الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجسام، ففدى من أسارى المسلمين، من أهل المغرب والترك وأهل الشام وأهل الأرمين، ما يزيد على أربعة آلاف، ثبت الله له الأجر، وأناله الفتح والنصر".
وقد ألف ابن عثمان في سفارته الثانية لمالطة ونابولى هذه التي قضى فيها سبعة عشر شهرا كتابه (البدر السافر، إلى فكاك الأسارى من يد العدو الكافر) وكان فراغه من تأليفه بعد تلف المبيضة على يد اللصوص أوائل جمادى الثانية عام 1197.
وقد وقعت الإشارة إلى معاهدة ابن عثمان مع مملكة نابولى المشار إليها في معاهدة السلطان المولى عبد الرحمن المجددة مع تلك الدولة سنة 1250 على ما يأتي في ترجمته إن شاء الله.
فتوحاته
فمن فتوحاته إجلاء البرتغال عن ثغر البريجة المعروفة اليوم بالجديدة وما والاها، حاصرها نحو أربعين يوما ونصب عليها المدافع والمهاريز، ووالى عليها صيب القنابل إلى أن فتحها في سابع عشرى رمضان 1182 وهدمها وأمر بتسميتها بالمهدومة، وعمرها بأهل دكالة المجاورين لها، وأنزل معهم فرقة من عساكره، وكان ممن حضر هذا الفتح وأبلى فيه البلاء الحسن الحاج سليمان التركى معلم الرمى وشيخ طبجية الرباط قاله في الترجمان المعرب وغيره، وغنم أموالها ومدافعها ومهاريزها وغير ذلك من معداتها ومقوماتها الحربية.
وحاصر مليلية وحاربها إلى أن صالحه أهلها طبق ما أشرنا إليه.
آثاره
قال نجله المولى عبد السلام في درة السلوك لما ذكر مآثر أبيه: ومن مآثره أيضا اتخاذ الثغور بالمغرب وشحنها بالعساكر والجنود، والرايات والبنود، فمن ذلك ثغر الصويرة أحدث بناءه، ووسع قباءه، فاختطه رضى الله عنه في سابع عشر من
شوال عام ثمانية وسبعين ومائة ألف، وبنى له الأسوار العجيبة، واتخذ به البساتين، وشحنه بالمدافع والبنب والكور، فجاء من أعظم المدن وأشرف الثغور، واتخذ به المساجد والصوامع والأسواق والدور والحمامات ورغب في سكنى هذا الثغر المبارك الناس، وقصده التجار وغيرهم من جميع الأجناس.
وكان سبب إنشائه لهذا الثغر أن المراسى المغربية متصلة بالأودية، وفى غير إبان الشتاء يقل الماء ويعلو الرمل بأفواه المراسى، فيمنع من اجتياز القراصين بها ويتعذر السفر، ففكر فيما يتأتى به السفر للمراكب القرصانية سائر أيام السنة، فبنى ثغر الصويرة، واعتنى به لسلامة مرساه من الآفة المذكورة.
وقيل: إن السبب هو أن حصن أكادير كانت تتداوله الثوار أهل سوس مثل الطالب صالح وغيره، ويسرحون وسق السلع منه افتياتا ويستبدون بأرباحها، فرأى أن حسم تلك المادة لا يتأتى إلا بإحداث مرسى آخر أقرب إلى تلك الناحية، وأدخل في وسط المملكة من أكادير حتى تتعطل على أولئك الثوار منفعته فلا يتشوق أحد إليه.
ولما تم أمرها أمر أهل فاس أن يعمروها مناوبة تأتى ثلاثمائة رجل من أصحاب الحرف ويقيمون بها سنة كاملة، ثم تذهب وتأتى ثلاثمائة أخرى وهكذا، ونقل إليها العلماء لنشر العلم، ورتب لهم ما يكفيهم. قال الزيانى في شرح ألفية السلوك: وجعل -أى المترجم- قضاء فاس للفقهاء الذين يتوجهون للصويرة كل من درس بها ستة أشهر يقضى بفاس ستة أشهر، وجعل كذلك للحكام كل متوجه للصويرة حاكما ستة أشهر يحكم بفاس ستة أشهر إلى أن مات.
وأنفق في سبيل صيانة ذلك الثغر وتحصينه بالمعدات والمقومات الحربية برية وبحرية أموالا طائلة، وجلب إليها تجار النصارى بقصد التجارة بها وأسقط عنهم
وظيف الأعشار، ترغيبا لهم فيها فأسرعوا إليها فعمرت في الحين (واستمر الترخيص لهم فيها مدة من السنين) ثم ردها إلى ما عليه سائر المراسى.
ثم قال المولى عبد السلام في الدرة:
ومن ذلك أيضا بناء مدينة طيط (الجديدة) وقد كانت قديما بأيدى الروم كما قدمنا وخربها بعد الفتح سنة اثنتين وثمانين، وأمر بتجديد عمارتها سنة واحد ومائتين وألف، واتخذ بها ألفا من العسكر من جنود الوصفان، وأدار سورها وعظم بها العمران، فصارت إحدى مدن المغرب، يقصدها التجار من الآفاق، وترد إليها القوافل والرفاق، وترسى بها السفن الجهادية وسفن التجار، فجاءت من أشرف الحسنات وأعظم الآثار.
وكذلك تجديد مدينة آنفا وكانت اندثرت رسومها، وطمست معالمها، فجدد بناءها ورفع قواعدها فبنى بها المساجد والحمامات، واتخذ بها المعاقل الجهادية وجميع الآلات، وسكن بها ألفا من أجناده، فقصدها التجار من جميع مملكته وسائر أقطار بلاده، فجاءت من أحسن الثغور، نسأل الله تعالى أن يضاعف له بها الحسنات وينيله الأجور.
وكذلك عمر ثغر فضالة، ورباط الفتح، ومهدية، والعرائش، وطنجة، وتطاوين وغيرها، وجدد جميع أسوارها واحتفل في تكثير آلاتها وبنى بها المساجد والأسواق والحمامات، ضاعف الله له بذلك الأجور وأسنى له الحسنات.
ومن مآثره أيضا بناؤه المشهد الأعظم، والأثر الأفخم، على ضريح الإمام إدريس بن عبد الله الكامل فجاء في غاية ما يكون من الإتقان، وعظيم الأبهة وعلو الشان، كسا القبة كلها من داخل بالحرير الأحمر وسفائف الذهب الأحمر، وبسطها بالبسط الأرمينية، وأوقف على الضريح المذكور أوقافا عظيمة للطلبة
والمؤذنين والوقادين والفراشين والمستعفين والمساكين، وكذلك أيضا بناؤه الضريح الأعظم على سيدى على بن حرزهم، وبناؤه أيضا على سيدى عبد الله التاودى خارج باب عجيسة أحد أبواب فاس.
ومن آثاره أيضا بناء المشهد الأعظم على القطب الولى سيدى أبى العباس أحمد بن جعفر السبتى، وأوقف بهذا الضريح أيضا أوقافا عظيمة على المدرسين، والحزابين، وذوى العاهات، والمساكين.
وبناؤه أيضا القبة العظيمة الشكل، المهندسة الأصل، التي لم توجد بالمغرب قبة تشاكلها، ولا بناء يماثلها، وهى قبة الشيخ الإمام، علم الأعلام، أبي عبد الله سيدى محمد بن سليمان الجزولى نفع الله به وبأمثاله.
وكذلك بناؤه على الشيخ التباع، والسيد عبد الله الغزوانى.
وبنى أيضا المشهد الأفخم، والمسجد الجامع الأعظم، بضريح جدنا مولاى على الشريف دفين باب هيلانة أحد أبواب مراكش، صانها الله، وضريحه مجاور لضريح القاضى عياض، وقد أوقف للذاكرين والحزابين والأرامل والمساكين، ولو تتبعنا مثل هذا من مآثره أيده الله لطال الخطاب، وخرجنا إلى الإطناب، من دورة السلوك.
ومن آثاره مدينة فضالة ومسجدها ومدرستها، والمنصورية ومسجدها وله آثار أخرى بالرباط والعرائش وطنجة. وتافيلالت ومراكش وفاس ومكناس وغيرها، منها المساجد والمدارس والدور والقصور والأسوار والأبراج والقصبات والأضرحة وغير ذلك، وقد أسلفنا ما له من الآثار بمكناسة عند الكلام على آثار ملوكنا العلويين بها.
ومن آثاره تجديد المسجد الأعظم بثغر آسفى حسبما يستفاد ذلك من كتاب له أصدره لأمناء الثغر المذكور بتاريخ تاسع قعدة الحرام عام ثمانية وثمانين ومائة