المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ بابالحوض والشفاعة - تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة - جـ ٣

[ناصر الدين البيضاوي]

فهرس الكتاب

- ‌ بابآداب السفر

- ‌ بابالكتاب إلى الكفارودعائهم إلى الإسلام

- ‌ بابالقتال في الجهاد

- ‌ بابحكم الأسارى

- ‌ بابالأمان

- ‌ بابقسمة الغنائم والغلول فيها

- ‌ بابالجزية

- ‌ بابالصلح

- ‌ بابالجلاء: إخراج اليهودمن جزيرة العرب

- ‌ بابالفيء

- ‌كتاب الصيد والذبائح

- ‌ باب

- ‌ باب

- ‌ بابما يحل أكله وما يحرم

- ‌ بابالعقيقة

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌ باب

- ‌ بابالضيافة

- ‌فصل

- ‌ بابالأشربة

- ‌ بابالنقيع والأنبذة

- ‌ بابتغطية الأواني وغيرها

- ‌كتاب اللباس

- ‌ باب

- ‌ بابالخاتم

- ‌ بابالنعال

- ‌ بابالترجيل

- ‌ بابالتصاوير

- ‌كتاب الطب والرقى

- ‌ باب

- ‌ بابالفأل والطيرة

- ‌ بابالكهانة

- ‌كتاب الرؤيا

- ‌كتاب الأدب

- ‌ بابالاستئذان

- ‌ بابالمصافحة والمعانقة

- ‌ بابالقيام

- ‌ بابالجلوس والنوم والمشي

- ‌ بابالعطاس والتثاؤب

- ‌ بابالضحك

- ‌ بابالأسامي

- ‌ بابالبيان والشعر

- ‌ بابحفظ اللسان والغيبة والشتم

- ‌ بابالوعد

- ‌ بابالمزاح

- ‌ بابالمفاخرة والعصبية

- ‌ بابالبر والصلة

- ‌ بابالشفقة والرحمة على الخلق

- ‌ بابالحب في الله والبغض في الله

- ‌ بابما ينهى من التهاجر والتقاطعواتباع العورات

- ‌ بابالحذر والتأني في الأمور

- ‌ بابالرفق والحياء وحسن الخلق

- ‌ بابالغضب والكبر

- ‌ بابالظلم

- ‌ بابالأمر بالمعروف

- ‌كتاب الرقاق

- ‌ بابفضل الفقراء وما كانمن عيش النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ بابالأمل والحرص

- ‌ بابالتوكل والصبر

- ‌ بابالرياء والسمعة

- ‌ بابالبكاء والخوف

- ‌ بابتغير الناس

- ‌باب

- ‌كتاب الفتن

- ‌ بابالملاحم

- ‌ بابأشراط الساعة

- ‌ بابالعلامات بين يدي الساعةوذكر الدجال

- ‌ بابقصة ابن الصياد

- ‌ بابنزول عيسى عليه السلام

- ‌ بابقرب الساعة وأن من ماتفقد قامت قيامته

- ‌ بابلا تقوم الساعة إلا على الشرار

- ‌ بابالنفخ في الصور

- ‌ بابالحشر

- ‌ بابالحساب والقصاص والميزان

- ‌ بابالحوض والشفاعة

- ‌ بابصفة الجنة وأهلها

- ‌ بابرؤية الله تعالى

- ‌ بابصفة النار وأهلها

- ‌ بابخلق الجنة والنار

- ‌ باببدء الخلق، وذكر الأنبياءعليهم السلام

- ‌ بابفضائل سيد المرسلين صلوات الله عليه

- ‌ بابأسماء النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته

- ‌ بابفي أخلاقه وشمائله صلى الله عليه وسلم

- ‌ بابالمبعث وبدء الوحي

- ‌ بابعلامات النبوة

- ‌فصلفي المعراج

- ‌فصلفي المعجزات

- ‌ بابالكرامات

- ‌ باب

- ‌ بابفي مناقب قريش وذكر القبائل

- ‌ بابمناقب الصحابة رضي الله عنهم

- ‌ بابمناقب أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌ بابمناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌ بابمناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما

- ‌ بابمناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌ بابمناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌ بابمناقب العشرة رضي الله عنهم

- ‌ بابمناقب أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ بابمناقب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ بابجامع المناقب

- ‌ بابذكر اليمن والشام، وذكر أويس القرني رضي الله عنه

- ‌ بابثواب هذه الأمة

الفصل: ‌ بابالحوض والشفاعة

4 -

‌ باب

الحوض والشفاعة

من الصحاح:

1406 -

4312 - قال رسو الله صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف، قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك، فإذا طينه مسك أذفر"

(باب الحوض والشفاعة)

"وفي رواية أنس: فإذا طينه مسك أذفر"

أي: كثير الرائحة ذكيها، والذفر: كل رائحة ذكية.

