الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَ
اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ)
بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى بِإِسْلَامٍ أَيْ وَصِحَّتُهَا أَيْ بِمَا ذُكِرَ وَبِاسْتِقْبَالِ
ــ
[حاشية الصاوي]
خَاتِمَةٌ: تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَعَمُّدِ نَظَرِ عَوْرَةِ إمَامِهِ وَإِنْ نَسِيَ كَوْنَهُ فِي صَلَاةٍ كَتَعَمُّدِ نَظَرِ عَوْرَةِ نَفْسِهِ إنْ لَمْ يَنْسَ كَوْنَهُ فِي صَلَاةٍ، وَفِي بْن عَنْ أَبِي عَلِيٍّ: وَلَوْ نَسِيَ. وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا سِتْرًا لِأَحَدِ فَرْجَيْهِ، فَقِيلَ: يَسْتُرُ الْقُبُلَ بِهِ لِأَنَّهُ أَبْدَى وَأَكْبَرُ، وَقِيلَ: الدُّبُرُ، وَقِيلَ يُخَيَّرُ. وَيُتَّفَقُ عَلَى الْقُبُلِ إنْ كَانَ وَرَاءَهُ نَحْوَ حَائِطٍ كَمَا قَالَ الْبِسَاطِيُّ. وَإِنْ اجْتَمَعَ عُرَاةٌ صَلُّوا بِظَلَامٍ أَوْ تَبَاعَدُوا، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ صَلُّوا صَفًّا وَاحِدًا قِيَامًا غَاضِّينَ أَبْصَارَهُمْ، وَإِمَامُهُمْ فِي الصَّفِّ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَإِنْ كَانَ لِعُرَاةٍ ثَوْبٌ وَاحِدٌ صَلُّوا أَفْذَاذًا وَأُقْرِعَ لِلتَّقْدِيمِ إنْ تَنَازَعُوا، أَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ. فَإِنْ ضَاقَ عَنْ الْقُرْعَةِ أَيْضًا صَلُّوا عُرَاةً، فَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ لِأَحَدِهِمْ نُدِبَ لَهُ إعَارَتُهُمْ، وَجُبِرَ عَلَى الزَّائِدِ عَنْ حَاجَتِهِ بِلَا إتْلَافٍ وِفَاقًا لِابْنِ رُشْدٍ وَخِلَافًا لِلَّخْمِيِّ. (اهـ. مِنْ الْمَجْمُوعِ بِتَصَرُّفٍ) .
[اسْتِقْبَال الْقِبْلَة]
[الْقِبْلَة وَأَقْسَامهَا]
قَوْلُهُ: [وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ] : لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى شُرُوطِ الصِّحَّةِ الْأَرْبَعَةِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْخَامِسِ وَهُوَ الِاسْتِقْبَالُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: 144] إلَى قَوْلِهِ {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] أَيْ جِهَتَهُ وَفِي الْمُوَطَّإِ: «حُوِّلَتْ الْقِبْلَةُ قَبْلَ بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ وَقَدْ صَلَّى عليه الصلاة والسلام بَعْدَ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، فَكَانَتْ نَاسِخَةً لِذَلِكَ، وَحُوِّلَتْ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ الظُّهْرِ لِيَجْمَعَ فِيهَا بَيْنَ الْقِبْلَتَيْنِ» ، وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلَهُمْ: إنَّ أَوَّلَ صَلَاةٍ صُلِّيَتْ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْعَصْرُ، لِأَنَّ الْمُرَادَ أَوَّلُ صَلَاةٍ، وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ:«فَحُوِّلَتْ فِي رُكُوعِ الْعَصْرِ» . وَسُمِّيَتْ الْقِبْلَةُ قِبْلَةً: لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يُقَابِلُهَا وَتُقَابِلُهُ. وَهِيَ أَقْسَامٌ سَبْعَةٌ: قِبْلَةُ تَحْقِيقٍ، وَهِيَ قِبْلَةُ الْوَحْيِ كَقِبْلَتِهِ عليه الصلاة والسلام، فَإِنَّهَا بِوَضْعِ جِبْرِيلَ عليه الصلاة والسلام، وَقِبْلَةُ إجْمَاعٍ: وَهِيَ قِبْلَةُ جَامِعِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ وَقَفَ عَلَى جَامِعِ عَمْرٍو ثَمَانُونَ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَقِبْلَةُ اسْتِتَارٍ: وَهِيَ قِبْلَةُ مَنْ غَابَ عَنْ الْبَيْتِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَوْ عَنْ مَسْجِدِهِ عليه الصلاة والسلام وَالْفَرْضُ أَنَّهُ فِي
الْقِبْلَةِ (مَعَ أَمْنٍ) مِنْ عَدُوٍّ وَسَبُعٍ، وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ (وَ) مَعَ (قُدْرَةٍ) : فَلَا يَجِبُ مَعَ عَجْزٍ كَمَرْبُوطٍ أَوْ مَرِيضٍ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى التَّحَوُّلِ لَهَا وَلَا يَجِدُ مَنْ يُحَوِّلُهُ، فَيُصَلِّي لِغَيْرِهَا. فَالْيَائِسُ أَوَّلُهُ وَالرَّاجِي آخِرُهُ كَالتَّيَمُّمِ. وَهَذَا الْقَيْدُ زِيَادَةٌ عَلَى الشَّيْخِ فَتَحَصَّلَ أَنَّ طَهَارَةَ الْحَدَثِ لَا تَتَقَيَّدُ بِقَيْدٍ. فَالنَّاسِي يُعِيدُ أَبَدًا وَالْعَاجِزُ تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ، وَأَنَّ الطَّهَارَةَ مِنْ الْخَبَثِ تُقَيَّدُ بِالذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ وَتَسْقُطُ بِالْعَجْزِ وَالنِّسْيَانِ، وَأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ يُقَيَّدُ بِالْقُدْرَةِ فَقَطْ؛ فَالنَّاسِي يُعِيدُ أَبَدًا دُونَ الْعَاجِزِ فَيُعِيدُ بِوَقْتٍ، وَأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ يُقَيَّدُ بِالْأَمْنِ وَالْقُدْرَةِ لَا عَلَى خَائِفٍ مِنْ كَعَدُوٍّ وَلَا عَاجِزٍ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَسْتَقْبِلْ نِسْيَانًا لِوُجُوبِهِ فَيُعِيدُ أَبَدًا.
ــ
[حاشية الصاوي]
مَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ، وَقِبْلَةُ اجْتِهَادٍ: وَهِيَ قِبْلَةُ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَرَمَيْنِ، وَقِبْلَةُ بَدَلٍ: وَهِيَ الْآتِيَةُ فِي قَوْلِهِ: " صَوْبَ سَفَرِهِ "، وَقِبْلَةُ تَخْيِيرٍ وَهِيَ الْآتِيَةُ فِي قَوْلِهِ:" فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَوْ تَحَيَّرَ مُجْتَهِدٌ تَخَيَّرَ "؛ وَقِبْلَةُ عِيَانٍ: وَهِيَ الَّتِي ابْتَدَأَ بِهَا بِقَوْلِهِ: وَهِيَ عَيْنُ الْكَعْبَةِ لِمَنْ بِمَكَّةَ.
قَوْلُهُ: [وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ] : أَيْ فَلَا يَجِبُ الِاسْتِقْبَالُ حَالَ الْمُسَايَفَةِ وَلَا فِي الْخَوْفِ مِنْ عَدُوٍّ وَسَبُعٍ كَمَا يَأْتِي.
قَوْلُهُ: [كَالتَّيَمُّمِ] : أَيْ فَلَوْ صَلَّى الْمُتَرَدِّدُ قَبْلَ الْوَسَطِ وَالرَّاجِي قَبْلَ الْآخِرِ، تُنْدَبُ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ.
