الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَمَضَانَ وَكَفَّارَةٍ، فَإِنْ كَانَ مُعَيِّنًا بِيَوْمٍ كَنَذْرٍ مُعَيَّنٍ حَرُمَ التَّطَوُّع فِيهِ
(وَ) كُرِهَ (تَطَيُّبٌ نَهَارًا وَ) كُرِهَ (شَمُّهُ) أَيْ الطِّيبِ وَلَوْ مُذَكَّرًا نَهَارًا.
(وَرُكْنُهُ) أَيْ الصَّوْمُ أَمْرَانِ:
أَوَّلُهُمَا: (النِّيَّةُ) : اعْلَمْ أَنَّهُمْ عَرَّفُوا الصَّوْمَ بِأَنَّهُ الْكَفُّ عَنْ شَهْوَتَيْ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ لِغُرُوبِ الشَّمْسِ بِنِيَّةٍ؛ فَالنِّيَّةُ رُكْنٌ وَالْإِمْسَاكُ عَمَّا ذُكِرَ رُكْنٌ ثَانٍ. وَالشَّيْخُ رحمه الله تَسَمَّحَ فَجَعَلَ كُلًّا مِنْهُمَا شَرْطَ صِحَّةٍ، وَالشَّرْطُ مَا كَانَ خَارِجَ الْمَاهِيَةِ، وَالرُّكْنُ مَا كَانَ جُزْءًا مِنْهَا، فَإِذَا كَانَا شَرْطَيْنِ كَانَا خَارِجَيْنِ عَنْ الْمَاهِيَّةِ مَعَ أَنَّهُمَا نَفْسُهَا، فَالنِّيَّةُ رُكْنٌ.
(وَشَرْطُهَا) : أَيْ شَرْطُ صِحَّتِهَا (اللَّيْلُ) : أَيْ إيقَاعُهَا فِيهِ مِنْ الْغُرُوبِ إلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنْهُ، (أَوْ) إيقَاعُهَا (مَعَ) طُلُوعِ (الْفَجْرِ) . وَلَا يَضُرُّ مَا حَدَثَ
ــ
[حاشية الصاوي]
وَلِذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ لِمَنْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ؛ فَقِيلَ إنَّ صَوْمَهُ قَضَاءً أَفْضَلُ وَصَوْمَهُ تَطَوُّعًا مَكْرُوهٌ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ، وَقِيلَ: هُمَا سَوَاءٌ. وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَرْجَحُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْفَرْضَ وَالتَّطَوُّعَ حَصَلَ ثَوَابُهُمَا كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَالْجَنَابَةِ وَكَصَلَاةِ الْفَرْضِ وَالتَّحِيَّةِ.
قَوْلُهُ: [حَرُمَ التَّطَوُّعُ فِيهِ] : أَيْ لِتَعْيِينِ الزَّمَانِ الْمَنْذُورِ، فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ.
قَالَ الشَّيْخُ سَالِمٌ: وَانْظُرْ هَلْ تَطَوُّعُهُ صَحِيحٌ أَمْ لَا؟ لِتَعَيُّنِ الزَّمَنِ لِغَيْرِهِ، قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ؛ لِصَلَاحِيَّةِ الزَّمَنِ فِي ذَاتِهِ لِلْعِبَادَةِ بِخِلَافِ التَّطَوُّعِ فِي رَمَضَانَ لِأَنَّ مَا عَيَّنَهُ الشَّارِعُ أَقْوَى مِمَّا عَيَّنَهُ الشَّخْصُ.
قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ تَطَيُّبٌ] إلَخْ: إنَّمَا كُرِهَ شَمُّ الطِّيبِ وَاسْتِعْمَالُهُ نَهَارًا لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ شَهْوَةِ الْأَنْفِ الَّذِي يَقُومُ مَقَامَ الْفَمِ، وَأَيْضًا الطِّيبُ مُحَرِّكٌ لِشَهْوَةِ الْفَرْجِ.
