الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ب- فقه الزيدية
تنسب الزيدية إلى زيد بن على الذى أعلن نفسه إماما فى الكوفة، وقتل أثناء ثورته المسلحة ضد الحكم الأموى سنة 122 هـ/ 740 م. وكان عدد من تلاميذ محمد الباقر (ت 117 هـ/ 735 م) ورواته المشاهير قد قرروا قبيل هذه الثورة أن زيدا شقيق محمد الباقر هو صاحب الحق فى الإمامة منبعده، ومن هؤلاء أبو الجارود زياد بن المنذر وأبو خالد الواسطى وفضيل بن الزبير الرسّان. وقف هؤلاء إلى جانب زيد بينما وقفت الأغلبية مؤيدة حق جعفر الصادق بعد أبيه محمد الباقر. ونقل أبو الجارود وأصحابه- الذين عرفوا فيما بعد باسم الجارودية- آراء مدرسة الباقر إلى جماعة أتباع زيد (218). وترجع أقدم كتب الزيدية إلى زيد بن على، وأحد هذه الكتب وهو «مجموع الفقه» قد نشر سنة 1919 فى ميلانو بتحقيق جريفينى، الباحث الكبير المتخصص فى كتب الزيدية. عدّ جريفينى هذا الكتاب صحيح النسبة لزيد بن على، وجمع فى مقدمة تحقيقه له كثيرا من المواد التى تسهم فى إيضاح أصالة الكتاب. وقد بدأ الشك فى أصالة الكتاب يظهر بعد نشره، فرأى برجشتراسر (219) وشتروتمان (220) أن الكتاب منحول عليه ولا تصح نسبته إليه. وانطلق برجشتراسر فى بحثه لهذه القضية من مقارنة الآراء الواردة فى كتاب «مجموع الفقه» بآراء فقهاء السنة فى كتبهم (221).
ونظرا للتشابه الكبير بين كتاب «مجموع الفقه» لزيد وكتب فقه السنة فى القرن
(218) انظر ما كتبه ماديلونج فى كتابه عن الإمام القاسم بن إبراهيم وعقيدة الزيدية:
W. Madelung. Der Imamal- Qasemdnueid Ibrahim Glaubenslehreder Zaiditen، Berlin 1965، s. 44
(219)
انظر ما كتبه برجشتراسر عن مجموع الفقه لزيد بن على
G. Bergstrasser، Corpus Junsdi Zudb. Aliin: OLZ 25/ 1922/ 114 - 23
(220)
انظر ما كتبه شتروتمان عن قضية زيد بن على مؤلفا:
R. Strothmann. Das Problemder Literarischen Personlichkeit Zaidb. Aliin: Islam 13/ 1923/ 1 - 52.
(221)
انظر OLZ 25 ،a.a.D.121:
الثانى الهجرى- وهذا ما لاحظه جرفينى أيضا- فإن برجشتراسر استنتج من هذا التشابه أن «تطور الفقه الشيعى كان متأثرا بفقه السنة» (222). وإلى جانب المادة التى جمعها جرفينى فقد أضاف برجشتراسر كذلك كتب الاختلاف مثل كتاب/ «اختلاف الفقهاء» للطبرى. وقد خرج من كل هذا ليثبت أن كتاب «مجموع الفقه» يتفق فى نقاط كثيرة مع فقهاء العراق مثل أبى حنيفة والأوزاعى وسفيان الثورى وأبى يوسف والشيبانى (223) وأن الاصطلاحات الفقهية الواردة بالكتاب هى بعينها الاصطلاحات السائدة فى العراق (224). ولاحظ برجشتراسر كذلك أن مثل هذا التشابه الذى يطلق عليه لفظ «استقبال «Rezeption كان شكليا سطحيا أكثر منه منهجيّا، أى أن منهج مدرسة العراق فى التفكير الفقهى لم يطبق فيه بعمق. ولا يعتبر برجشتراسر هذه الظاهرة دليلا على قدم هذا الكتاب، بل يراها قصورا فى الفهم (225). وعلى ذلك يرى برجشتراسر أن كتاب «مجموع الفقه» إنما نشأ فى منتصف القرن الثانى الهجرى، أى فى عصر ازدهار مدرسة العراق فى الفقه أو فى وقت تال لذلك التاريخ (226).
أما شتروتمان فقد اعتمد فى دراسته على ما أسماه بالتناقضات الداخلية التى تبدو من مقارنة مضمون كتاب «مجموع الفقه» بالروايات التى فى كتب الزيدية (227). وبدلا من أن يرى شتروتمان فى هذه التناقضات أو الاختلافات على ظهور كتاب «مجموع الفقه» فى فترة كانت آراء أتباع على فيها لا تختلف عن آراء فقهاء السنة إلا اختلافا طفيفا (228)، فقد رأى أن فى هذا دليلا على عدم أصالة الكتاب (229).
(222) المرجع السابق ص 121.
(223)
OLZ 25 /1922 /122.
(224)
المرجع السابق ص 122
(225)
المرجع السابق ص 123
(226)
المرجع السابق ص 124
(227)
انظر شتروتمان فى مجلة Islam ،13 /27 ff:
(228)
انظر ما كتبه ماديلونج S.Madelung ،a.a.O.،47
(229)
كان شتروتمان يذكر زيدا الذى جاءت آراؤه خارج كتاب «مجموع الفقه» بأنه زيد الأصلى، انظر المرجع السابق 36.
أما قضية أصالة الكتب المنسوبة لزيد بن على فقد تناولها من جديد الباحث ماديلونج Madelung فى دراسة جادة كتبها منذ سنوات عن إمام الزيدية القاسم بن إبراهيم (230). ويتفق ماديلونج مع برجشتراسر Bergstrasser وشتروتمان Strothmann على أن أهمية كتاب «مجموع الفقه» إنما ترجع إلى أنه منسوب لزيد (231). ويفترض ماديلونج أن كتاب «مجموع الفقه» فى جوهره- من عمل أبى خالد عمرو بن خالد الواسطى أبى الجارود/ (232)، وتذكره المخطوطات التى وصلت إلينا كما تذكر تفسيره للقرآن، وتذكره باقى المراجع باعتباره راوية لزيد. كما أشار ماديلونج إلى حقيقة أن قسما كبيرا من المجموع قد دخل فى أمالى أحمد بن عيسى الزيدى (ولد 157 هـ/ 773 م- توفى 247 هـ/ 861 م) وأن المؤرخ الشيعى نصر بن مزاحم (ت 212 هـ/ 827 م) قد روى مجموع الفقه كاملا عن إبراهيم بن الزّبرقان راوية أبى خالد (233). ويرى أنّ استنتاجات شتروتمان حول عدم أصالة النص مبالغ فيها (234). ولم يفترض- كما فعل جريفينى Griffini أن كتاب «مجموع الفقه» كان موجودا قبل أبى خالد، بل رجح أنه روى لتلاميذه ما سمعه عن زيد. وقام أحد هؤلاء التلاميذ وهو إبراهيم بن الزبرقان بضم هذا فى مجموع (235). ومن الجدير
(230) انظر ماديلونج فى:
W. Madelung. Der Imamal Qasim، bn Ibrahimunddie Glaubensleberder Zaiditen، Berlin 1965.
(231)
المصدر السابق 54.
(232)
انظر التهذيب لابن حجر 8/ 26 - 27
(233)
ماديلوج Madelung 54 - 55:
(234)
المرجع السابق ص 55، هامش 69.
(235)
ونص عبارته تفصيلا:
«ذكر نصر بن مزاحم المنقرى أن إبراهيم بن الزبرقان هو راوية كتاب المجموع بنصه الكامل. وهناك صيغه أخرى للكتاب سمعه بها نصر، يبدو لى أنها ليست صياغة موجزة للمجموع- كما افترض جريفنى Griffini وشتروتمان - Strothmann بل هذه الصياغة مأخوذة من الصياغة الكاملة كما أثبت جريفنتى. ونحن لا نوافق جريفينى على فرضه بأن الصياغة النهائية كانت أمام أبى خالد وأنه أعطاها للزبرقان وحده، بينما اكتفى برواية صياغة موجزة لسائر تلاميذه، ثم أضاف الإسناد بعد ذلك إلى الصياغة الكاملة. والأرجح أن أبا خالد لم يكن أمامه نص مدون، بل كان يروى ما سمعه عن زيد، ولم تكن روايته وفق نظام دقيق، كما أن إملاءه لتلاميذه الكثيرين لم يكن بنص واحد، أما إبراهيم بن الزبرقان وهو تلميذه الذى لزمه سنين طويلة فيما يبدو-
بالملاحظة هنا أن ماديلونج قد وصل إلى نتيجة جديدة وكان فى هذا- بصفة عامة- مستقلا فى الرأى إلى حد كبير عن شتروتمان. ولكنه لم يصل إلى النتيجة التى توصل إليها جريفينى، وسبب هذا فيما يبدو أنه لم يستطيع أن يتخلص تماما من استدلال برجشتراسر وشك شتروتمان فى كون أبى خالد هو الوحيد الذى روى المجموع (236). ومن الأهمية بمكان فى بحث هذه القضية أن ماديلونج قد توصل/ بدراساته إلى نتيجة تقول بأن تصور شاخت Schacht لتطور فقه الشيعة غير صحيح فى عدد من النقاط، منها أن بدء نشأة الفقه الشيعى ترجع إلى فترة من الزمن أقدم وأن مدارس (مذاهب) الفقه ومدارس الفقه الشيعى قد تطورت جنبا إلى جنب (237).