1407 -

4314 - وقال: "إن حوضي أبعد من أيلة من عدن، لهو أشد بياضا من الثلج، وأحلى من العسل باللبن، ولآنيته أكثر من عدد النجوم، وإني لأصد الناس عنه كما يصد الرجل إبل الناس عن حوضه" قالوا: يا رسول الله! أتعرفنا يومئذ؟ قال: نعم، لكم سيما ليست لأحد من الأمم، تردون علي غرا محجلين من أثر الوضوء"

ويروى: "ترى فيه أباريق الذهب والفضة كعدد نجوم السماء"

ص: 404

ويروى: "يغت فيه ميزابان يمدانه من الجنة، أحدهما من ذهب، والآخر من ورق"

"وفي حديث: حوضي أبعد من إيلة من عدن"

"أيلة": بلدة من الساحل مما يلي بحر اليمن، و"عدن"آخر بلاد اليمن مما يلي بحر الهند، والمعنى: أن بعد ما بين طرفي الحوض أزيد من بعد مبتدأ من أيلة من عدن، أي: من بعد ما بينهما، واختلاف الأحاديث في مقدار الحوض، لأنه عليه السلام قدره على سبيل التمثيل والتخمين لكل أحد على حسب ما رآه، وعرفه.

وفيه: "يغت ميزابان"

أي: يدفق دفقا متتابعا دائما بقوة، فكأنه من ضغط الماء، لكثرته عند خروجه، وأصل الغت: الضغط.

1408 -

4316 - عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يحبس المؤمنون يوم القيامة حتى يهموا بذلك، فيقولون: أنت آدم، أبو الناس، خلقك الله بيده، وأسكنك جنته، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، اشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيقول: لست هناكم، ويذكر خطيئة التي أصاب، أكله من الشجرة وقد نهي عنها، ولكن ائتوا نوحا أول نبي بعثه الله إلى أهل الأرض، فيأتون نوحا

ص: 405

فيقول: لست هناكم، ويذكر خطيئته التي أصاب، سؤاله ربه بغير علم، ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن". قال:"فيأتون إبراهيم فيقول: إني لست هناكم، ويذكر ثلاث كذبات كذبهن، ولكن ائتوا موسى عبدا آتاه الله التوراة وكلمه وقربه نجيا، قال: فيأتون موسى فيقول: إني لست هناكم، ويذكر خطيئته التي أصاب، قتله النفس، ولكن ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وروح الله وكلمته، قال: فيأتون عيسى فيقول: لست هناكم، ولكن ائتوا محمدا عبد الله غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر". قال: "فيأتونني، فاستأذن على ربي في داره، فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، فيقول: ارفع محمد! وقل تسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه، قال: "فأرفع رأسي، فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، ثم أشفع فيحد لي حدا فأخرج، فأخرجهم من النار فأدخلهم الجنة، ثم أعود فاستأذن على ربي في داره، فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقول: ارفع محمد! وقل تسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه، قال: فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، ثم أشفع فيحد لي حدا فأخرج، فأدخلهم الجنة، ثم أعود الثالثة، فأستأذن على ربي في داره، فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وفعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقول: ارفع محمد! وقل تسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه، قال: فأرفع رأسي، فأثنى على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، ثم أشفع، فيحد لي حدا فأخرج، فأدخلهم

ص: 406

الجنة، حتى ما يبقى في النار إلا من قد حبسه القرآن" أي: وجب عليه الخلود، ثم تلا هذه الآية:{عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} وقال: "وهذا المقام المحمود الذي وعده نبيكم صلى الله عليه وسلم "

"وفي حديث أنس: حتى يهموا بذلك"

روي على البناء للمجهول من (أهمه) ، إذا أحزنه، أي: يهمهم الحبس بسبب الذنوب.