[أَرْكَان الصَّوْمِ]
قَوْلُهُ: [مَعَ أَنَّهُمَا نَفْسُهَا] : وَلَكِنْ أُجِيبَ عَنْ الشَّيْخِ خَلِيلٍ: بِأَنَّهُ الْتَفَتَ إلَى مَعْنَاهَا وَهُوَ الْقَصْدُ إلَى الشَّيْءِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقَصْدَ إلَى الشَّيْءِ خَارِجٌ عَنْ مَاهِيَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَلَكِنَّ هَذَا الْجَوَابَ مُخَلِّصٌ بِالنِّسْبَةِ لِلنِّيَّةِ، وَأَمَّا الْكَفُّ فَلَا وَجْهَ لِعَدِّهِ شَرْطًا فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُرَادَ بِالشَّرْطِ مَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: [مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ] : الْمُرَادُ وُقُوعُهَا فِي الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ اللَّيْلِ الَّذِي يَعْقُبُهُ طُلُوعُ الْفَجْرِ، وَإِنَّمَا كَفَتْ النِّيَّةُ الْمُصَاحِبَةُ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النِّيَّةِ
بَعْدَهَا مِنْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ جِمَاعٍ أَوْ نَوْمٍ؛ بِخِلَافِ رَفْعِهَا فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، وَبِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ إنْ اسْتَمَرَّ لِلْفَجْرِ، فَإِنْ رَفَعَهَا ثُمَّ عَاوَدَهَا قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ أَفَاقَ قَبْلَهُ لَمْ تَبْطُلْ عَلَى مَا سَيَأْتِي. وَمَفْهُومُ اللَّيْلِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى نَهَارًا قَبْلَ الْغُرُوبِ لِلْيَوْمِ الْمُسْتَقْبَلِ أَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ لِلْيَوْمِ الَّذِي هُوَ فِيهِ لَمْ تَنْعَقِدْ وَلَوْ بِنَفْلٍ
ــ
[حاشية الصاوي]
الْمُقَارَنَةُ لِلْمَنْوِيِّ، وَلَكِنْ فِي الصَّوْمِ جَوَّزُوا تَقَدُّمَهَا عَلَيْهِ حَيْثُ قَالُوا يَدْخُلُ وَقْتُهَا بِالْغُرُوبِ لِمَشَقَّةِ الْمُقَارَنَةِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ كَالصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُقَارَنَةِ أَوْ التَّقَدُّمِ الْيَسِيرِ عَلَى مَا مَرَّ. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ كِفَايَةِ الْمُقَارَنَةِ لِلْفَجْرِ هُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، وَصَوَّبَهُ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَتَقْدِيمُهَا عَلَى الْفَجْرِ أَوْلَى لِلِاحْتِيَاطِ وَالضَّبْطِ.
قَوْلُهُ: [لَمْ تَنْعَقِدْ] : أَيْ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَأَصْلُهُ لِابْنِ بَشِيرٍ. وَنَصُّهُ: لَا خِلَافَ عِنْدَنَا أَنَّ الصَّوْمَ لَا يُجْزِئُ إلَّا إذَا تَقَدَّمَتْ النِّيَّةُ عَلَى سَائِرِ أَجْزَائِهِ. فَإِنْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَلَمْ يَنْوِهِ لَمْ يُجْزِهِ فِي سَائِرِ أَنْوَاعِ الصِّيَامِ، إلَّا يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَفِيهِ قَوْلَانِ: الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ كَالْأَوَّلِ وَالشَّاذُّ: اخْتِصَاصُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ بِصِحَّةِ الصَّوْمِ، كَذَا فِي (بْن) نَقَلَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ: تَصِحُّ نِيَّةُ النَّافِلَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَعَنْ أَحْمَدَ: تَصِحُّ نِيَّةُ النَّافِلَةِ فِي النَّهَارِ مُطْلَقًا لِحَدِيثِ: «إنِّي إذًا صَائِمٌ بَعْدَ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ غَدَاءٍ» ، وَلِلشَّافِعِيِّ: الْغَدَاءُ مَا يُؤْكَلُ قَبْلَ الزَّوَالِ. وَأَجَابَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّهُ مُضْطَرِبٌ وَلَنَا عُمُومُ حَدِيثِ أَصْحَابِ السُّنَنِ الْأَرْبَعِ: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ فَلَا صِيَامَ لَهُ» وَالْأَصْلُ تَسَاوِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فِي النِّيَّةِ كَالصَّلَاةِ.