قَوْلُهُ: [فَتَحَصَّلَ] إلَخْ: أَيْ مِمَّا تَقَدَّمَ وَمِمَّا هُنَا.
قَوْلُهُ: [وَالْعَاجِزُ] : أَيْ عَنْ الطَّهُورَيْنِ.
قَوْلُهُ: [بِالذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ] إلَخْ: أَيْ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ.
قَوْلُهُ: [بِالْقُدْرَةِ فَقَطْ] : أَيْ عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ هُوَ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: [مِنْ كَعَدُوٍّ] : أَدْخَلَتْ الْكَافُ: السَّبُعَ. وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَدُوُّ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا.
قَوْلُهُ: [وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَسْتَقْبِلْ نِسْيَانًا] إلَخْ: أَيْ فَلَا يُقَيَّدُ بِالذِّكْرِ عَلَى الْمَشْهُورِ.
(وَهِيَ) أَيْ الْقِبْلَةُ (عَيْنُ الْكَعْبَةِ) : أَيْ ذَاتُهَا (لِمَنْ بِمَكَّةَ) : وَمَنْ فِي حُكْمِهَا مِمَّنْ يُمْكِنُهُ الْمُسَامَتَةُ، كَمَنْ فِي جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ فَيَسْتَقْبِلُهَا بِجَمِيعِ بَدَنِهِ، حَتَّى لَوْ خَرَجَ مِنْهُ عُضْوٌ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ. ثُمَّ إنَّ مَنْ بِمَكَّةَ - إنْ كَانَ بِالْحَرَمِ - فَظَاهِرٌ، فَيُصَلُّونَ صَفًّا إنْ كَانُوا قَلِيلًا أَوْ دَائِرَةً أَوْ قَوْسًا إذَا لَمْ تَكْمُلْ الدَّائِرَةُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَلْ بِبَيْتِهِ مَثَلًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَصْعَدَ عَلَى سَطْحٍ أَوْ مَكَان مُرْتَفِعٍ، ثُمَّ يَنْظُرُ الْكَعْبَةَ وَيُحَرِّرُ قِبْلَتَهُ جِهَتَهَا. وَلَا يَكْفِي الِاجْتِهَادُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْيَقِينِ، وَمِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ مَسَاجِدُ مَكَّةَ الَّتِي حَوْلَهَا كَمَسْجِدِ ذِي طُوًى.
(وَجِهَتُهَا) : أَيْ الْكَعْبَةِ (لِغَيْرِهِ) : أَيْ غَيْرِ مَنْ بِمَكَّةَ سَوَاءً كَانَ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [عَيْنُ الْكَعْبَةِ] : أَيْ فَالشَّرْطُ اسْتِقْبَالُ ذَاتِ الْكَعْبَةِ أَيْ بِنَائِهَا وَالْبُقْعَةِ إنْ نُقِضَتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: [الْمُسَامَتَةُ] أَيْ مُقَابَلَةُ سَمْتِهَا أَيْ ذَاتِ بِنَائِهَا.
