الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولد ملك الإسبان، فتكون هذه معاهدة ثانية بعد معاهدة الغزال التي من شروطها الصلح برا وبحرا المشار لها في قضية حصار مليلة.
وفى سنة 1199 أسر أهل الجزائر أميرة من بيت ملك إسبانيا كانت ذاهبة في مركبها لزيارة عمها صاحب نابولى، وامتنعوا من فدائها فكتب الملك للسلطان أن يتشفع في فدائها بكل ما يطلبون فأسعفه، وكتب لصاحب الجزائر في ذلك فاعتذر له بأنها وقعت في سهم الجيش ولا يمكن إكراههم على الفداء فوجه السلطان كتابا للسلطان عبد الحميد العثمانى يذكر له ذلك فكتب لأهل الجزائر يوبخهم على رد شفاعة السلطان ويأمرهم بتسريحها، ويذكرهم بما فعله السلطان من تسريح أسارى الأتراك فأرسلوها إلى حضرة السلطان وكتبوا إليه معتذرين بخشية بلوغ خبرها لسلطانهم والافتيات عليه في إطلاقها.
مع مالطة
وبعد أن أنقذ المترجم له الأسارى الذين كانوا عند الإصبان وجه همته لإنقاذ غيرهم من الأسارى الذين عند غيرهم، فوجه لجزيرة مالطة -وكانت يومئذ بيد الطائفة المعروفة بفرسان رودس- كاتبه السيد محمد الحافى وأمره بتقييد زمام أسارى الأتراك الذين بها فبقى هناك وثيقة ورهنا في مال بعض المالطيين الذين كانوا بالحضرة السلطانية في بعض الدعاوى على ما في البدر السافر، وقد تقدم نقلا عن الزيانى أن أهل الجزيرة أنكروا الفداء وردوا المال، فوجهه السلطان به إلى الدولة العثمانية.
وبعد ذلك بنحو سنة أرسل السلطان للجزيرة المذكورة كاتبه وسفيره السيد محمد بن عثمان السالف الذكر، ومعه أربعة من الطلبة وهم السيد عبد الكريم بن قريش، والسيد التهامى البنانى (1)، والسيد محمد المير السلوى، والسيد الطيب بن
(1) تحرف في المطبوع إلى: "البنائى" وصوابه من الموسوعة.
جلول لقضاء الغرض المذكور، وأصحبهم ما ينيف على ستة وثمانين ألف ريال لصرفها في فداء الأسارى.
يبتدأُ بالنساء والصبيان والشيوخ وذوى الأعذار ثم غيرهم من الرجال، وأمرهم بالمكث هناك حتى ترد عليهم خمسة مراكب جهادية يركب الأسارى في أربع منها والمركب الكبير تتوجه عليه السفارة من ثم إلى نابولى لعقد الصلح مع مملكتها وفداء الأسارى الذين بها، فسافروا من حضرته حمراء مراكش في ثانى ذى الحجة متم سنة 1195 إلى طنجة فمكثوا بها اثنين وعشرين يوما في انتظار الريح المساعد لركوب البحر.
وفى سابع ربيع النبوى سنة 1196 ركبوا في مركب حربى بعثه ملك الإسبان لإبحار السفارة عليه لما سمع أنها تريد التوجه لقادس لكراء مركب لمالطة وقد وجدوه هناك، فبقى معهم في الانتظار وقد حياهم بعد الركوب بإطلاق المدافع ثم سار بهم إلى قادس، فتلقاهم بعد الوصول كبير المراكب الحربية وأخبرهم أنه مأمور بتنفيذ ما يريدون من المراكب لهم، وتوارد عليهم الرؤساء ليلا للسلام، ومن الغد عند النزول أخرجت المراكب مدافعها جوابا لمدافع مركب السفارة وذهبوا في احتفال بحرى للبر، ولما وصلوه حيتهم أبراج المدينة بمدافعها ثم توجهوا للمحل الذى أعد لنزولهم واقتبلوا حاكم المدينة وأعيانها وكتبوا لملك الإسبان يشكرونه على ما لقوا من رعيته ورجاله ويخبرونه أنهم سيتوجهون إلى ولده صاحب نابلولى بعد قضاء الغرض من مالطة.
وأرادت السفارة أن تتولى الإنفاق على نفسها فأبى عليها ذلك حاكم المدينة، ثم جاء جواب الملك للسفارة مرحبا وكتب للحاكم بقضاء جميع مآربها وتحذيره من التقصير مما جعل الحاكم يعتذر لها عن أن يكون قد صدر منه شئ مما ذكر، وقد
بلغت نفقاتها مدة ستة وعشرين يوما قضتها بين ظهرانيهم ألفى ريال وسبعة وأربعين ريالا كبيرا.
