الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفاته: توفى رحمه الله شهيدا يوم الجمعة الثامن وقيل التاسع من المحرم سمنة خمس وسبعين وألف برصاصة أصابته كان فيها حتفه رحمه الله، ودفن بدار ابن مشعل، وقيل حمل لتافيلالت ودفن بها قرب قبر والده وقد رمز لوفاته صاحب الدر السني بقوله:
وإن الشريف بن الشريف محمدا
…
(لشهم) الملوك الضاربين بأنصل
ولما وقف أخوه الرشيد على جثته ضمها إليه وأخذ يبكى ويقول: ما قتلك إلا السراح. وهو رحمه الله أكبر بنى أبيه.
177 - محمد المدعو الكبير أبو عبد الله بن السلطان الأعظم أبى النصر إسماعيل. المعروف بولد عريبة
.
أُمه عربية من الشاوية، وإليها ينسب وبها يعرف.
حاله: جواد كريم عقيم التدبير شديد البطش والانتقام، غير متوقف في قتل الأنفس، ولا متأن ولا متثبت في الأمور، ولا متأمل في العواقب.
اتفق سالم الدكالى ولفيف من شيعته عبيد البخارى ومن انضم إليه من أهل فاس ونواحيه على خلع السلطان عبد الله ومبايعة صنوه صاحب الترجمة في عاشر جمادى الثانية، على ما في تاريخ الضعيف، والذى صححه صاحب الدر المنتخب أنها جمادى الأولى لا الثانية من عام تسعة وأربعين ومائة وألف، وهو يومئذ بمقره بسجلماسة، ولما اتصل به ذلك الخبر وكان اعتقاده أن سالما المذكور مجمع رأى العبيد المرجوع إليه في مهماتهم نافذ الكلمة فيهم مطاع الأوامر، خرج من تافيلالت يطوى المراحل ويواصل المسير إلى أن وصل لصفرو، ولما حل به ورأى أن بيعة الولى عبد الله لا زالت بأعناق الناس، صار يقرع سن الندم أخماسا في أسداس، ثم بدا له الدخول لفاس مختفيا، فقصد دار معتقده أبى زيد عبد الرحمن الشامى الذى كان يعده ويمنيه بالملك على طريق الكشف.
ثم في يوم الثلاثاء ثامن عشرى جمادى المذكورة أتاه أهل فاس لدار الشامى المذكور وفى طليعتهم أبو الخير قاسم بن رحمون المعتقد المشهور وبايعوه سرا، ومن الغد الذى هو يوم الأربعاء أعلنوا ببيعته وحضر لكتابتها أهل الحل والعقد من علماء وأشراف وأعيان، وبعد كتبها ووقوع الإشهاد على الخاصة والعامة بقبولها ورضاهم بها، علقت بالضريح الإدريسى، وأعلن نصره في الأسواق والأزقة العمومية، ثم ركب فرسه وخرج لزيارة صلحاء البلد فبدأ بضريح أبى العلاء إدريس، ثم خرج على باب الفتوح وزار ما هنالك من الأضرحة، ثم توجه للأضرحة التي بخارج باب عجيسة، ثم رجع ونزل بدار بوعلى الكائنة بحومة المعادى من فاس القرويين، وصار الناس يأتون لتقديم مرام التهانى إليه زرافات ووحدانا.
ثم أمر بحيازة جميع ما بدار القاضى أبى الحسن على بو عنان حيث إنه امتنع من الموافقة على بيعته، لأنه لَمْ يَرَ وجهًا لخلع السلطان عبد الله، واحتمى بالضريح الإدريسى، وصمم على عدم التمادى على القضاء بين الناس بعد أن طلبه المترجم بذلك، ونصب للقضاء بدلا عنه ابن إبراهيم بإكراه، ونكّل بكل من تخلف عن بيعته كالعلامة أبى عبد الله محمد البكرى الدلائى، وأبى عيسى المهدى الفاسى، وأبى مدين بن أحمد الفاسى، وأبى العباس أحمد بوعنان. عزل الأول عن الإمامة بالضريح الإدريسى وسجنه وألزمه غرامة مالية وولى مكانه أبا عبد الله محمد بن على بن إبراهيم، والثانى عن الإمامة بمدرسة الطالعة، وولى مكانه أبا الفخر التاودى ابن سودة. والثالث عزله عن إمامة جامع الأندلس وولى مكانه السيد بوعزة بن إدريس المشاط، والرابع عن إمامة جامع باب عجيسة وجعل بدلا عنه أبا عبد الله محمد السلوى، وضيق غاية التضييق على شيعة أخيه السلطان عبد الله بوشاية من شياطين العبيد.
ولما تم له الأمر بفاس وما والاها، كتب أهل فاس لعبيد مشرع الرملة يطلبون منهم الموافقة والدخول معهم فيما دخلوا فيه، فاجتمع أشياع سالم الدكالى وأجمعوا أمرهم على المبايعة للمترجم، ولم يكن لغيرهم بُدّ من اتباعهم فبايعوه ووجهوا إليه بيعتهم مع أعيانهم لفاس، ولما وردت عليه طلع من فاس القديمة إلى المدينة البيضاء فاس الجديد في موكب يسر الناظرين تحفه الودايا.
ثم اقتفى أثر عبيد مشرع الرملة في مبايعة المترجم من كان بالعاصمة المكناسية منهم وسائر أهل مكناسة ومن في حكمهم.
ولما رأى ذلك صنوه السلطان عبد الله جمع ما كان بدار الملك من مال ومتمول، وبارح العاصمة، وصحب في معيته ولده أبا عبد الله محمد وأمه وسائر حرمه، وأطلق من كان بالسجون من أهل الجرائم وغيرهم وكساهم، وسار إلى الحاجب وقيل إلى جبال فازار، فانضمت إليه برابر تلك الناحية وصارت تغير على سرح مكناسة وسايس وما والاهما.
وفى الخميس الموفى عشرين من جمادى الثانية المذكورة بارح المترجم فاسا في جيوش وافرة منتظمة من العبيد والودايا وأهل فاس، وبات بوادى النجا، ومن الغد الذى هو يوم الجمعة دخل مكناسة الزيتون عاصمة والده وإخوته ومن قبله، ولما استقر به النوى عزل أبا العز الطالب بوعنان عن قضاء مكناسة، وولى مكانه العلامة أبا القاسم العميرى، ثم عزله وولى أبا عبد الله محمد البيجرى، ثم عزله وولى العلامة الشيخ عبد الوهاب بن الشيخ.
وفى اليوم الخامس من حلول المترجم مكناسة أتى إليها صنوه السلطان أبو محمد بن عبد الله بمجموع البربر الذين آووه وعززوه ونصروه لَيْلًا ونهبوا جميع أحوازها وباتوا بظاهرها، ولما بزغ حاجب الشمس وفتح باب الأروى اقتحموها، وأخذوا ما قدروا عليه من خيل وسلاح وهدوا وأفسدوا وانقلبوا راجعين من حيث أتوا.
ولما علم المترجم وجنده بذلك اقتفوا أثرهم إلى أن أدركوهم ووقعت بين الفريقين ملحمة عظيمة، غير أنه لم يكن لفريق ظهور على الفريق الآخر، ورجع جند المترجم لمكناس، وسار المولى عبد الله بمن معه إلى أن وصل الحاجب، وفرق ما أخذ من مكناس في البرابر أنصاره.
ثم أتى ابن النوينى قائد عبيد مشرع الرملة من مشرع الرملة في شرذمة من إخوانه يريد أخذ الثأر من المولى عبد الله وأحزابه، ونزل بعين الكرمة حيث محطة السكة الحديدية الآن بمقربة من زرهون، ولما خيم هنالك أتى إليه المولى عبد الله في جموعه وشبت نيران الحرب بينهما سبعة أيام، مات فيها قائد العبيد المذكور، ورجع المولى عبد الله لمخيمه بالحاجب، ورشح المترجم على عبيد مشرع الرملة القائد الحوات، وكانت بينه وبين السلطان عبد الله حروب طاحنة كان الظفر فيها للعبيد كما في نشر المثانى.
واقتفى عبيد مكناس أشياع المترجم المولى عبد الله إلى أن بلغوا عين اللوح فصادفوا أمطارا غزيرة وبردا قارصا ورياحا عاصفة اضطرتهم إلى الرجوع دون نيل مرامهم، وقبض المترجم على عدد من الناس وفرض عليهم الأموال الطائلة، ونهب الدور ولم يترك زرعا ولا ضرعا ولا درهما ولا دينارا.
وكانت هذه السنة سنة شهباء، حصت كل شئ، مات فيها عدد عديد من الآدمى والدواب جوعا، وفى رابع وعشرى أقيمت صلاة الاستسقاء ببوعجول، وكان الخطيب السيد حمدون الشريف الطاهرى نائبا عن القاضى السيد يعيش.
وفى الثامن والعشرين من ذي القعدة أعيدت صلاة الاستقساء بباب الفتوح، وكان الخطيب أبا العباس أحمد الورزازى.
ثم أعيدت الصلاة بباب عجيسة والخطيب السيد حمدون الشريف الطاهرى المذكور.
وأعيدت الصلاة أيضًا من الغد بباب الفتوح والخطيب حمدون المذكور.
وفى اليوم الموفى ثلاثين من الشهر أعيدت الصلاة بباب الفتوح والخطيب حمدون المذكور.
وفى مهل ذى الحجة أعيدت الصلاة والخطيب أبو العباس الورزازى.
ومن الغد أعيدت الصلاة بوادى الزيتون والخطيب أبو مدين بن أحمد الفاسى.
ومن الغد أعيدت أيضًا بباب عجيسة والخطيب أبو العباس الورزازى.
وفيه أيضًا أعيدت بمصلى باب الفتوح والخطيب الورزازى، ومع هذا كله لم ينزل مطر واختل النظام وشاع الفساد وكثر عيث البرابر في السبل وقل الإِدام وفقد اللحم وبلغ القمح نحو ثمان موزونات للصاع وضاق الناس ذرعا.
وفى ذى الحجة منصرم العام طلب العبيد من المترجم راتبهم الشهرى، ولما لم يجد ما يقطع به لسانهم عنه وخاف صولتهم مد يد النهب والسلب في أمتعة الرعية، وصار يخرج زروع أهل مكناسة من الدور والمخازن، وكل من اتهم بكون الزرع عنده يشدد عليه حتى يأتي بما عنده، وكل من أتى من البادية بشئ من الزرع ينزع من يده قهرا.
ولم يكتف بهذا، بل وجه أخاه لفاس وأمره بأخذ أموال الأشراف جبرا، ومن امتنع منهم يلزم بالخروج للحركة ويسلك مسلك العامة، ونهب دار الشريف أبى حفص عمر الأمراني بالأقواس، وقيل: إن المترجم توجه بنفسه لفاس بقصد ما ذكر، وألقى القبض على الحاج بوجيدة برادة، وكان ذا مال وأخذ أمواله ثم نقله إلى مكناسة وقتله بها وباع سائر أصوله.
وألقى القبض أيضًا على الحاج عبد الخالق عديل، وأخذ جميع أمواله، وأخذ جميع أموال الزوايا ولم يترك بها قليلا ولا كثيرا.
ثم رجع لمكناسة وفعل بأهلها ما فعل بأهل فاس، حتى عدمت الفلوس وتعذر البيع والابتياع.
وفى التاسع عشر من ذى الحجة المذكور كان قتال بسايس بين أتباع المترجم وصنوه السلطان عبد الله، وكان الذى يرأس جيش المترجم القائد العباس بورمانة، واشتد القتال وكثر الطعان، ودام ذلك نحو أربع ساعات، ثم انجلى عن هزيمة بورمانة وحزبه وتركهم أشلاء موتاهم مبعثرة على الهضاب والرُّبَى، واستيلاء شيعة السلطان عبد الله على الأثقال والمقومات، ولولا حيلولة الظلام بين الفريقين لاستأصل السيف بورمانة ومن انضم إليه، ولكن لما أرخى الظلام ستوره نجت البقية الباقية بنفسها حافية عارية، وقصد فريق منها ناحية فاس وفريق يمم العاصمة المكناسية إذ قد كان المترجم يومئذ بها.
ولم تزل نيران الفتن في توقد واشتعال. وأحوال الرعية في اختلال، وضعف وانحلال، وعم جميع المغرب الغلاء، وعظم البلاء، وأكل القوى الضعيف، وانتكس المشروف والشريف، وصارت أموال الناس غنيمة باردة للصوص والبغاة، وفشت المناكر، وتعذر الأمن في السابلة، وارتفعت الأسعار في سائر الأمصار. ولا سيما في عاصمتى مكناس وفاس، وزادتا على غيرهما بالمضايقة والحصار.
واستولى على مكناسة الخراب والدمار، وتوالت الهزائم على عساكرها وضعف الجند وكثرت الثوار، منهم الباشا الحوات ثار واستولى على عبيد مشرع الرملة وبنى مالك والطليق وما والى ذلك من القبائل وثار الباشا أحمد الريفى واستولى على الفحص وبلاد غمارة وما والاهما من العمائر والقرى والثغور
كالقصر الكبير وطنجة وسائر القبائل الريفية وكارت وجبالها وقلوعها إلى ناحية اكرسيف وما حول ذلك.
واستولى القائد الكلعى على بنى يازغة وما حولها.
واستولى السلطان عبد الله على مراكش والسوس والصحراء.
واستولى القائد الكعيدى على بنى يازغة، واشتعلت نيران الفتن في البلاد. وعم الفساد حاضرها والباد.
وفى فاتح صفر عام خمسين ومائة وألف نهض صاحب الترجمة في عساكره ونزل بدار ابن خولة، وأفسد ونهب وأهلك الزرع والضرع.
وفى ثامن الشهر نزل على صفرو.
وفى العاشر منه أوقع بأهل زدغة وحكم فيهم السيف وقطع الرءوس ووجه بها للعاصمة المكناسية لتعلق على الجدران والأبراج.
وفى سادس عشرى الشهر خيمت عساكره بجبل آيت عياش من جبال البربر، ووقعت هنالك مقتلة عظيمة بين المترجم وصنوه السلطان عبد الله كانت الكرة فيها على صاحب الترجمة، ورجع على أعقابه منهزما إلى العاصمة المكناسية.
وفى فاتح ربيع الأول فرت زرارة والشبانات وأولاد جرار لناحية بلادهم، ونهبوا وسلبوا كل من وجدوه في طريقهم.
وفى خامس جمادى الأولى هربت المغافرة والودايا من محالهم بسايس وما والاها، ومدّوا يد العداء في كل من لاقوه في طريقهم.
وفى الشهر نفسه ألقى العبيد القبض على صنو المترجم المولى المهتدي برباط الفتح، حيث شموا منه رائحة التشوف للوثوب على الملك، وأتوا به للمترجم
لعاصمة ملكه مكناس، فاعتقله ولم يزل في اعتقاله إلى أن خلع المترجم وبويع للمستضئ فيما يأتى.
وفيه أيضًا وجه المترجم ولده عبد الكريم أميرًا على الرباط، فأقام على إمرته ستة وعشرين يوما، ثم عزله الحوات فانقلب راجعا لمكناس.
وفى رجب بلغ ثمن الوسق من الزرع ثمانين مثقالا، والشعير والذرة ما يقرب من ذلك، وبلغت الزيت خمسة وعشرين مثقالا للقنطار، ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، بل بلغ القمح مائة مثقال، واستولى البخس على سائر الأشياء ما عدا ما يقتات به، وتفاحش الوباء حتى عجز الناس عن دفن موتاهم فلا يمر المار بزقاق من الأزقة إلا على صرعى الجثث، وبقيت الديار بلاقع لم يوجد من يعمرها.
وفى ذى الحجة الحرام أغاث الله بالمطر العباد، وسكنت روعة البلاد، فرخصت الأسعار إلى أن بلغ وسق الزرع ثلاثين أوقية بعد أن كان يساوى مائة مثقال.
وفى صفر العام نهض الباشا الحوات من الرمل وزحف لبنى حسن في جنود لا قبل لهم بها، فأوقع بهم وقعة شنعاء لما كان عليه من العتو والتمرد والعيث في الطرقات.
وفى صبيحة يوم الأربعاء تاسع وعشرى صفر المذكور أعلن الحوات بخلع صاحب الترجمة، وألقى القبض عليه وأوثقه بالحديد واعتقله بالقصبة من العاصمة المكناسية، وبويع لصنوه المستضئ بنور الله كما سنفصله في ترجمته بعد بحول الله، ولم يزل المترجم في عقاله إلى أن سرحه صنوه المستضئ المذكور ثالث ربيع الأول من العام، ووجه به مع أولاده إلى بلاده تافيلالت، ولما وصل القصابى أقام بها مدة، ثم نهض لتافيلالت، وكان ذلك آخر العهد به.