"وفيه: لو استشفعنا إلى ربنا، فيريحنا من مكاننا"

أي: يخلصنا منه، ويزيل همنا، مأخوذ من (الراحة) ، ونصبه بـ (أن) المقدرة بعد الفاء الواقعة جوابا للواو المتضمنة معنى التمنى والطلب.

"وفيه: فيقول: لست هناكم"

أي: يقول لهم آدم عليه السلام: لست في المكان والمنزل الذي تحسبونني فيه، يريد: مقام الشفاعة.

وقوله: "يذكر خطيئته التي أصاب"وهي "أكله من الشجرة"اعتذار عن التقاعد والتأني عن الشفاعة، والراجع إلى الموصول محذوف، أي: التي أصابها، و"أكله": بدل من "خطيئته.

وقوله: "وائتوا نوحا أول نبي بعثه الله إلى الأرض" يمكن أن يستدل به على أن آدم لم يكن نبيا.

و (سؤال نوح ربه بغير علم) قوله: {إن ابني من أهلي وإن

ص: 407

وعدك الحق} [هود:45].

"وفيه: ويذكر ثلاث كذبات"

إحدى الكذبات المنسوبة إلى إبراهيم عليه السلام: {إني سقيم} [الصافات:89]، وثانيها: قوله: {بل فعله كبيرهم هذا} [الأنبياء:63]، وثالثها: قوله لسارة: هي أختي.

والحق أنها معاريض، ولكن لما كانت صورتها صورة الكذب سماها أكاذيب، واستنقص من نفسه لها، فإن من كان أعرف بالله وأقرب منه منزلة كان أعظم خطرا، وأشد خشية.

وعلى هذا القياس سائر ما أضيف إلى الأنبياء من الخطايا.

"وفيه: فأستأذن على ربي في داره"

يريد به: الجنة، وأضافها إلى الله تعالى للشرف والكرامة، وبالاستئذان عليه: أن يدخل مكانا لا يقف فيه داع إلا استجيب، ولا يقوم به سائل إلا أجيب، ولم يكن بين الواقف فيه وبين ربه حجاب.

وقوله: "فيحد لي حدا" أي: يبين لي في الشفاعة حدا لا أتخطاه، مثل أن يبين له أنه مرخص في الشفاعة مشفع فيما دون الكفر من المعاصي التي لم تكن من حقوق العباد، كالجنايات والمظالم، أو أن شفاعته مقبولة في حق كل موحد في قلبه أدنى إيمان دون غيره.

ص: 408

1409 -

4317 - وعن أنس رضي الله عنه قال: إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض، فيأتون آدم، فيقولون: اشفع لنا إلى ربك، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بإبراهيم فإنه خليل الرحمن، فيأتون إبراهيم فيقول: لست لها، ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله، فيأتون موسى فيقول: لست لها، ولكن عليكم بعيسى فإنه روح الله وكلمته، فيأتون عيسى فيقول: لست لها، ولكن عليكم بمحمد، فيأتونني فأقول: أنا لها، فاستأذن على ربي فيؤذن لي، ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضلاني الآن، فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدا فيقال: يا محمد! ارفع رأسك، وقل تسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: يا رب! أمتي، أمتي، فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان، فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدا، فيقال: يا محمد! ارفع رأسك، وقل تسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: يا رب! أمتي، أمتي، فيقال: انطلق فأخرج من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان، فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدا، فيقال: يا محمد! ارفع رأسك، وقل تسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فاقول: يا رب! أمتي، أمتي، فيقال: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردلة من إيمان فأخرجه من النار، فأنطلق فأفعل، ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له

ص: 409

ساجدا، فيقال: يا محمد! ارفع رأسك، وقل تسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: يا رب! ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا الله، قال: ليس ذلك لك، ولكن وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي، لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله"

"كما روى أنس في حديثه: فأقول: أمتي أمتي، فيقال: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى حبة خردلة من إيمان، فأخرجه من النار، فأنطلق فأقعل، ثم أعود الرابعة، فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدا، فيقال: يا محمد! ارفع رأسك، وقل تسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا الله، قال: ليس ذلك إليك"

أي: ليس هذا لك، وإنما أفعل ذلك تعظيما لاسمي، وإجلالا لتوحيدي.

1410 -

4318 - عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصا من قلبه -أو: - نفسه"

وهو مخصص لهموم قوله في حديث أبي هريرة: "أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصا من قلبه"

ص: 410

ويحتمل أن يجري على عمومه، ويحمل على حال ومقام آخر، و"أسعد"ههنا بمعنى: السعيد، إذ لا يسعد بشفاعته من لم يكن من أهل التوحيد، والمراد بـ (من قال": من لم يكن له عمل يستحق به الرحمة، ويستوجب به الخلاص من النار، فإن احتياجه إلى الشفاعة أكثر، وانتفاعه بها أوفر.

1411 -

4322 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن ناسا قالوا: يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم، هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب، وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب؟ " قالوا: قالوا: لا يا رسول الله، قال:"ما تضارون في رؤية الله يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما، إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن: ليتبع كل أمة كا كانت تعبد، فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار، حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر أتاهم رب العالمين قال: فماذا تنتظرون؟ يتبع كل أمة ما كانت تعبد، قالوا: يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم"

وفي رواية أبي هريرة رضي الله عنه: "فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه"

ص: 411

وفي رواية أبي سعيد رضي الله عنه: "فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون: نعم، فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة، كلما أراد أن يسجد خر على قفاه، ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة، ويقولون: اللهم سلم سلم، فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلم، ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم، حتى إذا خلص المؤمنون من النار، فوالذي نفسي بيده ما من أحد منكم بأشد مناشدة في الحق، وقد تبين لكم، من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون: ربنا كانوا يصومون معنا، ويصلون معنا، ويحجون معنا، فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم، فتحرم صورهم على النار، فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون: ربنا ما يبقى فيها أحد ممن أمرتنا به، فيقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينارمن خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كقيرا، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها خيرا، فيقول الله شفعت الكلائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما، فيليقهم في نهر في أفواه الجنة يقال

ص: 412

له: نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل، فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم، فيقول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الرحمن، أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه، فيقال لهم: لكم ما رأيتم ومثله معه"

"وفي حديث أبي سعيد: أتاهم رب العالمين"

أي: أمره.

"وفيه: فناج مسلم، ومخدوش مرسل، ومكدوس في نار جهنم"

قسم المارة على الصراط ثلاث فرق على اختلاف مراتبهم بحسب العقيدة والعمل"

و (المخدوش): يريد به الذي يخدش بالكلوب، فيرسل إلى النار من عصاة أهل الإيمان.

و (المكدوس): المجموع، يريد به: المغلول، فإنه مجموع الأعضاء في الغل، قيل: مطروح في نار جهنم.

و (التكديس): طرح الشيء على الشيء.

وروي بالشين المعجمة، من (كدشه) ، إذا قطعه بأسنانه قطعا، وقيل: من (كدشه) ، إذا ساقه سوقا شديدا.

1412 -

4324 - عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن الناس قالوا: يا رسول الله!

ص: 413

هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فذكر معنى حديث أبي سعيد رضي الله عنه غير كشف الساق، وقال: "ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم، فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته، ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل، وكلام الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم، وفي جهنم كلاليب من شوك السعدان لا يعلم قدر عظمها إلا الله، تخطف الناس بأعمالهم، فمنهم من يوبق بعمله، ومنهم من يخردل ثم ينجو، حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده، وأراد أن يخرج من النارمن أراد أن يخرجه ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله، أمر الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله، فيخرجونهم، ويعرفونهم بآثار السجود، وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود، فيخرجون من النار قد امتحشوا، فيصب عليهم ماء الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، ويبقى رجل بين الجنة والنار، وهو آخر أهل النار دخولا الجنة، مقبل بوجهه قبل النار، فيقول: يا رب اصرف وجهي عن النار، قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها، فيقول: لا وعزتك، فيعطي الله ما شاء من عهد وميثاق، فيصرف الله وجهه عن النار، فإذا أقبل به إلى الجنة رأى بهجتها سكت ما شاء الله أن يسكت، ثم قال: يا رب قدمني عند باب الجنة، فيقول الله تبارك وتعالى: أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي كنت سألت؟ فيقول: يا رب لا أكون أشقى خلقك،

