الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9 -
باب
بدء الخلق، وذكر الأنبياء
عليهم السلام
من الصحاح:
1439 -
4422 - عن عمران بن حصين رضي الله عنه: أنه قال: إني كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه قوم من بني تميم، فقال:"اقبلوا البشرى يا بني تميم". قالوا: بشرتنا فأعطنا، فدخل ناس من أهل اليمن، فقال:"اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم،. قالوا: قبلنا، جئناك لنتفقه في الدين، ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان؟ قال: كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السماوات والأرض، وكتب في الذكر كل شيء". ثم أتاني رجل فقال: يا عمران! أدرك ناقتك فقد ذهبت، فانطلقت أطلبها، وايم الله لوددت أنها قد ذهبت ولم أقم".
(باب بدء الخلق وذكر الأنبياء عليهم السلام
"في حديث عمران بن حصين: كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السماوات والأرض"
معناه: أنه تعالى الأول الذي هو قبل كل شيء، ولا شيء قبله، وأن أول ما أبدعه من أجسام هذا العالم: العرش والماء، وسائر
الأجسام متأخرة عنهما في الحدوث والوجود، وقد سبق في (باب الإيمان بالقدر) مزيد تقرير وشرح لهذا الكلام.
…
1440 – 4426 – وعن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لما صور الله آدم في الجنة تركه ما شاء الله أن يتركه، فجعل إبليس يطيف به ينظر ما هو، فلما رآه أجوف عرف أنه خلق خلقا لا يتمالك"
"وعن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما صور الله آدم في الجنة تركه ما شاء الله أن يتركه، فجعل إبليس يطيف به، وينظر ما هو، فلما رآه أجوف عرف أنه خلق خلقا لا يتمالك"
الأخبار متظاهرة على أنه تعالى خلق آدم من تراب قبض من وجه الأرض، وخمر حتى صار طينا، ثم تركه حتى صار صلصالا، وكان ملقى بين مكة وطائف ببطن نعمان، ولكن ذلك لا ينافي تصويره في الجنة، لجواز أن تكون طينته لما خمرت في الأرض، ونزلت فيها حتى مضت عليه الأطوار، واستعدت لقبول الصورة الإنسانية = حملت إلى الجنة، فصورت، ونفخ فيها الروح.
وقوله تعالى: {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} [البقرة:35] لا دلالة له أصلا على أنه أدخل الجنة بعدما نفخ فيه الروح، إذ المراد بالسكون: الاستقرار والتمكن، والأمر به لا يوجب أن يكون قبل الحصول في الجنة، كيف وقد تظافرت الروايات على أن حواء خلقت من آدم في
الجنة، وهي أحد المأمورين به؟!
ولعل آدم –عليه السلام لما كانت مادته التي هي البدن من العالم السفلي، وصورته التي بها يتميز عن سائر الحيوانات ويضاهي به الملائكة من العالم العلوي= أضاف الرسول –صلوات الله عليه- تكون مادته إلى الأرض، لأنها نشأت فيها، وأضاف حصول صورته إلى الجنة، لأنها منها، والله أعلم.
وقوله: "لا يتمالك"، أي: لا يكون له قوة وثبات، بل يكون متزلزل الأمر، متغير الحال، معرضا للآفات.
…
1441 – 4428 – وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اختتن إبراهيم النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم"
"وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اختتن إبراهيم –صلوات الله عليه- وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم"
"القدوم"بالتخفيف: قرية بالشام، وهي المراد به في الحديث.
…
1442 -
4429 – وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات: ثنتين منهن في كتاب الله تعالى: قوله: {إني سقيم} ، وقوله:{بل فعله كبيرهم هذا} .
وقال: بينا هو ذات يوم وسارة إذ أتى على جبار من الجبابرة، فقيل له: إن ها هنا رجلا معه امرأة من أحسن الناس، فأرسل إليه فسأله عنها: من هذه؟ قال: أختي. فأتى سارة فقال لها: إن هذا الجبار إن يعلم أنك امرأتي يغلبني عليك، فإن سألك فأخبريه أنك أختي، فإنك أختي في الإسلام، ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك، فأرسل إليها فأتى بها، وقام إبراهيم يصلي، فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأخذ –ويروى فغط حتى ركض برجله- فقال: ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت الله فأطلق، ثم تناولها الثانية فأخذ مثلها أو أشد، فقال: ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت الله فأطلق، فدعا بعض حجبته فقال: إنك لم تأنني بإنسان إنما أتيتني بشيطان، فأخدمها هاجر، فأتته وهو قائم يصلي، فأومأ بيده مهيم؟ قالت: رد الله كيد الكافر في نحره وأخدم هاجر".
