الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مع الدولة العثمانية
* * *
كانت الروابط بين صاحب الترجمة والدولة العثمانية موصولة الأسباب، وثيقة الأَطناب، وطالما أعانها بالأموال الطائلة الوافرة، وأهدى من نفيس لسلاطينها الهدايا الفاخرة، ووجه لهم الوفود والسفراء، من الأعيان والكبراء، وقد اتصلت المودة بينه وبين السلطان مصطفى الثالث بن أحمد الرابع المتولى سنة 1171 إلى أن مات سنة 1186، وخلفه أخوه السلطان عبد الحميد الأول فسار معه المترجم على ما كان عليه مع أخيه من قبله، واتصلت بينهما المودة إلى أن مات سنة 1203 وتبعه المترجم في السنة بعدها.
ففى سنة 1175 وجه للسلطان مصطفى المذكور بالأستانة العلية الحاج الخياط عديل سفيرًا بهدية ورسالة يهنئه بالملك، ويقرر أسباب المودة والإخاء في ذات الله، فكافاه على هديته مع رسوله بهدية من آلة الحرب والمدافع والمهاريس وآلة المراكب القرصانية.
وفى سنة 1179 بعث إليه بكاتبيه الفقيهين السيد الطاهر بن عبد السلام السلوى والسيد الطاهر بنانى الرباطى سفيرين وأصحبهما هدية نفيسة فيها خيل عتاق بسروج مثقلة بالذهب مرصعة بالجوهر والياقوت ونفيس الأحجار، وفيها أسياف محلاة مرصعة بالياقوت المختلف الألوان، وفيها حلى من عمل المغرب وبنود منسوجة بالذهب من عمل فاس، فابتهج السلطان مصطفى بذلك، وكافأ عليه بمركب موسوق من آلة الحرب مدافع ومهاريس وبارود وإقامة كثيرة للمراكب القرصانية من كل ما تحتاج إليه.
قال أبو عبد الله بن على الدكالى السلوى في إتحاف أشراف الملا، لما ذكر طبقة أدباء سلا:
ومنهم المحاضر الأديب
…
الكاتب المبرز الأديب
محمد الطاهر وهو ابن على
…
ثم ابن عبد للسلام منجلى
كان بعصر الملك المعظم
…
منصور دولة العلاء الأفخم
غدا جليسا كاتبا موجها
…
إلى ملوك عصره منزها
برع في العلم وفى الآداب
…
وفى الدهاء بادى الإعجاب
سافر عنه لبلاد الترك
…
في عهد مصطفى الجميل النسك
وحمل الهدية العظيمة
…
ولم تزل معروفة فخيمة
ما بين أفراس وحلى وتحف
…
ونخب جلت وفاقت في الطرف
وكان من أهم ماله قصد
…
جلب المدافع وإحكام عدد
مما به مصلحة الأسطول
…
والعود بالخير وبالمأمول
وأن يزال الحلى عن مصاحفا
…
كانت لدى الحرام وقفا شرفا
لما تعذر انتفاع الواقف
…
بها وخيف من مآل التلف
وأن يعاد جلدها جديدا
…
ويحصل النفع ولا مزيدا
وقيمة الحلى على الأشراف
…
تفرق مع محاوج الأطراف
فاعمل النظر مصطفى وحل
…
بتركها بحالها وقفا كمل
ثم اشترى مصاحفا بعدها
…
ووقفت يتلى بها لنفعها
وجعل الثواب للذى وقف
…
أولها فأمنت من التلف
وخاطب المولى بهذى المصلحة
…
وأنها أعلى الآراء الناجحة
تأدبا مع الرسول المصطفى
…
وحفظ آثار الجدود الشرفا
ثمت عاد ثانيا سفيرا
…
في عهد نجل مصطفى (1) ظهيرا
لأجل أن يفتدو الأسارى
…
من كل أقطار لدى النصارى
بمائتى ألف من الريال
…
مع ثلاثمائة من مال
وشاء من عبد الحميد (1) أن يرا
…
برأيه في فكها محررا
فوجه التركى بسفن أربع
…
لمالطة لأجل فصل المنزع
فتم الافتدا بذاك المال
…
وعظم الأجر بكل حال
انافت الأسرى على العشرينا
…
من الألوف عددا مبينا
ذكره مؤرخ تركى
…
(جودت) عثمانى به حرى
وخاطب الصدر السفير هايرا
…
أميرك القرض لنفع غزرا
فقال ممكن له ما ترتضى
…
وليس يعتاص كهذا الغرض
وكان من أمر غزير السلف
…
ما جل ذكره لعهد الخلف
وكم لهذا الشيخ من سفارة
…
عادت بربح القطر والعمارة
حج وزار ورأى المعالما
…
وقيد (الرحلة) فيما أبهما
ثم إن المترجم وجه خديمه الرئيس عبد الكريم راغون التطوانى سفيرا سنة 1180 للسلطان مصطفى، وأصحبه كتابا يتضمن التعزية فيما أصاب الأسطول العثمانى من الروس وزوده بهدية نفسية للسلطان مكافأة له على هديته التي أرسلها مع بنانى وابن عبد السلام.
ولما دخلت سنة إحدى وثمانين ورد الحاج عبد الكريم المذكور من سفارته عند السلطان المذكور ومعه هدية عظيمة أعظم من الأولى، تشتمل على مركب
(1) في هامش المطبوع: "الصواب أن عبد الحميد أخ لمصطفى".
موسوق بالمدافع والمهاريس النحاسية قامتها وإقامة المراكب القرصانية وغير ذلك من آلات البحر، ومعها بعثة حربية تركية تتركب من ثلاثين من مهرة المعلمين، فنزلوا بمرسى العرائش، ومنها توجهوا لمكناس حيث مثلوا بين يدى صاحب الترجمة فكان بينهم ما تقدم عند الكلام على اهتمامه بالأساطيل البحرية.
ولما مات السلطان مصطفى المذكور وبويع لأخيه السلطان عبد الحميد سنة 1186، وجه له المترجم رسوله سفيرا بكتاب التهنية له بالملك وتجديد المودة، وهدية فيها طرف عظيمة من طرف المغرب وسارت معها أربع مراكب من المراكب المغربية.
ثم وجه المترجم خديمه القائد علال الدراوى، والقائد قدور البرنوصى، والكاتب السيد محمد الحافى الذى كان توجه لفداء أسارى الأتراك من جزيرة مالطة، فأنكر أهلها الفداء وردوا المال، فوجه المترجم ذلك المال البالغ قدره مائتى ألف ريال وأربعة وسبعين ألف ريال مع المذكورين ليدفعوه للسلطان عبد الحميد ويقولوا له إن هذا المال أخرجه أمير المؤمنين لفكاك أسارى المسلمين، وحيث رده الكفار ولم يتيسر الفداء لا يرجع إلينا، فأنفقه في فداء الأسرى أو في الجهاد أو فيما يظهر لكم وكتب لهم بذلك كتابا للسلطان عبد الحميد، وذكر فيه حال حكام أهل الجزائر وما هم عليه من الجور والظلم لضعفاء العرب الذين كانت وفودهم تلوذ بصاحب الترجمة وتشكو إليه ما أصابها، فكان يكاتب أولئك الحكام (1) ويحضهم على العدل وينهاهم عن الظلم فلا يسمعون له كلاما بل يقابلون من يأتيهم بمكاتبه ورسائله بالعقوبة الفادحة، فلما أعياه أمرهم كتب بهم للسلطان المذكور مع هذه السفارة.
(1) في هامش المطبوع: "لعل هؤلاء الحكام هم المراد بالترك في استفتاء المترجم للشيخ الناودى المذكور في فتاويه فيما فعلوه مع بعض المسلمين ممن شملتهم ولايتهم لما حضروا مع المترجم حصار مليلية، فلما رجعوا إليهم أباحوا دماءهم.