قَوْلُهُ: [ثُمَّ إنَّ مَنْ بِمَكَّةَ] إلَخْ: قَالَ فِي الْأَصْلِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ بِمَكَّةَ أَقْسَامٌ: الْأَوَّلُ صَحِيحٌ آمِنٌ، فَهَذَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ اسْتِقْبَالِ الْعَيْنِ، إمَّا بِأَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ بِأَنْ يَطَّلِعَ عَلَى سَطْحٍ لِيَرَى ذَاتَ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ يَنْزِلُ فَيُصَلِّي إلَيْهَا، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ طُلُوعٌ أَوْ كَانَ بِلَيْلٍ اسْتَدَلَّ عَلَى الذَّاتِ بِالْعَلَامَةِ الْيَقِينِيَّةِ الَّتِي يَقْطَعُ بِهَا جَزْمًا لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ بِحَيْثُ إنَّهُ لَوْ أُزِيلَ لَكَانَ مُسَامِتًا، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ صَلَاةٌ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ. الثَّانِي مَرِيضٌ مَثَلًا يُمْكِنُهُ جَمِيعُ مَا سَبَقَ فِي الصَّحِيحِ لَكِنْ بِجُهْدٍ وَمَشَقَّةٍ، فَهَذَا فِيهِ التَّرَدُّدُ، أَيْ فَإِنَّهُ قِيلَ بِجَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِي طَلَبِ الْعَيْنِ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْيَقِينُ، وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ الْمُعَايَنَةِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْيَقِينِ تَمْنَعُ مِنْ الِاجْتِهَادِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ هُنَا. الثَّالِثُ: مَرِيضٌ مَثَلًا لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ فَهَذَا يَجْتَهِدُ فِي الْعَيْنِ ظَنًّا وَلَا يَلْزَمُهُ الْيَقِينُ اتِّفَاقًا. الرَّابِعُ: مَرِيضٌ مَثَلًا يَعْلَمُ الْجِهَةَ قَطْعًا وَكَانَ مُتَوَجِّهًا لِغَيْرِ الْبَيْتِ وَلَكِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّحَوُّلِ وَلَمْ يَجِدْ مُحَوِّلًا، فَهَذَا كَالْخَائِفِ مِنْ عَدُوٍّ وَنَحْوِهِ يُصَلِّي لِغَيْرِ الْجِهَةِ، لِأَنَّ شَرْطَ الِاسْتِقْبَالِ الْأَمْنُ وَالْقُدْرَةُ، وَلَا يَخْتَصُّ بِمَنْ بِمَكَّةَ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ لِلْعَاجِزِ وَالْخَائِفِ عَدَمُ الِاسْتِقْبَالِ بِمَكَّةَ فَمَنْ بِغَيْرِهَا أَوْلَى. (اهـ.)
قَوْلُهُ: [مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْيَقِينِ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ بِمَشَقَّةٍ.
قَوْلُهُ: [غَيْرِ مَنْ بِمَكَّةَ] : أَيْ وَالْمَدِينَةِ وَجَامِعِ عَمْرٍو لِأَنَّ الْمَدِينَةَ بِالْوَحْيِ
قَرِيبًا مِنْ مَكَّةَ كَأَهْلِ مِنًى أَوْ بَعِيدًا كَأَهْلِ الْآفَاقِ، فَيَسْتَقْبِلُ الْمُصَلِّي تِلْكَ الْجِهَةَ (اجْتِهَادًا) أَيْ بِالِاجْتِهَادِ (إنْ أَمْكَنَ) : الِاجْتِهَادُ بِمَعْرِفَةِ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْجِهَةِ كَالْفَجْرِ وَالشَّفَقِ وَالشَّمْسِ وَالْقُطْبِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكَوَاكِبِ، وَكَذَا الرِّيحُ الشَّرْقِيُّ أَوْ الْجَنُوبِيُّ أَوْ الشَّمَالِيُّ وَالْغَرْبِيُّ. وَلَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ مَعَ إمْكَانِ الِاجْتِهَادِ
(وَإِلَّا) يُمْكِنُ الِاجْتِهَادُ (قَلَّدَ) : عَارِفًا عَدْلًا.
(وَلَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدٌ - وَإِنْ أَعْمَى -) : غَيْرَهُ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ، وَأَوْلَى غَيْرُهُمْ.
ــ
[حاشية الصاوي]
لَا بِالِاجْتِهَادِ وَجَامِعَ عَمْرٍو بِالْإِجْمَاعِ الَّذِي يُفِيدُ الْقَطْعَ لَا بِالِاجْتِهَادِ الَّذِي يُفِيدُ الظَّنَّ.
قَوْلُهُ: [قَرِيبًا مِنْ مَكَّةَ] : أَيْ وَلَا يُمْكِنُهُ مُسَامَتَةُ الْعَيْنِ.
قَوْلُهُ: [أَيْ بِالِاجْتِهَادِ] : إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ. وَكَوْنُ الْمُصَلِّي بِغَيْرِهَا يَسْتَقْبِلُ الْجِهَةَ بِالِاجْتِهَادِ هُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ لَا سَمْتَهَا، خِلَافًا لِابْنِ الْقَصَّارِ؛ فَعِنْدَهُ يُقَدِّرُ الْمُصَلِّي الْمُقَابَلَةَ وَالْمُحَاذَاةَ لَهَا، إذْ الْجِسْمُ الصَّغِيرُ كُلَّمَا زَادَ بُعْدُهُ اتَّسَعَتْ جِهَتُهُ، كَغَرَضِ الرُّمَاةِ. فَإِذَا تَخَيَّلْنَا الْكَعْبَةَ مَرْكَزًا خَرَجَ مِنْهَا خُطُوطٌ مُجْتَمِعَةُ الْأَطْرَافِ فِيهِ، وَكُلَّمَا بَعُدَتْ اتَّسَعَتْ فَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَذْهَبِهِ بُطْلَانُ الصَّفِّ الطَّوِيلِ، بَلْ جَمِيعُ بِلَادِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى تَفْرِقَتِهَا تُقَدِّرُ ذَلِكَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ بَعُدَ عَنْ مَكَّةَ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَيْهِ مُقَابَلَةَ الْكَعْبَةِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ. وَإِنَّمَا فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ لِابْنِ رُشْدٍ يَجْتَهِدُ فِي الْجِهَةِ، وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. وَالثَّانِي لِابْنِ الْقَصَّارِ: يَجْتَهِدُ فِي اسْتِقْبَالِ السَّمْتِ. وَالْمُرَادُ أَنْ يُقَدِّرَ الْمُقَابَلَةَ وَالْمُحَاذَاةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَاقِعِ كَذَلِكَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَيَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ: لَوْ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، وَعَلَى مُقَابِلِهِ يُعِيدُ أَبَدًا. (اهـ.) لَكِنْ قَالَ بْن: الْحَقُّ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ لَا ثَمَرَةَ لَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَازِرِيُّ، وَأَنَّهُ لَوْ اجْتَهَدَ وَأَخْطَأَ فَإِنَّمَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ. (اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) .
قَوْلُهُ: [وَلَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ] إلَخْ: أَيْ لِمُجْتَهِدٍ أَوْ لِمِحْرَابِ غَيْرِ مِصْرٍ.
قَوْلُهُ: [عَدْلًا] : أَيْ فِي الرِّوَايَةِ.
قَوْله: [وَأَوْلَى غَيْرُهُمْ] : أَيْ غَيْرُ الْمُجْتَهِدِينَ.
فَإِنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ سَأَلَ عَنْهَا فَإِذَا دُلَّ عَلَيْهَا اجْتَهَدَ. (إلَّا مِحْرَابًا لِمِصْرٍ) : مِنْ الْأَمْصَارِ فَإِنَّهُ يُقَلِّدُهُ، فَإِذَا دَخَلَ بَلَدًا مِنْ الْبِلَادِ الَّتِي يَحِلُّ بِهَا أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ قَلَّدَ مِحْرَابَهَا مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ.
(وَقَلَّدَ) وُجُوبًا (غَيْرُهُ) : أَيْ غَيْرُ الْمُجْتَهِدِ (عَدْلًا عَارِفًا) : بِالْأَدِلَّةِ لَا غَيْرَ عَدْلٍ وَلَا جَاهِلًا (أَوْ مِحْرَابًا مُطْلَقًا) : سَوَاءً كَانَ مِحْرَابَ مِصْرٍ أَوْ غَيْرِ مِصْرٍ. (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) غَيْرُ الْمُجْتَهِدِ عَدْلًا عَارِفًا وَلَا مِحْرَابًا، (أَوْ تَحَيَّرَ مُجْتَهِدٌ) : بِأَنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ لِغَيْمٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْ الْتَبَسَتْ عَلَيْهِ، (تَخَيَّرَ) : جِهَةً مِنْ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ وَصَلَّى إلَيْهَا وَاكْتَفَى بِذَلِكَ، وَقِيلَ: يُصَلِّي أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ لِكُلِّ جِهَةٍ صَلَاةٌ.
