المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌140 - الرشيد: بن الشريف بن على الشريف دفين مراكش - إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس - جـ ٣

[ابن زيدان السجلماسي]

فهرس الكتاب

- ‌124 - الحسن بن عثمان بن عَطِيَّة التجانى المكناسى المعروف بالوَنْشَرِيسى أبو على

- ‌126 - الحسن أبو الطيب بن محمد السهلى الشهير بآمكراز

- ‌127 - الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن حرزوز المكناسى أبو على

- ‌128 - حسن نور الدين بن أحمد بن العباس بن أبي سعيد المكناسى

- ‌129 - الحسن بن رحال بن أحمد بن على التدلاوى ثم المعدانى -كذا قرأته فيما كتبه بخطه منه نقلت- الإمام الكبير أبو على

- ‌130 - حمادى أبو المواهب بن عبد الواحد الحمادى نسبة لفخذ من قبيلة برابرة بنى مطير الشهيرة الشهير بالمكناسى

- ‌131 - الحسن بن مبارك السوسى المكناسى الوفاة الولى الصالح المجذوب المكاشف

- ‌132 - الحارث بن المفضل الحسناوى السهلى أصلا المكناسى دارا

- ‌133 - الحسن بن مولاى المهدى بن مولاى أحمد بن مولاى المهدى

- ‌134 - الحسين بن الحسن بن حفيد بن محمد -فتحا- بن زين العابدين بن فخر الملوك مولانا إسماعيل الحسنى

- ‌حرف الخاء

- ‌135 - الخياط الزرهونى

- ‌136 - الخياط الخياطى من عقب الولى الصالح سيدى عبد الله الخياط، دفين جبل زرهون

- ‌137 - خناثة بنت الشيخ الأكبر الأشهر بكار بن على بن عبد الله المغافرى السيدة المباركة زوج سيدنا الجد الأعظم مولانا إسماعيل سلطان المغرب

- ‌138 - خليل بن الخالدى

- ‌حرف الدال

- ‌139 - الدبيز: المجذوب المطلسم

- ‌حرف الراء

- ‌140 - الرشيد: بن الشريف بن على الشريف دفين مراكش

- ‌علائقه السياسية

- ‌بناءاته وآثاره

- ‌141 - راشد بن منصة الأوربى خديم آل بين الرسول المخلص مولى الإمام الأكبر رحمه الله ورضى عنه

- ‌142 - رحمة بنت الجنان زوجة أبي عبد الله محمد بن عزوز الصنهاجى

- ‌143 - روان المدعو أبا الروائن ابن محمد بو مدين بن عبد السلام بن على

- ‌حرف الزاي

- ‌144 - زيدان أبو المعالى ابن السلطان أبي العباس أحمد المنصور الذهبي فخر الملوك السعديين

- ‌145 - زين العابدين السلطان بن السلطان مولانا إسماعيل الجد الأعظم

- ‌146 - زكرياء الفران أبو يحيى:

- ‌147 - زيدان أبو محمد سيدنا الجد ابن فخر الملوك العظام، مولاة إسماعيلابن الشريف بن على الحسنى السجلماسى

- ‌حرف الطاء

- ‌148 - الطيب بن الشيخ سيدى الشاذلى بن العارف سيدى محمد - فتحا

- ‌149 - الطيب بن عبد الرحمن بن أبي القاسم بن القاضي

- ‌150 - الطيب بن محمد بصرى المكناسى قاضيها

- ‌151 - الطيب بصرى المكناسى الدار والقرار

- ‌152 - الطيب بن الشريف النقيب مولاى على الشريف القادرى

- ‌153 - الطيب بن إبراهيم بسير -بسين مهملة مشددة- الأندلسى الأصل الرباطى الدار والإقبار قاضيها

- ‌154 - الطيب أبو محمد بن الفقيه العدل السيد أحمد غازى المكناسى

- ‌155 - الطبب البيجرى

- ‌156 - الطيب الزكارى

- ‌157 - الطيب الفيلالى

- ‌158 - الطيب ابن الفقيه الكاتب السيد عبد الرحمن كدران -بالقاف المعقودة- المكناسى

- ‌159 - الطيب الحناش

- ‌160 - الطيب بن عبد السلام الواسترى

- ‌161 - الطيب أبو الإجلال ابن العدل الثقة أبي زيد عبد الرحمن بن محمد

- ‌162 - الطيب بن العلامة السيد محمد -فتحا- بن العلامة السيد الطيب بصرى الولهاصى

- ‌163 - الطيب بن اليمانى بن أحمد بوعشرين الأنصاري الخزرجى

- ‌164 - الطيب بن إدريس بن الفضيل بن محمد دعى حم بن هاشم بن حم آل سيدى على منون

- ‌165 - قاضيها: الطالب بن العلامة القاضي السيد عبد الواحد بن العلامة المحدث الشهير محمد -فتحا- البوعنانى الفاسى ثم المكناسى

- ‌166 - الطاهر بن عثمان المكناسى

- ‌167 - الطاهر بن محمد بن المكي بن حساين المكناسى

- ‌168 - الطاهر بن الحاج الهادي بن العناية بن محمد بن أحمد

- ‌169 - الطاهر بن الهادي بن أحمد بن المجذوب الفقيه

- ‌170 - الطيب بن العناية بَنُّونَة الضرير

- ‌171 - الطيب بن عبد الله محمد بن الطاهر بن عبد القادر بن عبد الله بن فخر الملوك مولانا إسماعيل

- ‌حرف الكاف

- ‌172 - الكمال أبو البركات بن أبى زيد المكناسى

- ‌173 - الكامل بن عبد الله بن الطاهر بن محمد

- ‌حرف الميم

- ‌174 - مبارك أبو النور بن العالم العلم أبو التوفيق سالم الشيظمى المكناسى الدار والوفاة

- ‌175 - مبارك بن عبد الله بن محمد السجلماسى أصلا، الفيضى منشأ المكناسى دارا ووفاة

- ‌176 - محمد فتحا السلطان أبو البشائر بن أبي الأملاك والسلاطين المولى الشريف بن على الحسنى الينبوعى السجلماسى

- ‌177 - محمد المدعو الكبير أبو عبد الله بن السلطان الأعظم أبى النصر إسماعيل. المعروف بولد عريبة

- ‌178 - محمد بن عبد الله بن إسماعيل المالكى

- ‌مولده وشيوخه وحجته:

- ‌صفته وحاله:

- ‌خلافته بمراكش:

- ‌بيعته، وبعض حوادث أيامه:

- ‌محبته للعلم واعتناؤه بأهله

- ‌اختياراته المذهبية وما رأى من المصلحة حمل القضاة والمدرسين عليه

- ‌نصيحته للأمة

- ‌عطاياه وأحباسه:

- ‌التراتيب والمداخيل المالية في عهده

- ‌اهتمامه بالأساطيل البحرية واعتنناؤه برياسها

- ‌السفينة الأولى:

- ‌السفينة الثانية:

- ‌السفينة الثالثة:

- ‌السفينة الرابعة:

- ‌السفينة الخامسة:

- ‌السفينة السادسة:

- ‌السفينة السابعة:

- ‌السفينة الثامنة:

- ‌السفينة التاسعة:

- ‌السفينة العاشرة:

- ‌علائقه السياسية

- ‌مع فرنسا

- ‌الشرط الأول:

- ‌الشرط الثانى:

- ‌الشرط الثالث:

- ‌الشرط الرابع:

- ‌الشرط الخامس:

- ‌الشرط السادس:

- ‌الشرط السابع:

- ‌الشرط الثامن:

- ‌الشرط التاسع:

- ‌الشرط العاشر:

- ‌الشرط الحادى عشر:

- ‌الشرط الثانى عشر:

- ‌الشرط الثالث عشر:

- ‌الشرط الرابع عشر:

- ‌الشرط الخامس عشر:

- ‌الشرط السادس عشر:

- ‌الشرط السابع عشر:

- ‌الشرط الثامن عشر:

- ‌الشرط التاسع عشر:

- ‌الشرط العشرون:

- ‌مع السويد

- ‌الشرط الأول:

- ‌الشرط الثانى:

- ‌الشرط الثالث:

- ‌الشرط الرابع:

- ‌الشرط الخامس:

- ‌الشرط السادس:

- ‌الشرط السابع:

- ‌الشرط الثامن:

- ‌الشرط التاسع:

- ‌الشرط العاشر:

- ‌الشرط الحادى عشر:

- ‌الشرط الثانى عشر:

- ‌الشرط الثالث عشر:

- ‌الشرط الرابع عشر:

- ‌الشرط الخامس عشر:

- ‌الشرط السادس عشر:

- ‌الشرط السابع عشر:

- ‌الشرط الثامن عشر:

- ‌الشرط التاسع عشر:

- ‌الشرط الموفى عشرين:

- ‌الشرط الحادى والعشرون:

- ‌الشرط الثانى والعشرون:

- ‌الشرط الثالث والعشرون:

- ‌مع الدنمرك

- ‌الشرط الأول:

- ‌الشرط الثانى:

- ‌الشرط الثالث:

- ‌الشرط الرابع:

- ‌الشرط الخامس:

- ‌الشرط السادس:

- ‌الشرط السابع:

- ‌الشرط الثامن:

- ‌الشرط التاسع:

- ‌الشرط العاشر:

- ‌الشرط الحادى عشر:

- ‌الشرط الثانى عشر:

- ‌الشرط الثالث عشر:

- ‌الشرط الرابع عشر:

- ‌الشرط الخامس عشر:

- ‌السادس عشر:

- ‌السابع عشر:

- ‌الثامن عشر:

- ‌التاسع عشر:

- ‌الشرط الموفى عشرون:

- ‌الشرط الحادى والعشرون:

- ‌مع البرتغال

- ‌الشرط الأول:

- ‌الشرط الثانى:

- ‌الشرط الثالث:

- ‌الشرط الرابع:

- ‌الشرط الخامس:

- ‌الشرط السادس:

- ‌الشرط السابع:

- ‌الشرط الثامن:

- ‌الشرط التاسع:

- ‌الشرط العاشر:

- ‌الشرط الحادى عشر:

- ‌الشرط الثانى عشر:

- ‌الشرط الثالث عشر:

- ‌الشرط الرابع عشر:

- ‌الشرط الخامس عشر:

- ‌الشرط السادس عشر:

- ‌الشرط السابع عشر:

- ‌الشرط الثامن عشر:

- ‌الشرط التاسع عشر:

- ‌الشرط الموفى عشرون:

- ‌الشرط الحادى والعشرون:

- ‌الشرط الثانى والعشرون:

- ‌مع الدولة العثمانية

- ‌علائقه مع إسبانيا

- ‌مع مالطة

- ‌مع نابولى

- ‌فتوحاته

- ‌آثاره

- ‌سككه

- ‌قضاته:

- ‌وزراؤه

- ‌كتابة

- ‌شعراؤه

- ‌سفراؤه

- ‌عماله

- ‌نقباؤه على الأشراف

- ‌نظاره

- ‌أولاده

- ‌مؤلفاته

- ‌وفاته

- ‌179 - محمد بن عبد الرحمن بن هشام بن محمد بن عبد الله بن إسماعيل السلطان ابن السلطان ابن السلطان ابن السلطان ابن السلطان ابن السلطان

- ‌بعض ما قام به من الأعمال ذات البال بعد جلوسه على العرش

- ‌حرب تطوان

- ‌علائقه السياسية

- ‌مع الدولة الإصبانية

- ‌الشرط الأول:

- ‌الشرط الثانى:

- ‌الشرط الثالث:

- ‌الشرط الرابع:

- ‌الشرط الخامس:

- ‌الشرط السادس:

- ‌الشرط السابع:

- ‌الشرط الثامن:

- ‌الشرط التاسع:

- ‌الشرط العاشر:

- ‌الشرط الحادى عشر:

- ‌الشرط الثانى عشر:

- ‌الشرط الثالث عشر:

- ‌الشرط السادس عشر:

- ‌الشرط السابع عشر:

- ‌الشرط الثامن عشر:

- ‌الشرط التاسع عشر:

- ‌الشرط العشرون:

- ‌الشرط الحادى والعشرون:

- ‌الشرط الثانى والعشرون:

- ‌الشرط الثالث والعشرون:

- ‌الشرط الرابع والعشرون:

- ‌الشرط الخامس والعشرون:

- ‌الشرط السادس والعشرون:

- ‌الشرط السابع والعشرون:

- ‌الشرط الثامن والعشرون:

- ‌الشرط التاسع والعشرون:

- ‌الشرط الثلاثون:

- ‌الشرط الحادى والثلاثون:

- ‌الشرط الثانى والثلاثون:

- ‌الشرط الثالث والثلاثون:

- ‌الشرط الرابع والثلاثون:

- ‌الشرط الخامس والثلاثون:

- ‌الشرط السادس والثلاثون:

- ‌الشرط السابع والثلاثون:

- ‌الشرط الثامن والثلاثون:

- ‌الشرط التاسع والثلاثون:

- ‌الشرط الأربعون:

- ‌الشرط الحادى والأربعون:

- ‌الشرط الثانى والأربعون:

- ‌الشرط الثالث والأربعون:

- ‌الشرط الرابع والأربعون:

- ‌الشرط الخامس والأربعون:

- ‌الشرط السادس والأربعون:

- ‌الشرط السابع والأربعون:

- ‌الشرط الثامن والأربعون:

- ‌الشرط التاسع والأربعون:

- ‌الشرط الخمسون:

- ‌الشرط الحادى والخمسون:

- ‌الشرط الثانى والخمسون:

- ‌الشرط الثالث والخمسون:

- ‌الشرط الرابع والخمسون:

- ‌الشرط الخامس والخمسون:

- ‌الشرط السادس والخمسون:

- ‌الشرط السابع والخمسون:

- ‌الشرط الثامن والخمسون:

- ‌الشرط التاسع والخمسون:

- ‌الشرط الستون:

- ‌الشرط الحادى والستون:

- ‌الشرط الثانى والستون:

- ‌الشرط الثالث والستون:

- ‌الفصل الرابع والستون:

- ‌مع الدولة الفرنسية

- ‌مع الدولة الأمريكية

- ‌حساب الموازنة والدفاتر المالية في عصره

- ‌آثاره

- ‌كيف كان نهوض ركابه

- ‌وزراؤه

- ‌حاجبه وقائد ومشوره

- ‌كتابه

- ‌سفراؤه

- ‌خلفاؤه

- ‌نوابه بطنجة

- ‌قضاته

- ‌نظاره

- ‌محتسبوه

- ‌نقباؤه

- ‌عماله

- ‌قواده

- ‌أمناؤه

- ‌أولاده

- ‌بعض ما قيل فيه من المديح

- ‌وفاته

- ‌180 - محمد بن عيسى بن القاسم الصدفى من أهل طليطلة يكنى أبا عبد الله

- ‌181 - محمد بن حماد بن محمد زغبوش المكناسى

- ‌182 - محمد بن عبدون بن قاسم الخزرجى نسبة المكناسى دارًا ووفاة

- ‌183 - محمد بن قاضى مكناسة أحمد بن أبى العافية المكناسى يعرف بالأحول

- ‌184 - محمد بن قاسم بن محمد الأنصارى المالقى الشهير بابن قاسم الضرير

- ‌185 - محمد بن ورياش -بفتح الواو وسكون الراء وفتح الياء مشبعة- قاضيها أبو عبد الله

- ‌186 - محمد بن عبد الرحمن بن أحمد الصنهاجى عرف بابن الحداد المكناسى

- ‌187 - محمد بن أبى الفضل بن الصباغ الخزرجى المكناسى

- ‌188 - محمد بن أحمد بن أبى عفيف المكناسى

- ‌189 - محمد بن الشيخ الشريف أبى حامد أحمد بن إبراهيم الحسنى المكناسى

- ‌190 - محمد بن موسى بن محمد بن معطى العبدوسى -بفتح العين وسكون الباء وضم الدال

- ‌191 - محمد بن عمر بن الفتوح التلمسانى أصلا المكناسى المقام والوفاة

- ‌192 - محمد أبو عبد الله بن سعيد بن محمد المكلانى المكناسى

- ‌193 - محمد المكناسى

- ‌194 - محمد بن أبي طالب بن أحمد بن على بن أحمد المكناسى نسبة للقبيلة ثم العياضى عرف بابن السكاك من أبناء أبي العافية

- ‌195 - محمد بن أحمد بن عبد الرحمن اليفرنى الشهير بالمكناسى الفاسى بكنى أبا عبد الله

- ‌196 - محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن جابر الغسانى المكناسى

- ‌197 - محمد بن أحمد بن أبى يحيى التلمسانى شهر بالحباك

- ‌198 - محمد بن قاسم بن محمد بن أحمد بن محمد القورى اللخمى

- ‌199 - محمد القطرانى أبو عبد الله

- ‌200 - محمد بن أبي البركات الحسنى الحاج المجاور

- ‌201 - محمد بن سعيد الحباك القيجميسى المكناسى أخو أحمد بن سعيد المتقدم الترجمة

- ‌202 - محمد بن عيسى بن عبد الله بن حرزوز

- ‌203 - محمد بن عبد العزيز المعروف بالحاج عزوز الصنهاجى المكناسى

- ‌204 - محمد بن على بن أبى رمانة المكناسى قاضيها أبو عبد الله

- ‌205 - محمد بن عبد الله بن محمد

الفصل: ‌140 - الرشيد: بن الشريف بن على الشريف دفين مراكش

‌حرف الراء

* * *

‌140 - الرشيد: بن الشريف بن على الشريف دفين مراكش

بن محمد بن على بن يوسف بن على الشريف دفين سجلماسة الشريف الحسنى الينبوعى السجلماسى سلطان المغرب الأقصى.

ولادته: ولد بسجلماسة عام أربعين وألف.

صفته ونشأته وحاله: حسن الخلقة، واسع الجبين، قصير القامة، غليظ الجسم، أسمر اللون، أشهل العينين واسعهما، كأنهما مرآة لقلبه الكريم، تشفان عن ذكاء مفرط، ويعلم منهما على البديهة فرحه وحزنه، شديد بياض الأسنان، كث اللحية أسودها خالطه شيب، له تأثير على القلوب يحبه كل من رآه، نشيط خفيف الحركة، لباسه لباس الأتراك، ملامح الذكاء والنباهة والشجاعة والإقدام لائحة بين عينيه.

نشأ في حجر والده في صون وعفاف، لم يأل والده قدس الله روحه جهدا في تهذيبه وتدريبه وتعليمه وتأديبه بالآداب النبوية، حتَّى شب متين الديانة كامل الدراية والرواية، كريم الأخلاق، حسن العشرة، أبي النفس، عالى الهمة، طموحا إلى المعالى، لا يرضى بالدون ولا سفاسف الأمور، طاهر الذيل، ثابت الجأش، طويل النجاد، عارفا بسير الأمم وأحوالها وأخلاقها وسياسة الملوك ونواميسها، مشاركا في فنون من العلوم، حازما ضابطًا شجاعا مقداما لا يبالى في الحروب بنفسه، شديد الشكيمة على من عصاه أو هتك حرمة من حرم الله، يتولى القصاص وإقامة الحدود الشرعية بنفسه من غير أن تأخذه رأفة ولا رحمة في دين الله، جمع الله فيه من الخصال الحميدة والسجايا الكريمة ما تفرق في غيره.

140 - من مصادر ترجمته: نشر المثانى في موسوعة أعلام المغرب 4/ 1567.

ص: 41

[صورة]

السلطان الأعظم مولاى الرشيد بن الشريف العلوى

ص: 42

قال في نزهة الحادى: كان محبا في جانب العلماء، مؤثرا لأغراضهم، مولعا بمجالستهم، محسنا إليهم حيث ما كانوا، جوادًا سخيا، رحل الناس إليه من المشرق فما دونه وقصده بعض طلبة الجزائر فامتدحه ببيتين وهما:

فاض بحر الفرات في كل قطر

من ندى راحتيك عذبا فراتا

غرق الناس فيه والتمس الفق

ـر خلاصا فلم يجده فماتا

فوصله بألفين ونصف دنانير، وشأوه في السخاء لا يلحق، والحكايات عنه بذلك شهيرة، وفى أيامه كثر العلم، وظهرت للعلماء أبهة، وأعز العلم وأهله، وكانت أيامه أيام سكون ودعة ورخاء عظيم هـ.

ووصفه صاحب نشر المثانى: بأنه محيى رسوم الدين، وقاطع دابر المفسدين، مفضال أهل البيت النبوى، ومظهر الفخر الطاهر العلوى، ليث الإقدام وبدر الظلام، وشمس الأنام، وظل الله للخاص والعام، ورحمة للمسكين والضعيف، كان من أهل المكارم التي لا تحصى، والفضائل التي لا تعد ولا تستقصى، من ساداتنا شرفاء سجلماسة البلدة الغرا، وحق لها أن تنال بآل البيت علوا وفخرا، حاضرة ملوك المغرب المدعوة بتافلالت القادمين عليها من الحجاز كما تقدم مبينا.

قال سيدنا الجد رحمه الله في كتابه الدر السنى ما نصه: وهم من صرحاء الأشراف نسبا، وفضلائهم حسبا، وكبرائهم أقدارا، وعظمائهم اشتهارا، طلعوا في سماء المجادة بدورا، وبرزوا في محافل السيادة صدورا، وتساموا في المشارف والمغارب ظهورا، وحملوا من المهابة والجلالة لواء منشورا، لهم في علو الهمة ونفوذ العزيمة منصب لا يضاهى ومرقب لا يباهى، آبية نفوسهم، طيبة غروسهم، عزيز جارهم، محمى زمارهم، كريمة سجاياهم، عظيمة مزاياهم، تلقاهم في

ص: 43

المكاره ليوثا، وفى المكارم غيوثا، أحرزوا من الفطر العلية قديمها، ومن السير العلوية فخيمها، وبرعوا أقرانهم من الأشراف، تجمع شعبتهم المباركة ثلاثة أصناف، فكان فيهم الأكابر من الأعلام، والكثير من الصلحاء الكرام، ومنهم ملوك وقتنا وسلاطينه العظام، خلد الله في الخيرات مآثرهم، وأيد بالتوفيق أوامرهم.

ثم قال: نهض للخلافة السلطان الأعظم والملك الأفخم، ركن الفخار المشيد، أبو المكارم مولانا الرشيد، طيب الله ثراه، وعمه بعفوه ورحماه، فظهر أولا ببلاد آنكاد ثم استولى على مدينة تازا وما والاها ثم على فاس فدخل دار الملك بمدينتها البيضاء ليلة يوم الاثنين الثالث من ذى الحجة متم سنة ست وسبعين وألف واستوطنها، ثم ملك المغرب باسره قطرًا بعد قطر إلى وادى نون من السوس الأقصى، وإلى قرب الأغواط من ناحية الجريد فكان مجددا للملك بالمغرب (1) انتهى.

ثم قال في النشر: ولما مر صاحب الترجمة بالموضع المسمى بالشط من الظهراء، أمر بحفر آبار شتى وهي تدعى إلى الآن بآبر السلطان، فهي مضافة إليه، فيسقى منها ركب الحجيج في مروره وإيابه، فهي من آثاره، تقبل الله منه، وكان على يده هذا الفتح العظيم، لضعفة المسلمين بل لجميعهم، في هذه المدة اليسيرة، لما جبل عليه من حسن السيرة، إذ كان من السراة الغطارف، ومن الأعجوبات في الإقدام بين المراهف، أحيا الله به رسوم الدين بعد دروسها، وأنعم المساكين بعد شدة بؤسها، خاض أمواج الأهوال حتَّى أهمدها، وقام في نار الفتن حتَّى أخمدها، فيا لها من نهضة لله ما أحمدها، تدارك الله به المغرب بما فيه من قوى وضعيف، وأغنى به الوضيع والشريف، ولا زال بسيرته المباركة كريما

(1) نشر المثانى في الموسوعة 4/ 1567.

ص: 44

فاضلا، زكى الأخلاق كاملا، يتنازل على مقامه الرفيع، فيجبر خاطر المتخفض والوضيع، ومن شيمه الجليلة، ومنحه الجزيلة، مجالسة العلماء وإكرامهم، ومباسطتهم بين الملإ وإعظامهم، ومع تحمل النهوض بأمر الخلافة حتَّى ألقت إليه زمامها في مدة قليلة، أبدى مآثر في مصالح المسلمين جليلة، كبناء المدرسة التي بحومة الشراطين من فاس، وأتى على بنائها من الأساس، فبالغ في إتقانها صنعا، وبذل المجهود في إحسانها وضعا، وتجديد ما اندرس من القنطرة البديعة المعتبرة التي لا يعرف بالمغرب مثلها، وقلما اتفق في معمور الأرض شكلها، وهو أربعة أقواس منها، وهي على نهر سبو على نحو فرسخ من فاس (1).

قال: ولما أكمل قنطرة سبو بالبناء، نقشت فيها أبيات من نظم العلامة القاضي أبي عبد الله المجاصى ومنها:

صاغ الخليفة ذا المجاز

ملك الحقيقة لا المجاز

فوقع الاعتراض عليه بأن ملك الحقيقة هو الله تعالى لا غيره، وأجيب بأجوبة منها أن الحقيقة تنقسم إلى عقلية وشرعية ولغوية وعرفية، والملك بمعنى العقلية لا يكون إلا لله وفى غيره مستحيل، فيحمل على إحدى الحقائق الباقية، والأقرب منه حمله على الحقيقة العرفية بمعنى أنَّه لا يقال في العرف ملك حقيقة إلا له، أما باعتبار الحاضرين في زمنه فلا إشكال، وأما باعتبار من مضى فهي على طريق المبالغة، وذلك سائغ في باب المدح، والله الموفق (2) هـ.

والاعتراض المذكور هو للشيخ اليوسى في المحاضرات، قال فيه: ومن البشيع الواقع في زماننا في الأوصاف أنَّه لما بنى السلطان المولى الرشيد بن الشريف جسر نهر سبو وصنع بعضهم أبياتا كتبت فيه برسم الإعلام أولها فذكر البيت

(1) نشر المثانى في الموسوعة 4/ 1567 - 1568.

(2)

نشر المثانى في الموسوعة 4/ 1568.

ص: 45

المذكور وقال أثره: فحمله اقتناص هذه السجعة والتغالى في المدح والاهتبال بالاسترضاء على أن جعل ممدوحه ملكا حقيقة لا مجازا، وإنما ذلك هو الله وحده وكل ملك دونه مجاز، الممدوح وغيره هـ.

وهو في باب التحذير حسن، كما أن الجواب المتقدم في باب الاعتذار، وخصوصا عمن ثبت علمه وتحقيقه من الأبرار لا بأس به.

قال في النشر: ومن مزايا المترجم العظيمة، وعطاياه الفخيمة، وفطره السليمة، أنَّه كان حيث ما دخل بلدا تعاهد مساجدها ومدارسها وسأل عن مجالس إقراء العلماء بها، وعمن يحضرها، وربما حضر مجلسا لبعض الكبراء، فرأينا في بعض التقاييد أنَّه حضر مجلس الشيخ اليوسى، وكان يدخل للمساجد بنفسه، ودخل مرة فاسا على حين غفلة من أهله فدخل القرويين وتلك كانت عادته في دخولها، ثم دخل للمدرسة المصباحية، فتعرض له الإمام سيدى الحسن اليوسى مع فقيه آخر فأعطى لكل منهما مائة مثقال، وما اجتمع مع علماء وقته إلا وحض في مجلس اجتماعه معهم على نشر العلم وبثه وإتقانه وتحقيقه وتعظيم طلبته، وقد صادف ذلك كل مرام، وأحيا الله به نعم المغرب بعد الانعدام. لطلوع شموسه، على بن تغير من وجه الدهر وعبوسه. فجاء المغرب على فترة من هلكه، فأقبل على التعلم والتعليم، وعمرت أسواق العلم وقد عفت منذ قديم (1).

قال: ولما قبض الله تعالى والده إليه، خرج من تافلالت في ثالث عشر رمضان عام تسعة وستين وألف.

قال: وفى ثامن عشرين من شوال وصل إلى تدغة ، ثم إلى دمنات، ثم الزاوية البكرية ثم إلى آزرو ثم إلى دار ابن مشعل هكذا وجدت مقيدا عن الحافظ الفاسى.

(1) نشر المثانى في الموسوعة 4/ 1568.

ص: 46

وسيأتى أن وصوله إلى دار ابن مشعل كان عام خمسة وسبعين، وموت أخيه مولاى محمد، واستيلاءه على فاس الجديد والقديم كان في عام ستة وسبعين، وفى عام سبعة وسبعين أخذ الزاوية البكرية، وفى عام ثمانين أخذ في حفر أساس قنطرة سبو، وفى العام الَّذي بعده استولى على تارودانت وسائر البلاد السوسية، وفى العام الَّذي بعده وهو اثنان وثمانون توفى فحاصل أمره من موت والده عام تسعة وستين إلى موته عام اثنين وثمانين.

وحدثني بعض الفقهاء الثقات عن والده، وأعرفه من الثقات وقد أدرك هذا الزمن، أن مولاى رشيد لما نزل بالزاوية أن لا يقيم بها وأن يسرع بالخروج، وأخبره أن مما هو شائع عندهم أن مولاى الرشيد هو الَّذي يخلى زاويتهم تلك، وأنهم استفادوا ذلك من بعض الأخبار في عن كشف أو غيره، مخافة أن يهجم عليه أحد من رؤسائهم بسبب ذلك.

وقد كانت لأهل الدلاء زيادة محبة في آل البيت عن غيرهم من أهل وقتهم، فخرج مولاى رشيد من الزاوية فصادف قافلة خارجة منها فطلبوا منه أن يحميهم إلى محلهم الَّذي يريدونه لأن الوقت وقت نهب ففعل، فتعرض لهم خلال الطريق بعض أهل البوادى يريدون نهبهم فأخبرهم مولاى الرشيد بأنهم في حمايته ليحترموهم بحرمته إذ تلك كانت عادة أسلافه في حماية القوافل وغيرها، فلم يعبئوا به فتجرد لقتالهم مع مملوكين له اثنين فقط من رقيق السودان، وبيد كل واحد منهما مكحلة فأخذ المكحلة من يد أحدهما وحمل بفرسه على القوم فأصاب واحدا منهم برصاصة ورد المكحلة للمملوك، وأخذ المكحلة الأخرى من يد الآخر فحمل كذلك فأصاب رجلا آخر وما رد المكحلة حتَّى وجد المملوك الآخر عمر المكحلة الأخرى فأصاب منهم آخر أيضًا، وبقى كلما حمل عليهم أصاب واحدا منهم مع حفظ الله إياه منهم.

ص: 47

فما أمكن القوم إلا الفرار منه مع كثرتهم، فكان مقدمة لما قدر في سابق العلم من تولى إمارة المغرب فما رجع عنهم حتَّى أعطوه ثلاثة عشر فرسا التي أصاب فوارسها برميه، فحمل على كل فرس رجلا ممن اختار لمتابعته، ورجع في الحين واستقبل فاسا العليا ونزل أمامها فرآه رئيسها الدريدى من بعض بروج سورها، فسأل من هو؟ فأخبر به، فأرسل له في الحين دراهم نحو خمسة مثاقيل مع وسق من الشعير، وقال لرسوله إليه قل له: هذه عشاؤه يعنى الدراهم، وهذا علف دوابه يعنى الشعير، فليرتحل ولا يقيم عندنا قسطا.

فرحل مسرعا فوفد على رئيس يدعى الشيخ اللواتى، وكان يتفقر ويعظم نسبة الشرف فبالغ في إكرامه، فبينما هو مقيم عنده إذ رأى رجلا بهيئة من خيل وأتباع ومماليك وهو يصطاد كهيئة الملوك، فسأل من هو؟ فقيل له: ابن مشعل من يهود تازا، فتنحى سريعا وجعل السكين في فمه واستقبل الشيخ اللواتى، فلما رآه بادر إليه قائلا لبيك يا سيدى لبيك لا أعز عنك رقبة ولا مالا لأن ذلك عندهم علامة على تأكيد الاستعطاف في أخذ الثار إن ظلم أو شبه ذلك.

فاقترح عليه أن يهيئ له خمسمائة أو نحوها من إخوانه الأبطال ليفتك باليهودى غيرة منه جزاه الله خيرا على دين الله، فقال له: لا تخلف عنك واحد منهم أينما توجهت، فتواعد معهم أن يمروا خفية متفرقين ويلحقوا به دار اليهودى ابن مشعل، وهي على نحو نصف مرحلة من تازا شرقا في البيداء أو أزيد من ذلك، ثم تقدمهم إليها واستضاف اليهودى فأضافه وتبعه الأبطال فأحاطوا بالدار بعد أن أظلم الليل بحيث لم يشعر بهم أحد، وبحيث يتصل بهم إن احتاجهم واحتال حتَّى اتصل باليهودى في خلوته فبطش به وقتله وأدخل الرجال باحتيال صادف به مرامه.

فاستولى على دار اليهودى وأخذ منها أموالا كثيرة وذخائر نفيسة فنال ما قدر الله له من موعده، وسطعت في فلك السعادة منازل سعوده، انتهى.

ص: 48

زاد غيره أن ابن مشعل هذا كانت له صولة على المسلمين واستهزاء بالدين وأهله، قلت: بذلك يكون ناقضا لعهد الذمة، ليس لماله ولا لدمه حرمة.

وتذكر هنا قضية كعب بن الأشرف اليهودى وتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم من فتك به ليلا على نحو الصفة التي فعلها المترجم هنا، وهي في صحيح البخاري وغيره، قال في النشر: ولاحت للمغرب السعادة والبشائر، وانتعش به بعد الإشراف على الموت كل حيوان من ناطق وصاهل وطائر، وكل خير من ربنا الملك الوهاب، ولكل أجل كتاب.

وذكر لى بعضهم مما هو شائع عند بنى يزناسن بالزاى أن اليهودى المذكور كان بدار له متحصنا بجبالهم وهم محزبون عليه، فما زال المولى الرشيد يلاطفهم في أمره حتَّى فهم اليهودى أنهم قد أسلموه، فنزل إليه بهدية فقبض عليه وقتله ودخل داره واستخرج ما فيها من الأموال، فالله أعلم أي ذلك كان وكيف كان هـ.

هذا وقد وقع في أصول التاريخ للكنت دو كاسترى المؤرخ الفرنسى نقلا عن أسير الدولتين الرشيدية والإسماعيلية أن خروج المترجم من تافلالت كان في رفقة قواد ثلاثة، أحدهم أسود اللون والآخران عربيان وأنهم قصدوا وادى درعة مع من كان معهم من الجنود بقصد شن الغارات.

وأن أخاه المولى محمد لما علم بذلك أرسل بعض الفرسان في طلبهم، ولما مثلوا بين يديه أوقع القبض على صاحب الترجمة وأودعه السجن، وأقام الحد الشرعى على بقية أتباعه بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، ثم بعد أيام قلائل فر المترجم من السجن وجمع عليه جنودًا صار بها ذا قوة وبأس شديد، ثم ظفر به أخوه المذكور ثانية رغم جنوده المجندة وأودعه السجن وشد في حراسته، وبقى بالسجن مدة طويلة إلى أن استعان ببعض مواليه في فتح نقب بجدار السجن انفلت منه، وأنه بعد انفلاته قتل ذلك المعين، لأنه صار لا يأمن خيانته بجد أن خان

ص: 49

الملك، ثم قصد الزاوية الدلائية وبقى مختفيا بها إلى أن أوجس في نفسه خيفة من أهلها، ففر إلى قبيلة كبدانة على الضفة اليسرى من وادى ملوية، واتصل بقائدها على بن سليمان، وبقى في خدمته إلى أن سنحت له الفرصة بأخذ قلعة ابن مشعل ونهبها، ثم بعد ذلك جمع الناس وألقى عليهم خطبة قال فيها:

أيها الناس، إننى أحكم بينكم بالعدل، وأقابلكم بالحلم الَّذي عرف به البيت الفلالى إذ أنا ابن مولاى الشريف وأخ مولاى محمد ملك تافلالت الآن، ومن العسير أن تجدوا أميرًا أعرق منى في النسب الشريف، وقد رأيتم من أفعالى ما يدلكم على كرامة أصلى، وأننى سأكون ساعيا على الدوام في مرضاتكم وسترون إن يسر الله لى في الملك فوق ما صرحت لكم به مما تكونون به سعداء مطمئنين، ولا يصدنكم عن مبايعتى ما لكم من الاحترام نحو أميركم فإنه ليس أهلا للولاية، لكونه لا يحب دولته ولا يهتم بأمورها.

وما ترقى الملك والأمراء إلا بالنظر في مصالح بلادهم والقيام بشئونها، ومن الواجب عليهم الزهد في مصالحهم الشخصية وشغل أوقاتهم بالنظر في مصالح أوطانهم، فإن عكفوا على اللهو والتمتع باللذات تعين خلعهم، وإنى أطلب منكم أن تبايعونى على ذلك، فإن وفيت فذاك، وإلا فلكم إنزالى عن العرش، ولا شك أن أهل كبدانة وغيرهم من القبائل يوافقونكم على فعلكم ويستحسنونه.

ثم بعد ذلك تمت له البيعة، فلما سمع بها على بن سليمان اغتاظ غيظا شديدا فحشد جنودا مجندة، وزحف بها لمحاربة الرشيد، ولكن كان أمره خسرًا، إذ صارت تلك الجنود المجندة تدخل في طاعة الرشيد ولم يقف بها الأمر عند ذلك الحد، بل ألقت القبض على أميرها وسلمته للرشيد فسلبه مما كان بيده من الأموال وأمر بقتله، وأنفق بعض ذلك المال في الجند قائلا هذا جزاء تعبكم وتفانيكم في خدمتنا.

ص: 50

ولما سمع بذلك مولاى محمد نهض للإيقاع به قبل استفحال أمره، فأخرج الرشيد لقواده القيود والأغلال التي كانت عليه لما كان في سجن أخيه، وقال لهم: هذه الأغلال التي كانت على بسجن أخي فهل لكم أن تنتقموا لى منه، فأجابوه بالموت دون نصرته، ولو أتى السيف على آخرهم.

فوصلهم بأموال طائلة، ولما التقى الجمعان كان النصر للرشيد فهزم ثانية، واقتفى أثره الرشيد لتافلالت وحاصره إلى أن مات.

ثم بعد ذلك بمدة أتاه يعنى الرشيد وفد من مكناس لتقديم طاعتهم له، فولى عليهم أخاه مولانا إسماعيل هـ الغرض فليحرر.

والأمير المذكور في كلامه ليس هو مولاى محمد بدليل أول الكلام، وإنما المراد به على بن سليمان المذكور، ثم لا يصح أن يكون هذا الأسير النقول عنه شاهدا ما حكاه، لأنه إنما أسر في الدولة الرشيدية، وهو هنا يحكى ما كان قبل زمن أسره، فبالضرورة أن حديثه هذا إنما رواه عن غيره، ولعل ذلك الغير غير ثقة إن لم نقل الراوى لم يتثبت أو تعمد الزيادة والنقصان، خصوصا وكلام مؤرخى الإسلام لا يساعده في كثير من فصوله، فلهذا أشرت إلى أنَّه في عهدته بقولي فليحرر.

وانظر قوله وحاصره إلى أن مات، فإنه ظاهر في أن الحصار والموت كانا بتافلالت، والواقع يفنده.

قال في نشر المثانى (1) في حوادث عام 1075: حرك مولاى محمد لأخيه مولاى رشيد فهزم مولاى محمد وقتل يوم الجمعة الثامن من المحرم، ودفن بدار ابن مشعل على نصف مرحلة من تازا، أو أكثر شرقا، وأنه لما قتل ابن مشعل

(1) موسوعة أعلام المغرب 4/ 1528.

ص: 51

وحصل من عنده على مال كثير جدا قصده أخوه مولاى محمد لانتزاعه منه لئلا يستقل بالملك فلم يقدر له على شيء هـ.

قال في الدر المنتخب المستحسن بعد أن حكى القول بمدفن مولاى محمد المذكور بدار ابن مشعل ونسبه لغير واحد، والذي رأيته في بعض تآليف بعض الشرفاء أنَّه دفن بسجلماسة قرب والده، وقد يجمع بينهما بأنه دفن حيث ذكر ثم نقل لسجلماسة هـ.

قال في النشر: وفى يوم السبت حادى عشر رمضان انتهض رؤساء فاس لأمر أهلها بشراء الخيل والمكاحل واجتمع أهل فاس، والحياينة، وصفرو، والبهاليل، وغيرهم خارج باب الفتوح للميز وتأكيد عدم الدخول في طاعة مولاى رشيد فأغضى عنهم مولاى رشيد وحاصر أهل تافيلالت تسعة أشهر ثم نزل بتازا فخرج أهل فاس من الحياينة إلى الغارة عليه في خامس عشر شوال، فرجعوا فارين فتبعهم إلى قنطرة سبو ورجع، فبعثوا إليه بصلح فلم يكمل بينهم وبينه حتَّى أكمل الله مراده وبلغه أمره المغرب فأنقذه به من أهل العناد، وأحيا الله به البلاد والعباد (1).

وكانت أيامه مباركة على كثير من المسلمين اتفق له فيها ما لم يتفق لغيره في كثير من المسلمين.

قال ومن حوادث عام ستة وسبعين وألف: أن مولاى رشيد نزل على فاس فقاتل ثلاثة أيام، وجرح برصاصة في أذنه، فرجع سالمًا، ثم عاد مرة أخرى في ثالث ربيع الأول فأوقع فيهم القتل والجرح ما يقرب من سبعين رقبة، ورجع لأنه لم يكن أتى مستعدا لهم، ثم سار إلى الريف فحاصر أعراس (2) وأخذه في رمضان بعد منازلات، وفى ضحوة الثلاثاء ثامن وعشرين من ذى القعدة نزل أيضًا

(1) الموسوعة 4/ 1529.

(2)

تحرف في المطبوع إلى: "أعراض" وصوابه من نشر المثانى الَّذي ينقل عنه المصنف ..

ص: 52

على فاس فحاصرها إلى الخميس، وبقى جيشه مقاتلا إلى يوم الاثنين ثالث ذى الحجة، فأصبح بفاس الجديد وقد دخل من أعلى السور ليلا من جهة الملاح، وفر رئيسهم الدريدى، ثم نزل عشيته فاسا ففر ابن الصغير رئيس اللمطيين ليلا إلى بستيون باب الجيسة، وفر أحمد بن صالح رئيس الأندلسيين صبيحة غده وطلع أهل فاس فبايعوا مولانا الرشيد ونصروه، وقبض ابن صالح قبل الزوال بحوز البلد، وقتل جماعة من أصحابه وسجن بباب دار ابن شكره (1) بفاس الجديد، وولى القضاء حمدون المزوار يوم الخميس سادس الحجة (2) هـ.

وفى شرح الزيانى على نظمه التاريخى المعنون بألفية السلوك: أن تولية حمدون القضاء كان بإشارة من الأستاذ أبي زيد عبد الرحمن بن القاضي، وذلك أن المترجم لما جلس على أريكة الملك بالعاصمة الفاسية، وجه للأستاذ المذكور يستقدمه عليه فأجاب بعدم قدرته على القدوم لكبر سنه وملازمته لبيته، فلما جاء جوابه للمترجم قال للرسول: إنى آتيه يخرج لمحل قريب من بيته آتيه فيه، فخرج لغرسة درب الدرج حائطها موال لمصمودة، ولما قدم السلطان فتحوا له في حائط الغرسة نقبا دخل منه إليها واجتمعا معا، فقال له: جئتك لأستشيرك فيمن أوليه بفاس من حاكم وقاض ومحتسب وناظر، فقال له: أما الحاكم فلا أتقلده، والقاضى حمدون المزوار، والمحتسب عبد العزيز المركنى الفلالى، والناظر العدل مسعود الشامي.

ولما خرج من عنده أمر أن يبنى بالمحل الَّذي دخل منه باب وبقى طريقا، فهو درب الدرج لم يكن قبله، ولما بلغ دار الإمارة نفذ الإمارة لسيدى محمد بن أحمد الفاسى، والقضاء للمزوار، والحسبة والنظارة لمن ذكر.

(1) في المطبوع: "دار ابن شقراء" والمثبت من المثانى.

(2)

نشر المثانى في الموسوعة 4/ 1537.

ص: 53

فامتنع الشامي من النظارة فسجن سبعة أشهر، ولما ضاق به الأمر أجاب على شرط أن لا يتعرض له قاض ولا وال لأن الأحباس كلها حارها اللصوص والأشراف أيام الفترة، حتَّى كادت أن تستأصل كلها واشتغل بالبحث عنها واستظهارها، ومن اتهم بربع أو أرض أو جنان أو دكان يحوز ما عنده من الرباع، فما ظهر رسمه رده له وما وجد مغصوبًا أولا رسم عنده علم أنَّه مغصوب فيحوزه للحبس، حتَّى رد الأوقاف كلها وزاد عليها ما وجد مغصوبا من الوقف أو غيره.

ولما ولى المزوار القضاء كان كثيرا ما يرد أحكامه المفتى عبد الوهاب الفاسى في نوارل وأحكام تقع منه مخالفة للمشهور، وعلم بذلك ابن القاضي كتب لمولاى رشيد يقول له إن من أشرت عليك بولايته له أصهار، وأصحاب تجار، ومخالط لأعيان فجار، فأقلنى من عهدته أقالك الله من عذاب النار، فكتب له أن ينظر للقضاء من هو أهل غريب الدار، لا قرابة له ولا أنصار، خامل الذكر فذكر له المجاصى الغياثى فولاه القضاء بفاس هـ.

قال في النشر: وفى يوم الخميس الَّذي بعده يعنى بعد الخميس الَّذي ولى فيه حمدون المذكور خطة القضاء قتل ابن صالح وابن الصغير ثم ولديه، ثم أخرج مولاى الرشيد بحركته للغرب فانهزم منه الرئيس الخضر غيلان ومن معه، وتبعهم فدخل القصر، وخرج إلى آصيلا، ورجع مولاى رشيد من القصر ثم عاد لحصاره (1) هـ.

وقال الأسير مويت كان خروج المولى الرشيد لقتال عبد القادر غيلان في ثمانية آلاف فارس واثنين وثلاثين ألف رام، فتلقاه غيلان بستة وعشرين ألف جندى كلها مدربة على القتال لما كان بينهم وبين النصارى من المحاربة بالشواطى، ولما التقى الجمعان كان النصر الأخير لمولاى الرشيد وانهزمت جيوش غيلان أمام

(1) نشر المثانى في الموسوعة 4/ 1537.

ص: 54

الجنود الرشيدية إلى أبواب آصيلا، ومن هنالك فَرَّ غيلان إلى الجزائر ودخل في طاعة الرشيد القصر وتطاوين وسلا وكانت إذ ذاك بلدة مستقلة هـ.

قال في النشر: ومن المحكى أن ابن صالح والدريدى وأشياعه لما أحسوا من الناس الضجر وكثر ذكر مولاى الرشيد على الألسنة والتشوف إليه لما اشتد بهم الحال من الحصار والفتن، وكان أغلب ذلك في شرفاء فاس أظهروا مشاحنة على سبيل المكيدة، فاختصم الدريدى مع ابن صالح وأظهروا المقاطعة بينهما، فجاء أشياعهما لكل من يعرفونه من الشرفاء والفقهاء الذين يحبون مولاى الرشيد، وطلبوا منهم أن يصلحوا بين الرئيسين، مدلين بأن هذا وظيف الشرفاء والفقهاء (1).

ومن جملة من كان فيهم العلامة حمدون المزوار، وأبو عبد الله محمد بوعنان الشريف، وآخر من أقاربه فامتنعوا أولا كراهية الدخول في أمر الولاة، فاعتل أهل فاس بأن لا ملجأ في مثل هذا إلا لهم، وحتموا عليهم ومن تغيب من الأشراف وغيرهم ممن عزموا عليه اتبعوه حتَّى حضر، ومن تمرض كلفوه المشقة، والبعض من الشرفاء، اختفى من ذلك كل الاختفاء، لكونه أخبر بالمكيدة من بعض أصدقائه، حتَّى جمعوا جميع من قدروا عليه ممن يظنون به الميل إلى السلطان ووجهوهم إلى الدريدى بفاس الجديد على حالة الشفعاء في أن يصطلح مع ابن صالح، فلما أقبلوا عليه أظهر لهم الترحيب وأدخلهم مصرية وأنزل لهم مائدة من طعام ملون يعرف بطبخ الدار، وقال لهم: عشاؤكم من أسبوع بنية تزيدت لى، وخروجكم من هذه المصرية يوم خروجكم من زفافها، فعلموا أنهم مسجونون، وأنه توعدهم بطول سجنهم جدا، وأن توجيههم له من أصله إنما هو مكيدة واحتيال، وأنهم لو سجنهم جهارا لما أمنوا من انتصار بعض العامة لهم أو شبه ذلك، فلما وقع جميعهم في ذلك أسفوا وبقى الطعام بينهم لم يتناول أحد

(1) نشر المثانى في الموسوعة 4/ 1537 - 1538.

ص: 55

منهم شيئًا، فقدر الله تعالى ظهور مولاى الرشيد ودخوله فاسا الجديد في تلك الليلة، فالمائدة ما زالت بموضعها وطعامها وهم يسمعون الإعلان والصياح بنصر مولاى الرشيد في كل الجهات ففرج الله عنهم.

ربما تجزع النفوس لأمر

وله فرجة كحل العقال (1)

فمنهم من لم يخرج إلا بعد أن كل من تلك المائدة زيادة في الفرح، ومنهم من حمل معه من ذلك الطعام وخرج مسرعا، ومنهم من بقى ثمة حتَّى دخل عليه السلطان مولاى الرشيد ومنهم البوعنانيون المذكورون فسر بهم وبقى يرعاهم (2).

وهذا من أسباب تولية أحفادهم القضاء من قبل مولانا إسماعيل، لما يعلم فيهم من تقرر محبة الإمارة، وكأنه بحث عن أحوالهم، وممن كان حاضرا بهذه القضية سيدى محمد بن أحمد الشريف العراقى الحسنى (3) سمعت هذه الحكاية من بعض أحفاده لبنته وهي شائعة عنه وعن غيره، ويذكرونها بزيادات لم أذكرها لأنى هذا الَّذي حققت منها، ولله الامر من قبل ومن بعد (4).

قال: ومن حوادث سنة سبع وسبعين وألف رجوع السلطان مولاى الرشيد من الحركة أوائل ربيع الثانى، فكتبت له البيعة من فاس وقرئت بين يديه زوال يوم السبت الثامن عشر ربيع الأول، ثم خرج إلى مكناسة في ربيع الثانى بقصد آيت ولَّال من البربر فأخذهم، ورجع ثم نزل الرئيس محمد الحاج قرب وادى فاس بأبى مزُّورة (5) فقاتل قتالا خفيفا ورجع نحو ثلاثة أيام، ثم خرج السلطان مولاى

(1) نشر المثانى في الموسوعة 4/ 1538.

(2)

نشر المثانى في الموسوعة 4/ 1538.

(3)

في نشر المثانى: "الحسينى".

(4)

نشر المثانى في الموسوعة 4/ 1538.

(5)

في المطبوع: "بأبى مرورة" والمثبت من المثانى الَّذي ينقل عنه المصنف. ومثله في الاستقصاص 7/ 36.

ص: 56

الرشيد لتازا حادى عشر رجب، ورجع في شوال ففزع الرئيس العكين عن مكناسة، ثم خرج السلطان لبنى زروال ثانى يوم النحر فأخذهم وبعث رئيسهم الشريف إلى فاس ثانى محرم عام ثمانية وسبعين، ثم نزل على تطاوين فأخذ رئيسها في صفر وأتى به فسجنه مع جماعته ورجع أوائل ربيع الأول (1).

قال: ومن حوادث ثمان وسبعين خرج مولاى رشيد لحركة الزاوية الدلائية ضحوة الخميس الثانى عشر من ذى الحجة، وولى بفاس العلامة سيدى محمد بن أحمد الفاسى زوال يوم السبت من ربيع الثانى (2).

قال: ومن حوادث سنة تسع وسبعين أخذ الزاوية الدلائية، قال الشيخ أبو على اليوسى في محاضراته: كان الرئيس أبو عبد الله الحاج بن محمد بن أبي بكر قد ملك المغرب سنين عديدة، واتسع هو وأولاده وإخوته وبنو عمه في الدنيا، فلما قام الشريف السلطان رشيد بن الشريف ولقى جيوشهم ببطن الرمان فهزمهم، وذلك أوائل المحرم فاتح سنة ست وتسعين وألف، فدخلنا عليه، وكان لم يحضر في المعركة من عجزه لكبر سنه فإذا بالفلّ يدخلون فدخل عليه أولاده وإخوته وأظهروا جزعا شديدا وضيقا عظيما فلما رأى منهم ذلك، قال لهم: ما هذا! إن قال لكم حسبكم فحسبكم، يريد الله تعالى. وهذا كلام عجيب وإليه يساق الحديث، والمعنى: إن قال لكم تعالى حسبكم من الدنيا فكفوا راضين مسلمين (3) هـ.

قال: والإشارة بهذا إلى أن الله تعالى وضع لعباده في الدنيا مائدة وجعلها بينهم دولًا، {

وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ

(140)} [سورة آل عمران: 140]، فكل من جلس على هذه المائدة وتناول منها ما قسم له فلابد

(1) نشر المثانى 4/ 1546 في موسوعة أعلام المغرب.

(2)

نشر المثانى في موسوعة أعلام المغرب 4/ 1552.

(3)

نشر المثانى في موسوعة أعلام المغرب 4/ 1557.

ص: 57

أن يقوم عنها بالموت أو بالعزل ليجلس غيره، ولا تدوم لأحد ولا ينام عنها من أقيم غالبا إلا بمرارة وعنف، ولذا قال صلى الله عليه وسلم في الولاية: نعمت المرضعة وبئست الفاطمة.

ثم من الناس من لم يشعر بهذا المعنى ولم ينتبه له، فهو يسعى إليها عجبا بأوائل زخرفها وانخداعا بظهور زينتها، ومن الناس من علم ذلك وتنبه له، ثم من هؤلاء من نفعه الله بعلمه فأوجب له أفعالا محمودة إما قبل ولوجها بالزهد فيها والفرار منها علما بغايتها دينا وتقوى، أو حزما في الدنيا بعد الولوج فيها بالتعفف والإحسان والعدل والرفق ومجانبة الجور والبغى والخرق، إما دينا أيضًا وحذرا من المطالبة في الآخرة، وإما خرقا دنيويا وحذرا من اختلالها واضمحلالها، إلى أن قال: وقال أبو عمر بن عبد البر: تكلم معاوية رضي الله عنه يوما، فقال: أبو بكر هرب منها وهربت منه، وأما عمر فأقبلت إليه وهرب منها، وأما عثمان فأصاب منها وأصابت منه، وأما أنا فداستنى ودستها، قال أبو عمر: وأما على فأصابت منه ولم يصب منها.

ثم قال في المحاضرات بعد كلام طويل: وكل من تعرض لها من السلف فإما انتهاضا لنصح المسلمين من نفسه بإقامة الحق لئلا يضيع، وإما نزغة بشرية حركها لسبب من الأسباب، أما على هذا الثانى فلا يقتدي بهم، وأما على الأول فيقتدي به من بلغ مقامه في التمكين القوة والنزاهة، وفى مثل زمنه الصالح الَّذي لم يزل به الدين طريا، والحق جليا، والأعوان عليها قائمون، وهيهات ذلك في آخر الزمان الَّذي غلب فيه حب الدنيا واستولى على الناس سلطان الهوى، فلا ترى إلا حريصا على الجمع والمنع، ولا ترى إلا نفاقا ومداهنة، فالمرء الكيس لا يعدل لنفسه بالسلامة شيئًا، ومن له بوجودها إن لم يكن له من المولى لطف ظاهر هـ المراد من كلام الشيخ اليوسى باختصار.

ص: 58

فكان أخذ الزاوية يوم الاثنين ثامن المحرم، ومن لطف الله على أهل الزاوية فيما سبق لهم في علمه ببركة جدهم محبتهم في أهل البيت أن جعل خلاء زاويتهم على يد مولاى الرشيد الَّذي حلم عليهم الحلم المعهود لأمثاله من صرحاء أهل البيت، فما أسال من دمائهم ولو قطرة، ولا كشف لهم عن عورة، وربما مد بعض الظلمة يده فانتقم منه أشد الانتقام.

ولا يقال إن تخريب المترجم لهذه الزاوية وإجلاء أهلها منها وترحيل رؤسائهم لتلمسان وتغريبهم هناك بدليل العيان غير مناسب لما كان فيهم من علم ودين، وزائد ود، لأبناء السبطين، لأنه يقال إن ذلك ضرورى عادى في جمع الكلمة، إذ ما دام من كان بيده في مأوى سلطانه إلا ومواد الثورة لا تنحسم وعين التشوف لا تنسد، ولو من رعاع الاتباع والمشاهدة أعظم برهان، ولأمر ما قال تعالى عن بلقيس: {

إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً

(34)} [النمل: 34].

فحيث كان هذا المقتضى الأكيد في سياسة الأمة وجمع كلمتها وانضمام شمل ألفتها على من يحمى بيضتها قائما، فالعلم ومعطوفاته التي توجد حشو من يراد إقامته في ذلك على المحجة البيضاء لا تعد موانع، من تنفيذ ذلك المقتضى، لأن درء المفسدة أهم، ولإمكان الجمع بظهور نتائج العلم ومعطوفاته من صاحبها في أماكن أخرى لا تتطرق فيها مفسدة، وكذلك كان فإن جميع من كان من تلك العائلة له علم ودين قد استقر بحاضرة المغرب فاس، ونصبوا بها وبأحوازها للمناصب اللائقة بعلمهم ودينهم، كما حفظ ذلك كله التاريخ، وفى كتاب البدور الضاوية من ذلك ما فيه مقنع فحصلت لهم بذلك الكرامة، مع الأمن والسلامة، ولله في خلقه شئون.

ص: 59

قال أبو على اليوسى: وكان محمد الحاج في ابتداء أمره طالبا فقيرا صعلوكا قليل ذات اليد، ووالده مثله فكلف والده أن يشترى له فرسا فقال له: والله ما عندى ما أشترى لك به حمارا، اشتغل بقراءتك مع بنى عمك واترك مرافقة البطالين، وأقبل على ما ينفعك فلم ينفع فيه وعظ فهجره والده وأعرض عنه وتركه وشأنه، فكان يأوى إلى كهف في جبل فوق قريتهم بالدلاء مع أحداث مثله.

فاتفق ليلة لم يأت أحد منهم غيره فأتى بقبس نار وحطب وأوقد نارا بالكهف فرأى في راوية محلا كالباب مبنيا بحجارة فتأمله فإذا هو بناء، فتوجه للقرية وأتى بآلة حديد قلع بها البناء ودخل من ذلك النقب بقبس نار فوجد محلا منقورا في الجبل وبه سبعة قماقم من نحاس مختوم على أبوابها بالرصاص، فدحرج واحدا منها إلى الكهف لثقله وكسر ختمه فوجده مملوءا بالدنانير المرينية، فأخرج القماقم كلها إلى خارج الكهف وحفر لها في الأرض ورد عليها التراب وسواه.

ورجع إلى الكهف فأغلق الباب كما كان بالحجر والطين ونكسه ونقص من القمقوم الَّذي فتح مقدار ما يحمل وتوجه به لدار والده، فوضعه بمحله، ورجع إلى القمقوم فحمله وأبلغه لمحله، ولما أصبح استرضى والده ببعض ذلك وجلب خاطره به ووصل أقاربه وبنى عمه واشترى لرفقائه وله خيلا وسلاحا واشتهر بينهم بأنه يحسن صنعة الكيمياء، وأقبل عليه البطالون.

فلم تكمل السنة إلى أن كان يركب في مائة من الخيل، فجاءه أحداث قبيلة مجاط فاجتمعوا عليه وكان يستركبهم، وعظم أمره وصار يشن الغارة على أهل تادلا، وعلى أهل ملوية وأمر أمره فدعا لنفسه هـ بنقل صاحب الروضة السليمانية.

ص: 60

وفى البدور: وكان أهل صاحب الترجمة -يعنى الرئيس محمد الحاج- كارهين لولايته لما كانوا عليه من الاشتغال بالعلم والدين والسير على سنن المهتدين، ولما سمعوه من الشيخ والدهم رضي الله عنه فإنه كان يقول له أنت سبب خراب هذه الزاوية، وكان يقول سيجعل لكم محمد سلما تصعدون به إلى درجة ثم ينكسر المسلم وتنهدم الدرجة، وفى ذلك يقول أخوه الشيخ الإمام سيدى محمد الشاذلى رحمه الله:

بلينا بذى نسب شائك

قليل الجدا في زمان الدعه

إذا ناله الخير لم نرجه

وإن ضعفوه ضعفنا معه

وفى البدور أيضًا أن أبا عبد الله محمد بن أبي بكر قال لأخت له ذات يوم: سيجعل لكم محمد يعنى والده محمد الحاج سلما تصعدون معه فيه وتدعون اخنيف يعنى ثياب المسكنة، فترجعون فلا تجدون اخنيف وتلتمسون المسلم فلا تجدونه هـ.

قال في نزهة الحادى: حدثني غير واحد من أشياخنا أنَّه أي أبا عبد الله محمد بن أبي بكر لما دنت وفاته جمع أولاده وذويه وقال لهم: {

إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ

(249)} [البقرة: 249] وأنا أقول ولا من اغترف بيده يشير بذلك إلى ما يتجاذبونه من الرياسة بعده ويبتلون به من أبهة الخلافة وذلك في مكاشفاته وقد اعترض عليه بعض الطلبة بقوله وأنا أقول بأنه سوء أدب بمقابلة كلام الله بكلامه وأجاب عن ذلك حفيده شيخنا الفقيه العلامة الشهير أبو عبد الله محمد المسناوى برسالة مستقلة ولولا الإطالة لجلبناها بنصها هـ وهي مطبوعة في فتاويه المطبوعة بفاس 222.

ص: 61

وفى البدور أيضًا: قد نقل بعض الأثبات الثقات أن الأمير محمد الحاج لما وصل بمن معه من أهله وبنيه. وأقاربه وذويه. لمدينة تلمسان، ولم يعبأ بهم إنسان، ونزلوا منها بحرم العباد مستمطرين الفرح بالمآب، من ملك أمور العباد ورب الأرباب. قال: لا إله إلا الله الله أكبر، كنا نظن أن ندخل مدينة الجدار، دخول عز وافتخار، فدخلناها دخول ذل واحتقار، والأمر لله الواحد القهار.

قال: وبقى رحمه الله بتلمسان نحوا من عامين وأربعة أشهر، وتوفى بها عشية يوم الخميس رابع محرم الحرام فاتح عام اثنين وثمانين وألف ودفن من الغد قريبا من ضريح الشيخ محمد بن يوسف السنوسى، فكانت مدة أيامه. من وقت قيامه. وجمع شمل نظامه. بمبايعته أولا وثانيا وصيرورته إماما واليا. إلى وقت ارتحاله وخلعه وإخراجه من وطنه إحدى وثلاثين سنة، إلا أن أيامه كانت غير متمحضة للحرب ولا للسلم.

قال: وبقى من كان معه بتلمسان من بنيه. وأقاربه وذويه، إلى تمام العام فتوفى السلطان الرشيد فكان بين وفاتيهما معا أحد عشر شهرا وستة أيام، وبقى أهل الزاوية بمكانهم نحوا من عامين وأشهر.

قال: وكان خروج أهل الدلاء من العباد -يعنى منقلبهم لفاس- في جمادى الأولى عام خمسة وثمانين وألف، فلما رجعوا كان نزولهم بقرب روضة سيدى على بن حرزهم، وبقوا به مدة ثم أمرهم السلطان مولاى إسماعيل بالدخول للمدينة الإدريسية، وأن يسكنوا منها حيث شاءوا وعظمهم وأعطاهم، وأكرم نزولهم ومثواهم وبالتوقير والاحترام أولاهم وآواهم هـ.

قال الأسير مويت: وكان ابن أبي بكر هذا عالما بنوايا الرشيد لذلك، أخذ يستعد لملاقاته فأرسل أولاده إلى الجبال بقصد حشد الجيوش ثم وزع الأموال واستخلف الأشياخ على أن يعينوه بأموالهم وأنفسهم حتَّى النهاية، فأقسموا له

ص: 62

على ذلك، إلا أن فريقا وجه إلى السلطان يستقدمه لزاويتهم ظنا منهم أنهم سينالون شيئًا من السبى فأجابهم إلى ذلك، ومر في طريقه على جبل الحديد فأخذه عنوة، ثم قصد ابن أبي بكر والتقى الفريقان ببطن الرمان غرة عام 1079، إلا أن أولئك الأشياخ الذين كانوا يقبضون الأموال من الرشيد احتالوا في قبض ابن أبي بكر وسلموه لعدوه فعفا عنه، ووجهه إلى فاس ومنها إلى تلمسان حيث قضى نحبه يوم 15 ماى 1671، ثم إن الملك قضى فصل الشتاء كله في الزاوية هـ الغرض.

وما زعمه من الاحتيال في قبض ابن أبي بكر والإتيان به للمترجم يفنده ما في البدور الضاوية نقلا عن الأزهار الندية ونصه: ذكر لنا بعض الأثبات أن السلطان الرشيد لما قدم الزاوية الدلائية بقصد الاستيلاء عليها، لقبه الأمير أبو عبد الله محمد الحاج وكان متناهيا في السن، فقال له: ما تريد؟ فقال له: الملك، فقال له: هو الآن في محله فباعه ودفع له مالا فقبض منه المال. وألان له في المقال. وذهب بأهله وحشمه إلى تلمسان هـ.

وقال نقلا عن تحفة المعاصر ما نصه: أخبرنى الشريف البركة الخير المرابط سيدى أحمد بن عبد القادر القادرى الحسنى ثم الفاسى أنَّه كان بها يعنى الزاوية الدلائية حين دخول السلطان الرشيد إليها حاضرًا، وكنت ممن لفظته يد الاكتئاب، ورمت به قوس المحن والاغتراب، لما شاهدت يومئذ من تغير الأحوال، وكثرة الأحزان والأهوال، إلى تادلا فلما وصلت الصومعة منها ولقيت الفقيه الصالح سيدى عبد الرحمن بن إسماعيل والد الفقيه العلامة الولى الصالح سيدى محمد ابن عبد الرحمن صاحب سيدى أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الله معن الفاسى رحمهم الله تعالى وسألنى عن خبر الزاوية المذكورة وأهلها وما فعل

ص: 63

هنالك، لم أملك عينى من البكاء بتذكره أيام تلك الأيام والمعاهد، وما خص الله تعالى به أولئك السادات الكرام الأماجد.

قلت رضي الله تعالى عن سيدنا حسان، ذكرنى لفظ التذكر والبكاء قوله يبكى أصحاب مؤتة بقوله:

يؤرقنى ليل بيثرب أعسر

وهم إذا ما نوم الناس مسهر

لذكرى حبيب هيجت لى عبرة

سفوح وأسباب البكاء التذكر

بلى إن فقدان الحبيب بلية

وكم من كريم يبتلى ثم يصبر

هـ.

وفى نزهة الحادى وغيرها أن الشريف الرشيد غير من الزاوية الدلائية المحاسن، وصير محاسن معينها العذب آسن، وصحبها حصيدا كأن لم تغن بالأمس، وكانت مشرقة إشراق الشمس، فمحت الحوادث ضياءها، وقلعت ضلالها وأفياءها، وقد أطال فانظر بقية كلامه.

وكان ممن حضر هذه الحادثة الإمام أبو على الحسن بن مسعود اليوسى ورثى هذه الزاوية بقصيدته الرائية الشهيرة المشتملة على جودة الرثاء المقصود، والتأسف على فوات حسن الحال المعهود، والتحنن إلى معاهد تلك الأطلال، والتشوق لمن كان بها من القطان والآل، والتنبه إلى الدهر والبائه، وتقلبه بأهله وأبنائه. والتأسى بذى التصبر لصروفه، والتسلى بما بيديه من نكره عن معروفه، وعدم الاهتبال بما يحدثه من الحوادث وترك الركون لنعيمه الحادث، وعدم الثقة بود بنيه، وتلون شيم أهله وذويه، ورفع الهمة عنهم ثقة بالمولى، فيما لابد وأولى، والتخلى عن خلل الخزايا والكبائر، والتحلى بحلل المزايا والمثاثر، والترقى في أدراج خير السجايا لإدراك المعالى والمفاخر، إلى غير ذلك من الأخلاق والأوصاف الحسان. التي

ص: 64

يحصل الشرف بها في الدين والدنيا وينجو بسببها في الآخرة الإنسان. قال في مطلعها:

أكلف جفن العين أن ينثر الدرا

فيأبى ويعتاض العقيق به جمرا

وأسأله أن يكتم الوجد ساعة

فيشقى وإن اللوم آونة إغرا

وقد كنت أستصحيه حين توقدت

جذى الوجد فاستسقيته يطفئ الجمرا

على أن دمع العين فضل حشاشة

تذاب فماذا ينفع الدمع أن يجرا

وكانت سروح الهم عنى عوازبا

وبعد النوى أضحت مراتعها الصدرا

وكانت عيون الحادثات غوافلا

زمانا وخطب الدهر كان بنا غرا

ليالى كان البين عن جيرة الحمى

صدودا ونظم الشمل لم يستحل نثرا

وكانت رياض الحسن تزهو نضيرة

فكاهتهم أضحت بأرجائها زهرا

ومجنية منها طرائق تجتلى

إذا تجتنى في كل مظلمة بدرا

وكانت مدامات الوصال مدامة

على القوم صرفا لا مزيجا ولا نزوا

تجاذب أخدان الصفاء كئوسها

فلا تختشى منها خمارا ولا سكرا

فبينا ليال الوصل بيض وروضه

يفيض الندى كانت مرابعه خضرا

عدت عدوة أيدى الحوادث فاختلت

خلاها فعادت بعد نضرتها غبرا

وأبدلن مانوس الديار وأهلها

بوحش وحولن الأهيل بها قفرا

وبين جموع الحى كالراح شبتها

بماء فما تخشى جفاء ولانفرا

وكالفرقدين الطالعين تآلفا

وصاحبى الملك الَّذي نادم الشعرى

أصابتهم عين الكمال فغادرت

أكفهم من كل ما جمعت صفرا

ص: 65

وردتهم مثل الثريا إذا رأت

سهيلا بشحط البين أو واصل والرا

فأصبح في أرجائها البوم منشدا

يردد مما قال من قد خلا شعرا:

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا

أنيس بلى لكن هوى جدهم عثرا

فلا جفن إلا وهو مغض على القذا

ولا عين إلَّا مِنْ نجيع الشجا حمرا

ولا وجد إلا وهو مرخ سدوله

ولا هم إلا وهو يكتشف الفكرا

صبرت فؤادى للخطوب فلم يزل

به رشقها حتَّى تقضى فلا صبرا

وأزمعت نهر الدمع عنى تعزيا

فلما جرى كالنهر لم أملك النهرا

ووجهت نحو الحى أعرب عن هوى

ضميرى فما ألفيت زيدا ولا عمرا

وأحسب ما قد كنت أحسب دائما

فخطت بنان البين في راحتى صفرًا

إلى أن قال:

هو الدهر لا يبقى على متخشع

ذليل ولا ذى نخوة مزده كبرا

حسام إذا ما صمم الدهر في امرئ

غدا دمه بين الورى خضرا مضرا

ورح سموم حيث ما هب مرة

تعفت معافيه وإن بعدت مرا

وسيل إذا ما يمم الأرض أصبحت

أخاديد وانفلت كرادسها كسر

وليث هصور ما تغشى حظيرة

فيسطو إلا أنعم العض والعقرا

غشوم فما يرتاع من بأس خادر

لحى ولا من حسن ساكنة خدرا

فليس عجيبا ما أتى من عجائب

ولو أطلع الغبراء واستنزل الخضرا

إلى أن قال:

ألم تر أن الدهر حبلى أنينة

ولادتها يوما وإن لم تكن تدرا

ص: 66

فمن منح تسلى ومن محن تسى

نتائجها صغرى على المرء أو كبرى

ولا تأمنن أبناءه أن تحببوا

إليك فمن يشبه أباه فقد برا

وكل بنى دهر فأشباه دهرهم

على ما قضى الله الكريم وما أجرى

إلى أن قال:

ومن لم يكن مستغنيا بقناعة

فليس بمنفك عن الناس معترا

ومن لم يكن يسترغد العيش بالرضا

بقسمته لم يبرح الدهر مضطرا

ومن لم يكن بالحزم محتزما فقد

فرى حبله عن نجحه قبل أن يفرا

ومن لا يبادر صيده وهو معرض

ليرميه كان العناء له قصرا

ومن يشر بخسا نوقه وهي شول

عجاف تمناها لدا غيره شكرا

ومن يحتسب يهمل كما الغيث وابلا

فلا الحقل يجفو بالعباد ولا الصبرا

ومن لا يثقف متنه الدين والحجا

ويرم الورى يلق المثقفة السمرا

ومن لا يجنب قوله دنس الخنا

فلا يمتعض يوما إذا أسمع الهجرا

ومن يبغ نذلا بالسباب وبالنوى

يكن بنضار جيد يشترى الصفرا

ومن يصحب الأمجاد تنظف ثيابه

ومن يصحب الأرذال يكسى بها العرا

ومن لا يجالس من يجانس لم يدم

له أحد فالأسد ما ترأم الحمرا

ومن لا يجاوز بالصديق ويلحه

يجد لبه نغلا إذا نزع القشرا

ومن يرم بالبغض الودود معنفا

ليصفو يورث قلبه البغض والغمرا

وهي أطول من هذا تشتمل على مائة بيت واثنين وستين بيتا، وقد شرحها غير واحد من فطاحل العلماء والأدباء ما بين موجز ومسهب.

ص: 67

وقد رثى أهل هذه الزاوية غير واحد من جلة العلم، وقد ألم بجملة وافرة أبو الربيع سليمان الحوات في البدور الضاوية تركنا جلب ذلك روما للاختصار.

هذا وإن المترجم قدس سره، قد نقل علماء هذه الزاوية المباركة لفاس لنشر العلم، ومن جملتهم الإمام اليوسى، قال في تحفة المعاصر: إن الشيخ اليوسى لما أمره الرشيد بالرحيل من الزاوية البكرية وألزمه النزول بمدينة فاس والتصدير للتدريس بها امتثل أمره ودخل مدينة فاس، وأقام متصدرًا للتدريس فأخذ عنه ملأ كثير، وجم غفير، ولزمه أهل الاعتناء المنصفون، وانتفع به أهل المغرب انتفاعا ظاهرا، وكان الرشيد يحب إقامته بفاس ويأبى هو إلا البادية فعاتبه في ذلك، فاعتذر له بأنه رجل بدوى المولد والمنشأ وحنينه أبدًا لأول منزل هـ بنقل البدور لأبي الربيع سليمان بن محمد الحوات الحسنى المتوفى عام واحد وثلاثين ومائتين وألف.

وفى النشر: أن الرشيد لما فرغ من إخلاء الزاوية في الثانى والعشرين من صفر قصد مراكش فأخذها وقتل رئيسها عبد الكريم المدعو كروم الحاج الشبانى مع جماعة من حزبه (1) وقرابته وبعد موته بشهر رجع مولاى رشيد من حركته تلك يوم الجمعة تاسع عشرين ربيع الثانى.

وخرج صاحب تافلالت ابن أخيه مولاى محمد بن الشريف مع أتباعه وخلى سبيل البلد وكذلك الخضر غيلان ذهب في البحر إلى الجزائر، وخلى سبيل آصيلا. وعزل القاضي المزوار، والمفتى محمد بن أحمد الفاسى زوال الأربعاء التاسع والعشرين من جمادى الثانية، وولى محمد بن الحسن المجاصى القضاء يوم الجمعة بعد عزل المزوار المتقدم والفقيه سيدى محمد البوعنانى خطبة القرويين بعد عزل سيدى محمد بن أحمد الفاسى، ثم أخرج مولاى الرشيد للشاوية عصر يوم السبت سابع عشر رجب ورجع سابع رمضان، فأمر بإخراج أهل الزاوية من فاس

(1) التقاط الدرر - ص 176.

ص: 68

ثم سمح للبعض منهم وبقى البعض بضريح سيدى على بن حرزهم (1) إلى آخر العام ثم سمح فردهم جميعا (2).

ثم أخرج لحركة آيت عياش ظهر يوم السبت سابع عشر ذى الحجة، وأحدثت السكة الرشيدية ثانى وعشرى الحجة وأقرض التجار من فاس وغيرها اثنين وخمسين قنطارًا مدة من سنة حتَّى ردوها وبها بنى قنطرة سبو وفى يوم السبت رابع عشر ذى القعدة أخذ في أهبة بنائها (3).

