الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الزَّكَاةِ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الصَّوْمِ وَأَحْكَامِهِ فَقَالَ
بَابٌ فِي الصَّوْمِ
(يَجِبُ صَوْمُ رَمَضَانَ عَلَى الْمُكَلَّفِ) : أَيْ الْبَالِغِ، الْعَاقِلِ، ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، حُرًّا أَوْ عَبْدًا.
(الْقَادِرِ) : عَلَى صَوْمِهِ لَا عَلَى عَاجِزٍ عَنْ صَوْمِهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَمُرْضِعٍ لَهَا قُدْرَةٌ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ خَافَتْ عَلَى الرَّضِيعِ هَلَاكًا أَوْ شِدَّةَ ضَرَرٍ.
(الْحَاضِرِ) لَا عَلَى مُسَافِرٍ سَفَرَ قَصْرٍ.
(الْخَالِي مِنْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ) لَا عَلَى حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ. فَشُرُوطُ وُجُوبِهِ خَمْسَةٌ: الْبُلُوغُ، وَالْعَقْلُ، وَالْقُدْرَةُ، وَالْحُضُورُ،
ــ
[حاشية الصاوي]
[بَابٌ فِي الصَّوْمِ]
[حُكْم الصَّوْمِ وَشُرُوطه وَوُجُوبه]
بَابٌ:
الصَّوْمُ لُغَةً: الْإِمْسَاكُ وَالْكَفُّ عَنْ الشَّيْءِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: 26] : أَيْ صَمْتًا وَإِمْسَاكًا عَنْ الْكَلَامِ، وَشَرْعًا: الْإِمْسَاكُ عَنْ شَهْوَتَيْ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا مُخَالَفَةً لِلْهَوَى فِي طَاعَةِ الْمَوْلَى فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ النَّهَارِ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ مَعَهُ إنْ أَمْكَنَ فِيمَا عَدَا زَمَنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَأَيَّامَ الْأَعْيَادِ، قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. (اهـ. خَرَشِيٌّ) وَسُمِّيَ رَمَضَانَ: لِأَنَّهُ يَرْمَضُ الذُّنُوبَ أَيْ يَحْرِقُهَا وَيُذْهِبُهَا، وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَالتَّشْبِيهُ فِي الْآيَةِ فِي أَصْلِ الصَّوْمِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ.
قَوْلُهُ: [كَمُرْضِعٍ] : وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ: الْحَامِلَ.
قَوْلُهُ: [لَا عَلَى مُسَافِرٍ] : أَيْ سَفَرًا مُبَاحًا.
قَوْلُهُ: [لَا عَلَى حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ] : أَيْ لَا يَصِحُّ وَلَا يَجِبُ كَمَا يَأْتِي، بَلْ الصَّوْمُ فِي حَقِّهِمَا حَرَامٌ.
قَوْلُهُ: [الْبُلُوغُ] : فَالصَّبِيُّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَلْ يُكْرَهُ لَهُ، وَلَيْسَ كَالصَّلَاةِ يُؤْمَرُ بِهِ عِنْدَ سَبْعٍ وَيُضْرَبُ عَلَيْهِ عِنْدَ عَشْرٍ.
وَالْخُلُوُّ مِنْ الْحَيْضِ، وَالنِّفَاسِ. وَيَصِحُّ مِمَّا عَدَا الْمَجْنُونَ وَالْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ؛ فَيَكُونُ الْعَقْلُ وَالْخُلُوُّ مِنْهُمَا شَرْطَيْ صِحَّةٍ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي. وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَشَرْطُ صِحَّةٍ فَقَطْ. وَسَيَأْتِي أَنَّ النِّيَّةَ رُكْنٌ. وَدَخَلَ الْمُكْرَهُ فِي الْعَاجِزِ.
(بِكَمَالِ شَعْبَانَ) : أَيْ يَجِبُ وَيَتَحَقَّقُ بِكَمَالِهِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا.
(أَوْ بِرُؤْيَةِ عَدْلَيْنِ) : وَأَوْلَى أَكْثَرُ؛ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَخْبَرَاهُ بِهَا الصَّوْمُ، وَإِنْ لَمْ يَرْفَعَا لِحَاكِمٍ، وَيَجِبُ عَلَيْهِمَا الرَّفْعُ إذَا لَمْ يَرَهُ غَيْرُهُمَا كَمَا يَأْتِي.
(فَإِنْ) ثَبَتَ بِرُؤْيَتِهِمَا وَ (لَمْ يُرَ) الْهِلَالُ: أَيْ هِلَالُ شَوَّالٍ (بَعْدَ ثَلَاثِينَ) يَوْمًا لِغَيْرِهِمَا - حَالَ كَوْنِ السَّمَاءِ (صَحْوًا) لَا غَيْمَ بِهَا - لَيْلَةَ الْإِحْدَى وَالثَّلَاثِينَ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَيَصِحُّ مِمَّا عَدَا الْمَجْنُونَ] إلَخْ: وَالصِّحَّةُ لَا تُنَافِي الْكَرَاهَةَ كَمَا فِي صَوْمِ الصَّبِيِّ أَوْ الْحُرْمَةَ كَمَا فِي صَوْمِ الْمَرِيضِ إنْ أَضَرَّ بِهِ.
قَوْلُهُ: [وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَشَرْطُ صِحَّةٍ] : أَيْ وَمِثْلُهُ الزَّمَانُ الْقَابِلُ لِلصَّوْمِ.
قَوْلُهُ: [وَسَيَأْتِي أَنَّ النِّيَّةَ رُكْنٌ] : وَمِثْلُهَا الْإِمْسَاكُ عَنْ شَهْوَتَيْ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ، وَلَكِنْ جَعَلَهَا الْأُجْهُورِيُّ فِي نَظْمِهِ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ حَيْثُ قَالَ:
شَرَائِطُ لِأَدَاءِ الصَّوْمِ نِيَّتُهُ
…
إسْلَامُنَا وَزَمَانٌ لِلْأَدَا قُبِلَا
كَالْكَفِّ عَنْ مُفْطِرٍ شَرْطُ الْوُجُوبِ لَهُ
…
إطَاقَةٌ وَبُلُوغٌ هَكَذَا نُقِلَا
أَمَّا النَّقَاءُ وَعَقْلٌ فَهُوَ شَرْطُهُمَا
…
دُخُولُ شَهْرِ صِيَامٍ مِثْلَ ذَا جُعِلَا
قَوْلُهُ: [وَيَتَحَقَّقُ] : أَيْ فِي الْخَارِجِ سَوَاءٌ حَكَمَ بِثُبُوتِهِ حَاكِمٌ أَمْ لَا. وَمِثْلُ كَمَالِهِ؛ كَمَالُ مَا قَبْلَهُ وَهُوَ رَجَبٌ كَذَا مَا قَبْلَ رَجَبٍ وَهَذَا إنْ غُمَّ بِأَنْ كَانَتْ السَّمَاءُ لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ مُغَيِّمَةً، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُصْحِيَةً فَلَا يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهُ عَلَى الْإِكْمَالِ ثَلَاثِينَ، بَلْ تَارَةً يَثْبُتُ بِذَلِكَ إنْ لَمْ يَرَ الْهِلَالَ وَتَارَةً يَثْبُتُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ.
قَوْلُهُ: [أَوْ بِرُؤْيَةِ عَدْلَيْنِ] : هَذَا إذَا انْفَرَدَا بِالرُّؤْيَةِ فِي غَيْمٍ وَلَوْ بِصَحْوٍ فِي بَلَدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، بَلْ وَلَوْ ادَّعَيَا الرُّؤْيَةَ فِي الْجِهَةِ الَّتِي وَقَعَ الطَّلَبُ فِيهَا مِنْ غَيْرِهِمَا.
قَوْلُهُ: [كَمَا يَأْتِي] : أَيْ مِنْ وُجُوبِ الرَّفْعِ عَلَى الْعَدْلِ وَالْمَرْجُوِّ.
قَوْلُهُ: [لَا غَيْمَ بِهَا] : حَاصِلُهُ أَنَّ تَكْذِيبَهُمَا مَشْرُوطٌ بِأَمْرَيْنِ: عَدَمُ رُؤْيَتِهِ لِغَيْرِهِمَا لَيْلَةَ إحْدَى وَثَلَاثِينَ، وَكَوْنُ السَّمَاءِ صَحْوًا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ. فَلَوْ رَآهُ غَيْرُهُمَا
(كُذِّبَا) فِي شَهَادَتِهِمَا بِرُؤْيَةِ رَمَضَانَ، فَيَجِبُ تَبْيِيتُ الصَّوْمِ. وَقَوْلُنَا:" لِغَيْرِهِمَا ": احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا شَهِدَا بِرُؤْيَةِ شَوَّالٍ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمَا لِاتِّهَامِهِمَا عَلَى تَرْوِيجِ شَهَادَتِهِمَا الْأُولَى.
(أَوْ) بِرُؤْيَةِ (جَمَاعَةٍ مُسْتَفِيضَةٍ) وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا عُدُولًا وَهِيَ الَّتِي يَسْتَحِيلُ عَادَةً تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ؛ أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ يَدَّعِيهَا، لَا أَنَّهُ يَدَّعِي السَّمَاعَ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا يَقَعُ لِكَثِيرٍ مِنْ الْعَوَامّ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمْ الْعَدَالَةُ وَلَا الذُّكُورَةُ وَالْحُرِّيَّةُ.
(أَوْ) بِرُؤْيَةِ (عَدْلٍ) بِالنِّسْبَةِ (لِمَنْ لَا اعْتِنَاءَ لَهُمْ بِهِ) : أَيْ بِالْهِلَالِ كَانُوا أَهْلَهُ أَمْ لَا.
ــ
[حاشية الصاوي]
لَيْلَةَ إحْدَى وَثَلَاثِينَ أَوْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ وَكَانَتْ السَّمَاءُ غَيْمًا لَمْ يُكَذَّبَا. وَمِثْلُ الْعَدْلَيْنِ فِي كَوْنِهِمَا يُكَذَّبَانِ بِالشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، مَا زَادَ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يَبْلُغْ الْمُسْتَفِيضَةَ. وَأَمَّا الْمُسْتَفِيضَةُ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِمْ ذَلِكَ لِإِفَادَةِ خَبَرِهِمْ الْقَطْعَ، قَالَ أَشْيَاخُنَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ فُرِضَ عَدَمُ الرُّؤْيَةِ بَعْدَ الثَّلَاثِينَ مِنْ إخْبَارِهِمْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِفَاضَةَ لَمْ تَتَحَقَّقْ فِيهِمْ، وَحِينَئِذٍ فَيُكَذَّبُونَ، وَحَيْثُ كُذِّبَ الْعَدْلَانِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمَا فَالنِّيَّةُ الْحَاصِلَةُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ صَحِيحَةٌ لِلْعُذْرِ وَلِخِلَافِ الْأَئِمَّةِ، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَقُولُ بِتَكْذِيبِ الْعَدْلَيْنِ وَيَعْتَمِدُ فِي الْفِطْرِ عَلَى رُؤْيَتِهِمَا أَوَّلًا. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُمَا يُكَذَّبَانِ وَلَوْ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا حَاكِمٌ حَيْثُ كَانَ مَالِكِيًّا، أَمَّا لَوْ كَانَ الْحَاكِمُ بِهَا شَافِعِيًّا لَا يَرَى تَكْذِيبَهُمَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْفِطْرُ اعْتِمَادًا عَلَى رُؤْيَتِهِمَا الْأُولَى بِنَاءً عَلَى قَوْلِ ابْنِ رَاشِدٍ الْآتِي.
قَوْلُهُ: [مُسْتَفِيضَةٌ] : أَيْ مُنْتَشِرَةٌ.
قَوْلُهُ: [وَهِيَ الَّتِي يَسْتَحِيلُ] إلَخْ: اعْلَمْ أَنَّ الْمُسْتَفِيضَةَ وَقَعَ فِيهَا خِلَافٌ؛ فَاَلَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالتَّوْضِيحُ: أَنَّهُ الْمُحَصِّلُ خَبَرُهُ الْعِلْمُ أَوْ الظَّنُّ، وَأَنْ يَبْلُغُوا عَدَدَ التَّوَاتُرِ. وَاَلَّذِي لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: أَنَّ الْخَبَرَ الْمُسْتَفِيضَ هُوَ الْمُحَصِّلُ لِلْعِلْمِ لِصُدُورِهِ مِمَّنْ لَا يُمْكِنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى بَاطِلٍ لِبُلُوغِهِمْ عَدَدَ التَّوَاتُرِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا ابْنُ عَرَفَةَ وَالْأَبِيُّ وَالْمَوَّاقُ وَكَذَا شَارِحُنَا، فَقَوْلُ الشَّارِحِ: يَسْتَحِيلُ عَادَةً تَوَاطُؤُهُمْ: أَيْ لِبُلُوغِهِمْ عَدَدَ التَّوَاتُرِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ؛ وَإِلَّا فَخَبَرُ الْعَدْلَيْنِ يُفِيدُ الظَّنَّ.
قَوْلُهُ: [كَانُوا أَهْلَهُ أَمْ لَا] : هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ.
(وَلَا يَحْكُمُ بِهِ) : أَيْ بِرُؤْيَةِ الْعَدْلِ؛ أَيْ لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِثُبُوتِ الْهِلَالِ بِرُؤْيَةِ عَدْلٍ فَقَطْ عِنْدَنَا، وَلَا يَلْزَمُ الصَّوْمُ إنْ حَكَمَ بِهِ إلَّا لِمَنْ لَا اعْتِنَاءَ لَهُمْ بِشَأْنِ الْهِلَالِ (فَإِنْ حَكَمَ بِهِ مُخَالِفٌ) لَنَا يَرَى ذَلِكَ (لَزِمَ) الصَّوْمُ، وَعَمَّ (عَلَى الْأَظْهَرِ) مِنْ أَحَدِ التَّرَدُّدَيْنِ.
(وَعَمَّ) الصَّوْمُ سَائِرَ الْبِلَادِ وَالْأَقْطَارِ وَلَوْ بَعُدَتْ (إنْ نَقَلَ عَنْ الْمُسْتَفِيضَةِ أَوْ) عَنْ (الْعَدْلَيْنِ بِهِمَا) أَيْ بِالْمُسْتَفِيضَةِ أَوْ الْعَدْلَيْنِ. فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ: نَقْلُ اسْتِفَاضَةٍ عَنْ مِثْلِهَا أَوْ عَنْ عَدْلَيْنِ، وَنَقْلُ عَدْلَيْنِ
ــ
[حاشية الصاوي]
وَالْحَاصِلُ أَنَّ رُؤْيَةَ الْوَاحِدِ كَافِيَةٌ فِي مَحَلٍّ لَا اعْتِنَاءَ فِيهِ بِأَمْرِ الْهِلَالِ وَلَوْ امْرَأَةً أَوْ عَبْدًا، لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تَثِقُ النَّفْسُ بِخَبَرِهِ وَتَسْكُنُ بِهِ لِعَدَالَةِ الْمَرْأَةِ وَحُسْنِ سِيرَةِ الْعَبْدِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ.
قَوْلُهُ: [عَلَى الْأَظْهَرِ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُخَالِفَ إذَا حَكَمَ بِثُبُوتِ شَهْرِ رَمَضَانَ بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ فَهَلْ يَلْزَمُ الْمَالِكِيَّ الصَّوْمُ بِهَذَا الْحُكْمِ؟ لِأَنَّهُ حُكْمٌ وَقَعَ فِي حُكْمٍ يَجُوزُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ وَهُوَ الْعِبَادَاتُ - وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ رَاشِدٍ الْقَفْصِيِّ. أَوَّلًا يَلْزَمُ الْمَالِكِيَّ صَوْمُهُ؟ لِأَنَّهُ إفْتَاءٌ لَا حُكْمٌ، لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يَدْخُلُ الْعِبَادَاتِ، وَحُكْمُهُ فِيهَا يُعَدُّ إفْتَاءً فَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُحَاكِمَ بِصِحَّةِ صَلَاةٍ أَوْ بُطْلَانِهَا وَإِنَّمَا يَدْخُلُ حُكْمُهُ حُقُوقَ الْعِبَادِ مِنْ مُعَامَلَاتٍ وَغَيْرِهَا، وَهَذَا قَوْلُ الْقَرَافِيُّ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ، وَلِلنَّاصِرِ اللَّقَانِيِّ قَوْلٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يَدْخُلُ الْعِبَادَاتِ تَبَعًا لَا اسْتِقْلَالًا؛ فَعَلَى هَذَا إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِثُبُوتِ الشَّهْرِ لَزِمَ الْمَالِكِيَّ الصَّوْمُ إلَّا إنْ حَكَمَ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ، قَالَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيُّ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا قِيلَ بِلُزُومِ الصَّوْمِ لِلْمَالِكِيِّ وَصَامَ النَّاسُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَمْ يُرَ الْهِلَالُ، وَحَكَمَ الشَّافِعِيُّ بِالْفِطْرِ، فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمَالِكِيِّ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْعِبَادَاتِ أَصْعُبُ مِنْ الدُّخُولِ فِيهَا كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ سَالِمٌ السَّنْهُورِيُّ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ. وَلَا يُنَاقِضُ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِنَا، أَمَّا لَوْ كَانَ الْحَاكِمُ بِهَا شَافِعِيًّا لَا يَرَى تَكْذِيبَهُمَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْفِطْرُ لِقُوَّةِ الْمُخَالَفَةِ هُنَا.
قَوْلُهُ: [فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ] : أَيْ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا الصَّوْمُ اتِّفَاقًا وَسَيَأْتِي التَّفْصِيلُ فِي نَقْلِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ.