الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ترتيل وترسيل.
"وعن جابر: كان في كلام رسول الله عليه السلام ترتيل وترسيل"
(الترتيل في القراءة): التبيين، و (الترسيل): التؤدة فيها.
…
4 -
باب
المبعث وبدء الوحي
من الصحاح:
1481 -
4556 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه -وهو التعبد- الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال:"اقرأ"، قال:"ما أنا بقاريء"، قال: "فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقاريء، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقاريء، فأخذني فغطني
الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال:{اقرأ باسم ربك الذي خلق *خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم تعلم} " فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة رضي الله عنها وأخبرها الخبر: "لقد خشيت على نفسي" فقالت خديجة: كلا والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، ثم انطلقت به خديجة إلى ورقة بن نوفل، ابن عم خديجة، فقالت له: يا ابن عم! اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي! ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أو مخرجي هم؟ "، قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم –فيما بلغنا- حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذورة جبل لكي يلقي نفسه منه تبدى له جبريل فقال: "يا محمد! إنك رسول الله حقا" فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه"
(باب المبعث وبدء الوحي)
"في حديث عائشة رضي الله عنها: وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح"
شبه ما جاءه في اليقظة ووجده في الخارج طبقا لما رآه في المنام بالصبح في إنارته ووضوحه، و (الفلق): الصبح، لكنه لما كان مستعملا في هذا المعنى وفي غيره، كالخلق كله في قوله تعالى:{قل أعوذ برب الفلق} [الفلق:1] ، والمطمئن من الأرض الواقع بين الربوتين، ومقطرة السجان، وهي خشبة فيها حروف تدخل فيها رجل المحبوسين، والشق في الشيء باعتبار معنى الشق فيه = أضيف إليه للتخصيص والبيان إضافة العام إلى الخاص، كقولهم: عين الشيء، ونفسه.
"وفيه: كان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه"
"حراء" بالمد: اسم جبل بمكة، يذكر ويؤنث.
و (التحنث): التعبد كأن المتعبد يتحرز عن الإثم، ويتحنث عنه بعبادته.
"وفيه: حتى جاءه الحق"
قيل: أراد به الوحي، وقيل: جبريل، على حذف المضاف، أي: رسول الحق.
"وفيه: وتكسب المعدوم"
أي: تكسب ما لا يكون موجودا ولا حاصلا لنفسك، وتقري به
الضيف، فيكون المجموع سببا لأن لا يخزيه الله، أو تكسبه غيرك بمعنى: تحصله، وتعطيه غيرك، يقال: كسبت مالا، وكسبته غيري.
وقيل: أراد بالمعدوم: المعدم، وهو الفقير، سمي معدوما للمبالغة، كأنه صار من غاية فقره واحتياجه معدوما، والمتصدق عليه يكسبه، ويجعله موجودا.
"وفيه: وتعين على نوائب الحق"
أي: تعين الملهوفين على ما يحيق بهم من النوائب التي يحق أن يعان عليها، ويجتهد في إزاحتها، وسد خلتها.
"وفيه: فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى يا ليتني فيها جذعا"
"الناموس": يريد به جبريل عليه السلام سمي بذلك لأنه السفير بين الله ورسله، وصاحب السر بينه وبينهم، من (نامست الرجل) ، إذا ساررته.
والكناية في"فيها"للنبوة، دل عليها المعنى.
و"جذعا"نصب على الحال، والعامل وصاحبها محذوفان، والتقدير: يا ليتني أدركها جذعا، أي: شابا حتى كان عمري مصروفا في الإسلام، لا في النصرانية.
أو على أنه خبر (كان) محذوفة، كأنه قال: يا ليتني كنت في نبوته شابا أقوى على نصرته.
فعلى الأول المتمنى إدراك نبوته حال الشباب، وعلى الثاني كونه شابا في عهدها.
وهو في الأصل اسم للفتى السن من الحيوان إذا كان ذا ضراوة وقوة، فاستعمل لكل حيوان يعرف سنه إذا كان على سن يكون فيه كذلك، فيقال للشاة إذا دخلت في السنة الثانية، وللبقر، والخيل، والبغال إذا دخلت في السنة الثالثة، وللإبل إذا دخلت في السنة الخامسة، ويقال: فلان في هذا الأمر جذع، إذا كان حديثا فيه.
"وفيه: وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب ورقة أن توفي"
"يومك"يريد به: الزمان الذي أظهر فيه الدعوة، أو عاداه قومه فيه، وقصدوا إيذاءه وإخراجه.
و (المؤزر): البالغ في القوة، من (الأزر) ، وهو القوة.
و"لم ينشب"، أي: لم يلبث، ولم يبرح، وأصله: أنه لم يتعلق بشيء، ولم يشتغل، فكنى به عن ذلك.
وفي آخره: "فيسكن لذلك جأشه"
أي: اضطراب قلبه وقلقه.
1482 – 4557 – عن جابر رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي قال: "فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء، فرفعت بصري، فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض، فجئت منه رعبا، حتى هويت إلى الأرض، فجئت أهلي فقلت: زملوني، زملوني، فزملوني، فأنزل الله تعالى: {يا أيها المدثر * قم فأنذر} -إلي قوله-: {فاهجر} ، ثم حمي الوحي وتتابع".
"وفي حديث جابر: فجئت منه رعبا"
(جئت الرجل) –بالهمز- على بناء ما لم يسم فاعله، فهو مجؤوت، إذا فزع، وكذلك (جئف)، وأصلهما: القلع عن المكان، كأن الفزع قلع عن مكانه فزعا.
و"رعبا": نصب على المفعول لأجله، فإن الفزع انقباض يعتري الإنسان بسبب خوف، أو إصابة مكروه.
…
1483 – 4558 – عن عائشة رضي الله عنها: أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشد علي، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثل
لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول"، قالت عائشة رضي الله عنها: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا"
"وفي حديث عائشة: أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله! كيف يأتيك الوحي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أحيانا مثل صلصلة الجرس، وهو أشد علي، فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني، فأعي ما يقول".
(الصلصلة): صوت الحديد إذا حرك مرة بعد أخرى، وتداخل صوته، ولذلك قيل: هو أبلغ من الصليل.
"فيفصم عني" أي: يقلع ويقطع، من (أفصم عنه المرض) ، إذا ذهب.
والمعنى: أن الوحي تارة يأتيه بأن يسمع صوتا مجردا فينتقش في النفس، ويفهم منه معنى، وتارة يستقل بحيث يتمثل له الملك، ويخاطبه خطاب الرجل الرجل، فتكون الحالة الأولى أشد على النفس وأهول، وحصول الاطلاع على الوحي والوقوف على ما هو المقصود فيها = أصعب وأعسر، فلذلك قال:"وهو أشد علي"
وفي آخره: "وإن جبينه ليتفصد عرقا"
أي: يسيل، ومنه: الفصد.
1484 -
4559 – عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه الوحي كرب لذلك وتربد وجهه.
وفي رواية: نكس رأسه، ونكس أصحابه رؤوسهم، فلما سري عنه رفع رأسه.
"وفي حديث عبادة: إذا نزل عليه الوحي كرب لذلك وتربد وجهه"
المستكن في (كرب) ، إما للرسول، والمعنى: أنه كان لشدة اهتمامه بالوحي كمن أخذه غم، أو لخوف ما عسى يتضمنه الوحي من التشديد والوعيد، بمعنى: اشتد، فإن الأصل في الكرب الشدة.
"وتربد وجهه"، أي: تغير، يقال: تربد وجهه من الغضب، إذا تعبس وتغير، من (الربدة) ، وهي لون يضرب إلى الغبرة.
وفيه: "فلما أتلي عنه"
أي: سري وكشف، قيل: هو من (أتليته) ، إذا أحلته، لأن الملك إذا قضى إليه الوحي وأداه، فقد أحال عليه البلاغ بعد، ويدل عليه: أن في بعض النسخ: "أتلي عليه"
1485 – 4561 - عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة، وجمع قريش في مجالسهم، إذ قال قائل: أيكم يقوم إلى جزور آل فلان فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها، ثم يمهله حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه؟ فانبعث أشقاهم، فلما سجد وضعه بين كتفيه، وثبت النبي صلى الله عليه وسلم ساجدا، فضحكوا حتى مال بعضهم على بعض من الضحك، فانطلق منطلق إلى فاطمة رضي الله عنها فأخبرها، فأقبلت تسعى، وثبت النبي صلى الله عليه وسلم ساجدا حتى ألقته عنه، وأقبلت عليهم تسبهم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال:"اللهم عليك بقريش" ثلاثا –وكان إذا دعا دعا ثلاثا، وإذا سأل سأل ثلاثا –اللهم! عليك بعمرو بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد" قال عبد الله: فوالله لقد رأيتهم صرعى يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"، اتبع أصحاب القليب لعنة"
"وفي حديث ابن مسعود: فيعمد إلى فرثها، ودمها، وسلاها"
(الفرث): ماء الكرش.
و (السلا) بالفتح: ما يكون فيه الولد، وجمعها: أسلاء.
1486 – 4562 - عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله! هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: "لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله سمع قول قومك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم"، قال:"فناداني ملك الجبال وسلم علي، ثم قال: يامحمد! إن الله قد سمع قول قومك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا"
"وفي حديث عائشة: فلم أستفق إلا بقرن الثعالب"
الاستفاقة والإفاقة بمعنى: غير أن الأول أبلغ.
و"قرن الثعالب": جبل صغير بين مكة والطائف، و (القرن): الحبل الصغير، أي: لم أفق مما كنت فيه من الغنم والحيرة في الأمر إلا بما وجدت في هذا الموضع، وأوحي إلي فيه، فأقام الظرف مقام المظروف.
"وفيه: إن شئت أطبق عليهم الأخشبين"