ص: 414

فيقول: فما عسيت إن أعطيت ذلك أن تسأل غيره، فيقول: لا وعزتك لا أسألك غير ذلك، فيعطي ربه ما شاء من عهد وميثاق، فيقدمه إلى باب الجنة، فإذا بلغ بابها فرأى زهرتها وما فيها من النضرة والسرور، فسكت ما شاء الله أن يسكت، فيقول: يا رب أدخلني الجنة، فيقول الله تبارك وتعالى: ويلك يا ابن آدم ما أغدرك! أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي أعطيت؟ فيقول: يا رب لا تجعلني أشقى خلقك، فلا يزال يدعو حتى يضحك الله منه، فإذا ضحك أذن له في دخول الجنة، فيقول: تمن، فيتمنى حتى إذا انقطع أمنيته قال الله تعالى: تمن كذا وكذا، أقبل يذكره ربه، حتى إذا انتهت به الأماني قال الله تعالى: لك ذلك ومثله معه"

وقال أبو سعيد رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى: لك ذلك وعشرة أمثاله"

ويؤيد المعنى الأول: قوله في حديث أبي هريرة: "ومنهم من يخردل" أي: يجزأ قطعا كالخردلة.

"وفيه: فيخرجون قد امتحشوا"

أي: احترقوا، يقال: امتحش غضبا، أي: احترق.

"وفي حديث أبي هريرة: فيقول: يا رب! اصرف وجهي عن النار، قد قشبني ريحها، وأحرقني ذكاؤها"

أي: أفسدني ولوحني، يقال: قشبه الدخان، إذا لوحه، وقيل:

ص: 415

سمني وأهلكني، من (القشيب) ، وهو السم المهلك، والذكاء: اللهب.

1413 -

4325 - عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "آخر من يدخل الجنة رجل فهو يمشي مرة ويكبو مرة وتسفعه النار مرة، فإذا جاوزها التفت إليها فقال: تبارك الذي نجاني منك لقد أعطاني الله شيئا ما أعطاه أحدا من الأولين والآخرين، فترفع له شجرة فيقول: أي رب أدنني من هذه الشجرة فلأستظل بظلها، وأشرب من مائها، فيقول الله: يا ابن آدم لعلي إن أعطيتكها سألني غيرها، فيقول: لا يا رب، ويعاهده أن لا يسأله غيرها، فيدنيه منها، فيستظل بظلها، ويشرب من مائها ثم ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى، فيقول: أي رب أدنني من هذه الشجرة لأشرب من مائها، وأستظل بظلها، فيقول: لعلي إن أدنيتك منها تسألني غيرها، فيعاهده أن لا يسأله غيرها، فيدنيه منها فيستظل بظلها، ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن من الأوليين فيقول: أي رب أدنني من هذه فلأستظل بظلها وأشرب من مائها، فيقول: يا ابن آدم ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ قال: بل يا رب هذه لا أسألك غيرها، وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فإذا أدناه منها سمع أصوات أهل الجنة فيقول: أي رب أدخلنيها، فيقول: يا ابن آدم ما يصريني منك؟ أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها؟ قال: أي

ص: 416

رب أتستهزئ مني وأنت رب العالمين". فضحك ابن مسعود فقالوا: مم تضحك؟ قال: هكذا ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: مم تضحك يا رسول الله؟ قال: "من ضحك رب العالمين حين قال: أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ فيقول: إني لا أستهزئ منك، ولكني على ما أشاء قدير"

"وفي حديث ابن مسعود: ما يصريني منك"

هكذا في كتاب"المصابيح"، وكثير من نسخ"الصحاح"، والصحيح رواية ومعنى.

(ما يصريك مني): أي: ما يقطعك مني، ويفصل بيني وبينك، فيقطع مسألتك عني، من قولهم: اختصمنا إلى الحاكم فصرى بيننا، أي: قطع ما بيننا وفصل، وأصل الصري: المنع، ومنه التصرية.

"وفيه: أي رب! أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ فضحك ابن مسعود إلى آخره.

