وتشديد الباء، والواحدة دباءة، هي: القرعة اليابسة المجعولة وعاء. المصباح المنير مادة: (دبو) .
(2)
الحنتم: جرار مدهونة خضر، كانت تحمل الخمر فيها إلى المدينة (النهاية لابن الأثير) .
(3)
المزفت: الوعاء المطلي بالزفت وهو القار، وهو مما يحدث التغير في الشراب سريعا (المصباح المنير مادة: زفت) .
(4)
النقير: خشبة تنقر أو تحفر كقصعة وقدح وينبذ فيها. (المصباح المنير مادة: نقر) .
(5)
حديث: " كنت نهيتكم عن الأشربة في ظروف الأدم. . . . " وفي رواية " نهيتكم عن الظروف، - وإن الظروف أو ظرفا - لا يحل شيئا ولا يحرمه، وكل مسكر حرام " أخرجه مسلم (3 / 1585 - ط الحلبي) .
(6)
حديث: " نهى عن النبيذ في الدباء والنقير والحنتم والمزفت " أخرجه مسلم (3 / 1579 - ط الحلبي) .
وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا، مَنْ شَاءَ أَوْكَى سِقَاءَهُ عَلَى إِثْمٍ} (1) وَالْقَوْل بِنَسْخِ الاِنْتِبَاذِ فِي الأَْوْعِيَةِ الْمَذْكُورَةِ هُوَ قَوْل جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَمِنْهُمُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ، فَلَا يَحْرُمُ وَلَا يُكْرَهُ الاِنْتِبَاذُ فِي أَيِّ وِعَاءٍ (2) . وَقَال جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمَالِكٌ وَإِسْحَاقُ: يُكْرَهُ الاِنْتِبَاذُ فِي الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ، وَعَلَيْهِمَا اقْتَصَرَ مَالِكٌ، فَلَا يُكْرَهُ الاِنْتِبَاذُ فِي غَيْرِ الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ. وَكَرِهَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَالثَّوْرِيُّ الاِنْتِبَاذَ فِي الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ، لأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الاِنْتِبَاذِ فِيهَا، فَالنَّهْيُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ بَاقٍ، سَدًّا لِلذَّرَائِعِ، لأَِنَّ هَذِهِ الأَْوْعِيَةَ تُعَجِّل شِدَّةَ النَّبِيذِ.
حَالَاتُ الاِضْطِرَارِ:
19 -
مَا سَبَقَ مِنْ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ أَوِ الأَْنْبِذَةِ عِنْدَ الإِْسْكَارِ إِنَّمَا هُوَ فِي الأَْحْوَال الْعَادِيَّةِ. أَمَّا عِنْدَ الاِضْطِرَارِ فَإِنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ، وَيُرَخَّصُ شَرْعًا تَنَاوُل الْخَمْرِ، وَلَكِنْ بِمِعْيَارِهِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي تُبَاحُ بِهِ الْمُحَرَّمَاتُ، كَضَرُورَةِ الْعَطَشِ، أَوِ الْغَصَصِ، أَوِ الإِْكْرَاهِ، فَيَتَنَاوَل الْمُضْطَرُّ بِقَدْرِ مَا تَنْدَفِعُ بِهِ
(1) أي من شاء ربط بالخيط فم سقائه: (وعائه المصنوع من الجلد) للحفظ، مع أن فيه شرابا محرما، فيحتمل جزاء ذلك، والواجب عليه إراقته إن لم يتخلل (نيل الأوطار 8 / 183) . وحديث:" ألا كنت نهيتكم عن النبيذ في الأوعية. . . . " أخرجه أحمد (3 / 481 ط الميمنية) من حديث ابن الرسيم، وقال الهيثمي في المجمع (5 / 163 ط القدسي) : فيه يحيى بن عبد الله الجابر، وهو ضعيف عند الجمهور، وابن الرسيم لم أعرفه.
(2)
المنتقى على الموطأ 3 / 148، وبداية المجتهد 1 / 490 - 491، والمغني 8 / 317، والمدونة 6 / 263.