قال أبو هريرة: تلك أمكم يا بني ماء السماء.
"وفي حديثه الآخر: لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات، ثنتين منهن في ذات الله تعالى، قوله: {إني سقيم} [الصافات:89] ، قوله: {بل فعله كبيرهم هذا} [الأنبياء: 63] "
قد بينا: أن ما ذكره –عليه السلام من المعاريض، ولكن لما كانت صورته الكذب سمي كذبا.
وقوله: "في ذات الله"أي: في أمره، وما يختص به، ولم يكن
فيه غرض لنفسه، لأنه قصد بالأولى أن يتخلف عن القوم بهذا العذر، فيفعل بالأصنام التي يعبدونها ما فعل، وبالثانية إلزام الحجة عليهم بأنهم ضلال سفهاء في عبادة ما لا يضر، ولا ينفع.
"وفيه: فأتى سارة فقال لها: إن هذا الجبار إن يعلم أنك امرأتي يغلبني عليك، فإن سألك فأخبريه: أنك أختي".
كان من ديدن هذا الجبار أو من دينه أن لا يتعرض إلا لذوات الأزواج، فلذلك قال:"إن يعلم أنك امرأتي يغلبني عليك"
ويحتمل أن يكون المراد منه: أنه إن علم ذلك ألزمني بالطلاق، أو قصد قتلى حرصا عليك"
"وفيه: فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده، فأخذ –ويروى: فغط- حتى ركض برجله".
(الغط): الضغط وحبس النفس، والمراد به: الخنق هاهنا، أي: أخذ بمجاري نفسه حتى سمع له غطيط.
"ركض برجله" أي: ضرب، وأصل الركض: الدفع.
"وفيه: فأومئ يده مهيم"
هي كلمة يستفهم بها، ومعناها: ما حالك؟ وما شأنك؟ جعلت مفسرة للإيماء، أي: أومأ بيده إيماء يفهم منه معناها.
"وفيه: فتلك أمكم يا بني ماء السماء"
قيل: أراد بهم العرب، سموا بذلك، لأنهم يتبعون المطر،
ويتعيشون به، والعرب وإن لم يكونوا بأجمعهم من بطن هاجر، لكن غلب أولاد إسماعيل على غيرهم.
وقيل: أراد بهم الأنصار، لأنهم أولاد عامر بن حارثة الأزدي جد نعمان بن المنذر، وهو كان ملقبا بماء السماء، لأنه كان يستمطر به.
ويحتمل أنه أراد بهم بني إسماعيل، وسماهم بذلك لطهارة بسبهم، وشرف أصولهم.
…
1443 -
4432 – وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: {رب أرني كيف تحي الموتى} ، ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي"
"وفي حديث أبي هريرة: نحن أحق من إبراهيم إذ قال: {رب أرني كيف تحي الموتى} [البقرة:260] ".
معناه: نحن أحق منه بالسؤال الذي سأله، يريد به تعظيم أمره، وتفخيم شأنه، وأن سؤاله هذا لم يكن لنقصان في عقيدته، بل لكمال فكرته، وعلو همته، الطالبة لحصول الاطمئنان بالوصول إلى درجة العيان والترقي من علم اليقين إلى عين اليقين.
وفي بعض الروايات: "نحن أحق بالشك من إبراهيم " ومعناه
ما ذكرناه، أي: لم يكن صدور هذا السؤال منه، لشك اختلج في صدره، إذ لو كان الشك يعتريه فنحن أحق بالشك منه، ولكنا لا نشك، فكيف يجوز أن يشك هو فيه؟!
وقوله بعد ذلك: "ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد"استعظام لما قاله، واستغرب لما بدر منه حينما أجهده قومه، فقال:{أو ءاوي إلى ركن شديد} [هود: 80] ، إذ لا يكن أشد وأمنع من الركن الذي كان يأوي إليه، وهو عصمة الله وحفظه.
