الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السيد محمد فتحا بن محمد بصرى المكناسى صاحب الثبت المعنون بإتحاف أهل الهداية والتوفيق والسداد. بما يهمهم من فضل العلم وآدابه والتلقين وطرق الإسناد.
وفاته: توفى في خامس جمادى الأخيرة عام اثنين وتسعين ومائة وألف، ودفن بالزاوية الناصرية من الحضرة المكناسية، وحضر جنازته العلماء والوزراء فمن دونهم، عد مشيعوه بآلاف رحمه الله ونفعنا ببركاته آمين.
175 - مبارك بن عبد الله بن محمد السجلماسى أصلا، الفيضى منشأ المكناسى دارا ووفاة
.
حاله: فقيه علامة مشارك، ورع صالح ناسك، فاضل أستاذ خير، دين عدل رضى، مبرز، تولى خطة العدالة بمكناس مدة مديدة، وقفت على عدة رسوم بشهادته بتواريخ متعددة، من ذلك رسم بتاريخ سابع عشر رمضان عام أربعة وأربعين ومائتين وألف، وتصدر للتدريس ونفع العباد، فنفع الله به أقواما، وتخرج عليه جميع محققى علماء مكناس، وكان شيخ الجماعة بها ورحل إلى المشرق وحج.
حدث عنه تلميذه العلامة السيد فضول بن عزوز أنه كان يدرس المرشد المعين فلما وصل لقوله "وقول لا إله إلا الله" اعترض قول شارحه: معنى لا إله إلا الله لا مستغنى عن كل ما سواه قائلا: صوابه أن يقول لا مستغنيًا بالتنوين لأنه مطول لقول الخلاصة: فانصب بها مضافا أو مضارعه.
فأجابه تلميذه المذكور بقوله: بنى على الفتح ليكون نصا في العموم لقول صاحب جمع الجوامع: النكرة في سياق النفى تعم نصا إن بنيت وظاهرًا إن لم تبن، فأجابه الشيخ بقوله: إن كنت راكبا بغلة مسرجة سريعة السير فنحن لا
نتبعك، فقال التلميذ المحدث وهل تتبع النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال الشيح: نعم، فما لنا إلا اتباع أحمد، قال: هو الذى قال: لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت، فغضب الشيخ ظانا أن التلميذ يعرض به، وتخلف عن الدرس ثلاثة أيام، وفى اليوم الرابع جاء متأبطا عدة أسفار وضعها أمامه كادت تكون ساترا بينه وبين أهل درسه، وصار يسمى للحاضرين كل كتاب باسمه، ثم قال: قد راجعت المسألة فوجدت الصواب مع هذا الطالب، ووجدت آية تعضده وهى قوله تعالى: {
…
لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ
…
} [الأنفال]، فقال التلميذ: الحمد لله قاصدًا الحمد على الموافقة، فظن الشيخ التعنت والظهور عليه، فغضب أيضًا وقام من مجلسه.
قلت: هذه الحكاية كسراب بقيعة، وعند تحرير المناط فيها وإمعان النظر يظهر جليا أنه إنما وقع فيها حال المذاكرة الاشتباه والالتباس، فإن الشيخ بنى بحثه على المعول عليه في المسألة وهو مذهب البصريين الذى اعتمده المحققون كابن مالك وغيره، وخالفهم البغداديون وخلافهم ضعيف كما يأتى.
والتلميذ المجيب لو حقق المناط لكان جوابه بأن ذلك يخرج على هذا القول الضعيف فيبين ذلك عن شيخه أنه نهج في بحثه نهج الطريقة المثلى، التي عليها يتعين البناء في كل ما يتلى، وعن نفسه بأن له اطلاعا واستحضارا أدرك بهما تخفيف ذلك البحث بعد تمكنه بتخريج المبحوث فيه على ذلك القول وإن ضعف.
وأما جوابه بكلام ابن السبكى فهو عين الاشتباه، أما أولا فإنه ليس فيه تنصيص على أن ما قاله موضوعه الشبيه بالمضاف الذى هو محل البحث، وإنما تكلم على ما تفيده النكرة في سياق النفى حين بنائها وعدمه، وهى والحالة هذه لا يتعين كونها من الشبيه بالمضاف بل يجور أن تكون من المفرد كما يأتى، وكيف تقوم الحجة بمحتمل وبمشكوك فيه؟
وأما ثانيا: فابن السبكى مع كون كلامه فيما بيناه إنما أبان حكم ما بعد الوقوع، وبحث الشيخ في أن ذلك لا يجوز الإقدام عليه على المعروف، وكأن
الشيخ لذلك أشار بقوله: إن كانت لك بغلة مسرجة مسرعة إلخ، فكأنه يقول له: إنك أسرعت إلى مقام آخر فلذلك لا نتبعك، فقد فهم الشيخ من الجواب ما ذهل عنه المجيب.
وأما قول المجيب: هل تتبع مولانا رسول الله؟ فهو عين سوء الأدب لما فيه من المواجهة للشيخ بما فيه غض واضح لمقامه هذا لو أتى المجيب بعده بما يصلح للحجة، فكيف وهو إنما أتى بالحديث الذى يجوز أن يكون مرويا بالمعنى كما هو شأن كثير من رواته مع كثرة من دخل فيهم من الأعجميين والمولدين، ولهذا كان التحقيق عدم الاحتجاج بالأحاديث على القواعد العربية إلا حديثا لم يختلف لفظه عند رواته، ثم لو فرضنا أن الحديث هنا متفق على لفظه لم تقم به حجة أيضًا، فقد قال في المغنى في أمثلة الجهة الثانية من الجهات التي تدخل على المعرب الخطأ منها وهى جهة مراعاته معنى صحيحا وغفلته عن النظر في صحة صناعته: الثالث تعليق جماعة الظروف من قوله تعالى: {
…
لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ
…
(43)} [سورة هود 43]، {
…
لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ
…
(92)} [سورة يوسف 92] ومن قوله عليه الصلاة والسلام: لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت، باسم لا، وذلك باطل عند البصريين لأن اسم لا حينئذ مطول فيجب نصبه وتنوينه، وإنما التعليق في ذلك بمحذوف إلا عند البغداديين هـ.
وقال الشيخ يس: قال الدنوشرى: حمل الحديث على أنه من المطول غير متعين لجواز كونه مفردا، واللام متعلقة بالخبر، والتقدير لا مانع لما أعطيت وكذا فيما بعده هـ.
ونحوه للرضى وغيره، فاتضح بهذا كله أن الأمر في أجوبة التلميذ كما قلنا من أنه ما قام فيها بتحرير المناط، ولا بأدب البساط، وليس العجب من صدور ذلك منه حالة الطيش ومبادى الطلب، وإنما العجب من جموده على ذلك وتبجحه