(وَبَطَلَتْ) : صَلَاةُ مُجْتَهِدٍ أَوْ مُقَلِّدٍ (إنْ خَالَفَ) : الْجِهَةَ الَّتِي أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَيْهَا، أَوْ أَمَرَهُ الْعَارِفُ بِهَا وَصَلَّى لِغَيْرِهَا (عَمْدًا) : وَأَعَادَهَا وُجُوبًا، (وَلَوْ صَادَفَ) : الْقِبْلَةَ فِي الْجِهَةِ الَّتِي خَالَفَ إلَيْهَا.
(وَإِنْ تَبَيَّنَ خَطَأٌ) يَقِينًا أَوْ ظَنًّا (بِصَلَاةٍ) أَيْ فِيهَا (قَطَعَ) صَلَاتَهُ (الْبَصِيرُ الْمُنْحَرِفُ كَثِيرًا) : بِأَنْ اسْتَدْبَرَ أَوْ شَرَّقَ أَوْ غَرَّبَ، وَابْتَدَأَهَا بِإِقَامَةٍ. وَلَا يَكْفِي تَحَوُّلُهُ لِجِهَةِ الْقِبْلَةِ. (وَاسْتَقْبَلَ) الْقِبْلَةَ؛ بِأَنْ يَتَحَوَّلَ إلَيْهَا (غَيْرُهُ) : وَهُوَ الْأَعْمَى مُطْلَقًا وَالْبَصِيرُ الْمُنْحَرِفُ يَسِيرًا، (أَوْ) إنْ تَبَيَّنَ خَطَأٌ (بَعْدَهَا) : أَيْ بَعْدَ الصَّلَاةِ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [مِحْرَابُ مِصْرٍ] : أَيْ عُلِمَ أَنَّهُ وَضْعُ الْعَارِفِينَ أَوْ الشَّأْنُ فِيهِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: [أَوْ غَيْرِ مِصْرٍ] : أَيْ الشَّأْنُ فِيهِ عَدَمُ الْعَارِفِينَ.
قَوْلُهُ: [لِكُلِّ جِهَةٍ صَلَاةٌ] : أَيْ إنْ كَانَ الشَّكُّ فِي الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ، فَإِنْ شَكَّ فِي جِهَتَيْنِ فَصَلَاتَيْنِ وَلَا بُدَّ مِنْ جَزْمِ النِّيَّةِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ.
قَوْلُهُ: [إنْ خَالَفَ] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ صَلَّى إلَى جِهَةِ اجْتِهَادِهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ إذَا اسْتَدْبَرَ أَوْ شَرَّقَ أَوْ غَرَّبَ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، إلَّا إنْ انْحَرَفَ يَسِيرًا.
قَوْلُهُ: [وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ] إلَخْ: أَيْ فَإِنْ لَمْ يَسْتَقْبِلْهَا الْأَعْمَى الْمُنْحَرِفُ كَثِيرًا بَعْدَ الْعِلْمِ بَطَلَتْ، لِأَنَّ الِانْحِرَافَ الْكَثِيرَ مُبْطِلٌ مُطْلَقًا مَعَ الْعِلْمِ سَوَاءٌ عَلِمَ بِهِ حِينَ الدُّخُولِ أَوْ عَلِمَ بِهِ بَعْدَ دُخُولِهَا. وَأَمَّا الْمُنْحَرِفُ يَسِيرًا - أَعْمَى أَوْ بَصِيرًا - إذَا لَمْ يَسْتَقْبِلْ - لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ.