الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان أهل الإنشاء والبلاغة قائمين بوظيفهم الذى لا يقوم به غيرهم، وأهل الخط المبسوط يستعملهم في مكاتب العمال والثغور والرعايا والشكايات، إذ تلك المكاتب لا تحتاج إلى صناعة ولا إعراب، وأهل الدفاتر والحساب يستعملهم في مصارف الدولة وحسابتها داخلا وخارجا، قاله أبو القاسم الزيانى.
شعراؤه
منهم أبو العباس ابن عثمان، وقد تقدمت ترجمته وبعض ما له فيه من بليغ القول، ومنهم أبو عبد الله ابن الطيب سكيرج الآتى الترجمة، ومنهم أبو العباس أحمد بن المهدى بن محمد الغزال الحميرى الأندلسى المالقى الفاسى السفير الكاتب المتوفى سنة 1191، ومن شعره فيه قوله:
سلا بانة الجرعاء هل جادها قطر
…
وهل أمرعت أجزاع ساحتها الغر
وهل نسجت أيدى الحياء بروضها
…
برودالها من كف راقمها نشر
فيا لك روضا من بكاء غمامه
…
تبسم من أثغار أكمامه الزهر
كان به الأدواح تهتز نضرة
…
عرائس تزهو فوقها حلل خضر
كأن بها ورق الحمائم سجعا
…
قيان لها في صوغ ألحانها جهر
كأن ثغور الأقحوان مباسم
…
تسلسل من ظلم الرضاب بها خمر
كأن الشفاء اللعس منها شقائق
…
تناسق فيها تحت قانئها در
كأن احمرار الورد في ريق الحيا
…
خدود غوانى الغيد لاح بها بشر
كأن ذبول النرجس الغض عادة
…
لواحظ من أهواه ماج بها سحر
كأن غصون البان والرند ميسا
…
خرائد دب في معاطفها سكر
كأن شذا الأزهار ينفحها الصبا
…
فيملأ أرجاء المتان لها نشر
خلال أمير المؤمنين (محمد)
…
إذا صيغ فيه المدح أو نظم الشعر
إمام له في باذخ العز رتبة
…
تقاصر عنها الوهم والوصف والحصر
تسامى على سامى السماك مكانها
…
وصار إلى عليائها يخضع الدهر
وماد لها شم الشوامخ هيبة
…
وأمسى يراها فوق هامته البدر
تذل لها الآساد في أجماتها
…
وترتاع في أغمادها القضب البتر
تزلزل أهل الشرك منها وأذعنوا
…
وعم على آفاق أجناسهم قهر
وصاروا عبيدا من مهابة بأسها
…
ولم ينجهم في الأرض بر ولا بحر
يؤدون بالإذلال والهون جزية
…
يقون بها الأنفاس فهى لهم عمر
ومن لم يرم إعطاءها متكبرا
…
يحيق به في الحين من بأسه مكر
كما حاق بالمهدومة الخير جهرة
…
وحل بها من سوء أفعالها خسر
تصدى لها فخر الملوك بغزوة
…
تزعزع منها الجو والبر والبحر
وصب عليها من بوارق بطشه
…
صواعق حتف لا يطاق لها أسر
فأفسدها قهرا وخرب دورها
…
وشدد أهل الكفر عنها لهم ذعر
ومن ذا يلاقى صولة هاشمية
…
إذا انتهضت للأمر يسبقها النصر
فيا لك من عز تكامل سعده
…
ويا لك من فتح به سمح الدهر
تقاصر عن إدراكه شأو سابق
…
وحاول أن يلقاه فانعكس الأمر
فأخره الرحمن للعادل الرضا
…
ليعظم في الأعمال منه له الأجر
بك اختتم الإحسان والعدل والندى
…
كما ختم الأشفاع في فضلها الوتر
وكيف تدانيك الملوك سماحة
…
وعزا وفخر أو يكون لها خطر
ولم لا تفوق الناس مجدا وسوددا
…
وتعنوا إلى أوصافك الأنجم الزهر
وأنت سليل المصطفى سيد الورى
…
ومَن مِن نداه الجم يغترف البحر
ورثت نداه والسجايا وعدله
…
وسيرته في الخلق فاكتمل الفخر
فأصبحت للإسلام طود حماية
…
وغيثا لأهل الأرض إن نالهم فقر
تود البحور الزاخرات لو انها
…
يكون لها من جود راحتك العشر
تناسى الرشيد والأمين وصنوه
…
وجعفر والمهدى والواثق الصدر
نسخت حديث القوم في الجود والندى
…
فأصبح وهو اليوم ليس له ذكر
أتتنا بك الأيام عند مشيبها
…
فعادت عروسا بالبهاء لها قدر
وعادت رياض العلم عابقة الشذا
…
تغرد في أفنان أدواحها الطير
وشدت ذُرَا الآداب فاعتز أهله
…
وصار لهم في كل شاشعة فخر
فخذها من العبد المحب قلادة
…
تناسق من غالى المديح بها در
يؤد جرير والفرزدق حقها
…
وتخجل من ألفاظها الأنجم الزهر
تطرز عذب النظم منها بمجدكم
…
ونادى جهارا هكذا ينظم الشعر
فقابل ثناها بالقبول فإنه
…
عرائس مدح والقبول لها مهر
وجزمى كل الجزم أنك فاعل
…
وأنى بها لا شك ينضحنى البحر
وإن قصرت في حصر مجدك إنها
…
ستنشد ما قد قاله العالم الحبر
إذا نحن أثنينا عليك بمدحة
…
فهيهات يحصى الرمل أو يحصر القطر
ولكننا نأتى بما نستطيعه
…
ومن بذل المجهود حق له العذر
أدام لنا الرحمن ملكك عزة
…
وفخرا إلى الإسلام ما بعده فخر
وخلد رب العرش أمرك في الورى
…
به تسعد الدنيا ويبتهج الدهر
ودمت قرير العين للدين والهدى
…
ودام مدى الأيام يخدمك النصر
وقد ألف فيه ثلاث رسائل في مدح مخدومه فيها مسلكا لم يسبق إليه واستنبط كما قال من أمداحه، ما لم يهتد إليه بلغاء مداحه، فلغزال أمداحه الباع العريض، في منافسة أهل الأدب وبلغاء القريض، وقد آلى على نفسه، ألا يأتي في أمداح سيده بما تستطيعه أبناء جنسه، وأن يخترع بكل عام من الأدب ما يتعجب من إبداعه، على اختلاف أصنافه وأنواعه.
ولم يزل يجيل فرس الفكر بميدان التأمل والاعتبار، فيما يناسب من أمداح هذا الملك الجليل المقدار، إلى أن فتح عليه في طرق ما سلكها قبله ذو ذهن ثاقب، ولا عبرها من سمت منه في الأدب مناقب، أول تلك الرسائل (اليواقيت الأدبية، بجيد المملكة المحمدية) وضع فيها أربعة أبيات في مربع كل بيت من بيوت ذلك المربع فيه تاريخ لبيعة الممدوح الذى هو حادى عشر المملكة العلوية فاجتمع من بيوت ذلك المربع ستة عشر تاريخا، أضاف لها قصائد على عددها الذى هو عدد البحور الشعرية، فجاءت كل واحدة من بحر، وافتتح حروف أوائل أبياتها بحروف الأبيات الأربعة الموضوعة في المربع، ثم أتى بعدها بستة عشر بيتا مفردا من كل بحر بيت، وفى نقط حروف كل بيت تاريخ.
كذلك من قوله في تلك القصائد من (نزهة الملك المنصور، في مستعذب وافر البحور:
(ر) حيب البذل بادى العدل مسدى
…
جزيل الفضل عن كرم وجود
(فـ) ضائله الغزيرة ليس تحصى
…
ومن يحصى الجواهر بالعقود
(خـ) لافته أمان في أمان=
…
ولايته سعود في سعود
(ط) ليق الوجه بادى البشر أوفى
…
وفى في المصادر والورود
(يـ) راعى العهد يحفظه امتنانا
…
يفك أسير ظلم من قيود
وقوله من "نزهة الإمام الكامل، في جواهر الكامل":
(يـ) حمى ذمار المسلمين بعدله
…
وبسيف حق كف كف المعتدى
(د) امت صنائعه الجميلة في الورى
…
أمد المدى أمدادها لم ينفد
(و) تراكمت أمواج بحر نواله
…
ومعينها مستعذب للورد
(صـ) افى المشارب كوثرى طعمه
…
في ورده نيل المنى والمقصد
(فـ) اضت علينا من زلال معينه
…
نعم لها شكرى بيومى والغد
(أ) عظم بها نعما إذا ما شئتها
…
يمم حمى تاج الملوك محمد
أول حروفها من قوله "بعرف خطير" و "يشيد وصفا" في أبيات المربع ومن الأبيات المفردة في قوله في "المفرد الرابع، للمحاسن جامع" من الوافر:
ولاية ملكنا وافى العهود
…
بها نيل الأمانى في الوجود
والرسالة الثانية (الأطروفة الهندسية، والحكمى الشطرنجية الأنسية) ذكر فيها مثمنا ثم شحنه كما قال بفصول أربعة، تتألف بأخذ حرف من كل بيت على طرق مبتدعة، غير إن أحد الفصول يفتتح غالب بيوت المثمن بحروفه، وتعميره على سير الفرس في جمعه وتصنيفه، إلخ.
والثالثة (نتيجة الفتح، المستنبطة من سورة الفتح) استنبط فيها اشتمال حروف {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3)} [الفتح: 1 - 3] على اسم صاحب الترجمة واسم أبيه وجده وأخبار مملكته بما لفظه:
"محمد بن عبد الله نسل إسماعيل ينصر نصرا عزيزا رائقا، ويملك فتحا ذا غنى فتكون مملكته ممكنة ولكل خير كافية وأيامه طاهرة نقية" كرر من الحرف ما هو مكرر في الآية وقابل كل حرف بمثله عدى الصاد من الصراط أبدله بالسين، على قراءة أحد المكيين، وخاطبه فيها بقوله:
واى عز وفخر
…
لمن له الذكر ذاكر
تلك السعادة ممن
…
حار العلى عن أكابر
فكن إمام المعالى
…
لأنعم الله شاكر
فقد بلغت الأمانى
…
وحزت أسمى الذخائر
وذكر أن مما ثبت من أخبار ملوك الأعاجم، واعتنى به اليونانيون ووضعوا له الفصول والتراجم، أن للحروف خواص وأسرارا، يستخرجون بها أحاديث وأخبارا، وأعظم ما يعتنون به عند كل سنة، يقترحون على من له فكرة صقيلة حسنة، أن يجمع كلمات نقط حروفها ما مضى من الأعوام، فيتفاءلون بما أبررته القدرة عن الإلهام، فيكون غالب ذلك موافقا للمتوقع في ذلك العام.
ولم تزل المشارقة تتمذهب بذلك في سائر أوقاتها، وتستعمله الملوك في مهماتها، ثم ذكر خمسة أبيات كل بيت منها في مسدس فاجتمع من فواتح كلمات تلك الأبيات ثلاثون حرفا، إن جمعتها وجدتها هكذا "محمد بن عبد الله بن إسماعيل نصره الله" وإن عددت نقط حروفها خرج لك عام البيعة.
والرسائل الثلاث بخط مستنبطها الحسن المتسع موجودة بخزانتنا فرغ من آخرها ثامن عشر شوال سنة 1172 كما وقفت على رحلته نتيجة الاجتهاد بخط يماثل ذلك الخط، وإن كان أدق منه حروفا، وهى بخزانة الدولة بالرباط.
ومن شعرائه الأديب الماهر أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد الونان الحميرى التواتى الفاسى صاحب الأرجوزة الشهيرة بالشمقمقية المشتملة على كثير من الآداب والحكم ولطائف الإشارة لأيام العرب ووقائعها ومشاهير رجالها ومطلعها:
مهلا على رسلك حادى الأينق
…
ولا تكلفها بما لم تطق
فطالما كلفتها وسقتها
…
سوق فتى من حالها لم يشفق
ولم تزل ترمى بها أيدى النوى
…
فكل فج وفلاة سملق (1)
وما ائتلى يذرع كل فدفد
…
ذراعها وكل قاع قرق (2)
إلى أن قال في التخلص لمديحها مشيرا إلى تكنية الممدوح لوالده بأبى الشمقمق لما كان عليه من جودة القريحة وغزارة المادة وحسن البديهة والمشاركة في الأدب تشبيها له بأبى الشمقمق مروان بن محمد الكوفى الشاعر مولى الحمار آخر خلفاء الأمويين:
وإن أردت أن تكون شاعرا
…
فَحْلاً فكن مثل أبى الشمقمق
ما خلت في العصر له من مثل
…
غير أبى في مغرب أو مشرق
لذاك كناه به سيدنا السلطان
…
عز الدين تاج المفرق
(محمد) سبط الرسول خير من
…
ساد بحسن خلقه والخلق
أعنى أمير المؤمنين بن أمير
…
المؤمنين بن الأمير المتقى
خير ملوك الغرب من أسرته
…
في وقته على العموم المطلق
(1) في هامش المطبوع: "سملق قاع صفصف".
(2)
في هامش المطبوع: "قرق ككتف مشوى".
له محيا ضاء في أوج الدجى
…
سناه مثل القمر المتسق
وراحة تغار من سيولها
…
سيول ودق وركام مطبق
ودوحة المجد التي أغصانها
…
بها الأرامل ذو تعلق
فاق الرشيد وابنه في حلمه
…
وعلمه ورأيه الموفق
وساد كعبا وابن جدعان وطا
…
هرا وحاتما ببذل الورق
ولم يدع معنى لمعن في الندى
…
ولم يكن كمثله في الخلق
مذ كان طفلا والسماح دأبه
…
وغير مأخذ الثنا لم يعشق
نشأ في حجر الخلافة ومذ
…
شب فتى بغيرها لم يعلق
فبايعته الناس طرا دفعة
…
لم يك فيها أحد بالأسبق
وأعطيت قوس العلا من قد برا
…
أعوادها رعاية للأليق
فصار فئ العدل في زمانه
…
منتشرا مثل انتشار الشرق (1)
وشاد ركن الدين بالسيف وقد
…
حار بتقواه رضا الموفق
وقد رقى في ملكه معارجا
…
لم يك غيره إليها يرتقى
ورد أرواح المكارم إلى
…
أجسادها بعد ذهاب الرمق
والسعد قد ألقى عصا تسياره
…
بقصره وخصه بمعشق
يا ملكا ألوية النصر على
…
نظيره بغربنا لم تخفق
طاب المديح فيكم وازدان لى
…
فالفكر في بحر الثنا ذو غرق
لولاك كنت للقريض تاركا
…
لعدم الباعث والمشوق
(1) في هامش المطبوع: "الشرق الشمس".
وهى معروفة مطبوعة وقد شرحت في مجلدات، وأول من شرحها أبو عبد الله محمد الحريرى قاضيها المتوفى سنة 1240 في نيف وتسعين كراسا، ثم الطاهر ابن العناية المكناسى المتقدمة ترجمته، ثم شرحها أديبا العدوتين أبو حامد المكى البطاورى الرباطى قاضيها وأبو العباس أحمد بن خالد الناصرى السلوى وكل منهما في مجلدين.
وكان ابن الونان ناظمها لما انتهى من نظمها قصد بها المترجم الممدوح بها، فتعذر عليه الوصول إليه، فتحين خروجه في بعض الأيام واعترضه في موكبه وصعد نشزًا عاليا من الأرض ونادى بأعلى صوته:
يا سيدى سبط النبى
…
أبو الشمقمق أبى
فعرفه رحمه الله وأمر بإحضاره بعد بلوغه إلى منزله فحضر وأنشده إياها فوقعت منه أحسن موقع فأجزل صلته، ورفع منزلته.
ومن شعره فيه قوله وقد أوقع بطائفة من الريف:
سعد الذى آوى لظلك طائعا
…
وسعى لخدمتك السعيدة وابتدر
لم يشق إلا خائن متمرد
…
نبذ الأمانة والشريعة مذ ختر
كبغاة أهل الريف لا قرت بهم
…
عين ولا أسقى بلادهم المطر
شقت عصا الإسلام منهم فرقة
…
سلك الغرور برأيها نهج الغرر
ضلوا عن النهج السوى ببغيهم
…
فسطا بهم سيف الإمام وما ائتمر
ألقى عليهم من صواعق بنبه
…
ما كاد يمحو العين منهم والأثر
ظنوا صياصيهم لهم وزرا وإذ
…
خابت ظنونهم تنادوا لا وزر
طهرت بقتلهم البلاد من الأذى
…
ولكم بهم قد كان فيها من قذر