الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَ) لَزِمَ (دُخُولُهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ أَوْ مَعَهُ) لِيَتَحَقَّقَ لَهُ كَمَالُ اللَّيْلَةِ.
(وَ) لَزِمَ (خُرُوجُهُ) مِنْ مُعْتَكَفِهِ (بَعْدَهُ) ، أَيْ بَعْدَ الْغُرُوبِ لِيَتَحَقَّقَ لَهُ كَمَالُ النَّهَارِ.
(وَنُدِبَ مُكْثُهُ) أَيْ الْمُعْتَكِفِ (لَيْلَةَ الْعِيدِ) إذَا اتَّصَلَ اعْتِكَافُهُ بِهَا، لِيَخْرُجَ مِنْهُ إلَى الْمُصَلَّى فَيُوصِلَ عِبَادَةً بِعِبَادَةٍ.
(وَ) نُدِبَ مُكْثُهُ (بِآخِرِ الْمَسْجِدِ) لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ النَّاسِ.
(وَ) نُدِبَ اعْتِكَافُهُ (بِرَمَضَانَ) لِأَنَّهُ مِنْ أَفْضَلِ الشُّهُورِ، وَفِيهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ
ــ
[حاشية الصاوي]
لَمْ يَدْخُلْ مُعْتَكَفَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ مَا نَوَاهُ.
قَوْلُهُ: [وَلَزِمَ دُخُولُهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ] : قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَمَنْ دَخَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ اعْتَدَّ بِيَوْمِهِ، وَبَعْدَ الْفَجْرِ لَا يَعْتَدُّ بِهِ، وَفِيمَا بَيْنَهُمَا قَوْلَانِ: الْمَشْهُورُ الِاعْتِدَادُ، وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا يَعْتَدُّ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ سَحْنُونَ عَلَى النَّذْرِ، وَالْقَوْلَيْنِ بِالِاعْتِدَادِ عَلَى النَّفْلِ، وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ الِاعْتِدَادُ مُطْلَقًا نَفْلًا أَوْ نَذْرًا. وَاعْلَمْ أَنَّ مَبْنَى الْقَوْلَيْنِ الْخِلَافُ فِي أَقَلِّ مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الِاعْتِكَافُ، فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ إذَا دَخَلَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ مَعَهُ لَا يُجْزِي مَا لَمْ يَضُمَّ لَهُ لَيْلَةً فِي الْمُسْتَقْبَلِ، سَوَاءٌ كَانَ مَنْوِيًّا أَوْ مَنْذُورًا، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ فَقَطْ إذَا دَخَلَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ مَعَهُ، أَجْزَأَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَلَوْ كَانَ نَذْرًا.
[مَنْدُوبَات الِاعْتِكَافِ]
قَوْلُهُ: [إذَا اتَّصَلَ اعْتِكَافُهُ بِهَا] : أَشْعَرَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ اعْتِكَافُهُ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ أَوْ الْأَوْسَطِ لَمْ يُنْدَبْ لَهُ مَبِيتُ اللَّيْلَةِ الَّتِي تَلِي ذَلِكَ، وَهُوَ كَذَلِكَ.
قَوْلُهُ: [بِآخِرِ الْمَسْجِدِ] : أَيْ عَجُزِهِ الْمُقَابِلِ لِصَدْرِهِ.
[تَنْبِيه الْتِمَاس لَيْلَة الْقَدْر]
قَوْلُهُ: [وَفِيهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ] : أَيْ غَالِبًا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ هَلْ هِيَ دَائِرَةٌ بِالْعَامِ، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ حَيْثُ قَالَ: وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ أَوْلَى الْأَقَاوِيلِ، أَوْ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ الَّذِي شَهَرَهُ ابْنُ غَلَّابٍ، وَعَلَى كُلٍّ فَالْغَالِبُ كَوْنُهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَالْعَمَلُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، سَوَاءٌ عَلِمَ الْقَائِمُ لَهَا بِأَنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ أَوْ لَا. وَلَهَا عَلَامَاتٌ ذَكَرَهَا الْعُلَمَاءُ مِنْهَا: طُلُوعُ الشَّمْسِ صَبِيحَةَ يَوْمِهَا بَيْضَاءَ لَا شُعَاعَ لَهَا، وَلَيْلَتُهَا تَكُونُ السَّمَاءُ صَحْوًا لَا غَيْمَ فِيهَا، وَالْوَقْتُ لَا حَارٌّ وَلَا بَارِدٌ، قَالَ شَيْخُنَا الْمُؤَلِّفُ وَمَنْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا يَرَى كُلَّ شَيْءٍ
الَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ.
