الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونقل ابن جزى في قوانينه أن أبا حنيفة والشافعى يعتبران فيها الحسب والنسب ونبه في البداية على أن مستند هذا القول هو الحديث الصحيح تنكح المرأة لدينها وجمالها ومالها وحسبها، قال: فلا يخرج من الاعتبار في الكفاءة من هذه الأوصاف المذكورة في الحديث إلا ما أخرجه الإجماع وهو الجمال، فانظره، وعليه فلا ملام على ملوكنا الفخام. فيما اختاروه لمناكح آل بيتهم الكرام. إذ لا اتفاق في المذاهب على خلافه وكذا خارج المذهب كما تراه.
* * *
علائقه السياسية
لما كان عام ستة وستين وستمائة وألف ميلادية ورد التاجر (رولان افرجس) الفرنسى على المترجم وهو إذ ذاك بتازا يطلب منه الإذن ببناء محل للتجارة بالريف بنواحى وادى انكور، وكان قبل وصوله لصاحب الترجمة وجه له كتابا يطلب منه الأمان والإذن له في القدوم لحضرته، وذكر أن بيده كتابا من ملك فرنسا كلفه بتقديمه إليه، وإليك ملخص ترجمة ما كتب به:
إلى الشريف العظيم القوى مولاى رشيد حرسه الله، لما كان سبب مجيئى لهذه البلاد مهما جدا ومفيدا لدولتكم أطلب من جلالتكم الإذن لى في القدوم على أعتابكم وأن تسمحوا لى باللقى بكم لأتشرف بشرح أسباب مجيئى لإِيالتكم، ولأسلم لكم كتابا من ملك فرنسا من مرسى البوزيم 5 أفريل عام 1666.
ولما اتصل هذا الرقيم بالمترجم أجابه بالإذن بالقدوم والأمن على نفسه وماله، وعين له ستين بعيرًا لحمل أثقاله ودونك ترجمة جوابه له:
بسم الله، من التقى المرضى عبد الله القائم بالله المنصور بالله أمير المؤمنين الشريف الملك بمعونة الله مولاى الرشيد حفظه الله بمنه إلى القبطان (رولان
افرجس) توصلنا بكتابك طالبا الإذن في الدنو من حضرتنا، فلك أن تدنو وقد أعطيناك تمام الأمان في قضاء ما أتيت من أجله، وإذا دنوت فلا تجد بحول الله إلَّا الأمن التام والاطمئنان، والسلام على من اتبع الهدى، كتب في أوائل شوال عام 1076.
ولما ورد السفير على حضرة المترجم اعتنى به وأكرم وفادته، ثم لما مثل بين يديه وذلك بالقصر الفاخر المشيد بفاس فاتح إبريل سنة 1671 أملى خطبة إليك ملخص ترجمتها:
أيها الشريف الجليل جئت بإذن مولاى ملك فرنسا لأقدم لجلالتكم فائق احتراماته وأؤكد لكم أنَّه راغب كثيرًا في صداقتكم ومستعد لقضاء ما يهمكم في مملكته، وتصديقا لما أقوله هأنا أسلم لجنابكم رسالة كلفنى مولاى بتسليمها إليكم وأنتظر الجواب بما يظهر لكم، وإني أعد نفسى أسعد الخلق حيث كلفنى أميرى بهذه المهمة، وسأكون أول من يحمل إلى فرنسا خبر هذا اللقى الحسن الَّذي اقتبلتنى به جلالتكم، وأسأل الله أن يطيل بقاءكم وأن يمتعكم بدوام السعادة ويبلغكم ما تتمنون هـ.
ثم قدم لصاحب الترجمة كتاب ملك فرنسا الَّذي جاء متأبطا له وإليك فحواه: إلى الشريف العظيم مولاى رشيد، فإن ما نسمعه عن جلالتكم من أنها تقتبل اقتبالا حسنا كل من تشرف بالوصول إلى أعتابكم حقق لنا ستقبلون بفرح التاجر (رولان افرجس) الَّذي أوفدناه إليكم سعيا في ربط علائق الصداقة معكم، وقد كلفناه أن يعرض عليكم قضاء كل ما يخصكم من مملكتنا وأن يكلمكم في شان أمور أُخر وفى فتح باب التجارة بين رعيتكم ورعيتنا، وقد أذنا للتاجرين (ميشيل) و (رولان افرجس) أن يؤسسوا شركة من أعيان دولتنا فنطلب منكم أن تساعدوهما على ذلك، وإننا مستعدون لإعطاء دلائل المحبة والاحترام اللذين
نضمرهما لجلالتكم، وهذا ما نريده منكم، ونسأل الله أن يديم عزكم وأن يجعلكم سعداء أولا وآخرًا، وكتب بباريز في 19 نونبر سنة 1665 هـ.
ثم إن السفير طلب من جلالة الأمير المترجم أن يأذن له يجعل شركة فرنسية بفاس بقصد التجارة في الجلود والشمع والنحاس والصوف فلم يجبه لذلك، وبعد انتهاء حفلة الاستقبال وجه المترجم للسفير جواب كتاب أميره الَّذي أتى به وها نصّ ترجمته: الحمد لله ولا غالب إلا الله المنصور بالله أمير المؤمنين المجاهد في سبيل رب العالمين رشيد إلى عظيم النصارى لويز، السلام على من اتبع الهدى، وبعد: فقد بُلغنا كتابك وقرأناه وفهمنا ما فيه من طلبك إلا من لمن أراد من رعاياك التجارة في بلادنا فقد أعطينا الأمان كل من أتى إلى بلادنا ومن سيأتى بقصد التجارة وفى 26 شوال عام 1076 (1) كتبه كاتب عن أذنه حرسه الله بمنه (2) وأمر السفير بالرجوع من حيث أتى، ولما رأى أن حيلته بارت ومساعيه لم تنجح أخذ في بيع ما أتى به من السلع، ثم بعد مدة حدث له شنئان مع بعض التجار قضى عليه برفع الشكوى به لحضرة المترجم فسار إليه لأجل ذلك، والحال أن المترجم كان يعتقد أن هذا السفير رجع إلى بلده وأدى مأموريته التي أتى من أجلها، ولما رآه وعلم أنَّه لا زال بالديار المغربية لم يبق له أدنى ريب في أنَّه مفتر فيما ادعاه من
(1) في هامش المطبوع: يوافق هذا التاريخ فاتح ماى سنة 1666.
(2)
في هامش المطبوع: سجل أصل هذا الكتاب في صحيفة 20 من الجزء 3 في الوزارة الخارجية الفرنسية قال بعض مؤرخى أوروبا كان هذا الكتاب محررا باللغة العربية ولكنه لم يقع العثور على أصله ولا على ترجمته الإصبانية وإنما الموجود ترجمته من اللغة الإصبانية إلى الفرنسية وقد كان المولى الرشيد أصدره من تازا وكان مغشى بمنسوج الحرير الأزرق وتوجيهه للويز كان بواسطة الوزير كولبير هـ مؤلف".
السفارة محتال في جر النار لقرصه فنزع منه ما كان دفعه إليه من الأجوبة، وألزمه مغادرة المملكة المغربية من حينه ولم يسمح له بملاقاة ثانية.
وقد فند الكنت دو كاسترى كون ذلك الكتاب الَّذي جاء متأبطا له هذا السفير صدر من ملك فرنسا للمترجم قائلا: لأن مولاى الرشيد إذ ذاك لا زال لم يظهر أمره حتَّى يعلم به ملكهم، وإنما كان الملك دفع لزاعم السفارة كتابا للشيخ عراس لكونه كان مشهورًا مسموعا به ولما جاء التاجر رولان المذكور للديار المغربية وعلم بسلطنة مولاى الرشيد زور ذلك الكتاب ليتوصل به لغرضه.
وانظر تفنيده هذا مع ما جاء في صحيفة 196 كتاب من ينابيع التاريخ له نفسه من رسالة لويز الرابع عشر التي كاتب بها المترجم من (سان جرمان) بتاريخ 8 دجنبر سنة 1666 وإليك ترجمتها:
"من الملك إلى مولاى رشيد ملك فاس الأمير المعظم الأفخم، صديقنا الأعز، لقد بعث إلينا بكتابكم التاجر رولان فرجس الَّذي كنا أوفدناه عليكم بقصد إنشاء محلات للتجارة بين أهل رعيتنا ورعيتكم لما في ذلك من الفائدة للجانبين، فجاء ذلك الكتاب جوابا للرسالة التي كنا كلفناه حملها إليكم، وقد سرنا قبولكم لطلبنا بفتح أبواب المتاجر قبولا حسنا كما يستفاد ذلك من جوابكم ومما أخبرنا به هو نفسه، كما سررنا بإكرامكم لوفادته فشكرا لكم على اعتباركم لجانبنا، ونرجو أن تدوم هذه العلائق الحسنة بيننا وأن تزيد الروابط متانة بين أهل دولتنا ودولتكم، لذلك فإنا نكتب إليكم مرة أخرى طالبين منكم أن تعضدوا التاجر (فرجس) المذكور مع أخيه وشريكه (مالبنى) وأحسن برهان تبدونه على محبتكم إلينا هو إعانة الشركة المذكورة وإجابتها إلى كل طلب تقدمه إليكم. هذا ونؤكد لكم بأننا أخذنا حظًا وافرًا من فرحكم بعد انتصاركم على المرابط (الخضر غيلان) الَّذي كان
قام عليكم، وختاما نسأل الله أن يحرسكم أيها الملك المعظم الأفخم، وكتب في قصر (سان جرمان) في اليوم الثامن من دجنبر سنة 1666" هـ.
ويوجد هذا الكتاب بسجلات وزارة الأمور الخارجية الفرنسوية ضمن ما يتعلق بالمغرب من المكاتبات القنصلية وهو مسجل بصحيفة 87 من الجزء الأول.
وفى سابع شتنبر 1666 كتب الملك لويز من "فان سين" بالأمر لسفيره الَّذي كان بالجزائر المسمى (اطروبر) أن يذهب برًا أو بحرًا إلى ملك تافلالت مولاى رشيد ليطلب منه الإعانة على حصار طنجة التي كانت بيد الإنجليز، ويكون حصاره لها برا وحصار الأسطول الفرنسى بحرا، ولكن السفير لم يجد سبيلا للذهاب لمولاى رشيد انظر صحيفة 189 من الجزء الأول من ينابيع التاريخ المذكور للكنت دوكاسترى.
وكتب الملك لويز للمترجم كتابا من باريز 23 يبراير سنة 1672 يوصيه فيه بشامويل ازو الَّذي كلف بالمفاوضة في شأن بعض الأسارى، وإليك فحوى ذلك الكتاب:
إلى الملك الأكبر الأفضل المقتدر حبيبنا الأعز، لقد طبق خبر انتصاراتكم جميع أنحاء أوروبا، ويسرنا بهذه المناسبة أن نؤكد لكم بأننا أخذنا حظا وافرًا من فرحكم وإننا نتمنى لكم النجاح والفلاح في جميع أعمالكم، هذا وبما أن ما بيننا من الصداقة وحسن المعاملة يقضى علينا أن نرأف برعايا بعضنا بعضا فلا ريب أنكم ستعتبرون اقتراح التاجر شمويل دورد الَّذي أوفدناه عليكم ليخاطبكم في شأن معاوضة الأسارى الذين أخذتهم السفن المعدة لحماية تجارتنا بالأسارى الذين أخذهم منا أهل سلا، وقد كلفناه أن يسلم لكم عشرة من رعاياكم بعد أن تسلموا له مثل ذلك العدد من أهل رعيتنا الذين قد اتخذتموهم عبيدًا بقطركم، واعتمادًا على ما أبديتموه لهم من دلائل العدل كلما سنحت لكم الفرصة فلا نشك أنكم
ستلبون هذا الطلب، وبذلك نكون مدينين لكم بحسن الاعتراف، ولنا اليقين بأنكم ستصدرون أوامركم لقوادكم ولأهل رعيتكم بتأمين تجارنا الذين يفدون على مملكتكم حتَّى لا يلقى عليهم قبض ولا يسجنون، وهذا ما نؤمله من حسن التفاتكم الَّذي يمتن علائقنا، ونطلب الله المتعال أن يزيد في عزكم يا أيها الملك الهمام المعظم وأن يختم عليكم بالسعادة وكتب بعاصمة باريز في 21 فبراير 1672 حبيبك المخلص لويز.
وتحته توقيع "كولبير وزير التجارة" هـ من صحيفة 414 من الجزء الأول من ينابيع التاريخ.
وقال مؤلفه الكنت دو كاسترى فيما علقه على هذا المكتوب إن هذا الكتاب لم يبلغ لمولاى رشيد لأنه توفى بمراكش في 11 حجة سنة 1087 موافق 9 إبريل سنة 1672، ولما لم يصل هذا الكتاب طلب فرمون أحد وزراء لويز من الوزير الأعظم كولبير كتابا آخر مثله لمولاى إسماعيل هـ.
وفى سنة 1670 وجه ملك الإنجليز وهو يومئذ كرلوس 2 [هارى هوراس] سفيرا للمترجم يهنئه بالانتصار ومعه هدايا فاخرة من جملتها رماح طوال وستة مدافع من النحاس وعربة مزخرفة يجرها اثنا عشر فرسا وثياب.
ولما وصل السفير إلى طنجة وجه إلى صاحب الترجمة بالرماح فسر بها وأصدر أوامره لعمال القصر وتطاوين بإمداد السفير بسائر ما يحتاج إليه من لوازم السفر الكافية لوصوله للحضرة السلطانية، وبينما السفر يتهيأ من طنجة إذ ورد عليه الأمر السلطانى بتأخير سفره نحو الخمسة عشر يوما حيث عرض له ما أقلق راحة الرعية، وكدر صفو الأمن العام بسببها، ورأى أنَّه لابد له من النهوض لحسم مادة ذلك الفساد بنفسه قبل اتساع خرقه فأجاب السفير بالسمع والطاعة.