الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفاته: توفى في المحرم فتح سنة سبع وثلاثين وألف ودفن بجنب قبر أبيه بروضتهم الشهيرة بالحاضرة المراكشية، قرأت في نقش رخامة قبره رحمه الله ما لفظه:
هذا ضريح من به تفتخر المفاخر
…
زيدان سبط أحمد مبتكر المآثر
حامى حمى الدين بكل ذابل وباتر
…
أجل من خاض الوغى وللأعادى باهر
لازال صوب رحمة الله عليه ماطر
…
ومن شذا رضوانه نفحة كل عاطر
أرخ وفاة من غدا جارا لرب غافر
…
بمقعد الصدق علا أبو المعالى الناصر
145 - زين العابدين السلطان بن السلطان مولانا إسماعيل الجد الأعظم
.
حاله: فاضل زكى صبور حليم، راضى بما قدره الرحمن له، قال عنه رفيقه الإمام الثبت أبو العلاء إدريس بن محمد فتحا العراقى لما آب من رحلته معه لأداء فريضة الحج فيما تلقاه منه ونقله عنه ابن عمه الشريف العلامة مولاى الوليد بن العربى العراقى في مؤلف له ونصه:
كان لمولاى زين العابدين، عقل رصين وكان معتنيا بدينه محافظا على الصلاة في وقتها، وأنه منذ خرج من هنا إلى أن رجع ما تيمم قط، بل يتوضأ لكل صلاة من السفر، وشدة الحر والقر، وكان ذا خلق حسن، وسمت مستحسن، محبا لجانب الله تعالى، ومعظما لحرمته ذا همة علية، ونفس أبية.
اشترى جنانا بالمدينة المنورة على منورها الصلاة والسلام وحبسه، وهو من نخبة أولاد مولانا إسماعيل رحمه الله، فلذلك اختاره للبعث لذلك المقام الشريف، قال: وإن السلطان مولانا إسماعيل وجه العراقى المذكور برفقة ولده يعنى المترجم للحج بعد أن آخى بينهما وعاهدهما وقال لوالده: هات يدك وللشريف كذلك، وشبكهما وجعل يده فوق يديهما وقال هذا عهدك، وهذا
ولدى، وأنت ولدى وأوصاهما بما يجب من حسن المعاشرة والقيام بالحقوق، ودفع للمولى إدريس ياقوتة عظيمة يبلغها للروضة الكريمة على صاحبها الصلاة والسلام لتعلق هناك، وقد رأيتها فما رأيت مثلها في الصفاء والكبر وزنها رطل وست أواقى، وعليها شباك من ذهب مرصع باليواقيت، وجعل لها سلسلة لعلاقتها، وجعلت في صندوق من الذهب سترة لها أهديت إليه من بلاد النصارى، وقد قومت بأربعة وعشرين قنطارا من المال فوصلت وعلقت هنالك.
وكان لما سافر مرة أخرى قيل أعطاه ياقوتة وهي أصغر من الأولى قومت بأربعة عشر قنطارًا في كل قنطار ألف مثقال، وهما للآن معلقتان بالروضة المباركة هـ ملفقا.
وقد كان المترجم عند موت والده مستقرا بسجلماسة، ثم لما قامت الفوضى بين العبيد وإخوته وامتدت أطنابها واشتدت شوكة العبيد وكثر الهرج والمرج، ولاسيما بين الإخوة المولى عبد الله والمولى المستضئ، وأبى عبد الله محمد بن عريبة على ما سيمر بك في تراجمهم إن شاء الله قدم المترجم لمكناسة من سجلماسة زائرًا لا طامعا في الرياسة فلما حل بمكناسة اتفق أن كان الدور للمستضئ، فألقى عليه القبض وأودعه السجن ثمانية أشهر على ما في الدر المنتخب، ثم أخرجه للمشور وأوجعه ضربا أشرف به على التلف فصبر واحتسب ولم ينطق ببنت شفة، ثم رده للسجن ثم أمر بإخراجه وتوجيهه مقيدًا لسجلماسة مع بعض المساجين من الأشراف للسجن بها.
فلما بلغ الخبر العبيد وجهوا من اقتفى أثره ليرده، فلحق به لصفرو فأزال قيده ووجه به لبنى يازغة للجلوس عند القائد أحمد القعيدى، وأوصاه به خيرًا فأكرم وفادته وأنزله منزلا رحبا ولم يزل عنده محل إجلال وتكريم إلى أن أعزل المستضئ، وبويع المولى عبد الله بيعته الثانية ففرح المترجم وابتهج بخلع الأول
وبيعة الثانى، وذهب من بنى يازغة لفاس وبقى به مدة ثم في ثالث عشرى قعدة عام اثنين وخمسين ومائة وألف ذهب لمكناسة وبقى بها مدة، ثم ذهب إلى طنجة، وأقام عند الباشا أحمد الريفى في شفوف مكانة.
وكان الباشا أحمد يعلم أن ذلك لا يستقر له وأنه لا بد له من شريف يستند إليه، وكان لا يحب مولاى عبد الله لسابق منافرة تقدمت بينهما أدت إلى قتل مولاى عبد الله من أتاه من أصحاب القائد المذكورة فسارع الريفى إلى نصر المترجم، وبايعه العبيد الذين كانوا معه على وفاق واتفقوا على قبض السلطان مولاى عبد الله وقتله فأوعز إليه بعضهم ما وقع تظافرهم عليه، فوجه لأمه خناثة بنت بكار فهربت لفاس الجديد ولما أصبح تبعها هو إلى أن نزل برأس الماء ثم إن العبيد كتبوا للباشا أحمد ووجهوا له جريدة من الخيل لتشييع المترجم وخفارته إلى أن يحل بدار ملك أبيه ويتسنم أريكته، فأحضر الباشا المذكور القضاة من مدينة تطوان وطنجة والعرايش والقصر وشفشاون والعلماء وأعيان القبائل الفحصية والحياينة في يوم مشهود، وعرض عليهم بيعة المترجم فبايعوه، وذلك في أول يوم من ربيع الأول عام ثمانية وخمسين ومائة وألف ووصل الباشا الأشراف والعلماء والأيتام والأرامل الضعاف والجيوش بصلات سنية، ووجه لعبيد مكناسة أهل الديوان حظهم من ذلك بمناسبة بيعة المترجم ثم توجه قاصدًا مكناسة دار ملك أبيه فيمن جاء لخفارته وغيرهم من فرسان العبيد.
ولما دخلها حضر القاضي والفقهاء والأشراف وأهل الحل والابرام في العبيد وبايعوه البيعة العامة وكتبوا ببيعته للآفاق ووفدت إليه الوفود من الحواضر والبوادى ما عدا الودايا وأهل فاس فإنهم كانوا شيعة مولاى عبد الله وكان دخوله لمكناس وجلوسه على أريكة الملك بها يوم الاثنين الثانى عشر من ربيع الثانى أحد شهور العام المذكور، ثم لما اتصل الخبر بذلك لمولاى عبد الله فر من رأس الماء إلى الجبال
البربرية وذلك يوم الثلاثاء تاسع جمادى الثانية، وأقام عندهم، أما صاحب الترجمة فقد أمر قواده ورءوس ديوانه بجمع الحركة لفاس في تأخرهم عن بيعته هم والودايا، فامتئلوا أوامره وهيئوا الحركة وخيموا بها على مكناسة الزيتون يترقبون ما يصدر لهم من الأوامر، وفى منتصف جمادى الأولى خرج المترجم من مكناسة قاصدًا حصار فاس فنزل بسيدى عميرة في جيوش جرارة، وذلك يوم الثلاثاء الَّذي فر فيه أخوه مولاى عبد الله للبربر.
ومن الغد خيم بظاهر فاس ووقع الحرب على باب المسافرين بقنطرة ابن طاطوا، ودام القتال من الضحى إلى الزوال، واشتد الحال وعظمت الأهوال، وبقى الودايا وأهل فاس يموج بعضهم في بعض، وبات الناس في شدة عظيمة.
ومن الغد اختلفت كلمة العبيد ووقع بينهم التنازع الَّذي هو أصل الفشل والسبب في ذهاب ريح النجح والفلاح، ورجعوا بالمترجم لمكناس بعد ان أحرقوا نوادر الودايا بالخميس، ولما حلت محلتهم بمكناسة عاثت ونهبت الأجنة وأكلت الثمار، وسعت في الأرض الفساد، وفى ضحوة يوم الخميس خامس عشرى، جمادى المذكور رجع مولاى عبد الله من البربر، ودخل فاسا الجديد، فتلقاه أهلها والودايا بالترحاب والفرح المزيد، ومن يومه خرج لدار الدبيبغ وأقام بها، أما العبيد فقد ذهبوا لمشرع الرملة، وأقام المترجم بمكناسة ألعوبة بين يدى عبيدها تعبث به كيف شاءت لا حول له ولا قوة ولا قدرة على حل أو إبرام دون مشورتهم، والوقوف عند تنفيذ أوامرهم.
ولما جاءوا على ما كان بيده من المال بالخزائن ولم يبق لهم مال ينهبونه صمموا على عزله ومبايعة أخيه لما كان لديه من الأموال وألفوه منه من البذل إليهم، وفى ثالث عشر رمضان عام أربعة وخمسين ومائة وألف صرحوا بعزله