ثم وجه بعد هذه السفارة عبد الكريم العونى أحد أعيان تطوان بهدية منها اثنا عشر قنطارا مع ملح البارود في أربعة مراكب، وكتاب آخر في شأن أهل الجزائر وضررهم بالمسلمين، فلما بلغ الدولة الكتاب أرسلت إلى حاكمى الجزائر وتونس تأمرهم بالتأدب مع المترجم وتنفيذ ما يكتب لهم به، وأن يفعلوا معه من أنواع الأدب ما يفعلونه مع السلطان عبد الحميد.
ورجع مع العونى أحد كتاب الدولة إسماعيل أفندى سفيرا من السلطان عبد الحميد مصحوبا بهدية وكتاب، فوجه السلطان المترجم كبير الطبجية القائد الطاهر فنيش لمرافقته للرباط، وكان يوم استقبال السفير المذكور يوم العيد بعد إقامة سنة صلاته، فقرئ كتاب العثمانى في مشهد حفيل بجامع السنة، وكان فيه الاعتذار عن أهل الجزائر والإيصاء بهم وبأهل تونس.
ثم بعث المترجم بعد ذلك كاتبيه السيد محمد بن عثمان والسيد محمد الموزيرق، وصهره مولاى عبد الملك بن إدريس بمكاتبة للسلطان عبد الحميد، ووجه معهم شيخ الركب النبوى الحاج عبد الكريم بن يحيى، ومن هناك أمرهم بالتوجه للحج مع أمين الصرة الشريفة.
وكان خروجهم من حضرته وهو بالرباط في مهل محرم سنة 1250 بعدمه أصحبهم هداياه المالية لأشراف الحرمين وغيرهم، وقدرها ثلاثمائة ألف ريال وستون ألف ريال وأربعون ألفا من الضبلون والمنيضة والبندقى ما بين ذهب وفضة على عادته في كل سنة، وسار معهم إسماعيل أفندى السفير العثمانى الذى كان ورد على أبوابه قبل ذلك.
وذكر الزيانى أنه أخر عن السفر معهم بعد ذلك إلى أن سار معه هو في سفارته ولما لم يتيسر لهم الركوب من تطوان لشدة هيجان البحر بعد أن أقاموا فيها أربعة أشهر ونصف، توجهوا لطنجة، ومنها كان ركوبهم بثانى رجب من السنة
بعد إقامتهم فيها نحو شهر ونصف في مركب إسبانى بعثه ملك الاسبان إجابة لرغبة المترجم ليقلهم إلى قرطاجنة.
ومنها ركبوا في سفينة حربية كبيرة أرست بهم في سرقوسة بصقلية للتزود وأقيمت لهم على ظهره حفلة راقصة حضرها أهل المدينة وأعيانها بعد أن استدعوا السفارة مرارا للنزول لبلدهم فاعتذرت ثم تحركت بهم إلى القسطنطينية في رابع رمضان فوصلوها رابع شوال وأنزلوا فيها بدار خاصة، وترادفت عليهم أعيان الدرلة بالهدايا، وبعد خمسة أيام استدعاهم الوزير لمقابلته فساروا إليه في موكبهم لداره، ولما وصلوا قبته قام إليهم واستفهمهم عن حال السفر وما أصابهم من التعب وما يناسب المقام، وقدمت إليهم الأشربة والطيب والبخور، ثم خلعت عليهم خلع من أرفع الثياب يقال لها "لاكراك" وخلع على أصحابهم، ثم خرجوا من حضرة الوزير بعد ما دفعوا له الرسائل السلطانية على ما جرت به العادة مع تقديمها للوزير أولا لتترجم وتفهم، وساروا إلى خليفته المسمى بالكاهية، ففعل معهم مثل ما فعل رئيسه، ثم ساروا إلى الدفتدار ففعل كذلك ثم انقلبوا لمحل نزولهم.
