الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى أن قال:
لازلتم تتوارثون سيادة
…
أبدا يقوم بها وينهض سيد
وإليكموها في الهناء وفى الرثا
…
غراء ينشدها حبيب معبد
تسرى بها الركبان ما بين الورى
…
مثلا وتتهم في البلاد وتنجد
خلعت ثياب الحزن منها واكتست
…
ثوب السرور واقبلت تتأود
الله أولى من شكرت صنيعه
…
وأحق من يثنى عليه ويحمد
أصبحت مسرور الفؤاد ولم أقل
…
وجدى يجد وحسرتى تتجدد
179 - محمد بن عبد الرحمن بن هشام بن محمد بن عبد الله بن إسماعيل السلطان ابن السلطان ابن السلطان ابن السلطان ابن السلطان ابن السلطان
.
حاله: من خيرة بنى أبيه وأكثرهم برورًا به، وأشدهم اقتداء به وامتثالا لأوامره حتى إنه كان لا يراجع فيما يقال له إن والده كان وعد به، وكان يمضى ذلك اعتمادا على أخبار المخبر من غير بحث ولا مناقشة، وهذا بعد وفاة والده، فما ظنك به في حياته، فهذا لعمرى غاية البرور وبسبب ذلك حصل على المكانة المكينة لديه.
أخذ عن الفقيه السيد الطيب بن اليمنى بو عشرين السالف الترجمة، وهو الذى تولى تأديبه، وتربيته وتهذيبه، وعن العلامة السيد المدنى بن الكبير الفيلالى الغربى قاضى مراكش، والأستاذ المقرئ السيد محمد بن عبد الواحد الزجلى الفاسى المعروف بابن تمو حسبما وقفت له على ظهير شريف أصدره لأحفاده بالتوفير والاحترام.
179 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في الموسوعة 7/ 2647.
ونصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع الكبير بداخله "محمد بن عبد الرحمن الله وليه" وبزوايا خاتمه السليمانى "وما توفيقى إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب" ثم اسم الجلالة ومحمد وأسماء الخلفاء الأربعة وبدائرته ومن تكن إلخ البيتين: "كتابنا هذا اسماه الله وأعز أمره، وأطلع في سماء المعالى شمسه المنيرة وبدره، يستقر بيد حملته أحفاد شيخنا الفقيه الأستاذ المقرئ البركة سيدى محمد بن عبد الواحد الزجلى ثم الفاسى المعروف هو وقومه بأولاد ابن تمو، وهم أولاد ولديه الموقت الحيسوبى السيد على، وأخيه الحاج محمد ويتعرف منه بحول الله وقوته، وشامل يمنه ومنته، أنا سدلنا عليهم أردية التوفير والاحترام، وحملناهم على كاهل المبرة والإنعام، والرعى الجميل المستدام، وأسقطنا عنهم التكاليف المخزنية، والوظائف السلطانية، لما لجدهم علينا من الحق بتعلم كتاب الله العزيز ولانتمائهم للنسبة الشريفة، ولانخراط البعض منهم في سلك خدمتنا السعيدة، فمن حام حول حماهم بما يخالف هذا فلا يلومن إلا نفسه، ونأمر الواقف عليه من خدامنا وولاة أمرنا أن يعمل بمقتضاه، ولا يحيد عن كريم مذهبه ولا يتعداه، صدر به أمرنا الشريف المعتز بالله في رابع قعدة الحرام عام 1285".
وكان ذكيا زكيا فاضلا جامعا لأوصاف الخير والنبل، محبا في العلماء محسنا إليهم معتنيا بشأنهم، مشاورا لهم لا يبرم أمرًا دونهم، له باع طويل وقدم راسخ في العلوم العقلية كالحساب والتوقيت والتنجيم والهندسة والهيئة والموسيقى، درس تلك الفنون بالنقد والتحرير، وختم كتاب إقليدس في الهندسة عام واحد وسبعين ومائتين وألف.
أحيا رحمه الله دارس تلك العلوم، ونفق في زمانه سوقها بعد الكساد وأسس مدرسة لتلك الفنون في خلافته على عهد والده المقدس جوار القصر السلطانى من فاس الجديد تخرج منها جماعة من الطلبة النجباء النبلاء، منهم الفئة
[صورة]
وجدت هذه الصورة محفوظة عند بنت باشادور الإنحليز بطنجة الميسطر (جان هي) أخذت عند مقابلته الرسمية مع الجلالة السلطانية المحمدية والقنصل المذكور هو الواقف أمام الجلالة مع أعضاء سفارته وعن اليمين زوج السفير المذكور وبنته.
وقد امتد مقام هذا السفير بالمغرب من الدولة العبد الرحمانية إلى أواسط الدولة الحسنية
[صورة]
ظهير سيدى محمد بن عبد الرحمن لأحفاد شيخه ابن تمو
الموجهة لتتميم دروسها بعواصم أوربا، كالفقيه أبى عبد الله محمد العلمى الشهير ببنانى بإيطاليا، وآخرون في فرنسا وألمانيا وذلك في حدود 1300 حسبما بسطه.
وكان ولوعا بجمع الكتب الغريبة، حتى إنه جمع وهو خليفة عددا من النساخ وجعل لهم محلا مخصوصا لنسخ كتب الحديث وغيرها ورئيسا هو الفقيه الأديب الكاتب السيد محمد بن محمد غريط.
وكان آية عظمى في السماحة والجود. قال في اقتطاف زهر الأفنان: أخبرنى من يوثق به ويعتمد على خبره ممن لازمه يعنى المترجم اللازمة لخاصة أنه لم يقل لا في شئ سئله قط، وهذا من أغرب ما يتحدث به من كرم الشمائل مع كثرة السؤال وتعدد أنواعه كما هو معروف، وهو متأس في ذلك بصالح سلفه كسيدنا زين العابدين القائل فيه الفرزدق.
ما قال لاقط إلافى تشهده
…
لولا التشهد كانت لاؤه نعم
وكان كثير الإغضاء بحيث كان يبغت بعض خاصة الأتباع وهم على غير ما ينبغى فيرجع متعوذا من الشيطان الرجيم، كما أنه كان من التواضع بمكانة، ومن تواضعه أنه كان يخرج للصلوات الخمس متأبطا لبدته سواء في ذلك الحضر والسفر.
وكان مقبلا على شأنه، برع في نظم الأرجال وفاق، يأتى بالتخييلات العجيبة والتشبيهات البديعة والنوادر.
وكان له ولوع بالطرب والنغمات الموسيقية، اتخذ لتعلم ذلك جماعة من الإماء وعين لتعليمهن المعلم الساورى أمهر أرباب الصناعة الموسيقية في عصره، فتعلمن وبرعن في ذلك أعرف بعضهن بالعين والاسم، ولا زالت واحدة منهن
حية ترزق إلى الآن، واقتفى أثره من بعده في ذلك نجله الإمام المقدس مولانا الحسن برد الله ثراه، وكذلك حفيده إمام عصرنا الكوكب الدرى الأصعد، أبد الله علاه ونصره، وأبهج بالعلوم والمعارف عصره، أمين.
وكان المترجم من أعلم أهل عصره بالسياسة، وأمثل البررة إخوته طموحا للمعالى، حريصا على نفع العباد، بصيرا بعواقب الأمور، ذا تأن وتؤدة ووقار كم رشحه والده للمهمات، وكشف به من مدلهمات، استخلفه بفاس على حداثة سنة عام 1255، واستوزر له السيد الطيب بو عشرين إذ كان مؤدبا له، فأحسن السيرة وقام بمأموريته أحسن قيام، فازدادت مكانته عند أبيه وفوض إليه، وألقى زمام المملكة بين يديه، لم يستثن عليه شيئا منها فاتخذ العساكر وجند الجنود، وأمر ونهى وولى وعزل وقدم وأخر.
وقفت على كثير من ظهائره التي أصدرها في خلافته للقائد الجيلانى ابن بوعزة والقائد فرجى وغيرهما، وكان يختمها من أسفل بختم نقش عليه "محمد ابن أمير المؤمنين وفقه الله".
ولما وجهه والده لناحية وجدة وجرت على جيشه الهزيمة الشهيرة بوادى ايسلى في شعبان سنة 1260 ورجع لفاس حجب عنه وجه رضاه، واستشار الوزير الصدر ابن إدريس في شأنه فأشار عليه بعزله من الخلافة وتولية أحد إخوته، فلم يعمل بإشارته، ثم استشار عامل السراغنة السيد أحمد بن القائد في شأنه أيضا فأشار عليه بإقراره على الخلافة، وقال له: إن ما وقع من انكسار الجيش لا عهدة عليه فيه إذ ذاك كان من تهاون كبراء الجيش وإخلادهم إلى الراحة وطمع الجنود في خزينة مال المؤنة، وإذا عزلته فربما يظن الأجانب أن عزله كان لأجل ما ضاع من المال والأخبية والآلات.
فأعمل رأيه وأقره على الخلافة، وعزل الفقيه بو عشرين عن وزارته ونكبه، وعين لوزارته الفقيه السيد محمد غريط، ومن ثم أخذت حالته تتدرج لديه في
الاستحسان وحظوته تتزايد إلى أن صار يولى من أشار بولايته ويعزل من أشار بعزله، ثم أرجع الفقيه بو عشرين لوزارته، وفوض له أمور القبائل المندرجة في خلافته، فبنى قبة سيدى عمارة خارج باب القصبة بمراكش، وبنى مسجد مولاى عبد الله بفاس الجديد، غير أنه انتقد عليه بناء ذلك، وأمر باتخاذ مسجد مولاى عبد الله مخزنا للشعير وإغلاقه حيث إن الناس في استغناء عنه بتعدد المساجد، ولم يقبل شفاعة الشافعين في فتحه إلى أن خطب الفقيه الخطيب سيدى علال الفاسى في جمعة من الجمع بالمسجد الأعظم بفاس الجديد والسلطان إذ ذاك حاضر، فقرأ في خطبته قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ
…
(114)} [البقرة: 114]. فتأثر السلطان لما سمع ذلك وأمر بفتح المسجد حينا فكان للخطيب بذلك جميل ويد بيضاء لدى المترجم وأولاه الإنعامات والتنافيذ الجزيلة التي ورثه بنوه من بعده.
ولما توفى الوزير الصدر المذكور، وتولى الوزارة السيد العربي الجامعى حملته الدالة بالمصاهرة والأثرة لدى السلطان على أن صار لا يبالى بالمترجم ويغض من مكانته، فتذمر لذلك، واشتكى لوالده بأن الأوامر المهمة لا تصله مكاتيبها إلا بإمضاء الوزير مع أحقيتها بالطابع الشريف، وكان ذلك عند ملاقاتهما ببلاد الشاوية، فواعده والده بانه إذا وصل لمراكش عزله ومن ثم تغير للوزير، ووظف عليه مائة ألف ريال غرامة فادى منها سبعين ألفا وعجز عن الباقى، ولما وصل لمراكش عزله كما ومحمد المترجم، وولى الفقيه السيد محمد غريط بإشارته.
وكانت العادة بينه وبين والده أنه إذا كان والده بمراكش نهض هو للقيام بأعباء الخلافة بمكناس وفاس والعكس، وعلى هذا استمر عملهما إلى أن ليس والده داعى مولاه بالعاصمة المكناسية يوم الاثنين التاسع والعشرين من المحرم عام ستة وسبعين ومائتين وألف.
ولما ختمت أنفاسه أجمع أهل الحل والعقد بالعاصمة المذكورة على بيعة المترجم، وقال أبو عيسى المهدى ابن سودة المرى في كناشته ومن خطه نقلت: كانت بيعته بمكناس في الساعة السابعة من يوم الثلاثاء فاتح صفر العام انتهى.
وتبعهم على ذلك أهل فاس وغيرهم من الإيالة المغربية ولم يختلف فيها اثنان لما أنسه الناس فيه وسابروه من عدله وتقاه وسيره في الرعية على أقوم سنن، ووجهت له البيعات مع وفود التعزية والتهانى.
ولم يكن لديه من الخبر إلا أن والده مريض، فلم يرعه إلا ورود الخبر من أخيه المولى العباس والصدر أبى عبد الله محمد الصفار التطوانى بأن أباه قد أشرف، فخرج من مراكش مزعجًا كى يدرك والده حيا، ولما صدر عن العاصمة الجنوبية بيوم أو يومين بلغه نعى والده وبيعات العاصمتين مكناس وفاس ومن انضم إليهما من القبائل والقرى، فوجهها لمراكش وسار هو إلى أن حل بالعاصمة المكناسية في صفر وأقام بها إلى ثانى ربيع الثانى كما قرأت ذلك بخط العلامة القاضى أبى عيسى المهدى ابن سودة المذكور.
ولما وصلت البيعتان المكناسية والفاسية للعاصمة المراكشية اجتمع أهلها بجامع الكتبيين كما حضر معهم العسكر السوسى، وأعيان الرحامنة، وأهل الحوز، والدير وغيرهم، وحضر معهم كبار إخوته وفى طالعتهم أبو الحسن على العلامة المشارك، وعامل البلد أحمد بوستة، وباشا الجيش القائد إبراهيم الأجراوى، وعمال الرحامنة وشرفاء البلد وعلماؤها، فلما غص الجامع بالخلائق قرئ عليهم الكتاب المتضمن للأخبار بموت السلطان أبى زيد والبيعة لولده المترجم فلم يختلف في ذلك أحد، ولا استنكف ولا جحد، فاتفق رؤساء ذلك المشهد على كتب البيعة المحمدية.
[صورة]
هذا محصل ما أفاده صاحب الجيش العرمرم وهو من جملة من حضر، واليه أسند كتب البيعة باقتراح من العلامة أبى عبد الله محمد السعيد حسبما حكى ذلك عن نفسه قائلا: فكتبت نسخة مباركة على لسان الرحامنة، وعين وفد منتظم من الأشراف والأعيان والرؤساء للوفادة بالبيعات على المترجم للحضرة المكناسية للتهنية والتعزية.
ولما وردت تلك البيعات على صاحب الترجمة أصدر أوامره بقراءتها بالعاصمتين مكناس وفاس، وإليك نص البيعة المراكشية وإن كان صاحب الجيش مرصع جواهرها لم يثبتها في تاريخه، وكان يود إثباتها ولكنها لم توجد عنده بعد البحث عنها في حال التقييد حسبما صرح بذلك في تاريخه المذكور:
"بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.
ومن تكن برسول الله نصرته
…
إن تلقه الأسد في آجامها تجم
إن ينصركم الله فلا غالب لكم، نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين، الحمد لله الذى أطلع شمس الخلافة في مطالع السعود، وأثمر في رياض مننه لأمله كل عود، وأنجز لمن أهله لإدراك التقدم على عباده صادق الوعود، وفتح أبواب السعادة لقارعها، وأربح بيعة ملتمس فضله لمشتريها وبائعها الذى بنوره تنجلى الغما، وتتصل النعما، نحمده حمدا يتكفل بتحسين العواقب، وترقية الآمال إلى أرفع المراقى والمراقب، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد الذى تفجرت بوجوده بحور المواهب، وجاءت شريعته بأوضح المسالك والمذاهب، وأنزل عليه {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)} [الفتح: 10] صلى
الله عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وسلم تسليما، والرضا عن أصحابه الذين كانوا له خير أنصار وأعوان، وخصوصا أهل بيعة الرضوان.
أما بعد: فهذه بيعة شريفة مباركة ميمونة، بها سعادة الدين والدنيا إن شاء الله مقرونة مضمونة، بيعة كريمة يصلح الله بها الأمة، ويفيض بسببها سحائب النعمة، ويشمل ببركاتها جميع الأقطار بكل رحمة:
تولى اختيار الله حسن اختيارها
…
فلم يحتج الإنسان فيها لإنسان
بيعة حسنية علوية إسماعيلية هشامية محمدية، بيعة عاطرة تعبق في رياض البشائر أزهارها الفواحة الندية، بيعة صحيحة شرعية، ثابتة شروطها المرعية، بيعة لا يحوم حولها زيغ ولا طيش، يشيد بناءها الأئمة من قريش، فلا ينحل عقدها، ولا ينقض عهدها:
تمد بنود النصر منها ظلالها
…
على الأرض طرا بالمسرة والأمن
حضرها العامة والخاصة، والملائكة الذين أضحت بهم البسيطة غاصة، واحتف بها القبول والسرور، وكانت مركزا تطوف بها الكمالات وتدور، وتتمنى محاسنها الشموس والبدور، ما تخلف عنها أحد من أهل هذه الحضرة المراكشية وأحوازها وبواديها، ولا بقى أحد من أعرابها وبرابرها إلا حضر في ناديها، وأجاب دعوة مناديها، من الشرفاء والعلماء والصلحاء والقضاة والعدول، والكبار والصغار وكل فاضل ومفضول:
جحاجحة غير الوجوه كأنها
…
إذا أسفرت ليلا بدور كوامل
وخصوصا الأعيان والرؤساء والرماة، الذين هم لحوزة الإسلام أسوار وحماة، إلا صرح بالإذعان والقبول حين حضر انعقادها، وأضمر اعتقادها، وكل فرد من أولئك الأشهاد، يعلن بالإشهاد على نفسه غاية الإشهاد، وما منهم إلا من
آمن بها وأمن عليها وصدق، وغض بصره خاشعا من هيبتها وأطرق، وينادى أشهدوا فينى أشهدكم وأشهد الله، وأقول الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله.
ثم إنه لما استأثر الله سبحانه بمولانا أمير المؤمنين، وإمام المسلمين السلطان الهمام، المعتصم بالله مولانا عبد الرحمن بن مولانا هشام، ونقله من دار الإسلام إلى دار السلام، وآثره بجواره وقربه، ومهد له بساط الكرامة إلى جنبه، وأقدمه إلى مدخرات حسناته الجسام، وحوز له من جزيل المثوبات أوفر الأقسام، واختار له في مقر رحمته من جملة حزبه وأوليائه فريقا، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، كرم الله مثواه وأحسن مأواه، آمين.
ووالله ثم والله لولا أنه خلف فينا خلفا صالحا، واتجر لنا متجرا رابحا، لكان من فقده تضيق الأرض بما رحبت، وتجزى كل نفس بما كسبت، وتخر الجبال هدّا، وتصد الأرواح عن أجسادها صدا، ولم يكن في النسب العلوى الطاهر، ولا في البيت الإسماعيليّ الشهير الظاهر، ولا من بيوت الحلفاء من بقية أولئك الآباء والجدود، بل ولا ممن تنتج به الليالى وهى عاقر غير ولود، من تسلم في يده الأمة زمامها، وتقدمه في محراب السلطنة العظمى إمامها، إلا واحد قد اختص بجميع الكمالات البشرية وتفرد، وذلك الواحد هو الإمام المؤيد المنصور، والأسد الورد الهصور، أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين، سيدنا ومولانا محمد بن سيدنا ومولانا عبد الله بن سيدنا ومولانا هشام بن سيدنا ومولانا محمد بن سيدنا ومولانا عبد الله بن سيدنا ومولانا إسماعيل أعز الله ذكرهم، وخلد في صفحات الأيام مجدهم وفخرهم.
فلذلك وقع هذا الاتفاق على بيعته، والدخول تحت طاعته والإذعان لكلمته والرمى على نبعته، وتمت له كلمة ربه الحسنى، بإدارك هذا المقام الأكبر الأجل الأسنى، واحتياز ميراث النبوة والملك المتخلف عن آبائه، الغائظ لأعدائه السار لأحبائه، فيا لها من بيعة تامة غاية التمام، جاءته عفوا على طرف الثمام، محبوكة على عادة أيمان البيعة وحدودها المحدودة، وشروطها المؤكدة في أقسامها المعدودة، ويا له من إمام، أسعد الله به جميع الأنام:
هذا الذى هبت نواسم حمده
…
وأتت بعرف الروضة المعطار
هذا الذى طلعت شموس سعوده
…
تغشى أشعتها قوى الإبصار
هذا إذا افترت مباسم بشره
…
وهب النفوس وزاد في الأعمار
والله المسئول سبحانه أن يبارك لمولانا فيما وهبه، ويوضح في اتباع الحق وأفعال الخير مذهبه، ويجعل مفاتح جميع السعادات في يمينه، كما مسح في الأزل بيمينه المقدسة على جبينه، ويملكه مشارق الأرض ومغاربها، وبرها وبحرها وشاهدها وغائبها، ويجعل النصر والظفر مصاحبين لأعلامه، والفتح والقبول عن يمينه وشماله ومن خلفه ومن أمامه، ويقر بولايته المباركة عيون أهل ملة الإسلام، بجاه جده سيدنا ومولانا محمد عليه وعلى آله أزكى الصلاة والسلام، قال ذلك وكتبه شاهدا على الجموع المذكورة بما فيه به. شهادهم قوة وفعلا العبد الضعيف محمد بن أحمد أكنسوس لطف الله به" من خطه.
ونص بيعة الصويرة بعد البسملة والصلاة:
"لما استأثر الله بعبده إمام المسلمين مولانا عبد الرحمن بن هشام، نقله عن سرير الخلافة إلى جواره مع أسلافه البررة الكرام، قدس الله ضريحه، وأسكنه من الجنان فسيحه، وورد الإعلام بذلك من نجله الشريف، وخليفته العلم المنيف،