الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكانت دولته عاما وسبعة أشهر وعشرين يوما كلها كسنى يوسف، تجرعت الأمة المغربية فيها من الغصص والمحن والبلايا كئوسا دهاقا، وكان مضروبا على يده ليس له من السلطنة إلا الاسم، وولاة أمره من العبيد الذين قوضوا أركان الدولة هم المستبدون بالأبرام والنقض والتصرف المطلق.
178 - محمد بن عبد الله بن إسماعيل المالكى
مذهبا الحنبلى اعتقادا حسبما وصف بذلك نفسه في مؤلفاته -وسيأتي بيان معناه- أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين سلاطين المغرب الأقصى.
مولده وشيوخه وحجته:
كانت ولادته بعاصمة جده أبى الأملاك مكناسة الزيتون سنة أربع وثلاثين ومائة وألف. وأمه كما قال الضعيف حرة. ومن شيوخه أبو محمد عبد الله بن إدريس المنجرة والشرادى وحج قبل البلوغ مع جدته السيد خناثة المغفرية سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف.
صفته وحاله:
قال عصريه الضعيف: "أسمر اللون، تام القد، أقنى الأنف للتمام، شعر لحيته عريض، واسع المنكبين، شثن الكفين، سميح الوجه، كريم اللقى، شديد الصفح، حسن العفو، فصيحا بليغا، أديبا حليما، متواضعا شفيقا، كريما جوادا، عالما بالفقه والسنة والحلال والحرام وفصل الأحكام" اهـ لفظه.
وقال نجله أبو محمد عبد السلام في كتابه "اقتطاف الأزهار، من حدائق الأفكار": وهو -يعنى والده المترجم- في العلم لا يقعقع له بسنان ولا يجارى في ذلك بعنان.
178 - من مصادر ترجمته: تذكرة المحسنين في الموسوعة 7/ 2443.
[صورة]
خط السلطان سيدى محمد بن عبد الله وقد أكلت الأرضه (له) من (كان الله له)
[صورة]
وقال صاحب نشر المثانى في حقه: "وهو نصره الله وأيده في العلم بحر لا يجارى. وفى التحقيق والمعارف لا يمارى. وقد جمع من دراية العلم ما تقف العلماء دونه، وتود زواهر الأفق أن تكونه، فكملت بذلك منة الله على العباد، وأحيا به الله الدين في كل الأرض والبلاد، مع فرط الكرم والجود، الذى ورثه من أصله الطاهر عن آبائه والجدود" وقال: "فهو أدام الله نصره سلطان العلماء وعالم السلاطين" هـ.
وقال الزيانى: "عالى الهمة يحب الفخر ويركب سنامه يعطى عطاء من لا يخشى الفقر، يضع المسائل في محلها، ويعرف مناصب الرجال ويؤدى حقوقهم، ويتجاور عن هفواتهم، ويراعى لأهل السوابق سوابقهم، ويتفقد أحوال خدامه في الصحة والمرض، ولا يغفل عمن عرفه قبل الملك، متواضع شاكر لنعم الله عليه، كلما ورد عليه فتح أو خبر يسر المسلمين سجد شكرا لله في وسط مشورة، إمام الخاصة والعامة، ينتخب الرجال ويعدهم ليوم ما، وينادى كل واحد باسمه وقت اللقاء، ويوجه كل بطل منهم مع قبيلة وكتيبة من كتائب العسكر، ويعمل بعمل أهل السياسة في الحروب، وكان ينشد كثيرا إذا وجه أحدًا ممن يعرف نجدته وشجاعته:
والناس ألف منهم كواحد
…
وواحد كالألف إن أمر عنا"
وقال في حقه أبو محمد عبد السلام بن الخياط القادرى ما نصه: "الإمام الموهوب لهذه الأمة على رأس المائة مجددًا لها دينها كما ورد ذلك مرفوعا".
وقال: "كان إماما من علماء الإسلام، له تصانيف تقرأ بالمشرق والمغرب".
وقال: "وبالجملة فقد نظر في المصالح وقام بها قياما لم يقم به أحد من أهل عصره من ملوك الإسلام، ولم يسبق إليه غيره غير الخلفاء الراشدين".
وفى الجيش وغيره أنه كان يتخلق كثيرًا بأخلاق المنصور الذهبى السعدى ويعجبه حاله وأخباره، يتحلى بسيرته ويستحسنها ويتتبعها أكلا ولباسا، وترتيب دولة وضبط أوقات، فكانت أوقاته لا تتخلف ولا تتداخل أشغالها، وعوائده مقررة لا تختلف، تأسى به في مشوره وسائر حركاته وسكناته، ويصرح بأنه أستاذه وقدوته في شأنه كله هـ.
وقال الزيانى في الترجمان المعرب لما ذكر خروجه لزيارة صلحاء أغمات في فصل الربيع: وكانت حركة نزهة وراحة وصيد أقام بها نحو الشهرين يتقلب في تلك البسائط، وينزل في منازل المنصور رحمه الله، ويقول: هذه منازل المنصور فهو أستاذنا ومقتدانا".
ثم ذكر أنه لما نزل تحت أغمات أتاه قاضيه بكبش وعسل، فوجهه لقاضى العسكر عبد الرحمن بن الكامل وأمره أن ينزل عند القاضي بكبشه وعسله، ولما ارتحل ونزل على وادى نفيس وجه لقاضى العسكر وللكتاب، وكان معه جملة وافرة من أهل الأدب والبلاغة والإنشاء فلما أتوه قال للقاضى عبد الرحمن يداعبه: بم جزيت القاضى على كبشه وعسله؟ فتعلثم وخجل فلما رأى منه ذلك قال له: لو جزيته بأبيات شعرية لخرجت من العهدة ولهذا وجهت لكم فقد سهرت ليلتى في أمري وأمركم، وهجوت نفسى وهجوتكم، لأنه لم يبق في وقتنا هذا أمير ولا وزير ولا كاتب ولا حاجب، فقد وقع مثل هذا في دولة السلطان أحمد المنصور في زيارة أغمات على كبش وعسل، وأمر الكاتب محمد بن المبارك بسرد ما وقع للمنصور من مناهل الصفا للفشتالى وما تنافس فيه الكتاب من النظم والنثر.
وفى الاستقصا: أنه هو الذى جدد هذه الدولة الإسماعيلية بعد تلاشيها. وأحياها بعد خمود جمرتها وتمزق حواشيها، بحسن سيرته، ويمن نقيبته، رحمه الله تعالى ورضى عنه".