وفى خامس ربيع الثانى ركبوا البحر ولما صعدوا المركب حيتهم المدافع، ومن الغد سار بهم إلا أن اضطراب البحر اضطرهم للرجوع للمرسى فمكثوا بها ثلاثة أيام ثم سافروا إلى مالطة، فوصلوها بعد معاناة أهوال البحر وشدائده في اثنين وعشرين يوما من يوم خروجهم الأول من قادس، فمكثوا بالمرسى سبعة عشر يوما في الحجر الصحى، وبعث لهم صاحب الجزيرة يخبرهم بإسقاط ثلاثة أيام من الحجر عنهم لأن مدته كانت عشرين يوما، فحملت أمتعتهم ونزلوا من المركب فحيتهم المدافع وتلقوا في البر بالأكداش لركوبهم، وفى طريقهم التقوا بصاحب الجزيرة مارا في طريقه فحيوه بالإشارة، وساروا للمحل الذى أعد لنزولهم دون إجراء نفقة عليهم، لأن السفير الحافى كان لا يزال مقيما في الجزيرة، فكأنهم لا يستطيعون الإنفاق على السفارتين.
وكان المحل دارا {كبيرة فيها نحو السبعين قبة أحاطت به طائفة من الجنود
لأداء واجب التعظيم، وبعد ثلاثة أيام أتاهم وكيل كبير الجزيرة وأعلمهم بالملاقاة
عند العصر، ولما دنا الوقت أتاهم بكدش الحاكم موكله "منويل دروبلد" فركبوه
وتوجهوا إليه، فلما دخلوا عليه وجدوه واقفا ولباسه لباس الرهبان، فنزع ما على
رأسه وأبدى لهم البشاشة والانشراح وأشار إليهم بالجلوس فجلسوا وجلس، ثم
أعاد عليهم السلام وسألهم عن سفرهم وعن البحر}.
ثم أخرج ابن عثمان الكتاب السلطانى فقبله ودفعه إليه ففضه فوجده بالعربية فأعطاه للترجمان وطلبوا منه الوقوف معهم في أمر الفداء فأجابهم لذلك، وعين وكيله ثم انصرفوا عنه بعد هنيئة وتركوه واقفا.
ثم شرعت في افتداء الأسارى الذين جاءت من أجلهم، وفى أثناء ذلك
راجت إشاعة في البلد مضمنها أن السفارة جاءت لإحداث ثورة بدليل أن الأسارى إذا سرحوا لا يذهبون بل يجمعون، وأن الأدب المعهود منهم انقلب إلى غلظة، وأن السفارة تنتظر ورود خمس مراكب بحرية، وكان قد سبق قبل هذا بمدة أن اتهم الأسرى بمحاولة الثورة فلم يسع حاكم الجزيرة حينئذ إلا أن أرسل للسفارة يطلب منها ألا تبقى أولئك المسرحين في البلاد أكثر من ثلاثة أيام قطعا للقيل وتجنبا للكلام، وبعث من اكترى لهم المراكب، وبعد ثلاث ركبوا البحر في مركبين أحدهما سار لبنى غازى والآخر لطرابلس وكان عددهم نحو المائتين وخمسين، ثم وقع افتداء أسارى آخرين بلغ بهم العدد إلى ستمائة وثلاثة عشر، واكترت لهم السفارة المراكب فسار بهم أحدهما لطرابلس، والآخر لصفاقص، والثالث لتونس بين زغاريت النساء ودعوات الرجال والأطفال.
وقد كانت جماعة منهم تستخدم في مراكب الجزيرة، فما شعر القوم إلا وقد شملهم الفداء فأرادوا نقضه لما يؤدى إليه من تعطيل مراكبهم، وحصل الشجار بينهم وبين الوكلاء على ذلك، ثم تداخل كبيرهم في القضية ومضى الفداء وأحصى الباقون من الأسارى المسلمين فكانوا سبعمائة وبضعا وعشرين، تكلمت السفارة مع أصحابهم في قدر فدائهم وبعثت بتقييدهم للسلطان المترجم عسى أن يضيفهم إلى إخوانهم مشيرة عليه ببعث مال الفداء لكبير الجزيرة.
ثم استعدوا للسفر، وعين لهم صاحب الجزيرة وقت الوداع فذهبوا إليه فيه على الهيئة المتقدمة وتلقاهم آخر كما تلقاهم أولا فشكروه على وقوفه معهم في ذلك الفداء وودعوه، وكان يبعث إليهم في مدة مقامهم لحضور الحفلات بقصره، ويريهم ما اشتمل عليه.
وفى سابع شعبان من السنة بعد ذلك بثلاث أيام ساروا للمرسى في الأكداش مع الأعيان المودعين، وركبوا في السفينة التي قدموا عليها قاصدين نابولى.