…
1444 – 4433 – وقال: "إن موسى صلوات الله عليه كان رجلا حييا ستيرا لا يرى من جلده شيء استحياء، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا: ما يتستر هذا التستر إلا من عيب بجلده: إما برص أو أدرة، وإن الله أراد أن يبرئه، فخلا يوما وحده ليغتسل، فوضع ثوبه على حجر، ففر الحجر بثوبه، فجمح موسى في إثره يقول: ثوبي يا حجر، ثوبي يا حجر، حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله، وقالوا: والله ما بموسى من بأس، وأخذ ثوبه وطفق بالحجر ضربا، فوالله إن بالحجر لندبا من أثر ضربه"ثلاثا أو أربعا أو خمسا.
"وفي حديثه الذي بعد هذا الحديث: فجمح موسى في إثره"
أي: أسرع في السير، وفي القرآن:{وهم يجمحون} [التوبة:57]، أي: يسرعون.
"وفيه: فوالله إن بالحجر لندبا " بالتحريك.
أي: أثرا، وهو في الأصل: أثر الجرح.
…
1445 – 4434 – وقال: "بينا أيوب يغتسل عريانا فخر عليه جراد من ذهب، فجعل أيوب يحتثي في ثوبه، فناداه ربه: يا أيوب ألم أكن أغنيك عما ترى؟ قال: بلى وعزتك، ولكن لا غنى بي عن بركتك"
"وفيه: فخر عليه جراد من ذهب، فجعل أيوب يحثي في ثوبه"
أي: يصبه فيه.
…
1446 – 4435 – عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: استب رجل من المسلمين ورجل من اليهود، فقال المسلم: والذي اصطفى محمدا على العالمين، فقال اليهودي: والذي اصطفى موسى على العالمين، فرفع المسلم يده عند ذلك فلطم وجه اليهودي، فذهب اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان من أمره وأمر
المسلم، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم المسلم فسأله عن ذلك، فأخبره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تخيروني على موسى، فإن الناس يصعقون بوم القيامة فأصعق معهم فأكون أول من يفيق، فإذا موسى باطش بجانب العرش، فلا أدري كان فيمن صعق فأفاق قبلي، أو كان ممن استثنى الله"
وفي رواية: "فلا أدري أحوسب بصعقة يوم الطور أو بعث قبلي، ولا أقول إن أحدا أفضل من يونس بن متى"
وفي وراية: "لا تخيروا بين الأنبياء"
وفي رواية: "لا تفضلوا بين أنبياء الله"
"وفي حديث آخر لهك لا تخيروني على موسى"
أي: لا تجعلوني خيرا منه، بمعنى: لا تفضلوني عليه، وإنما نهى عنه لأدائه إلى العصبية، وإفضائه إلى الإفراط فيه.
واختصاص موسى بأن لا يصعق عند نفخة الفزع، أو يفيق قبل سائر الناس، وإن دل علة فضله، وعلو شأنه، فلا يدل على تفضيله على جميع الأنبياء مطلقا، لإمكان اختصاص بعضهم بما يفضل ذلك.
…
1447 – 4438 – وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا، ولو عاش لأرهق أبويه طغيانا وكفرا"
"وفي حديث أبي: لو عاش لأرهق أبويه طغيانا وكفرا"
أي: حملهما على أمر شديد، أو ضلال وكفر، أو ألحق بهما شرا وبلاء وطغيانا وكفرا، ليعمهما بعقوقه، وسوء صنيعه، أو قرن بإيمانهما طغيانه وكفره.
…
1448 – 4439 – وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء، فإذا هي تهتز من خلقه خضراء"
"وفي حديث أبي هريرة: إنما سمي الخضر، لأنه جلس على فروة خضراء، فإذا هي تهتز من خلقه خضراء"
المراد بـ (الفروة): الهشيم اليابس، شبهه بالفروة.
و"خضراء": روي على زنة (فعلاء)، و (خضرا) -بالتنوين- يريد به: نباتا أخضر ناعما.
…
1449 – 4440 – وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء ملك
الموت إلى موسى فقال له: أجب ربك، قال: فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها، قال: فرجع الملك إلى الله تعالى فقال: إنك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت وقد فقأ عيني، قال: فرد الله إليه عينه، وقال: ارجع إلى عبدي فقل: الحياة تريد؟ فإن كنت تريد الحياة، فضع يدك على متن ثور، فما وارت يدك من شعرة فإنك تعيش بها سنة، قال: ثم مه؟ قال: ثم تموت، قال: فالآن من قريب، رب! أدنني من الأرض المقدسة رمية بحجر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"والله لو أني عنده، لأريتكم قبره إلى جنب الطريق عند الكثيب الأحمر"
"وفي حديثه الآخرك فما توارت يدك من شعرة"
هكذا مذكور في"صحيح مسلم"، ولعل الصوابك "فما وارت يدك"بالرفع، وأخطأ بعض الرواة، ويدل عليه ما روى البخاري في "صحيحه"ك "فله غطت يده بكل شعرة سنة"
ويحتمل أن يكون (يدك) منصوبا بنزع الخافض، وفي (توارت) ضمير لـ (ما) ، أنثه لكونه فسره بالشعرة.
1450 – 4442 - وعن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عرض علي الأنبياء، فإذا موسى ضرب من الرجال كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى بن مريم فإذا أقرب من رأيت به شبها عروة بن مسعود، ورأيت إبراهيم فإذا أقرب من رأيت به شبها صاحبكم –يعني: نفسه-، ورأيت جبريل فإذا أقرب من رأيت به شبها دحية بن خليقة"
"وفي حديث جابر: عرض علي الأنبياء، فإذا موسى ضرب من الرجال، كأنه من رجال شنوءة"
أرواحهم مثل بهذه الصورة، ولعل صورهم كانت كذلك، أو صورة ابدانهم كوشفت له في نوم أو يقظة.
و (الضرب): الرجل الخفيف.
و"شنوءة": قبيلة من اليمن، يقال لهم: أزد شنوءة، وهي في اللغة: التباعد عن الأدناس، لعلهم لقبوا بذلك لطهارة نسبهم، وحسن سيرهم وأفعالهم.
…
1451 – 4443 – عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"رأيت ليلة أسري بي موسى رجلا آدم طوالا جعدا كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى رجلا مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس، ورأيت مالكا خازن النار، والدجال في آيات أراهن الله إياه {فلا تكن في مرية من لقائه} ".
"وفي حديث ابن عباس: في آيات أراهن الله إياه، {فلا تكن في مرية من لقائه} [السجدة:23] ".
هذا من قول الراوي، ألحقه بالحديث دفعا لاستبعاد السامعين، وإماطة لما عسى يختلج في صدورهم.
…
1452 -
4444 – عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليلة أسري بي لقيت موسى –فنعته- فإذا رجل مضطرب رجل الشعر، كأنه من رجال شنوءة، ولقيت عيسى ربعة أحمر، كأنما خرج من ديماس –يعني: الحمام- ورأيت إبراهيم صلوات الله عليه، وأنا أشبه ولده به، قال: وأتيت بإناءين أحدهما لبن والآخر فيه خمر، فقيل لي: خذ أيهما شئت، فأخذت اللبن فشربته، فقيل لي: هديت الفطرة، أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك".
"وفي حديث أبي هريرة: ليلة أسرى بي لقيت موسى، فنعته، فإذا هو رجل مضطرب".
يريد به: أنه كان مستقيم القد حادا، فإن الحاد يكون قلقا متحركا، كأن فيه اضطرابا، ولذلك يقال رمح مضطرب، إذا كان طويلا مستقيما، وقيل: معناه: أنه كان مضطربا من خشية الله، وهذا صفة النبيين والصديقين، كما روي: أنه –عليه السلام كان يصلي
ولقلبه أزيز كأزيز المرجل من البكاء، وأن إبراهيم –عليه السلام كان يسمع وجيب قلبه في الصلاة على ميلين.
"وفيه: فقيل لي: هديت الفطرة"
أي: الفطرة الأصلية التي فطر الناس عليها، فإن منها الإعراض عما فيه غائلة وفساد، كالخمر المخل بالعقل الداعي إلى الخير، الوازع عن الشر، المؤدي إلى صلاح الدارين، وخير المنزلتين، والميل إلى ما فيه نفع خال عن مضرة دنيوية، ومعرة دينية، كشرب اللبن، فإنه من أصلح الأغذية، وأول ما به حصلت التربية.
…
1453 – 4445 – عن ابن عباس قال: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة، فمررنا بواد فقال:"أي واد هذا؟ "فقالوا وادي الأزرق، قال:"كأني أنظر إلى موسى، فذكر من لونه وشعره شيئا، واضعا أصبعيه في أذنيه، له جوار إلى الله بالتلبية مارا بهذا الوادي" قال: ثم سرنا حتى أتينا على ثنية فقال: "أي ثنية هذه؟ " قالوا: هرشى أو: لفت، فقال:"كأني أنظر إلى يونس على ناقة حمراء، عليه جبة صوف، خطام ناقته خلبة مارا بهذا الوادي ملبيا"
"وفي حديث ابن عباس: خطام ناقته خلبة"
أي: ليفة، و (الخلب): ليف النخيل.
