الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحكى ابن قتيبة عن بعضهم أن واحده: درُّوج؛ كفرُّوج.
وهو طائر أسود باطن الجناحين، أغبر ظاهرهما على خلقة القطا إلا أنه ألطف من القطا، وهو من جملة الطير المبشرة بالربيع.
ذكر الدميري، والسيوطي أنه يقول في تصويته: بالشُّكر تدوم النعم، وصوته على وزن هذه الكلمات.
والاعتبار في ذلك أن يتلقى العبد نعمة الربيع وكل نعم الله تعالى المسبغة عليه بالشكر.
-
وكذلك الطير المعروف في بلاد الشام والروم بدائم اشكر
، وهو من أنواع الحمام شبيه بالقمري؛ فإنه سمي بذلك لأن صياحه على مثل هذا الوزان: الدائم اشكر؛ أي: اشكر الدائم؛ بذلك تعرفه عوام الناس، ويعرفون القمري بالكريم لأن صياحه على وزن: يا كريم.
والاعتبار في ذلك أن يكون مستديم الشكر كما أن الله تعالى يتداومه بالنعم ويتداركه بها، فالشكر يحصل بالطاعات، وأظهرها فيه اللسان، والحمد أظهر ما ينطق به اللسان فيه، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"رَأْسُ الشُّكْرِ الْحَمْدُ لله"(1).
-
ومن ذلك: القطا:
وهو جمع قطاة، ويُجمع على قَطَوات، وقَطَيات كما قاله الجوهري (2)، وهي نوعان: كدرية، وجونية.
(1) رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(4395)، والديلمي في "مسند الفردوس"(2784) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنها.
(2)
انظر: "الصحاح" للجوهري (6/ 2464)(مادة: قطو).
فالكدرية: غبر اللون، رقش البطون والظهور، صغار الحلوق، قصار الأذناب، وهي ألطف من الجونية.
والجونية: سود بطون الأجنحة والقوادم، وظهرها أغبر أرقط يعلوه صفرة، وهي أكبر من الكدرية.
والكدرية فصيحة تنادي باسمها: قطا قطا مفسرة.
والجونية تغرغر بذلك من حلقها؛ ولهذا سميت جوني.
والقطا شديدة الطيران، وتوصف بالهداية لأنها تبيض في القفر، وتستقي من بعيد بحيث إنها تقطع من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبع مراحل حتى تقع على الماء، فتستقي وتأتي به في حواصلها لفراخها، وتعود في الظلمة، فإذا كانت حيال أولادها صاحت: قطا قطا، وبه سميت، فتجيبها أولادها فلا تخطئ مكانها بلا عَلَم ولا شجر ولا إشارة، ومن هنا ضُرب بها المثل في الهداية.
وربما طلبت الماء من مسيرة عشرين ليلة وأكثر وأقل، وتعود من ليلتها، ولذلك اختار العباس بن الأحنف التمثيل بالقطا في قوله:[من الطويل]
أَسِرْبَ القَطا هَلْ مَنْ يُعِيرُ جَناحَهُ
…
لَعَلِّي إِلَى مَنْ قَد هَوِيْتُ أَطِيرُ
فَجَاوَبْنَنِي مِنْ فَوْقِ غُصْنِ أَراكَةٍ
…
أَلا كُلُّنا يا مُسْتَعِيرُ يُعِيرُ
وَكُلُّ قَطاةٍ لَمْ تُعِرْكَ جَناحَها
…
تَعِيشُ بِذُلٍّ وَالْجَناحُ كَسِيرُ
وقال مزاحم العقيلي في القطا وفرخها: [من الطويل]
وَلَمَّا دَعَتْهُ بِالقَطاةِ أَجابَها
…
بِمِثْلِ الَّذِي قالَتْ بِهِ لَمْ يُبدِّلِ
وتوصف بحُسن المشي، ويمثل مشي النساء الخَفِرات بمشيها كما قالت هند بنت عتبة يوم أُحد:[من المجتث]
نَحْنُ بَناتُ طارِق
…
نَمْشِي عَلى النَّمارِق
مَشْيَ القَطا النَّقانِق (1)
أي: الكثيرات الأولاد.
وقالوا في المثل: أصدق من القطا، وأنسب من القطا؛ فإنها إذا صوتت تنسب باسم نفسها، فصدقت لما سبق أنها تقول: قطا قطا.
والاعتبار في التشبه بالقطا بالصدق وحسن الرعاية، والفطنة والهداية، والهوينا في المشي مع علو الهمة، وحسن التشبه بالآباء في المكارم والمناقب ومحاسن الأخلاق والآداب.
وقالوا في المثل: ليس قطا مثل قطي؛ يُضرب في قصور الأصاغر عن بلوغ مراتب الأكابر في الإغناء في الأمور المهمة (2).
ونظيره قول بعض العلماء في حق بعض الظلمة وقد تصدى لما لم تبلغه حاله وعلمه: فلان فروج، لكنه يتدايك.
وقالوا في المثل: لو ترك القطا ليلاً لنام؛ يُضرب لمن لم يتهيج
(1) انظر: "الكامل في التاريخ" لابن الأثير (2/ 48).
(2)
انظر: "المستقصى في أمثال العرب" للزمخشري (2/ 306).