الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ جُنُونٍ، ثُمَّ زَالَ عُذْرُهُ. وَلَمَّا دَخَلَ فِي الْمَعْذُورِ الْمُكْرَهُ - مَعَ أَنَّهُ إذَا زَالَ عُذْرُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ - أَخْرَجَهُ بِقَوْلِهِ:" بِلَا إكْرَاهٍ " أَيْ مَعْذُورٌ بِغَيْرِ إكْرَاهٍ.
فَقَوْلُهُ: " بِلَا إكْرَاهٍ " نَعْتُ مَعْذُورٍ. إنْ أَفْطَرَ (بِفَرْضٍ مُعَيَّنٍ) وَقْتُهُ (كَرَمَضَانَ، وَالنَّذْرُ) الْمُعَيَّنُ، وَالْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ (مُطْلَقًا) : أَفْطَرَ عَمْدًا أَمْ لَا. (أَوْ) لَمْ يَتَعَيَّنْ وَقْتُهُ، وَلَكِنْ (وَجَبَ تَتَابُعُهُ) كَكَفَّارَةِ رَمَضَانَ وَالْقَتْلِ وَالظِّهَارِ، (وَلَمْ يَتَعَمَّدْ) الْفِطْرَ. فَإِنْ أَفْطَرَ غَلَبَةً أَوْ نَاسِيًا فَيَجِبُ الْإِمْسَاكُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ غَيْرَ الْعَمْدِ لَا يُفْسِدُ صَوْمَهُ. فَإِنْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ لِفَسَادِ جَمِيعِ صَوْمِهِ الَّذِي فَعَلَهُ وَلَوْ آخِرَ يَوْمٍ مِنْهُ، فَلَا فَائِدَةَ فِي إمْسَاكِهِ حِينَئِذٍ. وَكَذَا لَوْ أَفْطَرَ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إمْسَاكٌ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ؛ إذْ هُوَ يَجِبُ قَضَاؤُهُ، وَلَا يُؤَدِّي إفْطَارُهُ لِفَسَادِ شَيْءٍ. نَعَمْ يُنْدَبُ فِيهِ الْإِمْسَاكُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا:(فِي غَيْرِ أَوَّلِ يَوْمٍ) إذْ مَعْنَاهُ: يَجِبُ الْإِمْسَاكُ فِي الْمُتَتَابِعِ إذَا أَفْطَرَ نَاسِيًا أَوْ غَلَبَةً فِي غَيْرِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَمَفْهُومُهُ: أَنَّهُ لَوْ أَفْطَرَ نَاسِيًا فِيهِ لَمْ يَجِبْ الْإِمْسَاكُ.
(كَتَطَوُّعٍ) : تَشْبِيهٌ فِي وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ إذَا أَفْطَرَ فِيهِ بِلَا تَعَمُّدٍ. فَإِنْ تَعَمَّدَ لَمْ يَجِبْ الْإِمْسَاكُ عَلَى التَّحْقِيقِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ مَعَ وُجُوبِ الْقَضَاءِ. وَفُهِمَ مِنْهُ: أَنَّ الْفَرْضَ إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ، وَلَمْ يَجِبْ تَتَابُعُهُ - كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَالنَّذْرِ الْمَضْمُونِ، وَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ، وَفِدْيَةِ الْأَذَى - لَا يَجِبُ فِيهِ الْإِمْسَاكُ مُطْلَقًا أَفْطَرَ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا أَوْ غَلَبَةً فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْإِمْسَاكِ وَعَدَمِهِ. وَمَسْأَلَةُ الْإِمْسَاكِ مِمَّا زِدْنَاهُ عَلَى الْمُصَنِّفِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْكَفَّارَةِ وَأَنَّهَا خَاصَّةٌ بِرَمَضَانَ فَقَالَ:
(وَالْكَفَّارَةُ) وَاجِبَةٌ (بِرَمَضَانَ) أَيْ بِالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ (فَقَطْ) دُونَ غَيْرِهِ (إنْ أَفْطَرَ) فِيهِ.
(مُنْتَهِكًا لِحُرْمَتِهِ) أَيْ غَيْرَ مُبَالٍ بِهَا بِأَنْ تَعَمَّدَهَا اخْتِيَارًا بِلَا تَأْوِيلٍ قَرِيبٍ،
ــ
[حاشية الصاوي]
فَعَلَهُمَا لَا يُوصَفُ بِإِبَاحَةٍ وَلَا عَدَمِهَا كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: [أَفْطَرَ عَمْدًا أَمْ لَا] : صَادِقٌ بِالْفِطْرِ نِسْيَانًا أَوْ غَلَبَةً أَوْ إكْرَاهًا.
[كَفَّارَة الْإِفْطَارِ فِي رَمَضَان]
قَوْلُهُ: [بِلَا تَأْوِيلٍ قَرِيبٍ] : أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ تَأْوِيلٌ أَصْلًا أَوْ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ
احْتِرَازًا مِنْ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ وَالْمُتَأَوِّلِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمْ كَمَا يَأْتِي.
(بِجِمَاعٍ) أَيْ إدْخَالِ حَشَفَتِهِ فِي فَرْجِ مُطِيقٍ وَلَوْ بَهِيمَةٍ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ وَتَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ إنْ بَلَغَتْ. (وَإِخْرَاجِ مَنِيٍّ) بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، (وَإِنْ بِإِدَامَةِ فِكْرٍ أَوْ نَظَرٍ) إنْ كَانَ عَادَتُهُ الْإِنْزَالَ مِنْ اسْتِدَامَتِهِمَا وَلَوْ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ (إلَّا أَنْ) يَكُونَ عَادَتُهُ عَدَمَ الْإِنْزَالِ مِنْ اسْتِدَامَتِهِمَا وَ (يُخَالِفَ عَادَتَهُ) فَيُنْزِلَ
ــ
[حاشية الصاوي]
كَمَا يَأْتِي، ثُمَّ إنَّ الِانْتِهَاكَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ حَيْثُ لَمْ يَتَبَيَّنْ خِلَافُهُ، فَمَنْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مُنْتَهِكًا لِلْحُرْمَةِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ يَوْمُ الْعِيدِ فَلَا كَفَّارَةَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ آثِمًا عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْجَرَاءَةِ، وَمِثْلُهُ مَنْ تَعَمَّدَ الْأَكْلَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ أَكْلَهُ بَعْدَهُ، وَكَذَلِكَ الْحَائِضُ تُفْطِرُ مُتَعَمِّدَةً ثُمَّ يَظْهَرُ حَيْضُهَا قَبْلَ فِطْرِهَا وَهَكَذَا.
قَوْلُهُ: [وَالْجَاهِلُ] : حَاصِلُهُ أَنَّ أَقْسَامَ الْجَاهِلِ ثَلَاثَةٌ: جَاهِلٌ حُرْمَةِ الْوَطْءِ مَثَلًا، وَجَاهِلُ رَمَضَانَ، وَجَاهِلُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ مَعَ عِلْمِهِ بِحُرْمَةِ الْفِعْلِ. فَالْأَوَّلَانِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا، وَالْأَخِيرُ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ، فَتَحَصَّلَ أَنَّ شُرُوطَ الْكَفَّارَةِ لِلْمُكَلَّفِ خَمْسَةٌ كَمَا فِي الْأَصْلِ: أَوَّلُهَا: الْعَمْدُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى نَاسٍ. الثَّانِي: الِاخْتِيَارُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى مُكْرَهٍ أَوْ مَنْ أَفْطَرَ غَلَبَةً. الثَّالِثُ: الِانْتِهَاكُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى مُتَأَوِّلٍ تَأْوِيلًا قَرِيبًا. الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ، فَجَاهِلُهَا - كَحَدِيثِ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ - ظَنَّ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَحْرُمُ مَعَهُ الْجِمَاعُ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. خَامِسُهَا: أَنْ يَكُونَ فِي رَمَضَانَ فَقَطْ لَا فِي قَضَائِهِ وَلَا فِي كَفَّارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (اهـ.) وَيُزَادُ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ: أَنْ يَكُونَ بِالْفَمِ فَقَطْ، وَأَنْ يَصِلَ لِلْمَعِدَةِ. وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى نَاذِرِ الدَّهْرِ إنْ أَفْطَرَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَقِيلَ: إنَّ نَاذِرَ الدَّهْرِ يُكَفِّرُ عَنْ فِطْرِهِ عَمْدًا، وَعَلَيْهِ فَقِيلَ: كَفَّارَةٌ صُغْرَى، وَقِيلَ: كُبْرَى. وَعَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ تَعَيُّنُ غَيْرِ الصَّوْمِ، فَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَى نَاذِرِ الدَّهْرِ كَفَّارَةٌ لِرَمَضَانَ. وَعَجَزَ عَنْ غَيْرِ الصَّوْمِ. رَفَعَ لَهَا نِيَّةَ النَّذْرِ كَالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ تَوَابِعِ رَمَضَانَ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ نَاذِرَ الْخَمِيسِ وَالِاثْنَيْنِ مَثَلًا إذَا أَفْطَرَ عَامِدًا يَقْضِي بَعْدَ ذَلِكَ فَقَطْ. وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَجْرَى فِيهِ (ح) الْخِلَافَ السَّابِقَ
بَعْدَ اسْتِدَامَتِهِمَا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَقِيلَ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ مُطْلَقًا. وَمَفْهُومُ " إدَامَةِ " أَنَّهُ لَوْ أَمْنَى بِمُجَرَّدِ فِكْرٍ أَوْ نَظَرٍ فِيهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ.
(أَوْ) أَفْطَرَ بِسَبَبِ (رَفْعِ نِيَّةٍ) لِصَوْمِهِ نَهَارًا أَوْ لَيْلًا، وَيَسْتَمِرُّ نَاوِيًا عَدَمَهُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَالْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ إبْطَالِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فِي الْأَثْنَاءِ مُعْتَبَرَةٌ بِخِلَافِ رَفْضِهِمَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُمَا،
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَقِيلَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ مُطْلَقًا] : اعْلَمْ أَنَّ فِي مُقَدَّمَاتِ الْجِمَاعِ الْمَكْرُوهَةِ إذَا أَنْزَلَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ حَكَاهَا فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْبَيَانِ. الْأَوَّلُ: لَمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ مُطْلَقًا. وَالثَّانِي: لِأَشْهَبَ الْقَضَاءُ فَقَطْ إلَّا أَنْ يُتَابِعَ. وَالثَّالِثُ: لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ إلَّا أَنْ يُنْزِلَ عَنْ نَظَرٍ أَوْ فِكْرٍ غَيْرِ مُسْتَدَامَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ تِلْكَ الْعِبَارَةُ. فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَشَارِحُنَا غَيْرُ مُوَافِقٍ لِطَرِيقَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ وَإِنَّمَا هِيَ طَرِيقَةُ اللَّخْمِيِّ.
قَوْلُهُ: [وَهُوَ كَذَلِكَ] : أَيْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
قَوْلُهُ: [رَفْعِ نِيَّةٍ لِصَوْمِهِ نَهَارًا] : بِأَنْ قَالَ فِي النَّهَارِ وَهُوَ صَائِمٌ: رَفَعْت نِيَّةَ صَوْمِي أَوْ رَفَعْت نِيَّتِي عَلَيْهِ، أَمَّا مَنْ عَزَمَ عَلَى الْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ ثُمَّ تَرَكَ مَا عَزَمَ عَلَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ رَفْعًا لِلنِّيَّةِ، وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ مُسَافِرٍ صَامَ فِي رَمَضَانَ فَعَطِشَ فَقُرِّبَتْ لَهُ سُفْرَتُهُ لِيُفْطِرَ وَأَهْوَى بِيَدِهِ لِيَشْرَبَ فَقِيلَ لَهُ لَا مَاءَ مَعَك فَكَفَّ، فَقَالَ: أُحِبُّ لَهُ الْقَضَاءَ، وَصَوَّبَ اللَّخْمِيُّ سُقُوطَهُ، وَقَالَ: إنَّهُ غَالِبُ الرِّوَايَةِ عَنْ مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَمَعْنَى رَفْعِ النِّيَّةِ: الْفِطْرُ بِالنِّيَّةِ لَا نِيَّةُ الْفِطْرِ، فَلَا يَضُرُّ إذَا لَمْ يُفْطِرْ بِالْفِعْلِ كَمَا فِي (ر)، وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي غَيْرِهِ: إنَّمَا يَضُرُّ الرَّفْضُ الْمُطْلَقُ، أَمَّا الْمُقَيِّدُ بِأَكْلِ شَيْءٍ فَلَمْ يُوجَدْ فَلَا. وَمِنْهُ مَنْ نَوَى الْحَدَثَ فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ فَلَمْ يُحْدِثْ؛ لَيْسَ رَافِضًا. وَانْظُرْ: لَوْ نَوَى أَنْ يَأْكُلَ فِي الصَّلَاةِ مَثَلًا فَلَمْ يَفْعَلْ. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ ظَنَّ الْغُرُوبَ خَطَأً: اللَّهُمَّ لَك صُمْت وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْت، فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهِ الرَّفْضُ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى عَلَى رِزْقِك أُفْطِرُ عَلَى حَدِّ:(أَتَى أَمْرُ اللَّهِ) فَإِنَّ الرِّزْقَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ بَعْدُ.
قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ رَفْضِهِمَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُمَا] : أَيْ فَلَا يَضُرُّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ
وَبِخِلَافِ رَفْضِ الْحَجِّ الْعُمْرَةِ مُطْلَقًا.
