الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(22)
كتاب الرؤيا
من الصحاح:
1181 -
3564 - وقال: "الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان، فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب، وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان وليتفل ثلاثا، ولا يحدث بها أحدا فإنها لن تضره"
"عن أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال: الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان"
"الرؤيا": ما يراه النائم، وكذلك الحلم، ويكثر استعماله فيما لا عبرة به، ولا أصل له، والرؤيا الصالحة إعلام وتنبيه من الله بتوسط الملك، ولذلك عدها في الحديث السابق من أجزاء النبوة، وتحقيقه: أن النفوس البشرية خلقت بحيث لها بالذات تعلق واتصال بالملك الموكل على عالمنا، هذا الموكل إليه تدبير أمره، وهو المسمى في هذا الباب بملك الرؤيا، لكنها ما دامت مستغرقة في أمر البدن وتدبير معاشها وتدبر أحوالها، كانت معوقة من ذلك، فإذا نام، وحصل لها
أدنى فراغ، اتصلت بطباعها، فينطبع فيها من المعاني والعلوم الحاصلة له من مطالعة اللوح المحفوظ، والإلهامات الفائضة عليه من جناب القدس= ما هو أليق بها من أحوالها وأحوال ما يقرب إليها من الأهل والولد والمال والبلد وغير ذلك، فتحاكيه القوة المتخيلة بصورة جزئية مناسبة إلى الحس المشترك، فتنطبع فيه، فتصير محسوسة مشاهدة، ثم إن كانت تلك المناسبة ظاهرة جلية، كانت الرؤيا غنية عن التعبير، وإلا كانت مفتقرة إليه، وهو تحليل تلك المناسبة بالرجوع قهقرى إلى المعنى المتلقي من الملك.
وأما الرؤيا الكاذبة فسببه الأكثري تخيل فاسد تركبه القوة المتخيلة بسبب أفكار فاسدة اتفقت لها حال اليقظة، أو سوء مزاج أو امتلاء ونحو ذلك، فيلقيه على الحس المشترك، وقد يكون بسبب استعراض الحس، والتفاته إلى بعض المخزونات الخيالية المرتسمة في الخيال من مشاهدة المحسوسات حال اليقظة.
ولما كان للشيطان مدخل في هذه الأقسام، لأنها تتولد من الاستغراق في أمر البدن، والانهماك في الشهوات، والإعراض الكلي عن عالم الملكوت والاعتناء بأمره، أضاف الحلم إلى الشيطان.
…
1182 -
3566 - وقال: "إذا اقترب الزمان لم تكد تكذب رؤيا المؤمن، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة، وما كان
من النبوة فإنه لا يكذب" رواه محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال محمد: وأنا أقول: الرؤيا ثلاث: حديث النفس، وتخويف الشيطان، وبشرى من الله، فمن رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد، وليقم فليصل، قال: وكان يكره الغل في النوم ويعجبه القيد، ويقال: القيد ثبات في الدين، وأدرج بعضهم الكل في الحديث.
"وعنه أنه عليه الصلاة والسلام قال: إذا اقترب الزمان لم تكد تكذب رؤيا المؤمن"
المراد باقتراب الزمان: دنو الساعة، ومجيء آخر الزمان، وقيل: تقارب الأيام والليالي، يريد: إذا كان فصل الربيع، فإنه حينئذ يكون المزاج مستقيما، والهواء معتدلا، والأول أصح، لأنه جاء في رواية أخرى:"إذا كان آخر الزمان لم تكد تكذب رؤيا المؤمن".
واختلف في خبر (كاد) المنفي، والأظهر أنه يكون أيضا منفيا، لأن حرف النفي الداخل على (كاد) ينفي قرب حصوله، والنافي قرب حصول الشيء أدل على نفيه في نفسه، ويدل عليه قوله تعالى:{إذا أخرج يده لم يكد يراه} [النور:40].
…
1183 -
3570 - وعن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي إلى أنها اليمامة، أو هجر، فإذا هي المدينة يثرب، ورأيت في رؤياي هذه أني هززت سيفا فانقطع صدره، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد، ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين".
"وفي حديث أبي موسى: فذهب وهلي إلى أنها اليمامة، أو هجر، فإذا هي المدينة"
(الوهل) بالسكون: الوهم، وبالتحريك: الفزع، أي ذهب ظني إلى أن الأرض التي رأيت المهاجرة إليها يمامة أو هجر، وكانت المدينة.
وفيه: "ثم هززته"، أي: حركت السيف مرة أخرى.
…
1184 -
3571 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا نائم، أتيت بخزائن الأرض، فوضع في كفي سواران من ذهب فكبرا علي، فأوحي إلي: أن أنفخهما، فنفختهما فذهبا، فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما: صاحب صنعاء، وصاحب اليمامة".
وفي رواية: "يقال لأحدهما: مسيلمة صاحب اليمامة، والعنسي صاحب صنعاء"
"عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينا أنا نائم أتيت
بخزائن الأرض، فوضع في كفي سواران من ذهب، فكبرا على، فأوحي إلي أن انفخهما، فنفختهما، فذهبا، فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما، صاحب صنعاء، وصاحب اليمامة".
"أن"هي المفسرة، وصح وقوعها بعد قوله:(أوحي) ، لتضمنه معنى القول، وإنما أمر بنفخهما ليدل على سهولة أمرهما، وإنما يذهبان بأدنى سعي.
ووجه تأويل السوارين بالكذابين- والعلم عند الله تعالى- أن السوار يشبه قيد اليد، والقيد فيها يمنعها عن البطش، ويكفها عن الاعتمال والتصرف على ما ينبغي، فيشابه من يقوم بمعارضته، ويأخذ بيده، فيصده عن أمره.