ــ
[حاشية الصاوي]
سَاجِدًا لِلَّهِ، يَسْمَعُ مِنْهُ الذِّكْرَ بِلِسَانِ الْمَقَالِ، وَيُشَاهِدُ أُمُورًا لَا تُحِيطُ بِهَا الْعِبَارَةُ، وَيُنْدَبُ لِمَنْ رَآهَا أَنْ يَكْتُمَهَا فَلَا يُحَدِّثَ بِهَا، لِأَنَّ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهَا مِنْ السِّرِّ الْمَكْتُومِ، وَمَنْ بَاحَ بِالسِّرِّ ضَيَّعَهُ؛ وَلِمُحْيِي الدِّينِ بْنِ الْعَرَبِيِّ قَاعِدَةٌ لِإِدْرَاكِهَا حَاصِلُهَا: أَنَّهُ إنْ كَانَ مَبْدَأُ الشَّهْرِ الْجُمُعَةَ كَانَتْ لَيْلَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ، وَإِنْ كَانَ السَّبْتُ كَانَتْ لَيْلَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ، وَإِنْ كَانَ الْأَحَدُ كَانَتْ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَإِنْ كَانَ الِاثْنَيْنِ كَانَتْ لَيْلَةَ تَاسِعَ عَشْرَةَ، وَإِنْ كَانَ الثُّلَاثَاءُ كَانَتْ لَيْلَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَإِنْ كَانَ الْأَرْبِعَاءُ كَانَتْ لَيْلَةَ سَابِعَ عَشْرَةَ، وَإِنْ كَانَ الْخَمِيسُ كَانَتْ لَيْلَةً عَشْرِيَّةً فَاحْفَظْ تِلْكَ الْقَاعِدَةَ. وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ إمَّا لِتَقْدِيرِ الْبَرَكَاتِ وَالْخَيْرَاتِ فِيهَا لِأَنَّ جَمِيعَ مُكَوَّنَاتِ الْعَالَمِ تُقَدَّرُ فِيهَا، أَيْ تَظْهَرُ لِلْمَلَائِكَةِ، أَوْ لِعِظَمِ قَدْرِهَا. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ:
الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «الْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ أَوْ السَّابِعَةِ أَوْ الْخَامِسَةِ مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» ، مَا بَقِيَ مِنْ الْعَشْرِ لَا مَا مَضَى، فَالتَّاسِعَةُ لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ، وَالسَّابِعَةُ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، وَالْخَامِسَةُ لَيْلَةُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، إنْ كَانَ الشَّهْرُ نَاقِصًا وَإِلَّا فَالتَّاسِعَةُ لَيْلَةُ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ، وَالسَّابِعَةُ لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ، وَالْخَامِسَةُ لَيْلَةُ سِتٍّ وَعِشْرِينَ فَتَأَمَّلْ، وَقِيلَ الْعَدَدُ مِنْ أَوَّلِ الْعَشْرِ، فَالتَّاسِعَةُ لَيْلَةُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ، وَالسَّابِعَةُ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَالْخَامِسَةُ لَيْلَةُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَيُحْتَاطُ فِي الْعَشْرِ كَمَا قَالُوا لِاحْتِمَالِ كَمَالِ الشَّهْرِ وَنُقْصَانِهِ.
قَوْلُهُ: [الَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ] : أَيْ كَمَا نَطَقَتْ بِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ.
(وَ) نُدِبَ كَوْنُهُ (بِالْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْهُ) لِأَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِيهِ أَرْجَى.
(وَ) نُدِبَ (إعْدَادُهُ ثَوْبًا آخَرَ) غَيْرَ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُصِيبَ مَا عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ أَوْ وَسَخٌ أَوْ قَمْلٌ، فَيَلْبَسَ مَا أَعَدَّهُ.
(وَ) نُدِبَ (اشْتِغَالُهُ) حَالَ اعْتِكَافِهِ (بِذِكْرٍ) نَحْوِ: " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " وَمِنْهُ الِاسْتِغْفَارُ، (وَتِلَاوَةِ) الْقُرْآنِ (وَصَلَاةٍ) وَهِيَ مَجْمَعُ الذِّكْرِ وَالْخَيْرِ.
(وَكُرِهَ أَكْلُهُ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ أَوْ رَحْبَتِهِ) : الَّتِي زِيدَتْ لِتَوْسِعَتِهِ، فَإِنْ أَكَلَ خَارِجَ ذَلِكَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، وَالْمَطْلُوبُ أَنْ يَأْكُلَ فِيهِ عَلَى حِدَةٍ.
(وَ) كُرِهَ لِقَادِرٍ عَلَى الْكِفَايَةِ (اعْتِكَافُهُ غَيْرَ مَكْفِيٍّ) - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْكَافِ - اسْمُ مَفْعُولٍ كَمَرْمِيٍّ أَصْلُهُ مَرْمَوِيٌّ، لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ لِخُرُوجِهِ إلَى شِرَاءِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، فَيَنْدُبُ أَنْ يَعْتَكِفَ مُحَصِّلًا مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ مَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ وَمَلْبَسٍ،
ــ
[حاشية الصاوي]
وَسَبَبُهَا أَنَّهُ «ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل حَمَلَ السِّلَاحَ عَلَى عَاتِقِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى أَلْفَ شَهْرٍ، وَهِيَ ثَلَاثٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً وَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، فَتَعَجَّبَ لِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَجَبًا شَدِيدًا، وَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي أُمَّتِهِ، فَقَالَ يَا رَبِّ جَعَلْت أُمَّتِي أَقْصَرَ الْأُمَمِ أَعْمَارًا وَأَقَلَّهَا أَعْمَالًا، فَأَعْطَاهُ اللَّهُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَقَالَ: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] » ، أَيْ الَّتِي حَمَلَ فِيهَا الْإِسْرَائِيلِيُّ السِّلَاحَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، لَك وَلِأُمَّتِك مِنْ بَعْدِك إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي كُلِّ رَمَضَانَ.
قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ اشْتِغَالُهُ] : أَيْ فَالْأَفْضَلُ فِي عِبَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ، لِأَنَّ اشْتِغَالَهُ بِغَيْرِهَا مَكْرُوهٌ وَإِنْ كَانَ عِلْمًا، كَمَا يَأْتِي، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَا يُسْرِعُ بِهَضْمِ النَّفْسِ.
قَوْلُهُ: [أَصْلُهُ مَرْمَوِيٌّ] : اجْتَمَعَتْ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَسُبِقَتْ إحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ، قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتْ الْيَاءُ فِي الْيَاءِ، وَقُلِبَتْ الضَّمَّةُ كَسْرَةً وَمَكْفِيٌّ يُقَالُ فِيهِ هَكَذَا.
فَإِنْ اعْتَكَفَ غَيْرَ مَكْفِيٍّ، جَازَ لَهُ الْخُرُوجُ لِشِرَاءِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَلَا يَتَجَاوَزُ أَقْرَبَ مَكَان أَمْكَنَ مِنْهُ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَسَدَ اعْتِكَافُهُ.
(وَ) كُرِهَ لَهُ - إذَا خَرَجَ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ - (دُخُولُهُ بِمَنْزِلٍ بِهِ أَهْلُهُ) أَيْ زَوْجَتُهُ أَوْ سُرِّيَّتُهُ لِئَلَّا يَطْرَأَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا مَا يُفْسِدُ اعْتِكَافَهُ.
(وَ) كُرِهَ (اشْتِغَالُهُ) أَيْ الْمُعْتَكِفُ (بِعِلْمٍ) وَلَوْ شَرْعِيًّا تَعْلِيمًا أَوْ تَعَلُّمًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الِاعْتِكَافِ صَفَاءُ الْقَلْبِ بِمُرَاقَبَةِ الرَّبِّ، وَهُوَ إنَّمَا يَحْصُلُ غَالِبًا بِالذِّكْرِ وَعَدَمِ الِاشْتِغَالِ بِالنَّاسِ، (وَكِتَابَةٍ، وَإِنْ) كَانَ الْمَكْتُوبُ (مُصْحَفًا) لِمَا فِيهَا مِنْ نَوْعِ اشْتِغَالٍ عَنْ مُلَاحَظَةِ الرَّبِّ تَعَالَى. وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ الِاعْتِكَافِ كَثْرَةُ الثَّوَابِ، بَلْ صَفَاءُ مِرْآةِ الْقَلْبِ الَّذِي بِهِ سَعَادَةُ الدَّارَيْنِ. وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ مَا ذُكِرَ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ وَالْكِتَابَةِ، (إنْ كَثُرَ) لَا إنْ قَلَّ
وَعَطَفَ عَامًّا عَلَى خَاصٍّ بِقَوْلِهِ: (وَ) كُرِهَ اشْتِغَالُهُ بِكُلِّ (فِعْلٍ غَيْرِ ذِكْرٍ وَتِلَاوَةٍ وَصَلَاةٍ) : وَأَمَّا فِعْلُ هَذِهِ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [فَإِنْ اعْتَكَفَ غَيْرَ مَكْفِيٍّ] : أَيْ مُرْتَكِبًا لِلْكَرَاهَةِ.
قَوْلُهُ: [دُخُولُهُ بِمَنْزِلٍ بِهِ أَهْلُهُ] إلَخْ: أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ مُقَيَّدَةٌ بِكَوْنِ الْمَنْزِلِ فِيهِ أَهْلُهُ، مَخَافَةَ أَنْ يَشْتَغِلَ بِهِمْ عَنْ اعْتِكَافِهِ. وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ جَوَازُ مَجِيءِ زَوْجَتِهِ إلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَانِعٌ مِنْ الْجِمَاعِ وَمُقَدِّمَاتِهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَنْزِلُ قَرِيبًا فَلَوْ كَانَ بَعِيدًا وَذَهَبَ إلَيْهِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْمَنْزِلِ أَهْلُهُ فَلَا كَرَاهَةَ، أَوْ بِأَنْ دَخَلَ فِي أَسْفَلِ الْبَيْتِ وَأَهْلُهُ بِأَعْلَاهُ.
قَوْلُهُ: [وَكُرِهَ اشْتِغَالُهُ بِعِلْمٍ] إلَخْ: أَيْ غَيْرِ عَيْنِيٍّ وَإِلَّا لَمْ يُكْرَهْ، وَكَرَاهَةُ الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ الْغَيْرِ الْعَيْنِيِّ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ مِنْ أَنَّ الِاعْتِكَافَ يَخْتَصُّ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ بِذِكْرِ اللَّهِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَالصَّلَاةِ وَأَمَّا عَنْ مَذْهَبِ ابْنِ وَهْبٍ مِنْ أَنَّهُ يُبَاحُ لِلْمُعْتَكِفِ جَمِيعُ أَعْمَالِ الْبِرِّ فَيَجُوزُ لَهُ مُدَارَسَةُ الْعِلْمِ وَكِتَابَتُهُ.
قَوْلُهُ: [وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ الِاعْتِكَافِ] إلَخْ: فِيهِ رَدٌّ عَلَى ابْنِ وَهْبٍ.
قَوْلُهُ: [الَّذِي بِهِ] : أَيْ بِالصَّفَاءِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى اعْتَنَتْ الصُّوفِيَّةُ بِالْخَلْوَةِ الْمَشْهُورَةِ بِشُرُوطِهَا، فَإِنَّ فِيهِ تَشْدِيدًا أَكْثَرَ مِنْ الِاعْتِكَافِ، وَلِذَلِكَ لَا يُحْسِنُهَا إلَّا مَنْ سَبَقَتْ لَهُمْ الْعِنَايَةُ.
الثَّلَاثَةِ فَمَنْدُوبٌ كَمَا تَقَدَّمَ. وَمِنْ الذِّكْرِ: الْفِكْرُ الْقَلْبِيُّ فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَدَقَائِقِ الْحُكْمِ، وَالِاسْتِغْفَارُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ. وَمَثَّلَ لِفِعْلِ غَيْرِ الثَّلَاثَةِ بِقَوْلِهِ:
(كَعِيَادَةِ مَرِيضٍ) : بِالْمَسْجِدِ إنْ انْتَقَلَ لَهُ فِيهِ، لَا إنْ كَانَ بِلَصْقِهِ.
(وَصَلَاةِ جِنَازَةٍ وَلَوْ لَاصَقَتْ) الْمُعْتَكَفَ، بِأَنْ وُضِعَتْ بِقُرْبِهِ وَانْتَهَى زِحَامُهَا إلَيْهِ.
(وَصُعُودِهِ لِأَذَانٍ بِمَنَارٍ أَوْ سَطْحٍ) لِلْمَسْجِدِ لَا بِمَكَانِهِ أَوْ صَحْنِهِ. (وَإِقَامَتِهِ) لِلصَّلَاةِ. وَالسَّلَامِ عَلَى الْغَيْرِ إنْ بَعُدَ.
(وَجَازَ سَلَامُهُ عَلَى مَنْ بِقُرْبِهِ) .
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [الْفِكْرُ الْقَلْبِيُّ] : بَلْ هُوَ أَعْظَمُ الذِّكْرِ لِقَوْلِ أَبِي الْحَسَنِ الشَّاذِلِيِّ: ذَرَّةٌ مِنْ عَمَلِ الْقُلُوبِ خَيْرٌ مِنْ مَثَاقِيلِ الْجِبَالِ مِنْ عَمَلِ الْأَبَدَانِ، وَقَالَ الْعَارِفُونَ: إنَّ تَفْجِيرَ يَنَابِعِ الْحِكَمِ مِنْ الْقَلْبِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْفِكْرِ، وَلِذَلِكَ كَانَتْ عِبَادَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ الْبَعْثَةِ الْفِكْرَ عِنْدَ أَهْلِ التَّحْقِيقِ.
قَوْلُهُ: [وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ] : أَيْ لِأَنَّ فِيهِمَا ذِكْرٌ وَزِيَادَةٌ، وَهُوَ الْقِيَامُ بِبَعْضِ حُقُوقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلِذَلِكَ قَالُوا: هِيَ شَيْخُ مَنْ لَا شَيْخَ لَهُ.
قَوْلُهُ: [لَا إنْ كَانَ بِلَصْقِهِ] : أَيْ فَلَا كَرَاهَةَ بَلْ هُوَ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ وَفِيهِ الثَّوَابُ.
قَوْلُهُ: [وَصَلَاةِ جِنَازَةٍ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمُصَلَّى عَلَيْهِ جَارًا أَوْ صَالِحًا مَا لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: [وَإِقَامَتُهُ لِلصَّلَاةِ] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ، وَأَمَّا إمَامَتُهُ فَلَا بَأْسَ بِهَا بَلْ مُسْتَحَبَّةٌ وَلَوْ مُرَتَّبًا، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَكِفُ وَيُصَلِّي إمَامًا خِلَافًا لِعَدِّ خَلِيلٍ لَهَا فِي الْمَكْرُوهَاتِ.
قَوْلُهُ: [وَجَازَ سَلَامُهُ عَلَى مَنْ بِقُرْبِهِ] : الْمُرَادُ سُؤَالُهُ عَنْ حَالِهِ كَقَوْلِهِ: كَيْفَ حَالُك، كَيْفَ أَصْبَحْت مَثَلًا، مِنْ غَيْرِ انْتِقَالٍ عَنْ مَجْلِسِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الذِّكْرِ، كَذَا فِي الْأَصْلِ.