ويتعارض رأى ماديلونج مع رأى شاخت فى قضية تكون المدارس الفقهية، وأنها بدأت فى أوائل القرن الثانى الهجرى (238). ويختلف رأينا فى هذا الكتاب عن ذلك الرأى فقضية تأليف كتاب «مجموع الفقه» يمكن أن تحلّ على النحو التالى:
ظهر علم الفقه الإسلامى ودونت أمهات الكتب فيه فى القرن الأول للهجرة، ولم يظهر الانشقاق الحقيقى بين فقه الشيعة وفقه السنة إلّا فى القرن الثانى للهجرة. وهذا ما يفسر جوانب الاتفاق بين كتب فقه السنة وكتاب «مجموع الفقه» ، فقد كان الجميع يعتمدون على نفس المصادر، وهذه الكتب نتجت فى الأصل من نفس البيئات ولا ينفى ذلك كتب أهل السنة المماثلة التى ذكرها برجشتراسر فى مقارنته قد دون بعضها فى
فقام بتأليف مجموعة على نحو أكمل من غيره وقد أخذت الصياغة الموجزة- فيما بعد- عن صياغة إبراهيم بن الزبرقان ونصر بن مزاحم كما أخذ عنها أيضا إسناد الصياغة الكاملة.»
(236)
فصّل ماديلونج القول فى هذا:
«وهذا وحده ما يفسر كون الرواية الوحيدة (من هذا الكتاب) إنما هى لأبى خالد (النقطة الأولى) وتوضح كذلك ارتباط المؤلف الواضح بمدرسة العراق فى الفقه (النقطة الثانية). وعلى العكس من زيد فقد كان أبو خالد كوفيا وتلميذا لشيوخ الكوفة.» (انظر ص 54)، وقد رجع بالنسبة للنقطة الأولى إلى شترومان Strothmann.Islam 13 /23 وبالنسبة للنقطة الثانية إلى برجشتراسر. Bergstraseer ،OLZ 25 /122 f وبهذا اعتقد ماديلونج أنه وجد التفسير أو الحلّ للمشكلة وهو أن الكتاب قد ظهر فى بيئة العراق، ولكن برجشتراسر قد أثبت ذلك من قبل.
(237)
ماديلونج Madelung S.46 - 47
(238)
انظر المرجع السابق ص 46، وفيه إشارة إلى Schacht.The Origins.P.190:
العراق. فجوانب القصور التى لاحظها فى الشكل والمضمون شاهد على كون الكتاب من فترة مبكرة نسبيا، وأن المؤلف لم يكن على معرفة بالكتب السنية التالية فى الفقه. لقد كان أبو خالد الراوية الوحيد للكتاب، وليست هذه حالة فريدة فى التراث العربى. فهناك كتب كثيرة لم تجد إلا راوية واحدا، وغيرها لم تجد راوية على الإطلاق. أما «التناقضات الداخلية» التى أبرزها شتروتمان- وذلك أن الآراء المنسوبة لزيد فى الكتب المتأخرة والآراء الزيدية تتناقض أحيانا مع مضمون كتاب «مجموع الفقه» - ففيها شاهد آخر على ظهور هذا الكتاب فى وقت مبكر.
لقد ظهر فى فترة سبقت حدوث الصدع الكبير فى الأمة الإسلامية (239). لو كان «مجموع الفقه» كتابا زيديا غير صحيح النسبة لزيد، لكان متفقا اتفاقا أكثر مع مضمون كتب فقه الزيدية، ولما كان ثمة جوانب مشتركة بينه وبين كتب السنة المتقدمة. ومن الجانب الآخر فليس من المعقول أن يؤلف فقيه سنى كتابا لينسبه إلى زيد. وعلى كل حال فقد أفاد الشيعة من هذا الكتاب فى القرن الثانى الهجرى/ وعرفوه حق المعرفة. ولذا نرى لزاما علينا أن نتفق مع جريفينى فى القول بأن «مجموع الفقه» من تأليف زيد بن على.
المراجع: انظر دراسات شتروتمان التالية:
R. Strothmann. Die I- iteraturder Zaiditen، Islami/ 1910/ 354 - 367، 2/ 48 - 78.
(تراث الزيدية)
Das Staatsrechtder Zaiditen،) Studienzur Geschichteund Kulturdesisl. Or. i) Strassburg 1912.
(قانون الدولة عند الزيدية)
Kultusder Zaiditen، Beilagezum Jahresberichtder Kgl. Landesschule Pforta، Strassburg، 1912.
(العبادات عند الزيدية)
Dasproblemderlit erarischenperson lichkeit Zaidb. A.، Islam 13/ 1923/ 1 - 52.
(239) قارن شاخت فى المرجع المذكور ص 262 وماديلونج ص 47.
(قضية زيد بن على مؤلفا) ومقال شتروتمان فى دائرة المعارف الإسلامية الطبعة الألمانية El.IV.1295 - 1297 1297 - 1295 /4 وانظر أيضاكتابى فان ارندونك وماديلونج:
(الإمامة الزيدية فى اليمن)
C. V. Arendonk. Deopkomstvanhet Zaidietische Imamaatin Yemen. Leiden 1919.
(الإمام القاسم بن إبراهيم وعقيدة الزيدية)
W. Madelung. Der Imamal- Qasimibn Ibrahimunddie Glaubenslehreder Zaiditen، Berlin، 1965.