1454 – 4446 – عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"خفف على داود القرآن، فكان يأمر بدوابه فتسرج، فيقرأ القرآن قبل أن تسرج دوابه، ولا يأكل إلا من عمل يده"
"وفي حديث أبي هريرة: خفف على داود القرآن، فكان يأمر بدوابه فتسرج، فيقرأ القرآن قبل أن يسرج".
"القرآن"الأول يحتمل القراءة والمقروء، والثاني متعين في المقروء، والمراد به: الزبور، ولعله سماه قرآنا، لما كان في قراءته من الإعجاز، كما سمي القرآن، لما في لفظه من الإعجاز.
…
1455 -
4450 – وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الأولى والآخرة، الأنبياء إخوة من علات، وأمهاتهم شتى، ودينهم واحد، وليس بيننا نبي"
"وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الأولى والآخرة، الأنبياء إخوة من علات، وأمهاتهم شتى، ودينهم واحد، ليس بيننا نبي"
الموجب لكونه أولى الناس بعيسى: أنه كان أقرب المرسلين إليه، وأن دينه متصل بدينه، ليس بينهما نبي، وأن عيسى كان مبشرا به، ممهدا لقواعد دينه، داعيا للخلق إلى تصديقه.
و (العلة): الضرة، مأخوذ من (العلل)، وهو: الشربة الثانية بعد الأولى، فكأن الزوج عل منها بعدما كان ناهلا من الأخرى.
و (أولاد العلات): أولاد الضرات من رجل واحد، والمعنى: أن حاصل أمر النبوة والغاية القصوى من البعثة التي بعثوا جميعا لأجلها = دعوة الخلق إلى معرفة الحق، وإرشادهم إلى ما به ينتظم معاشهم، ويحسن معادهم، فم متفقون في هذا الأصل، وإن اختلفوا في تفاريع الشرع التي هي كالوصلة المؤدية والأوعية الحافظة له، فعبرعما هو الأصل المشترك بين الكل بالأب، ونسبهم إليه، وعبرعما يختلفون فيه من الأحكام والشرائع المتفاوتة بالصورة المتقاربة في الغرض بالأمهات، وهو معنى قوله:"أمهاتهم شتى، ودينهم واحد" وأنه وإن تباينت أعصارهم، وتباعدت أيامهم، فالأصل الذي هو السبب في إخراجهم وإبرازهم كلا في عصره = أمر واحد، وهو الدين الحق الذي فطر الناس مستعدين لقبوله، متمكنين من الوقوف عليه، والتمسك به.
فعلى هذا المراد بالأمهات: الأزمنة التي اشتملت عليهم، وانكشفت عنهم.
ويحتمل تقرير هذه الأخوة من وجه آخر، وهو أن أرواح الأنبياء
لما بينها من التشابه والاتصال، كالشيء الواحد المباين بالنوع لسائر الأرواح، فهم كأنهم متحدون بالنفس التي هي بمنزلة الصورة المشبهة بالآباء، مختلفون بالأبدان التي هي بمنزلة المواد المشبهة بالأمهات.
وقوله: "الأنبياء إخوة من علات" إلى آخره استئناف فيه دليل على الحكم السابق عليه، فكأن سائلا سأل عما هو المقتضي لكونه أولى الناس به، فأجاب بأن بين الأنبياء أخوة ليست بينهم وبين سائر الناس، ثم بينهما من قرب الزمان واتصال الدعوة ما ليس بين عيسى وغيره من الأنبياء، وهو معنى قوله:"ليس بيننا نبي" أي: بيني وبين عيسى، والله أعلم.
…
من الحسان:
1456 – 4453 – عن أبي رزين قال: قلت: يا رسول الله! أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: "كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء، وخلق عرشه على الماء" وقال يزيد بن هارون: العماء، أي: ليس معه شيء.
"عن أبي رزين العقيلي قالك قلت: يا رسول الله! أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: كان في عماء، ما تحته هواء، وما فوقه هواء، وخلق عرشه على الماء"
(العماء): روي ممدودا ومقصورا، وهو من (العمى) ، والمراد