لَمْ يَتَنَاوَلْ فِيهِ قَبْلَهَا مُفْطِرًا وَهُوَ كَذَلِكَ.
(وَكَفَتْ نِيَّةٌ) وَاحِدَةٌ (لِمَا) : أَيْ لِكُلِّ صَوْمٍ (يَجِبُ تَتَابُعُهُ) كَرَمَضَانَ وَكَفَّارَتِهِ وَكَفَّارَةِ قَتْلٍ أَوْ ظِهَارٍ، وَكَالنَّذْرِ الْمُتَتَابِعِ؛ كَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ أَوْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ (إذَا لَمْ يَنْقَطِعْ) تَتَابُعُ الصَّوْمِ (بِكَسَفَرٍ) وَمَرَضٍ مِمَّا يَقْطَعُ وُجُوبَ التَّتَابُعِ دُونَ صِحَّةِ الصَّوْمِ. فَإِنْ انْقَطَعَ بِهِ لَمْ تَكْفِ النِّيَّةُ الْوَاحِدَةُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَلْبِيَتِهَا كُلَّمَا أَرَادَهُ، (وَلَوْ تَمَادَى عَلَى الصَّوْمِ) فِي سَفَرِهِ أَوْ مَرَضِهِ.
(أَوْ كَحَيْضٍ) وَنِفَاسٍ وَجُنُونٍ وَمِمَّا يُوجِبُ عَدَمَ صِحَّتِهِ فَلَا تَكْفِي النِّيَّةُ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إعَادَتِهَا وَلَوْ حَصَلَ الْمَانِعُ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَزَالَ قَبْلَ الْفَجْرِ.
(وَنُدِبَتْ كُلَّ لَيْلَةٍ) فِيمَا تَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ الْوَاحِدَةُ.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [لَمْ نَتَنَاوَلْ فِيهِ قَبْلَهَا] : فِيهِ رَدٌّ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: [يَجِبُ تَتَابُعُهُ] : خَرَجَ بِذَلِكَ مَا يَجُوزُ تَفْرِيقُهُ؛ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَصِيَامِهِ فِي السَّفَرِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَلَا بُدَّ الْأَذَى وَنَقْصُ الْحَجِّ فَلَا تَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ الْوَاحِدَةُ، بَلْ مِنْ التَّبْيِيتِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْمُصَنِّفِ. وَمَا مَشْي عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ كِفَايَةِ النِّيَّةِ الْوَاحِدَةِ فِي وَاجِبِ التَّتَابُعِ هُوَ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ لِكُلِّ يَوْمٍ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ كَالْعِبَادَاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ مِنْ حَيْثُ عَدَمِ فَسَادِ بَعْضِ الْأَيَّامِ بِفَسَادِ بَعْضِهَا، وَالْقَوْلُ الْمَشْهُورُ نَظَرَ إلَى أَنَّهُ كَالْعِبَادَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ حَيْثُ ارْتِبَاطِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَعَدَمِ جَوَازِ التَّفْرِيقِ.
قَوْلُهُ: [وَلَوْ تَمَادَى عَلَى الصَّوْمِ] : هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي الْعُتْبِيَّةِ خِلَافًا لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ: مِنْ أَنَّ الْمَرِيضَ أَوْ الْمُسَافِرَ إذَا اسْتَمَرَّ صَائِمًا فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِتَجْدِيدِ نِيَّةٍ.
وَمَنْ أَفْسَدَ صَوْمَهُ عَامِدًا فَاسْتَظْهَرَ (ح) تَجْدِيدَ النِّيَّةِ أَيْضًا؛ كَمَنْ بَيَّتَ الْفِطْرَ وَلَوْ نِسْيَانًا لَا إنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا وَهُوَ مُبَيِّتٌ لِلصَّوْمِ فَلَا يَنْقَطِعُ تَتَابُعُهُ، وَمِثْلُهُ مَنْ أَفْطَرَ مُكْرَهًا عِنْدَ اللَّخْمِيِّ وَعِنْدَ ابْنِ يُونُسَ حُكْمُ مَنْ أَفْطَرَ لِمَرَضٍ - كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ.
قَوْلُهُ: [لَا بُدَّ مِنْ إعَادَتِهَا] : أَيْ وَتَكْفِي النِّيَّةُ الْوَاحِدَةُ فِي جَمِيعِ مَا بَقِيَ.
قَوْلُهُ: [وَنُدِبَتْ كُلَّ لَيْلَةٍ] : أَيْ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِوُجُوبِ التَّبْيِيتِ وَمِنْ الْوَرَعِ
(وَ) الرُّكْنُ الثَّانِي: (كَفٌّ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ لِلْغُرُوبِ عَنْ جِمَاعِ مُطِيقٍ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ؛ أَيْ الْكَفُّ عَنْ إدْخَالِ حَشَفَتِهِ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا فِي فَرْجِ شَخْصٍ مُطِيقٍ لِلْجِمَاعِ، (وَإِنْ) كَانَ الْمُطِيقُ لَهُ (مَيِّتًا أَوْ بَهِيمَةً) ، وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ عَمَّا لَوْ أَدْخَلَ ذَكَرَهُ بَيْنَ الْأَلْيَتَيْنِ أَوَالْفَخِذَيْنِ أَوْ فِي فَرْجِ صَغِيرٍ لَا يُطِيقُ فَلَا يَبْطُلُ الصَّوْمُ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ.
(وَ) كَفٌّ (عَنْ إخْرَاجِ مَنِيٍّ أَوْ مَذْيٍ) : بِمُقَدِّمَاتِ جِمَاعٍ وَلَوْ نَظَرًا أَوْ تَفَكُّرًا وَاحْتَرَزَ " بِإِخْرَاجٍ " عَنْ خُرُوجِ أَحَدِهِمَا بِنَفْسِهِ أَوْ لَذَّةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ فَلَا يُبْطِلُهُ.
(أَوْ) عَنْ إخْرَاجِ (قَيْءٍ) فَلَا يَضُرُّ خُرُوجُهُ بِنَفْسِهِ إذَا لَمْ يَزْدَرِدْ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِلَّا فَالْقَضَاءُ.
(وَ) كَفٌّ (عَنْ وُصُولِ مَائِعٍ) مِنْ شَرَابٍ أَوْ دُهْنٍ أَوْ نَحْوِهِمَا (لِحَلْقٍ) وَإِنْ لَمْ يَصِلْ لِلْمَعِدَةِ وَلَوْ وَصَلَ سَهْوًا أَوْ غَلَبَهُ فَإِنَّهُ مُفْسِدٌ لِلصَّوْمِ، وَلِذَا عَبَّرَ " بِوُصُولٍ " لَا بِإِيصَالٍ. وَاحْتُرِزَ بِالْمَائِعِ عَنْ غَيْرِهِ كَحَصَاةٍ وَدِرْهَمٍ فَوُصُولُهُ لِلْحَلْقِ لَا يُفْسِدُ بَلْ لِلْمَعِدَةِ.
(وَإِنْ) كَانَ وُصُولُ الْمَائِعِ لِلْحَلْقِ (مِنْ غَيْرِ فَمٍ كَعَيْنٍ) وَأَنْفٍ وَأُذُنٍ.
ــ
[حاشية الصاوي]
مُرَاعَاةُ الْخِلَافِ.
قَوْلُهُ: [عَنْ جِمَاعِ مُطِيقٍ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْفَرْجُ قُبُلًا أَوْ دُبُرًا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُغَيَّبُ فِيهِ مُسْتَيْقِظًا أَوْ نَائِمًا.
قَوْلُهُ: [فَلَا يُبْطِلُهُ] : وَمِثْلُهُ لَوْ حَصَلَتْ لَذَّةٌ مُعْتَادَةٌ مِنْ غَيْرِ خُرُوجِ شَيْءٍ.
قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَالْقَضَاءُ] : أَيْ وَلَا كَفَّارَةَ إنْ كَانَ ازْدَرَدَهُ غَلَبَةً أَوْ نِسْيَانًا هَذَا فِي الْفَرْضِ، وَأَمَّا فِي النَّفْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مَعَ الْغَلَبَةِ وَالنِّسْيَانِ.
قَوْلُهُ: [عَنْ وُصُولِ مَائِعٍ] : فَإِنْ وَصَلَ الْمَائِعُ لِلْمَعِدَةِ مِنْ مَنْفَذٍ عَالٍ أَوْ سَافِلٍ فَسَدَ الصَّوْمُ وَوَجَبَ الْقَضَاءُ. وَهَذَا فِي غَيْرِ مَا بَيْنَ الْأَسْنَانِ مِنْ أَثَرِ طَعَامِ اللَّيْلِ، وَأَمَّا هُوَ فَلَا يَضُرُّ. وَلَوْ ابْتَلَعَهُ عَمْدًا وَإِنْ لَمْ يَصِلْ لِلْمَعِدَةِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ مَا لَمْ يَصِلْ لِلْحَلْقِ مِنْ الْعَالِي كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الشَّارِحِ.
قَوْلُهُ: [وَلِذَا عَبَّرَ بِوُصُولِ] : أَيْ لِأَنَّ لَفْظَةَ وُصُولِ لَا تَسْتَلْزِمُ الْقَصْدَ بِخِلَافِ إيصَالٍ.
قَوْلُهُ: [كَعَيْنٍ وَأَنْفٍ وَأُذُنٍ] : أَيْ وَمَسَامِّ رَأْسٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَتِهِ، وَأَشْعَرَ
فَمَنْ اكْتَحَلَ نَهَارًا أَوْ اسْتَنْشَقَ بِشَيْءٍ فَوَصَلَ أَثَرُهُ لِلْحَلْقِ أَفْسَدَ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، فَإِنْ لَمْ يَصِلْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِلْحَلْقِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اكْتَحَلَ لَيْلًا أَوْ وَضَعَ شَيْئًا فِي أُذُنِهِ أَوْ أَنْفِهِ، أَوْ دَهَنَ رَأْسَهُ لَيْلًا فَهَبَطَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِحَلْقِهِ نَهَارًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (أَوْ) وُصُولُ مَائِعٍ (لِمَعِدَةٍ) وَهِيَ الْكِرْشَةُ الَّتِي فَوْقَ السُّرَّةِ لِلصَّدْرِ بِمَنْزِلَةِ الْحَوْصَلَةِ لِلطَّيْرِ؛ إذَا وَصَلَ الْمَائِعُ لَهَا بِحُقْنَةٍ (مِنْ) مَنْفَذٍ مُتَّسَعٍ (كَدُبُرٍ) أَوْ قُبُلٍ - لَا إحْلِيلٍ: أَيْ ثُقْبِ ذَكَرٍ - (كَلَهَا) أَيْ الْمَعِدَةِ أَيْ كَوُصُولِ شَيْءٍ لَهَا (بِغَيْرِهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ الْمَائِعِ (مِنْ فَمٍ) ، فَإِنَّهُ مُفْطِرٌ بِخِلَافِ وُصُولِهِ لِلْحَلْقِ فَقَطْ أَوْ مِنْ مَنْفَذٍ أَسْفَلَ لِلْمَعِدَةِ فَلَا يَضُرُّ وَلَوْ فَتَائِلَ عَلَيْهَا دُهْنٌ.
وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ وُصُولَ الْمَاءِ لِلْحَلْقِ مِنْ مَنْفَذٍ أَعْلَى وَلَوْ غَيْرَ الْفَمِ مُفْطِرٌ كَوُصُولِهِ لِلْمَعِدَةِ مِنْ مَنْفَذٍ أَسْفَلَ إنْ اتَّسَعَ كَالدُّبُرِ وَقُبُلِ الْمَرْأَةِ، لَا إنْ لَمْ يَصِلْ لَهَا وَلَا مِنْ إحْلِيلٍ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمَائِعِ فَلَا يُفْطِرُ إلَّا إذَا وَصَلَ لِلْمَعِدَةِ مِنْ الْفَمِ. وَلَكِنْ نَقَلَ الْحَطَّابُ وَغَيْرُهُ عَنْ التَّلْقِينِ: أَنَّ مَا وَصَلَ لِلْحَلْقِ مُفْطِرٌ مُطْلَقًا مِنْ مَائِعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ. وَمِنْ حُكْمِ الْمَائِعِ الْبَخُورُ وَنَحْوُهُ فَإِنَّ وُصُولَهُ لِلْحَلْقِ مُفْطِرٌ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
(أَوْ) كَفٌّ عَنْ وُصُولِ (بَخُورٍ) تَتَكَيَّفُ بِهِ النَّفْسُ كَبَخُورِ عُودٍ أَوْ مَصْطِكِي
ــ
[حاشية الصاوي]
كَلَامُهُ أَنَّ مَا يَصِلُ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْمَنَافِذِ لَا شَيْءَ فِيهِ.
قَوْلُهُ: [أَوْ دَهَنَ رَأْسَهُ لَيْلًا] : أَيْ وَأَمَّا مَنْ دَهَنَ رَأْسَهُ نَهَارًا وَوَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ، أَوْ وَضَعَ حِنَّاءً فِي رَأْسِهِ نَهَارًا فَاسْتَطْعَمَهَا فِي حَلْقِهِ، فَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الْقَضَاءِ. بِخِلَافِ مَنْ حَكَّ رِجْلَهُ بِحَنْظَلٍ فَوَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَوْ قَبَضَ بِيَدِهِ عَلَى ثَلْجٍ فَوَجَدَ الْبُرُودَةَ فِي جَوْفِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ: الْوَاصِلُ مِنْ الْعَيْنِ لَا يُفَطِّرُ فَيَجُوزُ الْكُحْلُ عِنْدَهُمْ نَهَارًا. وَمِثْلُهَا الرَّأْسُ، فَيَجُوزُ الِادِّهَانُ نَهَارًا.
قَوْلُهُ: [أَوْ قُبُلٍ] : أَيْ فَرْجِ امْرَأَةٍ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ كَالْإِحْلِيلِ كَمَا سَيَأْتِي.
قَوْلُهُ: [وَلَوْ غَيْرَ الْفَمِ] : أَيْ كَالْأُذُنِ وَالْعَيْنِ وَالْأَنْفِ وَالرَّأْسِ.
قَوْلُهُ: [وَلَا مِنْ إحْلِيلٍ] : وَمِثْلُ الْإِحْلِيلِ الثُّقْبَةُ الضَّيِّقَةُ فِي الْمَعِدَةِ.
قَوْلُهُ: [وَلَكِنْ نَقَلَ الْحَطَّابُ] إلَخْ: وَالطَّرِيقَةُ الْأُولَى لِلْبِسَاطِيِّ وَكَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ وَهِيَ الْأَظْهَرُ.
أَوْ جَاوِي أَوْ نَحْوِهَا، (أَوْ بُخَارِ قِدْرٍ) لِطَعَامٍ فَمَتَى وَصَلَ لِلْحَلْقِ أَفْسَدَ الصَّوْمَ وَوَجَبَ الْقَضَاءُ، وَمِنْ ذَلِكَ الدُّخَانُ الَّذِي يُشْرَبُ أَيْ يُمَصُّ بِنَحْوِ قَصَبَةٍ بِخِلَافِ دُخَانِ الْحَطَبِ وَنَحْوِهِ وَغُبَارِ الطَّرِيقِ.
(أَوْ) عَنْ وُصُولِ (قَيْءٍ) أَوْ قَلْسٍ (أَمْكَنَ طَرْحُهُ) بِخُرُوجِهِ مِنْ الْحَلْقِ إلَى الْفَمِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ طَرْحُهُ - بِأَنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْحَلْقَ - فَلَا شَيْءَ فِيهِ. وَأَمَّا الْبَلْغَمُ الْمُمْكِنُ طَرْحُهُ فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ ابْتِلَاعَهُ لَا يَضُرُّ وَلَوْ وَصَلَ لِطَرَفِ اللِّسَانِ وَأَوْلَى الْبُصَاقُ، خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ. وَمَتَى وَصَلَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا لِحَلْقٍ أَوْ مَعِدَةٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَفْطَرَ (وَلَوْ) وَصَلَ (غَلَبَةً أَوْ سَهْوًا فِي الْجَمِيعِ) الْمَائِعِ وَمَا بَعْدَهُ (أَوْ) عَنْ وُصُولِ (غَالِبٍ مِنْ مَضْمَضَةٍ) لِوُضُوءٍ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ سِوَاكٍ) فَأَوْلَى غَيْرُ الْغَالِبِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي قَوْلِنَا " وَكَفٌّ عَنْ وُصُولٍ " إلَخْ مُسَامَحَةً لِأَنَّ الْكَفَّ عَنْ الشَّيْءِ يَقْتَضِي الْقَصْدَ. وَالْوُصُولُ - وَلَوْ غَلَبَةً أَوْ سَهْوًا - قَدْ يَقْتَضِي عَدَمَهُ؛ ارْتَكَبْنَاهُ مُجَارَاةً لِقَوْلِهِمْ: حَقِيقَةُ الصَّوْمِ الْإِمْسَاكُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَخْ عَنْ شَهْوَتَيْ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ، وَالْإِمْسَاكُ هُوَ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [أَوْ بُخَارِ قَدْرٍ] : أَيْ فَمَتَى وَصَلَ دُخَانُ الْبَخُورِ وَبُخَارُ الْقَدْرِ لِلْحَلْقِ وَجَبَ الْقَضَاءُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جِسْمٌ يَتَكَيَّفُ بِهِ. وَمَحَلُّ وُجُوبِ الْقَضَاءِ فِي ذَلِكَ إذَا وَصَلَ بِاسْتِنْشَاقٍ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَنْشِقُ صَانِعَهُ أَوْ غَيْرَهُ، وَأَمَّا لَوْ وَصَلَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلَا قَضَاءَ صَانِعًا أَوْ غَيْرَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
قَوْلُهُ: [الَّذِي يَشْرَبُ] : وَمِثْلُهُ النُّشُوقُ فَهُوَ مُفْطِرٌ.
قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ دُخَانِ الْحَطَبِ] : فَلَا قَضَاءَ فِي وُصُولِهِ لِلْحَلْقِ، وَلَوْ تَعَمَّدَ اسْتِنْشَاقَهُ، وَإِمَّا رَائِحَةٌ كَالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَالزُّبْدِ فَلَا تُفْطِرُ وَلَوْ اسْتَنْشَقَهَا لِأَنَّهَا لَا جِسْمَ لَهَا، إنَّمَا يُكْرَهُ فَقَطْ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: [وَلَوْ وَصَلَ لِطَرَفِ اللِّسَانِ] : قَالَ (عب) : وَلَا شَيْءَ عَلَى الصَّائِمِ فِي ابْتِلَاعِ رِيقِهِ إلَّا بَعْدَ اجْتِمَاعِهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ. وَهَذَا قَوْلُ سَحْنُونَ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَسْقُطُ مُطْلَقًا وَهُوَ الرَّاجِحُ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ.
قَوْلُهُ: [غَالِبٌ مِنْ مَضْمَضَةٍ] : هَذَا فِي الْفَرْضِ وَأَمَّا وُصُولُ أَثَرِ الْمَضْمَضَةِ أَوْ السِّوَاكِ لِلْحَلْقِ فِي صَوْمِ النَّفْلِ غَلَبَةً فَلَا يُفْسِدُهُ.