قال: ومن حوادث عام ثمانين وألف بدء أساس قنطرة سبو، وفى خامس عشر جمادى الثانية بدأ البناء فيها بالآجر (4)، وخرج المولى الرشيد لحركة الأبيض يوم الاثنين الثانى والعشرين من رجب ورجع يوم الخميس ثامن رمضان، ومات أولاد أخ الأبيض من الغد قبضهم هنالك وقُتلوا بعد وصولهم لتازا، ثم مرض السلطان مولانا الرشيد مرضا أشرف على الهلاك، وأخرج جميع من كان بالسجن يوم السبت السابع عشر وبرئ من الغد، وفى يوم الأحد خامس عشر ذى القعدة عمل عرس مولاى إسماعيل أخي السلطان وفى شوال (5) جددت قنطرة الرصيف (6).

(1) في نشر المثانى: "على بن حرازم".

(2)

نشر المثانى في الموسوعة 4/ 1557 - 1558.

(3)

نشر المثانى في الموسوعة 4/ 158 - 159.

(4)

في المطبوع: الاجر بدون علامة فوق الألف، وفى نشر المثانى:"الأجر" بهمزة فوق الألف، وكلاهما خطأ صوابه لدى الناصرى في الاستقصا 7/ 39. والآجُرّ: اللَّبن المُحْرَق المُعَدّ للبناء.

(5)

في هامش المطبوع: "والذي في البستان الظريف أن التجديد كان في ذى القعدة من العام".

(6)

نشر المثانى في موسوعة أعلام المغرب 4/ 1563، وانظر في ذلك أيضًا: الاستقصا 7/ 39.

ص: 69

قال: ومن حوادث عام واحد وثمانين وألف استولى مولاى رشيد على تارودانت وهي مدينة في أقصى سوس بها أنهار جارية وبساتين مشتبكة وفواكه مختلفة، وأسعار رخيصة، والطريق منها إلى أغمات وريكة في أسفل جبل ليس بالأرض مثله إلا القليل في العلو وطول المسافة واتصال العمارة وكثرة الأنهار والفواكه، وبأعلى هذا الجبل أكثر من سبعين (1) حصنا وقلعة، منها حصن منيع هو عمارة محمد بن تومرت ملك المغرب، إذا أراد أربعة من الناس أن يحفظوه من أهل الدنيا حفظوه لمنعته (2).

فوقع فتح المدينة رابع صفر واستولى على هشتوكة يوم الأحد ثامن عشر صفر وقتل منهم نحو الألف ونصف فيما قيل، واستولى على أهل الساحل ومات منهم أزيد من أربعة آلاف على ما قيل يوم الأحد خامس عشر صفر، وفى مهل ربيع الأول أخذ أهل إيليغ دار ملك سيدى على بن حسُّون، ومات منهم بسفح الجبل نحو ألفين على ما قيل، وفى سابع ربيع الأول قتل بفاس خليفة السلطان نحو ستين من أولاد جامع، وعلقوا بالبرج الجديد لأجل قطع الطريق هـ (3).

قال الأسير مويت: ولما تم الأمر للرشيد على الشبانة عام تسعة وستين وستمائة وألف [ميلادية]، توجه إلى مراكش، ثم بعد ذلك وردت عليه كبراء الشبانات ببيعتهم فأمنهم، ثم جند الجنود منهم ومن غيرهم وتوجه إلى حاحة فكان لا يمر بقبيلة إلا بايعه أهلها لما يعلمونه من شدة بأسه، وكان وما معه من الجنود يبلغ 63 ألفا منهم 25 ألفا من الفرسان.

ولما قرب من سوس أراد أهل الجبال أن يمنعوه من المرور إلى تارودانت فحاربهم وقهرهم، ولما قرب من أكادير تلقاه أهلها وبايعوه، ثم توجه نحو إليغ

(1) في نشر المثانى المطبوع: "من عشرين" وفى إحدى نسخه الخطية (من سبعين) كما هنا.

(2)

نشر المثانى في الموسوعة 4/ 1565.

(3)

نشر المثانى في الموسوعة 4/ 1565.

ص: 70

بأولاد سيدى أحمد وموسى فحاصر القصبة حتَّى أضر الجوع بأهلها فطلبوا من أميرهم أن يسلم نفسه للسلطان فأبى، ولما جن الليل خرج من باب سِرْبِه (1) وهرب، ثم إن أهل إليغ لما علموا بفرار أميرها خرجوا إلى السلطان وبايعوه ثم بعد ذلك، رجع السلطان إلى فاس سنة سبعين وستمائة وكتب لجميع الولاة باستئصال شأفة قطاع الطريق، وإقامة الحدود على الزناة وشراب الخمر (2) هـ.

وفى نزهة الحادى لما تمت البيعة له يعنى للمترجم أفاض المال على العلماء وغمرهم بجزيل العطايا وبسط جناح الشفقة على أهلها يعنى فاسا، وأظهر إحياء السنة ونشر الشريعة فحل من قلوبهم المكان الأرفع، وتمكنت محبته من قلوب الخاصة والعامة هـ الغرض.

قال في النشر: وفى جمادى الأخيرة خرجت سكة الفلوس الجديدة المدورة، وجعل أربعة وعشرين منها في الموزونة الرشيدية بعد أن كان في كل موزونة ثمانية وأربعون، وبطلت الفلوس الأشقوبية المربعة، وفى يوم الاثنين ثالث رجب رجع مولانا الرشيد من حركة سوس. وفى أوائل شعبان ابتدأ بناء المدرسة التي بالشراطين من فاس المنسوبة لمولانا الرشيد بموضع دار عزوز، وفى أوائل شعبان أمر المولى الرشيد ببناء قصبة بعرصة ابن صالح وديار لمتون والدكاكين، وأعطى ألف مثقال لبناء سورها وأمر قواده ببناء الدور فيها، وأمر شراكة (3) ببناء قصبة

(1) في المطبوع: "من باب سرّية" والسِّرب: المسلك في خُفْيَة.

(2)

نشر المثانى في الموسوعة 4/ 1565 في حوادث 1081 هـ، ومثله في الاستقصا 7/ 40 حوادث 1081 هـ.

(3)

في هامش المطبوع: "قال في البستان: إن هؤلاء شراكة قدموا معه يعنى المترجم من الشرك واستخدمهم في جنده منهم العرب الشجع وبنى عامر ومنهم من البربر مديونة =

ص: 71

الخميس وأعطى ألف دينار لبناء سورها، وخرج لزيارة سيدى أبي يعزى رابع رمضان ثم إلى سلا، ورجع لفاس ثامن وعشرين من رمضان (1).

وقال في حوادث عام اثنين وثمانين: بعث المترجم خيلا للجهاد نحو طنجة أول صفر، وبعث خيلا لسوس وقائدها عبد الله أعَرَّاص وذلك يوم الثلاثاء سابع عشر جمادى الأولى، وسافر لتافراطة للصيد يوم الاثنين قرب الزوال فسمع قيام ابن أخيه [بمراكش](2) فدخل فاسا يوم السبت حادى عشر رمضان وخرج من يومه عصرًا، فلقيه محبوسا بيد خدامه عند فزارة (3) فبعثه إلى تافيلالت وسافر إلى مراكش وبعث قائده زيدان لفاس يوم الأربعاء تاسع ذى القعدة ليأتى بالجيش، فأتاه أهل سوس وغيرهم طائعين ولم يبق للحركة موضع بعد أن خرجت الأخبية لوادى فاس (4) هـ.

قال أبو محمد عبد السلام بن السلطان الأعدل أبي عبد الله محمد بن عبد الله إسماعيل السلطان الأعظم في درة السلوك، وريحانة العلماء والملوك ما لفظه: كان مولانا الرشيد يقسم أيامه بين المقام بمراكش والمقام بفاس، وكان إذا ارتحل لفاس يترك بمراكش خليفته ابن أخيه مولاى أحمد بن محرز، وإذا رجع يترك أخاه مولاى إسماعيل بالغرب.

= وبنى منوس وأنزلهم بقرب ناس فحصل منهم الضرر لأهل المدينة وتشكوا منهم فأمرهم بالانتقال بحلتهم لبلاد صدينة وفشتالة بين النهرين سبو وورغة، وأقطعهم تلك الأرض وعزل عزابهم، وأمرهم ببناء بيوتهم بقربه، وأعطاهم ألف دينار لبناء السور، وجعلهم قبيلة واحدة حيث أنفوا من ولاية الترك وفروا إليه هـ مؤلف.

(1)

نشر المثانى في الموسوعة 4/ 1566.

(2)

من نشر المثانى.

(3)

تحرف في المطبوع إلى: "فتراوة"ورواية نشر المثانى: "فنزارة"، والمثبت رواية الاستقصا 7/ 42.

(4)

نشر المثانى في الموسوعة 4/ 1571، والاستقصا 7/ 42.

ص: 72

وكانت أيام مولانا الرشيد أيام راحة ودعة وسكون جامعة للمحاسن وأشتات الفنون، وكان محبا في العلماء مطالعا لكتب الأقدمين فقيها متضلعا، إلا أن أيامه لم تطل وكانت مدة خلافته سبع سنين، وكان مختصا به الفقيه الأديب السيد عبد المالك التجموعتى، والفقيه الأديب السيد سعيد التلمسانى، والفقيه الأجل السيد محمد بن عبد الرحمن الفاسى، وله مع فقهاء المغرب وأدبائه أخبار حسان يطول ذكرها هـ.

ومن مفاخر المترجم شدة اعتنائه بتحقيق الشرف والنسبة للبيت النبوى حتَّى قال في السر الظاهر: إنه كان مثلا مضروبا في ذلك، وكان يسند ذلك لأهل العلم والدين، ويزجر أهل الإفك والزور في ذلك بما يليق بهم من الزواجر البالغة، قال: وجرى في أمرهم على طريقة ملوك الفرس، فإنها كانت تضبط أهل بيتها بضوابط أسلافها، حتَّى كانت تمنعهم من مناكحة من لا يليق بهم هـ.

قلت هو إشارة لتوجيه ما كان عليه المترجم وملوك آل بيته بعده من التحجير في مناكح آل بيتهم بأن لا تكون إلا في أبناء عمهم، أما النساء منهم فعلى سبيل الإطلاق والشمول والاستغراق من غير استثناء، وأما الرجال فكذلك إلا إذا اقتضى الحال في بعض الخواص تسريحه له بإذن خاص، ولكن تخريج صاحب السر الظاهر ذلك على التأسى بملوك الفرس ليس على ما ينبغي، فإن اعتبار النسب في الكفاءة في النِّكَاح هو القول الخامس في المذهب حكاه ابن عرفة وغيره.

وقال الحفيد ابن رشد في بدايته: إن قول أبي حنيفة وأصحابه إن القرشية لا تزوج إلا من القرشي ولا العربية إلا من العربى، وأن قول الثورى وأحمد: إن العربية لا تزوج من مولى، وكذا نقل ابن العربى في الأحكام أن أبا حنيفة والشافعى يعتبر أن في كفاءة النِّكَاح الحسب.

ص: 73