الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والله قد ألقى عليها دائما
…
حسن القبول كسيمة الأخيار
وهي الحليمة والكريمة ما لها
…
في الجود ثان مثل غيث جار
ولها كمال وافر في عفة
…
ولها حياء فاق في المقدار
فالله يحملها بحسن رعاية
…
منه إلى مكناس بالأوطار
ويحفها بسعادة وسيادة
…
من كل سوء ماضى أوطار
وعلى النبي وآله وصحابه
…
صلى وسلم ذو الجلال الباري
ما غردت ورق الرياض بدوحها
…
وترنمت في سائر الأسحار
وفاتها: توفيت رحمة الله علينا وعليها بفاس في جمادى الأولى عام تسعة وخمسين ومائة وألف، ودفنت بروضة الأشراف من المدينة البيضاء فاس الجديد.
138 - خليل بن الخالدى
.
قاضى مكناسة الحشمى، نسبة إلى الحشم إحدى قبائل عرب تلماس، نشأ بتلمسان ثم استوطن فاسا.
حاله: كان فقيها نحويا آية في صناعة التدريس، وبالأخص ألفية ابن مالك، ذا تؤدة لا يتزحزح ولا يتحرك حالة إلقائه الدروس، فصيح اللسان، حلو العبارة، يحصل ما ألقاه في درسه تحصيلا عجيبا، مجلسه بالقرويين حفيل يحضره نجباء أعيان طلبة وقته.
تولى نيابة القضاء بمقصورة القرويين عن قاضيها العلامة المشاور السيد عبد الله بن خضراء السلوى، ووقعت له رحمه الله في مدة نيابته نوادر عجيبة يسخر
138 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 8/ 2853.
منها صغار الولدان ومن له أدنى مسكة من الفقه، من ذلك أن رجلا طلب منه الإذن في إقامة بينة على بغلة له وجدها بيد الغير فقام فيها بالاستحقاق، فأمر أعوانه بجعل البغلة في محل خاص ويغلق عليها بحيث لا يراها الشهود لئلا يستند بعضهم على بعض في وصفها ونعتها، والحال أن عوام الأعوان فضلا عن الوكلاء يعلمون أن شهادة الاستحقاق لا تكون إلا على عين الشيء المستحق.
ومنها أنَّه ادعى لديه رجل على أخيه بأنه تقاعد له على حقوق انجرت له من ميراث أبيه، فطلب وكيل المدعى عليه من المدعى إثبات موت أبيه وعدة ورثته فحكم بإلغاء طلبه وعدم قبوله شرعا، وألزمه الجواب من غير مهلة أو عزل نفسه عن الدعوى.
ومنها أن ورثة هالك قاموا بغبن في دار اشتراها موروثهم استوفت صورتها شروط القيام بالغين، وأدلوا بفتوى شيخنا أبي العباس ابن المأمون البلغيثى أطال الله بقاءه تؤيد مدعاهم، ووافق على فتواه عالمان جليلان، فلما أدلوا لديه بالفتاوى المذكورة حكم بإلغاء أولى الفتاوى التي هي الأصل معللا لإلغائها بأن صاحبها سافر للاتجار بالشام، وقبول الفتويين المعضدتين لها، وقد هجاه شيخنا المذكور بعدة قطع وقصائد من ذلك قوله:
وذى سفه قد خلا قلبه
…
وقلبه من كل شئ على
تسمى خليلا بدون علوم
…
وليس خليلا ولكن خلى
ثم رشح لقضاء الحضرة المكناسية وزرهون وما انضم لذلك بعد وفاة قاضيها أبي العباس ابن سودة المرى المترجم فيما سلف، وذلك عام واحد وعشرين وثلاثمائة وألف، ولما حل بمكناس، لبست نحوياته حلة التناس، حتَّى حفظ عنه
في خطبه اللحن الصراح من ذلك جزمه للمضارع المقرون بحرف التنفيس من قول سيدنا عمر بن عبد العزيز الوارد في الصحيح فإن أعش فسابينها ونبا عنه أنَّه لا يصلح أن يكون شرطا ولذلك وجب قرنه بالفاء لما وقع جوابا، اللهم إلا أن يجاب عنه بأنه سكنه تخفيفا على حد قراءة إن الله يأمركم بالجزم.
وقد حكى عنه بعض أهل العدل من شيوخنا أنَّه كان يوما بمجلسه فمر بجنارة فسأل من هي؟ فقيل له: امرأة نفساء، فقال؛ وهل ينعت المفرد بالجمع؟ فقيل له: أين الجمع؟ فقال: نفساء، فقيل له: نفساء ليس بجمع وإنما هو مفرد وأنشد له المسئول على سبيل التمثيل قول البوصيرى.
من لحواء إنها حملت
…
أحمد أو إنها به نفساء
فقال ضرورة، فقيل له: وعلى أنَّه جمع فما المفرد؟ فقال: نفيسة فسكت المسئول وقال في نفسه الآن آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه.
ثم ختمت أعماله في مكناسة بنكبة شنعاء وذلك يوم خلع السلطان المولى عبد العزيز ومبايعة أخيه السلطان المولى عبد الحفيظ وحشد الناس لذلك بالمسجد الأعظم وتم الأمر فيما حشدوا إليه على ما سنشرحه بعد بحول الله، قام بعض من لا خلاق له من الأوباش بإغراء ممن في قلبه مرض وأعلن بسب المترجم، فقامت ضجة عظيمة في المسجد وكان قصد موقد نار تلك الفتنة الفتك بصاحب الترجمة، فقمت في وجه أولئك وعزرنى من حضر ثم من أبناء عمى العلويين وفر الله جمعهم، وعضدنا عامل البلد حيث قلت له: إن لم تحسم هذه المادة حسما كليا فلا ريب أن هذه النار تجر ذيلها عليك وعلى كل موظف ووجيه حالا، ويتسع الخرق على الراتق، وتكون العاقبة وخيمة.
فأصغى لى بأذن واعية ووقع منه مقالى كل الموقع وقام لإطفاء تلك النار
بنفسه وأعوانه، وأدخلنا القاضي لمقصورة الخطيب وكلفنا به من يحرسه إلى أن يصل لداره في حفظ وأمان.
ولما حيل بين أولئك الرعاع وبين ما يشتهون هجموا على بيت كان لولد القاضي المترجم بمدرسة العدول ودخلوه عنوة، ونهبوا ما فيه مما لست أذكره ولا أتيقن حقيقة ذلك، والذي يغلب على الظن أن ذلك مختلق.
ومن ذلك الحين لزم المترجم بيته ولم يخرج إلا يوم سفره لفاس، والذي تصدر للفصل بين الخصوم مكانه هو شيخنا ابن عبد السلام الطاهرى، ولم يزل على ذلك حتَّى أقر على الخطة واستقل بها حيث أعانه على ذلك قوم آخرون.
مشيخته: أخذ عن حامل لواء التحقيق في النحو المشار له فيه بالبنان بين معاصريه الفقيه الخطيب السيد محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن التاودى بن سودة المرى المدعو الجلود، وعمن هو في طبقته من محققى معاصريه.
الآخذون عنه: كثير منهم شيخنا الفقيه سيدى محمد النميشى، ومنهم الفقيه مولاى الشريف التاكناوتى، والفقيه السيد عبد الرفيع الإِيرارى، وأخوه الفقيه السيد محمد ومن في طبقة هؤلاء من النجباء المحققين.
مؤلفاته: وقفت له على رحلة منظومة نظما ساقط الوزن غير مرتبط لمعنى وقافية، وختمه للألفية، ومقامة في قصة الفيل المهدى لسلطان المغرب مولانا الحسن من الدولة البريطانية عام تسعة وثلاثمائة وألف، في نحو كراسة.
نثره: من ذلك قوله في فصل من مقامته المشار لها يصف الفيل:
ذو جسم جسيم، وشكل وسيم، ظريف بهى، نبيل شهى، من أعظم الحيوانات وأبهر المصنوعات، منظره بديع، وهيكله رفيع، طويل الخرطوم، واسع الحلقوم، مبسوط الأذنين، حديد العينين، طويل الأنياب، أسنانه تبلغ ثلاثمائة سن
في الاستيعاب، كأنه طود علاه سحاب، يحسبه الناظر إليه ربوة تمشى على ساق، أو سحابة أظلمت الآفاق، يهرول في مشيته، وشمارع في خطوته، كثيف في المرأى، خفيف في الوطأى، لو فاجأ عنترة وسليكا، لعجزا عن الإقدام وهلكا، ليس في سيره انزعاج ولا اضطراب، تحسبه جامدا وهو يمر مر السحاب، تفزع منه الطيور، وتتقى صدمته النسور، وخرطومه يتقلب تقلب الأفعى، يتلفف به الملتقم حين يدعى، ويسير به إلى الجهات الست، ويقلع به الصخور والأشجار قطع البت، ظهره عريض بسيط، وصوته رقيق غطيط، غليظ الجثة المرتقبة، قصير الجيد منقبض الرقبة، وعيناه كإكسير زحل، إذ لم يمتز فيهما بياض من كحل، وقوائمه الأربع ويداه ورجلاه أجمع، كأجسام نخل باسقة، أو سوارى متناسقة، يخاله من لا يعرفه عند رؤيته، أن الأرض انقلبت بهرولته، أو زلزلت زلزالها، أو أن الله بذلك أوحى لها، أبصر من هدهد، وأسمع من قنفد.
وفاته: توفى بفاس صبيحة يوم الاثنين التاسع عشر من ذى القعدة الحرام عام ستة وعشرين وثلاثمائة وألف، ودفن قرب ضريح سيدى أبي بكر بن العربى المعافرى خارج باب الشريعة المعروف بباب محروق.