(الاستهزاء بالشيء إذا أسند إلى الله تعالى): يراد إنزاله الهوان عليه، وإحلاله إياه محل الاستهزاء به.

و (الضحك من الله تعالى): مجاز عن كمال الرضا.

وإنما ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم استعجابا وسرورا بما رأى من كمال رحمة الله تعالى ولطفه على عبده المذنب، وكمال الرضا عنه.

ص: 417

1414 -

4334 - وقال: "إذا صار أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار على النار جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار، ثم يذبح، ثم ينادى مناد: يا أهل الجنة لا موت، ويا أهل النار لا موت، فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم"

"وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا صار أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار [إلى] النار، جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار، ثم يذبح"

لعل الموت تمثل للناس على صورة حيوان، كما روي في غير هذه الرواية، "يؤتى بالموت بكبش أغبر" ليتيقنوا غاية اليقين أن لا موت بعد ذلك، فيزداد فرح أهل الجنة، وحزن أهل النار، فإن العيان أعلى مراتب اليقين والعرفان، والله أعلم.

من الحسان:

1415 -

4335 - عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "حوضي من عدن إلى عمان البلقاء، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، وأكوابه عدد نجوم السماء، من شرب منه شربه لم يظمأ بعدها أبدا، أول الناس ورودا فقراء المهاجرين، الشعث رؤوسا الدنس ثيابا، الذين لا ينكحون المتنعمات، ولا يفتح لهم السدد"، غريب.

ص: 418

"في حديث ثوبان: ولا يفتح لهم السدد"

أي: الأبواب الواحد: شدة، سمي بذلك، لأن المدخل يسد به.

1416 -

4337 - عن الحسن، عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لكل نبي حوضا، وإنهم ليتباهون أيهم أكثر واردة، وإني أرجو أن أكون أكثرهم واردة"، غريب.

"وفي حديث سمرة: وإنهم ليتباهون أيهم أكثر واردة"

(التباهي): التفاخر، و (المباهاة): المفاخرة.

1417 -

4340 - عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قيل: له: وما المقام المحمود؟ قال: "ذاك يوم ينزل الله تعالى على كرسيه فيئط كما يئط الرحل الجديد من تضايقه به، وهو يسعه ما بين السماء والأرض، ويجاء بكم حفاة عراة غرلا، فيكون أول من يكسي إبراهيم صلوات الله عليه، يقول الله تعالى: اكسوا خليلي، فيؤتى بريطتين بيضاوين من رياط الجنة، ثم أكسى على أثره، ثم أقوم عن يمين الله مقاما يغبطني الأولون والآخرون"

"وعن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم: قيل له: ما المقام المحمود؟

ص: 419

قال: ذلك يوم القيامة، ينزل الله على كرسيه فيئط كما يئط الرحل الجديد من تضايقه، وهو يسعه ما بين السماء والأرض، ويجاء بكم حفاة عراة غرلا، فيكون أول من يكسى إبراهيم صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: اكسوا خليلي، فيؤتى بريطتين بيضاوين من رياط الجنة، ثم أكسى على أثره، ثم أقوم على يمين الله مقاما يغبطني الأولون والآخرون"

مثل التجلي لعباده بنعت العظمة والكبرياء، والإقبال عليهم للعدل والقضاء، وإدناء المقربين منهم على مراتبهم، وكشف الحجاب فيما بينه وبينهم بنزول السلطان من غرف القصر إلى صدر الدار، وجلوسه على كرسي الملك للحكومة والفصل، وإقامة خواصه وأهل كرامته حواليه قداما ووراء ويمينا وشمالا على تفاوت مراتبهم لديه.

وقوله: "يئط كما يئط الرحل": مبالغة وتصوير لعظمة التجلي على طريقة الترشيح.

و (الريطة): الملاءة الرقيقة من الكتان التي لا تكون لفقين، يؤتى بها من الشام، وجمعها: رياط، ولما كانت الحكاية المسرودة مشتملة على شرح المقام المحمود، وهو المقام الذي يكون عن يمين الرحمن يوم العرض والجزاء، وكان أمره لا يتضح إلا بذكرها، حسن وقوعها جوابا عن السؤال عنه.

ص: 420