(أَوْ) أَفْطَرَ بِسَبَبِ (إيصَالِ مُفْطِرٍ) مِنْ مَائِعٍ أَوْ غَيْرِهِ (لِمَعِدَةٍ مِنْ فَمٍ فَقَطْ) : رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ، أَوْ مُفْطِرٍ - لَا غَيْرِهِ - كَبَلْغَمٍ لِمَعِدَةٍ فَقَطْ لَا لِحَلْقٍ، وَإِنْ وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الْمَائِعِ. وَقِيلَ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ أَيْضًا مِنْ (فَمٍ فَقَطْ) لَا مِنْ غَيْرِهِ كَأَنْفٍ أَوْ دُبُرٍ لِأَنَّهَا مُعَلَّلَةٌ بِالِانْتِهَاكِ الَّذِي هُوَ أَخَصُّ مِنْ الْعَمْدِ.
ثُمَّ ذَكَرَ مُحْتَرَزَ الِانْتِهَاكِ بِقَوْلِهِ: (لَا) إنْ أَفْطَرَ (بِنِسْيَانٍ) لِكَوْنِهِ صَائِمًا.
أَوْ (جَهِلَ) لِرَمَضَانَ بِأَنْ ظَنَّ أَنَّهُ شَعْبَانُ، أَوْ مِنْهُ كَيَوْمِ الشَّكِّ، أَوْ جَهِلَ حُرْمَةَ الْفِطْرِ بِرَمَضَانَ لِقُرْبِ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ، وَأَمَّا جَهْلُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ مَعَ عِلْمِهِ بِحُرْمَةِ الْفِطْرِ فَلَا يَنْفَعُهُ.
(أَوْ غَلَبَةٍ) بِأَنْ سَبَقَهُ الْمَاءُ مَثَلًا أَوْ أُكْرِهَ عَلَى تَنَاوُلِ الْمُفْطِرِ فَلَا كَفَّارَةَ لِعَدَمِ الِانْتِهَاكِ. وَاسْتَثْنَى مِنْ الْغَلَبَةِ مَسْأَلَتَيْنِ بِقَوْلِهِ: (إلَّا إذَا تَعَمَّدَ قَيْئًا) : أَيْ إخْرَاجَهُ فَابْتَلَعَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ، وَلَوْ غَلَبَةً فَيَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ (أَوْ) إلَّا إذَا تَعَمَّدَ (اسْتِيَاكًا بِجَوْزَاءَ نَهَارًا) وَابْتَلَعَهَا وَلَوْ غَلَبَةً؛ فَالْكَفَّارَةُ. بِخِلَافِ مَا لَوْ ابْتَلَعَهَا نِسْيَانًا
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلَيْنِ مُرَجَّحَيْنِ.
قَوْلُهُ: [وَبِخِلَافِ رَفْضِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ] : أَيْ فَلَا يَضُرُّ لِأَنَّهُمَا عَمَلٌ مَالِيٌّ وَبَدَنِيٌّ فَرَفْضُهُمَا حَرَجٌ فِي الدِّينِ وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] .
قَوْلُهُ: [الَّذِي هُوَ أَخُصُّ مِنْ الْعَمْدِ] : أَيْ لِأَنَّ الْعَمْدَ مَوْجُودٌ فِي الْوَاصِلِ مِنْ الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ وَالْعَيْنِ وَلَيْسَ هُنَاكَ انْتِهَاكٌ؛ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الِانْتِهَاكَ عَدَمُ الْمُبَالَاةِ بِالْحُرْمَةِ وَهُوَ مُتَأَتٍّ مِنْ الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ وَالْعَيْنِ، وَلِذَا عَلَّلَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ هَذَا لَا تَتَشَوَّفُ إلَيْهِ النُّفُوسُ، وَأَصْلُ الْكَفَّارَةِ إنَّمَا شُرِعَتْ لِزَجْرِ النَّفْسِ عَمَّا تَتَشَوَّفُ إلَيْهِ.
قَوْلُهُ: [وَلَوْ غَلَبَةً فَيَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ] : مَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ الْعَمْدِ، فَالتَّكْفِيرُ فِي صُورَتَيْنِ: الْعَمْدُ وَالْغَلَبَةُ، لَا إنْ ابْتَلَعَهُ نَاسِيًا.
قَوْلُهُ: [اسْتِيَاكًا بِجَوْزَاءَ] : أَيْ وَصَلَ لِلْجَوْفِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ تَعَمُّدِ الِاسْتِيَاكِ بِهَا.
فَالْقَضَاءُ فَقَطْ، وَالْجَوْزَاءُ قِشْرٌ يُتَّخَذُ مِنْ أُصُولِ شَجَرِ الْجَوْزِ يَسْتَعْمِلُهُ بَعْضُ نِسَاءِ أَهْلِ الْمَغْرِبِ.
(وَلَا) إنْ أَفْطَرَ (بِتَأْوِيلٍ قَرِيبٍ) فَلَا كَفَّارَةَ، وَالتَّأْوِيلُ: حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ لِمُوجِبٍ، وَقَرِيبُهُ مَا ظَهَرَ مُوجِبُهُ، وَبَعِيدُهُ مَا خَفِيَ مُوجِبُهُ أَيْ دَلِيلُهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الظَّنُّ، أَيْ ظَنُّ إبَاحَةِ الْفِطْرِ، وَقَرِيبُهُ مَا اسْتَنَدَ إلَى أَمْرٍ مُحَقَّقٍ مَوْجُودٍ، وَبَعِيدُهُ: مَا اسْتَنَدَ إلَى أَمْرٍ مَوْهُومٍ غَيْرِ مُحَقَّقٍ.
وَمَثَّلَ لِلْقَرِيبِ بِقَوْلِهِ: (كَمَنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا) : فَظَنَّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ لِفَسَادِ صَوْمِهِ فَأَفْطَرَ، وَقَوْلُهُ:(عَلَى الْأَظْهَرِ) رَاجِعٌ لِلْمُكْرَهِ؛ فَلَا كَفَّارَةَ. لِأَنَّ ظَنَّهُ اسْتَنَدَ إلَى فِطْرِهِ أَوَّلًا، نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا. (أَوْ) كَمَنْ (قَدِمَ) مِنْ سَفَرِهِ (قَبْلَ الْفَجْرِ) فَظَنَّ إبَاحَةَ فِطْرِهِ صَبِيحَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَأَفْطَرَ.
ــ
[حاشية الصاوي]
وَحَاصِلُ الْفِقْهِ: أَنَّهُ إنْ تَعَمَّدَ الِاسْتِيَاكَ بِهَا نَهَارًا كَفَّرَ فِي صُورَتَيْنِ وَهُمَا: إذْ ابْتَلَعَهَا عَمْدًا أَوْ غَلَبَةً لَا نِسْيَانًا وَإِنْ اسْتَاك بِهَا نَهَارًا نِسْيَانًا وَوَصَلَ شَيْءٌ مِنْهَا لِلْجَوْفِ فَلَا يُكَفِّرُ إلَّا إذَا ابْتَلَعَهَا عَمْدًا - لَا غَلَبَةً أَوْ نِسْيَانًا - فَالْقَضَاءُ فَقَطْ، وَمِثْلُهُ إذَا تَعَمَّدَ الِاسْتِيَاكَ بِهَا لَيْلًا، وَهَذَا حَاصِلُ كَلَامِهِ فِي الْأَصْلِ تَبَعًا لِ (عب) قَالَ (بْن) : وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَمْ يَذْكُرْهَا التَّوْضِيحُ إلَّا عَنْ ابْنِ لُبَابَةَ وَهُوَ قَيَّدَهَا بِالِاسْتِعْمَالِ نَهَارًا لَا لَيْلًا، وَإِلَّا فَالْقَضَاءُ فَقَطْ، وَكَذَا نَقَلَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَالْمَوَّاقُ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ - كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ، وَلِذَلِكَ شَارِحُنَا قَيَّدَ بِالنَّهَارِ وَقَدْ اسْتَظْهَرَ فِي الْمَجْمُوعِ مَا يُوَافِقُ الْأَصْلَ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: [لِأَنَّ ظَنَّهُ اسْتَنَدَ إلَى فِطْرِهِ أَوَّلًا نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا] : أَيْ فَالنِّسْيَانُ أَوْ الْإِكْرَاهُ شُبْهَةٌ لِمَا فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» ، فَقَدْ اسْتَنَدَ لِأَمْرٍ مُحَقَّقٍ وَقَدْ صُرِفَ اللَّفْظُ عَنْ ظَاهِرِهِ، لِأَنَّ أَصْلَ مَعْنَى اللَّفْظِ رَفْعُ إثْمِ الْجَرَاءَةِ، وَجَوَازُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ خِلَافُ ظَاهِرِهِ.
قَوْلُهُ: [أَوْ كَمَنْ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ] : أَيْ فَقَدْ اسْتَنَدَ إلَى أَمْرٍ مَوْجُودٍ وَهُوَ
(أَوْ سَافَرَ دُونَ) مَسَافَةِ (الْقَصْرِ) فَظَنَّ إبَاحَةَ الْفِطْرِ فَأَفْطَرَ.
(أَوْ رَأَى شَوَّالًا نَهَارًا) يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ فَظَنَّ أَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ فَأَفْطَرَ.
(أَوْ) أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ لَيْلًا فَأَصْبَحَ جُنُبًا (لَمْ يَغْتَسِلْ إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ) فَظَنَّ إبَاحَةَ الْفِطْرِ فَأَفْطَرَ.
(أَوْ احْتَجَمَ) نَهَارًا فَظَنَّ إبَاحَةَ الْفِطْرِ فَأَفْطَرَ.
(أَوْ ثَبَتَ رَمَضَانُ) يَوْمَ الشَّكِّ (نَهَارًا) فَظَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ فَأَفْطَرَ فَلَا كَفَّارَةَ.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» وَهَذَا هُوَ مُسْتَنَدُ مَنْ سَافَرَ دُونَ الْقَصْرِ أَيْضًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلًّا صَرَفَ اللَّفْظَ عَنْ ظَاهِرِهِ.
قَوْلُهُ: [أَوْ رَأَى شَوَّالًا نَهَارًا] : وَشُبْهَتُهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» .
قَوْلُهُ: [فَأَصْبَحَ جُنُبًا] : وَشُبْهَتُهُ مَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، وَمَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَسَادُ الصَّوْمِ بِذَلِكَ.
قَوْلُهُ: [أَوْ احْتَجَمَ نَهَارًا] إلَخْ: مُسْتَنِدًا لِحَدِيثِ: " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمُحْتَجِمُ ".
قَوْلُهُ: [فَظَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ] : وَشُبْهَتُهُ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالرُّؤْيَةِ لَيْلًا،
فَقَوْلُهُ: (فَظَنُّوا الْإِبَاحَةَ) : أَيْ إبَاحَةُ الْفِطْرِ (فَأَفْطَرُوا) رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ، فَإِنْ عَلِمُوا الْحُرْمَةَ أَوْ شَكُّوا فِيهَا فَالْكَفَّارَةُ.
(بِخِلَافِ) التَّأْوِيلِ (الْبَعِيدِ) فَفِيهِ الْكَفَّارَةُ (كِرَاءٍ) لِهِلَالِ رَمَضَانَ، (لَمْ يُقْبَلْ) عِنْدَ الْحَاكِمِ فَرَدَّ شَهَادَتَهُ، فَظَنَّ إبَاحَةَ الْفِطْرِ فَأَفْطَرَ.
(أَوْ) أَفْطَرَ (لِحُمَّى أَوْ لِحَيْضٍ) ظَنَّ أَنَّهَا تَقَعُ لَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَعَجَّلَ الْفِطْرَ قَبْلَ الْحُصُولِ فَالْكَفَّارَةُ (وَلَوْ حَصَلَا) .
(أَوْ) أَفْطَرَ (لِغِيبَةٍ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ صَدَرَتْ مِنْهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَظَنَّ الْفِطْرَ.
ــ
[حاشية الصاوي]
وَفَوَاتُ مَحَلِّ النِّيَّةِ فَهُوَ أَقْوَى شُبْهَةً مِمَّنْ أَفْطَرَ نِسْيَانًا.
قَوْلُهُ: [فَظَنُّوا الْإِبَاحَةَ] : أَيْ هَؤُلَاءِ الثَّمَانِيَةُ وَالْعَدَدُ لَيْسَ بِحَاصِرٍ، بَلْ يُقَاسُ عَلَيْهِ كُلُّ ذِي شُبْهَةٍ قَوِيَّةٍ، وَمِنْ ذَلِكَ فِطْرُ مَنْ لَمْ يُكَذِّبْ الْعَدْلَيْنِ بَعْدَ ثَلَاثِينَ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ بِهِ، وَمَنْ تَسَحَّرَ بِلَصْقِ الْفَجْرِ فَظَنَّ بُطْلَانَ الصَّوْمِ فَأَفْطَرَ.
قَوْلُهُ: [أَوْ شَكُّوا فِيهَا] : إنَّمَا كَانَتْ الْكَفَّارَةُ مَعَ الشَّكِّ لِضَعْفِ الشُّبْهَةِ.
قَوْلُهُ: [كِرَاءٍ] : إنَّمَا كَانَ تَأْوِيلُهُ بَعِيدًا لِمُخَالَفَتِهِ نَصَّ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ، وَهُمَا قَوْله تَعَالَى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» وَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ لَهُ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ.
قَوْلُهُ: [فَالْكَفَّارَةُ وَلَوْ حَصَلَا] : هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا كَفَّارَةَ فِيهِمَا، وَرَآهُ مِنْ التَّأْوِيلِ الْقَرِيبِ.
قَوْلُهُ: [أَوْ أَفْطَرَ لِغِيبَةٍ] : وَإِنَّمَا لَمْ تَكُنْ الْآيَةُ وَالْحَدِيثُ الْوَارِدُ فِي ذَلِكَ مِنْ الشُّبْهَةِ الْقَوِيَّةِ فَيَكُونُ تَأْوِيلًا قَرِيبًا لِبُعْدِ حَمْلِ الْأَكْلِ فِي الْآيَةِ، وَالْفِطْرِ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ.
(أَوْ) أَفْطَرَ (لِعَزْمٍ عَلَى سَفَرٍ) فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ (وَلَمْ يُسَافِرْ) فِيهِ فَالْكَفَّارَةُ (وَإِلَّا) بِأَنْ سَافَرَ فِيهِ (فَقَرِيبٌ) فَلَا كَفَّارَةَ، وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ مَسْأَلَةِ السَّفَرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(وَهِيَ) : أَيْ الْكَفَّارَةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ عَلَى التَّخْيِيرِ: إمَّا (إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) الْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْفَقِيرَ، (لِكُلٍّ مُدٌّ) بِمُدِّهِ صلى الله عليه وسلم لَا أَكْثَرَ وَلَا أَقَلَّ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُدَّ مِلْءُ الْيَدَيْنِ الْمُتَوَسِّطَتَيْنِ وَهُوَ الْأَفْضَلُ.
(أَوْ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) بِالْهِلَالِ إنْ ابْتَدَأَهَا أَوَّلَ شَهْرٍ، فَإِنْ ابْتَدَأَهَا أَثْنَاءَ شَهْرٍ صَامَ الَّذِي بَعْدَهُ بِالْهِلَالِ كَامِلًا أَوْ نَاقِصًا، وَكَمَّلَ الْأَوَّلَ مِنْ الثَّالِثِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَإِنْ أَفْطَرَ فِي يَوْمٍ عَمْدًا بَطَلَ جَمِيعُ مَا صَامَهُ وَاسْتَأْنَفَهُ.
(أَوْ عِتْقُ رَقَبَةٍ) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى فِيهَا شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ (مُؤْمِنَةٍ) فَلَا تُجْزِئُ كَافِرَةٌ، (سَالِمَةٍ مِنْ الْعَيْبِ) كَالظِّهَارِ فَلَا تُجْزِئُ عَوْرَاءُ وَلَا بَكْمَاءُ وَلَا شَلَّاءُ وَلَا نَحْوُ ذَلِكَ.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [فَقَرِيبٌ] : أَيْ الِاسْتِنَادَةُ لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: [إمَّا إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا] : مُرَادُهُ التَّمْلِيكُ سَوَاءٌ أَكَلَهُ أَوْ بَاعَهُ.
قَوْلُهُ: [الْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْفَقِيرَ] : أَيْ لِمَا تَقَدَّمَ لَنَا مِنْ أَنَّهُمَا إذَا افْتَرَقَا اجْتَمَعَا.
قَوْلُهُ: [لِكُلٍّ مُدٌّ] : أَيْ وَلَا يُجْزِئُ غَدَاءٌ وَعَشَاءٌ خِلَافًا لِأَشْهَبَ، وَتَعَدَّدَتْ بِتَعَدُّدِ الْأَيَّامِ لَا فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ، وَلَوْ حَصَلَ الْمُوجِبُ الثَّانِي بَعْدَ الْإِخْرَاجِ، أَوْ كَانَ الْمُوجِبُ الثَّانِي مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْأَوَّلِ.
قَوْلُهُ: [وَهُوَ الْأَفْضَلُ] : أَيْ وَلَوْ لِلْخَلِيفَةِ خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَمِيرَ الْأَنْدَلُسِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ مِنْ تَكْفِيرِهِ بِالصَّوْمِ بِحَضْرَةِ الْعُلَمَاءِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لِئَلَّا يَتَسَاهَلَ فَيَعُودَ ثَانِيًا، وَإِنَّمَا كَانَ الْإِطْعَامُ أَفْضَلَ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ نَفْعًا لِتَعَدِّيهِ لِأَفْرَادٍ كَثِيرَةٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعِتْقَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّوْمِ لِأَنَّ نَفْعَهُ مُتَعَدٍّ لِلْغَيْرِ.
قَوْلُهُ: [فَإِنْ أَفْطَرَ فِي يَوْمٍ عَمْدًا] : أَيْ لَا غَلَبَةً أَوْ نِسْيَانًا فَلَا يَبْطُلُ مَا صَامَهُ بَلْ يَبْنِي.
قَوْلُهُ: [كَالظِّهَارِ] : أَحَالَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ لِشُهْرَتِهِ فِي الْمَذْهَبِ.
التَّخْيِيرُ بَيِّنٌ فِي الْحُرِّ الرَّشِيدِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَإِنَّمَا يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ سَيِّدُهُ بِالْإِطْعَامِ، وَأَمَّا السَّفِيهُ فَيَأْمُرُهُ وَلِيُّهُ بِالصَّوْمِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ كَفَّرَ عَنْهُ وَلِيُّهُ بِأَدْنَى النَّوْعَيْنِ.
(وَكَفَّرَ) السَّيِّدُ (عَنْ أَمَتِهِ إنْ وَطِئَهَا) وَلَوْ أَطَاعَتْهُ.
(وَ) كَفَّرَ الرَّجُلُ (عَنْ غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ أَمَتِهِ كَزَوْجَةٍ أَوْ امْرَأَةٍ زَنَى بِهَا (إنْ أَكْرَهَهَا لِنَفْسِهِ) ، لَا إنْ أَطَاعَتْهُ وَلَا إنْ أَكْرَهَهَا لِغَيْرِهِ، فَعَلَيْهَا إنْ طَاوَعَتْ لَا إنْ أُكْرِهَتْ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَالتَّخْيِيرُ بَيِّنٌ] : أَيْ فِي الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ فَأَوْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِلتَّخْيِيرِ، وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ أَنْوَاعَ الْكَفَّارَاتِ بِقَوْلِهِ:
ظِهَارًا وَقَتْلًا رَتَّبُوا وَتَمَتُّعًا
…
كَمَا خَيَّرُوا فِي الصَّوْمِ وَالصَّيْدِ وَالْأَذَى
وَفِي حَلِفٍ بِاَللَّهِ خَيِّرْ وَرَتِّبْنَ
…
فَدُونَك سَبْعًا إنْ حَفِظْت فَحَبَّذَا
قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ سَيِّدُهُ بِالْإِطْعَامِ] : أَيْ فَيُجْزِئُهُ بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَلَا يُجْزِئُهُ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ.
قَوْلُهُ: [بِأَدْنَى النَّوْعَيْنِ] : الْمُرَادُ كَفَّرَ عَنْهُ بِأَقَلِّهِمَا قِيمَةً، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الرَّقِيقِ أَقَلَّ كَفَّرَ عَنْهُ بِالْعِتْقِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الطَّعَامِ أَقَلَّ كَفَّرَ عَنْهُ بِالْإِطْعَامِ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ يُحْتَمَلُ بَقَاؤُهُمَا فِي ذِمَّتِهِ إنْ أَبَى الصَّوْمَ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهَذَا أَبْيَنُ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُجْبِرُهُ عَلَى الصَّوْمِ.
قَوْلُهُ: [وَلَوْ أَطَاعَتْهُ] : أَيْ لِأَنَّ طَوْعَهَا إكْرَاهٌ وَهَذَا مَا لَمْ تَطْلُبْهُ وَلَوْ حُكْمًا بِأَنْ تَتَزَيَّنَ لَهُ فَتَلْزَمَهَا وَتَصُومَ مَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهَا فِي الْإِطْعَامِ.
قَوْلُهُ: [إنْ أَكْرَهَهَا لِنَفْسِهِ] : وَالْإِكْرَاهُ يَكُونُ بِخَوْفٍ مُؤْلِمٍ كَضَرْبٍ فَأَعْلَى كَإِكْرَاهِ الطَّلَاقِ فَقَدْ ذُكِرَ (ر) أَنَّ الْإِكْرَاهَ فِي الْعِبَادَاتِ يَكُونُ بِمَا ذُكِرَ، كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ نَقْلًا عَنْ (بْن) ، وَمَحَلُّ تَكْفِيرِهِ عَنْهَا إنْ كَانَتْ بَالِغَةً مُسْلِمَةً عَاقِلَةً وَإِلَّا فَلَا.
قَوْلُهُ: [فَعَلَيْهَا إنْ طَاوَعَتْ لَا إنْ أُكْرِهَتْ] : لَعَلَّ صَوَابَهُ فَعَلَيْهِ إنْ طَاوَعَ لَا إنْ أُكْرِهَ أَيْ فَكَفَّارَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى الشَّخْصِ الَّذِي أُكْرِهَتْ لَهُ إنْ طَاوَعَ هُوَ بِالْجِمَاعِ، لَا إنْ أُكْرِهَ أَيْضًا، فَكَفَّارَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى الْمُكْرِهِ لَهَا وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ أَكْرَهَ الرَّجُلَ نَظَرًا لِانْتِشَارِهِ، وَلَا عَلَى الْمُكْرَهِ بِالْفَتْحِ نَظَرًا لِلْإِكْرَاهِ، وَفِي (بْن) عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ: لَا كَفَّارَةَ عَلَى مُكْرَهٍ عَلَى أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ امْرَأَةٍ عَلَى وَطْءٍ. فَانْظُرْ كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ.