الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حرف الزاي
* * *
144 - زيدان أبو المعالى ابن السلطان أبي العباس أحمد المنصور الذهبي فخر الملوك السعديين
.
حاله: فقيه علامة مشارك متضلع نقاد شهم، أديب بارع، شجاع عالم بمكايد الحروب وخدعها، ذو مروءة ومتانة، دين جامع لخصال الفضل والكمال، ولكنه غير محظوظ ولا متوقف في الدماء ولا مبال بالعظائم، كثير المراء والمجادلة استخلفه والده على مكناس وتدلا وأحوازها فأحسن السيرة قال ابن القاضي في الدرة:"ولاه والده أبقاه الله تعالى مكناسة وهو أميرها في هذا العصر أعنى بعصر تسع وتسعين وتسعمائة"(1).
ولما توفى والده اجتمع أهل الحل والربط من أعيان فاس والجمهور من جيوش والده على بيعته محتجين بأن والده استخلفه قيد حياته ومات في حجره، وكان ممن تصدى لبيعته قاضى الجماعة بلقاسم بن أبي النعيم، والقاضى أبو الحسن على بن عمران السلاسى، والأستاذ أبو محمد الشاوى، والإمام النظار أبو عبد الله محمد بن قاسم القصار، وكان الَّذي قام خطيبا في القوم القاضي ابن أبي النعيم قال فيما ألقاه: أما بعد السلام عليكم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مات اجتمع الناس على أبي بكر، ونحن قد مات مولانا أحمد وهذا ولده مولانا زيدان أولى بالملك من إخوته، فبايعه الحاضرون وذلك يوم الاثنين سادس عشر ربيع الأول سنة اثتتى عشرة وألف.
144 - من مصادر ترجمته: درة الحجال 1/ 277، وموسوعة أعلام المغرب 3/ 1283.
(1)
درة الحجال 1/ 278.
ولما اتصل بأهل مراكش وفاة المنصور وكتب إليهم أهل فاس بمبايعتهم للمترجم امتنعوا وبايعوا أخاه أبا فارس وذلك يوم الجمعة أواخر ربيع الأول من السنة المذكورة.
ثم لما تمت البيعة الشرعية للمترجم بفاس بارحها ووجهته البلاد الحوزية لعلمه بما صدر من أهلها من شق عصا الطاعة، وإباية الدخول فيما دخلت فيه الجماعة.
ولما علم أبو فارس بذلك جهز لقتاله جيشا عرمرمًا جرارًا وألقى زمام رياسته لأخيه المأمون هكذا قال بعضهم، والذي في نزهة الحادى أن أبا فارس أمر على الجيش ولده عبد المالك مع الباشا جؤذر، ثم إن بعض أهل الرأى من حاشيته أشار عليه بتسريح أخيه الشيخ وإسناد قيادة الجيوش إليه لمحبة الرعية فيه ولميلها له فلا يقاومونه ولا يقابلونه إلا بالسمع والطاعة، لأنه كان الخليفة عندهم.
فاستحسن الإشارة، وسرح الشيخ وأخذ عليه العهود والمواثيق على إبداء النصح وعدم شق العصا، ثم أوعز أبو فارس لخاصته من رؤساء الجيوش بالقبض على الشيخ إذا وقعت الكرة على المترجم، وانهزمت جيوشه، والشيخ لا يعلم بما دس له، فخرج يزحف في جيوشه إلى أن التقى الجمعان بوادى أم الربيع بالموضع المعروف بحواتة، فكان النصر لجيوش أبي فارس وانهزم المترجم بسبب ما لحقه وجنوده من الحنو والحنان رعيا لسالف عهده ووثوق رابطة إخائه وإخلاص وداده القديم، ورجع القهقرى إلى فاس وتحصن بها فاقتفى أثره الشيخ إذ لم يقدر أحد من أصحاب أبي فارس له على شيء.
ولما اتصل الخبر بالمترجم راود أهل فاس على القيام معه في الحصار فأبوا وشقوا عصا الطاعة في وجهه، وأعلنوا بنصر الشيخ والبيعة له، فخرج المترجم في جيشه وأثقاله إلى تلمسان فأقام بها مدة، وبعث لترك الجزائر يستنصر بهم على
إخوته، ولما يئس من نصرتهم ذهب لسجلماسة فدخلها من غير قتال، ثم انتقل منها إلى درعة، ثم لسوس فكتب إليه أهل مراكش يستقدمونه ولو وحده فقدم عليهم ليلا فأعلنوا بنصره، وقتلوا عبد الله أعراس عامل الشيخ وشبت حروب.
ثم لما اتصل الخبر بالشيخ بفاس اهتم لذلك واغتاظ، وصار يضرب الأخماس في الأسداس، وأخذت الأنفة والحمية أهل فاس لما وقع بإخوانهم الذين كانوا بمراكش، فتعصبوا للشيخ وتحزبوا وتطوعوا بالمقاتلة، ولما رأى ذلك الشيخ هيا ولده عبد الله وعقد له على جيش لا يستهان به، فخرج قاصدًا مراكش.
ولما بلغ الخبر زيدان وجه الباشا مصطفى بجيوش جرارة، ولما التقى الجمعان وقعت الكرة عليه، وقتل من جيشه نحو التسعة آلاف، وذلك بموضع يقال له تفلفلت على طريق سلا.
ثم توجه عبد الله في جيشه لمراكش منصورًا، فخرج إليه أهلها في ستة وثلاثين ألف مقاتل فالتقى الجمعان أيضًا بموضع يقال له رأس العين فهزم أهل مراكش، ودخل البلد عنوة، ففر المترجم إلى المعاقل وشواهق الجبال وفعل عبد الله في مراكش أفعالا فظيعة، أنتجت له حنق الأمة عليه، وشق عصا الطاعة في وجهه فخرج من مراكش مهزوما مكسور الشوكة، وكتب أهل مراكش للمترجم يستقدمونه فقدم عليهم وقابل المسيئين بالإحسان وذلك آخر شوال عام ثمانية عشر وألف.
ثم بعث الباشا مصطفى لفاس وخيمت محلته بظاهر الزاوية واستولى على زروع أصحاب المأمون وفرقها في أصحابه.
وفى عام تسعة عشر وألف انتهز صاحب الترجمة الفرصة فاحتل مدينة تازا، وبعث قائده عبد الصمد لتسكين روعة أهل فاس والإعلان بنصره، ولما أمر بالنداء
بذلك قام في وجهه بعض لصوص العدوة وجرحه فكثر الهرج والمرج وخاب مسعاه، ولما بلغ المترجم الخبر اشتد غيظه ونهض من تازا، وخيم على ضفة وادى فاس واستولى عليها وسَبَى (1) أهلها وجذع بل همّ بقتلهم ولكن الله عصم دماءهم.
وفى حادى عشر رجب من العام نزل عبد الله برأس المال، فخرج إليه صاحب الترجمة فهزم ومات من جنده نحو الخمسمائة، ولحق بمحلة كانت له بالدلاء، ودخل عبد الله فاسا.
ثم ثار أبو العباس أحمد بن أبي على الساورى وكان في أول أمره فقيها صرفا ثم انتحل التصوف، وصار يصرح بأنه المهدى المنتظر، ثم دعا لنفسه وزعم أن السبب الداعى له لذلك تفاقم البدع وتكاثر المناكر وأنه بصدد الجهاد شأن كل ثائر فتان، فاستخف أفئدة العوام، إلى أن كان من أمره ما هو مسطور في بطون التواريخ، فخرج على عامل المترجم على سجلماسة الحاج المير فهزمه ودخل سجلماسة.
ولما بلغت الهزيمة صاحب الترجمة عقد لأخيه عبد الله المدعو الزبدة على جيش جرار فلما علم به أبو على سار لدرعة وبها لحق به عبد الله، ولما التقى الجمعان كانت الهزيمة على جيوش صاحب الترجمة، وقويت شوكة أبي محل وملأت مهابته القلوب، وشاركت في طاعته سجلماسة ودرعة ثم تشوفت نفسه لاحتلال مراكش فتوجه إليها.
ولما اتصل الخبر بصاحب الترجمة وجه جيشا للقائه فهزم الجيش وفر زيدان لآسفى، وهم بالعبور لبلاد العدوة ودخل أبو على مراكش.
(1) تحرف في المطبوع إلى: "وسب أهلها".
ولما رأى المترجم من فشل ريحه ما أرى وعلم أنَّه لا طاقة له بمقاومة أبي على كتب للفقيه أبي زكرياء يحيى بن عبد الله بن سعيد الحاجى ثم الداودى يستغيث به وهو بزاوية أبيه من جبل درن، وكان في جملة ما كتب له: إن بيعتى في أعناقكم وأنا بين أظهركم فيجب عليكم الذب عنى ومقاتلة من ناوأنى، فلبى أبو زكرياء نداءه وكانت له شهرة عظيمة بالقطر السوسى، فحشد الجنود من كل فوج، وخرج يؤم مراكش وذلك في ثامن رمضان عام اثنين وعشرين وألف، ولما بلغ يمين فم تنت موضع على مرحلتين من مراكش كتب إليه أبو على ما نصه:
"بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، من أحمد بن عبد الله إلى يحيى بن عبد الله بلغنى أنك جندت وبندت، وفى يمين تنوت نزلت، اهبط إلى الوطا لينكشف بينى وبينك الغطا، فالذيب ختال، والأسد جوال، والأيام لا تستقام، إلا بضرب القنا وقطع الحسام والسلام".
فأجابه بما نصه:
"بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، من يحيى بن عبد الله إلى أحمد بن عبد الله، أما بعد:
فليست الأيام لى ولك إنما هي للملك العلام، وقد أتيت لك بأهل البنادق الأحرار، من الشبانة ومن انتمى إليهم إلى بنى جرار، وأهل الشرور والبؤس، من هشتوكة إلى بنى كنسوس، فالوعد بينى وبينك جائز هناك حيث ينتقم الله من الظالم، ويتبين الذليل من العزيز والسلام".
ثم زحف يحيى لمراكش إلى أن نزل قرب جبل جليز المطل على مراكش فشب القتال وكانت أول رصاصة في نحر أبي على فمزقت جنوده كل ممزق، ونهيت محلته وقطع رأسه وعلق في رءوس من أصحابه على سور المدينة نحوا من
اثنتى عشرة سنة، وحملت جئته فدفنت بروضة أبي العباس السبتى تحت المكتب المعلق هنالك على المسجد الجامع، وقد رمز لقتل أبي على وموته أبو العباس أحمد المديد المراكشى بقوله:(أقام طيشا، ومات كبشا) وهو من بديع التلميح وحسن التورية.
قال صاحب نزهة الحادى: زعم أصحابه أنَّه لم يمت، وحدثني من أثق به أن أهل وادى الساورة إلى الآن فيهم من هو على هذا الاعتقاد.
ولما قتل أبو على دخل يحيى مراكش واستقر بدار الخلافة وألقى بها عصا تسياره، ورام أن يتخذها دار قراره، فكتب له المترجم قائلا: إن كنت جئت لنصرتى وكف يد ذلك الثائر عنى فقد أبلغت المراد، وشفيت الفؤاد، وإن كنت رمت جر النار لقرصك، وتجعل الملك من قنصك، فأقر الله عينك به، فتجهز يحيى للرجوع لوطنه وأظهر العفة عن الملك، وأنه إنما جاء ليدافع عن الملك الَّذي بيعته في عنقه، وانقلب لبلاده ورجع صاحب الترجمة لمراكش:
مؤلفاته: منها تفسير القرآن المجيد اعتمد فيه على ابن عطية والكشاف.
شعره: من ذلك قوله:
أهلكلتنا سوالف وخدود
…
وعيون مدعجات رقود
ووجوه يبارك الله فيها
…
وشعور على المناكب سود
أهلكتنا الظبا ونحن أذلة
…
وخضعنا لها ونحن أسود
وقوله:
مررت بقبر رائق وسط روضة
…
عليه من النوار مثل النمارق
فقلت لمن هذا فقالوا بذلة
…
ترحم عليه إنه قبر عاشق