ثم بعد ذلك بعث لهم بالإعلام بوقت مقابلة السلطان، ولما كنت ليلة السابع والعشرين من الشهر أتى لمحل النزول جماعة من الناس مشاة وركبانا وأعلموهم بالتوجه للمقابلة، فركبوا عند مطلع الفجر الخيول وسار موكبهم تتقدمه خيول الركبان وتحف به المشاة إلى مسجد صلوا به الفجر، ولما وصلوا دار الوزير وقف السير عندها فخرج إليهم عند طلوع الشمس في موكبه، وأشار إليهم بالسلاح فردوا عليه بمثله، وتقدمهم إلى القصر السلطانى، فلما وصلوه دخل الوزير لمحله منه وجلسوا هم في الانتظار، ثم دعوا بعد ذلك إلى قبة، فلما قعدوا فيها خرج إليهم الوزير فأشار بالسلام فردوا عليه كذلك، وجلس وقعد عن بعيد من يساره قاضى العسكر وأخذ في مباشرة أشغاله الرسمية وتوقيعاته الوزيرية.
ولما فرغ من ذلك أتى بالغذاء فتناولوا منه على المائدة الوزيرية، ثم أخرجوا من حضرته إلى قبة أخرى وأحضرت لهم الخلع فألبسوها، ثم خرجوا من هناك إلى محل فقعدوا فيه هنيئة ثم دعوا إلى الدخول على السلطان، فدخلوا بابا قد اصطفت فيه الرجال، وتقدم إليهم رجال عينوا للدخول بهم فأمسك بثوب كل واحد منهم رجلان أحدهما عن اليمين والآخر عن اليسار، ثم دخلوا بابا آخر وقف فيه الحجاب، ثم دخلوا على قبة السلطان فوجدوه جالسا على مرتبة والوزير قائم عن يمينه فتكلم الوزير بالتركية كأنه يعلم السلطان بالوفد ومن أين أتى على العادة في ذلك، ثم قربت إلى السلطان الهدية التي جاءت بها السفارة فاستلمها رجل مسن، ودفعها للوزير يدفعها للسلطان.
وبعد أن وقفوا أمامه مقدارا قليلا خرجوا من عنده على الهيئة الأولى وركبوا الخيل وأخذ أعيان الدولة يمرون عليهم كل في موكبه، ثم خرج الوزير فرجعوا بعده لمحل نزولهم وانفض بذلك الجمع الذى وقع لهذا الاقتبال الذى جاء غريبا في بابه لأن لقاء السفراء عندهم إنما يقع في الأعياد أو في يوم الديوان الذى يفرق فيه الراتب على العساكر.
ولما كان وصول هذه السفارة قد تأخر عن سفر ركب الحجاج أقامت بالقسطنطينية بين معاهدها ومشاهدها في انتظار الموسم القابل، وفى الثانى والعشرين من رجب سنة 1201 استدعاهم الصدر الأعظم للوداع فتوجهوا إليه على الهيئة المتقدمة.
فلما دخلوا عليه قام إليهم وقعدوا معه وتناولوا بعض الأشربة وأجرى ذكر الحرب الناشبة بين الدولة وبين الروس والنمسا وطلب منهم الدعاء للدولة بالنصر على أعدائها في المشاهد الكريمة من البقاع الطاهرة، ثم أحضرت لهم الخلع ولجميع أصحابهم وودعوه وساروا إلى خليفته ثم إلى الرئيس أفندى الذى هو
رئيس الكتاب، ثم انصرفوا للتأهب للسفر من الغد، وكان السلطان قد أعد لهم المحامل والخيام والبهائم لركوبهم وحمل أمتعتهم وأثقالهم اعتناء بأمرهم، فاخترقوا الأناضول والشام إلى دمشق فمكثوا بها ثمانية وثلاثين يوما، وخرجوا منها ليلة التاسع عشر من شوال.
وذهبوا على طريق معان والعقبة للمدينة المنورة فزاروا ومنها لمكة فنزلوا بظاهرها في سابع ذى الحجة وأقاموا بها بعد أداء المناسك إلى السابع والعشرين من ذى الحجة، فرجعوا مع الركب الشامى للمدينة فدمشق، وخرجوا منها في تاسع ربيع الأول إلى عكا فأنزلهم صاحبها أحمد باشا الجزار في أحسن حال، وأقاموا فيها تسعة أيام عينوا فيها المركب الذى يحملهم في البحر، وتركوه يستعد وذهبوا للقدس والخليل وفى السابع والعشرين من ربيع الثانى ركبوا البحر وأرست بهم السفينة بقبرص نحو العشرة أيام، ثم سارت بهم لتونس حيث أنزلهم أميرها وتقدموا للجزائر فالمغرب برا، وكان دخولهم لفاس آخر شعبان سنة 1202.
ولما سمع المترجم بورود السفارة بعث إليها أن تخرج إليه، فكان اللقاء بمخيمه من وادى العطشان بين فاس ومكناس.
قال ابن عثمان: فتبركنا بحضرته، والتمتع برؤيته، وختمنا أعمالنا بمشاهدة أنوار طلعته، ولله الحمد، ثم تعاطينا معه أكرمه الله وأعزه أخبار الحرمين الشريفين والمشرق والشام والقسطنطينية وغيرها من البلدان التي رأيناها ومررنا بها. لخ.
وقد فصل ابن عثمان أخبار هذه الوجهة وبين مراحلها بالساعات في رحلته الثالثة المسماة بـ (إحرار المعلى والرقيب، في حج بيت الله الحرام وزيارة القدس الشريف والتبرك بقبر الحبيب) وكان جمعه لها بأمر المترجم له عند سفره حسبما أشار لذلك صدرها.
وفى سنة 1200 أرسل السلطان المترجم كاتبه أبا القاسم الزيانى سفيرا للأستانة بهدية عظيمة للسلطان عبد الحميد، من جملتها أحمال من سبائك الذهب الخالص مثل بارات الجديد وأربعة آلاف قنطار من النحاس فأقام هناك مائة يوم في رعاية وإكرام إلى أن قضى الغرض وقابل السلطان، واشترى الكتب التي أوصاه المترجم بشرائها ووجد سفارة الكاتبين قبله لازالت هناك في انتظار موسم الحج من العام القابل.
ولما أراد الرجوع وجه معه السلطان وبلغه مكاتب السلطان عبد الحميد وهديته وقص عليه خبر سفارته وما قال وما قيل له وأنهم أبدوا له رغبتهم في السلف من المترجم، فأمر بتوجيه إعانة للدولة على الجهاد وقدرها ستمائة ألف ريال وخمسين ألف ريال سبائك ذهبية جعلها في صناديق، وختم عليها ووجهها على يد ملك إسبانيا فملك فرنسا وهو يبلغها للسلطان عبد الحميد.
فجاء الجواب ببلوغ المال في ستين يوما، وكان قد جاء كاتب آخر وجهوه بعد الذى ورد مع الزيانى، فبعث لهما المترجم الجواب المذكور، فتعجبا من علو همته وحسن مسارعته لأعمال الخير والبر، ثم كتب لهما الجواب وأرجعهما مكرمين.
وكان قصده رحمه الله بإرسال تلك الإعانة على الوجه المذكور الفخر على الملوك وإظهار الغنى وكمال الثروة للدول، وقد بين الزيانى سفارته هذه في كتابه الترجمانة الكبرى، الجامعة لأخبار المعمور برا وبحرا.
وفى سنة 1202 ورد عليه سفير السلطان عبد الحميد خان المذكور وهو كاتب ديوانه أحمد أفندى في جملة من أعيان القسطنطينية مصحوبا بهدية فاخرة منها سفر واحد مشتمل على صحيحى البخارى، ومسلم، والموطأ، والمسانيد
الستة، والشمائل، وعمل اليوم والليلة. قال في درة السلوك: والسفر الجامع لما ذكر غير كبير الجرم، ومنها سروج ثلاثة مرصعة بالجواهر، وصينية ذهبا وكئوس عشرة من الذهب أيضا وبراد ذهبا، كذلك الجميع مرصع بالجواهر واليواقيت والألماس، وجبنيتان مرصعتان بالألماس وراية عظيمة من الحرير الأخضر مكتوب عليها بالذهب الأحمر آيات قرآنية، وتخوت وثياب من عمل الهند وحلب، منسوج بالذهب، ومصحف كريم محلى بالذهب مرصع بالجوهر، وأقواس للرمى محلاة بالذهب مرصعات بالجوهر، وبسط أرمنية بمخائدها وسجاداتها.
وفى سنة 1203 أرسل السلطان المترجم صاحبه القائد محمد الزوين ولد القائد عبد الله الرحمانى وأخ روجه السيدة البتول الرحمانية سفيرا للسلطان عبد الحميد مصحوبا ببعض الأسارى الذين أنقذوا مما كانوا فيه، وهدية من جملتها ثلاثون وصيفا من الأرقاء وفرصان من عتاق الصافنات الجياد، وسرجان مزركشان بالذهب مرصعان بأنفس الجواهر، وسفن أربع عدة رجالها نحو أربعمائة رجل بين رؤساء وبحرية وطبجية، وكان رؤساء تلك السفن الذين ذهبوا بها الرئيس على الصابونجى السلوى والرئيس قدور شايب عينو الرباطى والرئيس عبد الله العمرى السلوى والرئيس محمد العنقى (1) الرباطى التركى الأصل حسبما وجدت أسماؤهم بخط كاتب الديوان الجهادى بسلا في ذلك العهد، سيدى عبد القادر الجعيدى، وإليك نص الكتاب الذى توجه به السفير المذكور:
"المقام المتوج بتاج العز والعناية والسيادة، والمحلى بحلية الفضل والمجادة، البالغ في أفعال الخير حد النهاية، والكوكب الطالع في برج اليمن والسعادة، معدن السادات الأخيار، الأجلاء المجاهدين لأعداء الله الكفار، من جعلهم الله
(1) في هامش المطبوع: "بالرباط قرب السوق من ناحية المسجد الأعظم يسمى إلى الآن بدرب العنقى".
حماة للإسلام، وأنام سبحانه في ظلهم جميع الأنام، سلطان البرين، وخاقان البحرين، وخديم الحرمين الشريفين، السلطان بن السلطان عبد الحميد خان بن أحمد خان جعل الله أيامهم السعيدة كلها محمودة، ومآثرهم الكريمة شهيرة مشهودة، سلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته وتحياته ورضوانه.
أما بعد فيصل حضرة أخينا المنصور بالله، صحبة خديمنا القائد محمد بن عبد الله، خمسمائة أسير وستة وثلاثون أسيرا منَّ الله تبارك وتعالى عليهم وأنقذهم من الأسر والحمد لله الذى من علينا بإنقاذ إخواننا المسلمين من يد الكفرة، كما يصل حضرة أخينا العلية بالله أربعة مراكب من مراكبنا الجهادية هدية منا إليك، ونطلب من الله النصر والتمكين، والفتح المبين، لنا ولكم ولسائر المسلمين، وأن تكون عساكر المسلمين أعزة منصورة، وأعداء الله الكفرة أذلة مقهورة، والسلام في أوائل شعبان عام 1203".
ومن إعانة المترجم للدولة العثمانية ما وجهه لها مع القائد مبارك بن هماد، والأمين الحاج عبد الله الشرايبى وهو ستمائة ألف ريال، وما بعثه مع القائد الطاهر فنيش وهو أربعة آلاف برميل من البارود في كل واحد منها قنطار، ووجه معه مرة أخرى أربعة مراكب قرصانية.
وبعث للسلطان عبد الحميد مرة ثلاث سفن جهادية بإقامتها، واثنى عشر مائة قنطار من البارود الرومى، وأربعة آلاف قنطار من ملح البارود المغربية بعد تصفيتها، واثنى عشر مائة قنطار من النحاس، وثلاثمائة ألف دينار وخمس عشرة وصيفة من قصر الخلافة كلهن ماهرات في الطبخ، ومصحفا كريما محلى بالذهب مرصعا بالألماس يساوى مائة ألف دينار، وسرجين، وجبنيتين، الجميع مكلل بالدر والياقوت، وعشرين مدفعا من المدافع الكبار النحاسية، وعشرة من الخيل العتاق العراب التي لا يوجد في دول العجم مثلها.