و"صنعاء": بلدة باليمن، وصاحبها الأسود العنسي، تنبأ بها في آخر عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقتله فيروز الديلمي في مرض وفاة الرسول صلوات الله عليه، فبلغه الخبر، فقال- عليه الصلاة والسلام:"فاز فيروز"
و"اليمامة": بلاد للعرب كان اسمها جوا، وكانت فيها امرأة يقال لها: اليمامة، وكانت مشهورة بأنها تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام، بحيث ضرب بها المثل، فقيل: أبصر من اليمامة، فأضيف إليها، وقيل: جو اليمامة، فلما كثرت تلك الإضافة تركت، وسميت باسمها، وصاحبها مسيلمة قتله الوحشي قاتل حمزة في خلافة الصديق رضي الله عنه.
1185 -
3573 - عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى أقبل علينا بوجهه فقال: "من رأى منكم الليلة رؤيا؟ قال: فإن رأى أحد قصها، فيقول:"ما شاء الله! " فسألنا يوما فقال: " هل رأى منكم أحد رؤيا؟ " قلنا: لا، قال: "لكني رأيت الليلة رجلين أتياني، فأخذا بيدي فأخرجاني إلى أرض مقدسة، فإذا رجل جالس، ورجل قائم بيده كلوب من حديد، يدخله في شدقه فيشقه حتى يبلغ قفاه، ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك، ويلتئم شدقه فيشقه هذا، فيعود فيصنع مثله، قلت: ما هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقنا حتى أتينا على رجل مضطجع على قفاه، ورجل قائم على رأسه بفهر أو صخرة يشدخ به رأسه، فإذا ضربه تدهده الحجر، فانطلق إليه ليأخذه، فلا يرجع إلى هذا حتى يلتئم رأسه، وعاد رأسه كما كان، فعاد إليه فضربه، فقلت: ما هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقنا حتى أتينا إلى نقب مثل التنور، أعلاه ضيق وأسفله واسع، تتوقد تحته نار، فإذا اتقدت ارتفعوا حتى يكادوا يخرجون منها، فإذا خمدت رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة، فقلت: ما هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم، فيه رجل قائم، وعلى شط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه، فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقنا حتى
انتهينا إلى روضة خضراء فيها شجرة عظيمة، وفي أصلها شيخ وصبيان، وإذا رجل قريب من الشجرة بين يديه نار يوقدها، فصعدا بي الشجرة فأدخلاني دارا أوسط الشجرة لم أر قط أحسن منها، فيها رجال شيوخ وشبان ونساء وصبيان، ثم أخرجاني منها فصعدا بي الشجرة، فأدخلاني دارا هي أفضل وأحسن، فيها شيوخ وشبان، فقلت لهما: إنكما قد طوفتماني الليلة فأخبراني عما رأيت، قالا: نعم، أما الذي رأيته يشق شدقه فكذاب يحدث بالكذبة فتحتمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيصنع به ما ترى إلى يوم القيامة، والذي رأيته يشدخ رأسه فرجل علمه الله القرآن، فنام عنه بالليل ولم يعمل بما فيه بالنهار، يفعل به ما رأيت إلى يوم القيامة، والذي رأيته في النقب فهم الزناة، والذي رأيته في النهر آكل الربا، والشيخ الذي رأيته في أصل الشجرة إبراهيم عليه السلام والصبيان حوله فأولاد الناس، والذي يوقد النار مالك خازن النار، والدار الأولى التي دخلت دار عامة المؤمنين، وأما هذه الدار فدار الشهداء، وأنا جبريل، وهذا ميكائيل، فارفع رأسك، فرفعت رأسي فإذا فوقي مثل السحاب -وفي رواية: مثل الربابة البيضاء- قالا: ذاك منزلك، قلت: دعاني أدخل منزلي، قالا: إنه بقي لك عمر لم تستكمله فلو استكملته أتيت منزلك".
"وفي حديث سمرة بن جندب: ورجل قائم بيده كلوب من حديد"
(الكلوب) والكلاب: ما يتعلق بالشيء مع شدة، فيجذب به.
"وفيه: رجل قائم على رأسه بفهر أو صخرة، يشدخ به رأسه، فإذا ضربه تدهده الحجر"
(الفهر): حجر ملء الكف، يذكر ويؤنث، والجمع: أفهار.
و (الصخرة): الحجرالعظيم.
و (التدهده): التدحرج.
…
من الحسان:
1186 -
3574 - عن أبي رزين العقيلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة، وهي على رجل طائر ما لم يحدث بها، فإذا حدث بها وقعت -وأحسبه قال:- لا يحدث إلا حبيبا أو لبيبا"
وفي رواية: "الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت،-أحسبه قال: -ولا تقصها إلا على واد أو ذي رأي"
"وفي حديث أبي رزين العقيلي: وهي على رجل طائر ما لم يحدث بها، فإذا حدث بها وقعت"
الضمائر للرؤيا، والمعنى: أنها كالشيء المعلق برجل الطائر، لا استقرار لها ما لم يتكلم بها أو بتعبيرها، وتدل عليه الرواية الأخرى،
ولعله أراد به: المنع عن التحدث بما يكره، والتوهم لنزوله، إذ الغالب أنه من أضغاث الأحلام، أو حث المعبر على أن يعبرها تعبيرا حسنا، فإن الوهم يفعل ما لا تفعل الرؤيا، ولذلك قال:"لا تقصها إلا على واد أو ذي رأي" أي: على حبيب لا يقع في قلبه لك إلا خير، أو عاقل لبيب، لا يقول إلا بفكر بليغ ونظر صحيح، ولا يواجهك إلا بخير، والله أعلم.
(23)
كتاب الأدب