المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ومن أحوال العجماوات، بل والجمادات: طاعتها لله تعالى، وانقيادها له، وتسبيحها بحمده، وشهادتها بوحدانيته - حسن التنبه لما ورد في التشبه - جـ ١٢

[نجم الدين الغزي]

فهرس الكتاب

- ‌ ومن ذلك: الحُمَّرة

- ‌ ومن ذلك: الزرزور:

- ‌ ومن ذلك: الصعو:

- ‌ ومن ذلك: الوصع صغير العصافير

- ‌ ومن ذلك: الفرفر

- ‌ ومن ذلك: البلبل:

- ‌ ومن ذلك: الهزار، والعندليب:

- ‌ ومن ذلك: الشحرور

- ‌ ومن ذلك: الدرج:

- ‌ وكذلك الطير المعروف في بلاد الشام والروم بدائم اشكر

- ‌ ومن ذلك: القطا:

- ‌ ومن ذلك: الدرة:

- ‌ ومن ذلك: فاقد إلفه:

- ‌ ومن أحوال الطير: التبكير بالطاعة والذكر، وطلب الرزق

- ‌ ومن أحوال الطير: استئناسه بجنسه ونفوره عن غير جنسه

- ‌ ومن أحوال الطير: خلو قلوبها لأمثالها من أجناسها

- ‌ ومن أحوال كثير من الطير: الاستئناس بالله تعالى والانفراد عن الخلق

- ‌ فوائد تتعلق بالخطاف:

- ‌ ومن أوصاف الطير: كثرة الاستيقاظ بالليل حذراً من الجوارح

- ‌ ومن أوصاف طير الليل كالبوم، والهام، والخفاش:

- ‌ ومن أوصاف الطير، وسائر البهائم والسباع والهوام:

- ‌ ومن أحوال الطير أو أكثرها: المزاوجة

- ‌ ومن أحوال الطير - خصوصاً أشرافها -: علو الهمة، وبلوغ المآرب بالطيران

- ‌ ومن أحوال الطير والوحش: الإمساك يوم عاشوراء عن الطعام والشراب

- ‌ ومن أوصاف النحل:

- ‌ ومن أوصاف النحل: الدوي في ذكر الله تعالى

- ‌ ومن خصال النحل: أنها لا ترعى إلا الطيِّب

- ‌ ومن خصال النحل:

- ‌ ومن النحل اليعسوب:

- ‌ لَطِيفَةٌ:

- ‌ تَنْبِيهٌ:

- ‌ فائِدَةٌ زائِدَةٌ:

- ‌ ومن ذلك النمل:

- ‌ ومن ذلك: الحوت، والسمك وهو ما لا يعيش إلا في الماء

- ‌ ومن ذلك: الإبل

- ‌ ومن الإبل: الجمل الأنوف

- ‌ تنبِيهٌ:

- ‌ ومن أخلاق الإبل:

- ‌ ومن الإبل: البُزْل

- ‌ ومن أحوال الخيل:

- ‌ ومن أوصاف الخيل المحمودة التي يتيمن بها:

- ‌ لَطِيفَةٌ:

- ‌ ومن لطائف الخيل:

- ‌ ومن ذلك: الشاة:

- ‌ فائِدَةٌ لَطِيفَةٌ:

- ‌وهنا فائدة مهمة ينبغي التنبيه عليها:

- ‌ فائِدَةٌ:

- ‌ ومن ذلك: الظِّباء والغِزلان:

- ‌ ومن أوصاف الطير: الفطنة، والكياسة، والحذر، والفرار مما يؤذيه، والنفور

- ‌ ومن أوصاف الظبي: الغرَّة

- ‌ وممَّا يوصف به الظبي: الرشاقة

- ‌ ومن ذلك: الوَعِل -كفخذ- وفيه اللغات الأربع، وجمعه: أو عال، ووعول

- ‌ ومن خصال الأوعال والأروى: أنها تتخذ مساكنها في رؤوس الجبال وشَعَفِها

- ‌ ومن عادة الوعل:

- ‌ ومن طبع الوَعِل:

- ‌ ومن ذلك: الأرنب والثعلب؛ يضرب بهما المثل في الفرار

- ‌ ومن أحوال البهائم: الاستسقاء

- ‌ ومن أحوال بعض البهائم والحيوانات: الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وطلب الشفاعة، والاستجارة به عليه الصلاة والسلام

- ‌ ومن أحوال بعض البهائم والسباع: انقيادها لأهل الله تعالى، ولياذها بأوليائه، واحتشامها لهم، وأُنسها بهم

- ‌ ومن أحوال بعض البهائم والعجماوات: حزنها لفقد أولياء الله تعالى، وحنينها إليهم

- ‌ تَنْبِيهٌ:

- ‌ ومن أحوال العجماوات: أنها تستغفر لطلبة العلم والعلماء العاملين، وتترحم عليهم مع التعظيم لهم

- ‌ ومن أحوال العجماوات: أنَّ منها ما يلهم النصيحة للخلق

- ‌ تنبِيهٌ لَطِيفٌ:

- ‌ تنبِيهانَ:

- ‌الأَوَّلُ:

- ‌ الثَّانِي:

- ‌ تنبِيهٌ:

- ‌ ومن أحوال العجماوات، بل والجمادات: طاعتها لله تعالى، وانقيادها له، وتسبيحها بحمده، وشهادتها بوحدانيته

- ‌ فوائِدُ:

- ‌ الفائدة الأُولَى:

- ‌ الفائدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ الْخامِسَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ السَّادسَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌ الفاِئدُة الثَّامِنَةُ:

- ‌ تَتِمَّاتٌ لِهَذا البابِ:

- ‌ فائدة جليلة نختم بها هذا الفصل:

- ‌ خَاِتمَة الكِتَابِ المَوْعُود بِذِكْرِهَا في فَضْل الإنَابَةِ والمَتَابِ

- ‌وللتوبة فَوائِدُ:

- ‌ الفائدة الأولى:

- ‌ الفائدة الثَّانِيَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌ الفائِدَة الرَّابِعَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ الْخامِسَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ الثَّامِنَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ العاشِرَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ الْحادِيَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ الفائِدَةُ الثَّانِيةَ عَشْرَةَ:

- ‌ الفائِدَةُ الثالِثة عَشْرَةَ:

- ‌ الفائِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ الفائِدَةُ الْخامِسَةَ عَشْرَةَ:

- ‌فَصْلٌ

- ‌ أن يقلع عن الذنب في الحال

- ‌ فائِدَةٌ:

- ‌وزاجر الموت:

- ‌وزاجر العقل

- ‌ تَنْبِيهٌ:

- ‌الندم على فعل الذنب

- ‌ تنبِيهٌ:

- ‌العزم على أن لا يعاود الذنب:

- ‌ رد المظالم إلى أهلها، أو الاستحلال منهم حتى يسامحوه ويعفو عنه

- ‌[خاتمة الكتاب]

الفصل: ‌ ومن أحوال العجماوات، بل والجمادات: طاعتها لله تعالى، وانقيادها له، وتسبيحها بحمده، وشهادتها بوحدانيته

وأمَّا رد العجماء اللعن على لاعنها فروى ابن أبي الدنيا عن عمرو ابن قيس رحمه الله تعالى قال: إذا ركب الرجل الدابة قال: اللهم اجعله بي رفيقاً رحيماً، فإذا لعنها قالت: على أعصانا لعنة الله (1).

وعن الفضيل رحمه الله تعالى قال: كان يقال: ما أحد يسب شيئاً من الدنيا دابة أو غيرها فيقول: أخزاك الله، ولعنك الله إلا قال: أخزى الله أعصانا.

[قال الفضيل]: وابن آدم أعصى وأظلم (2).

*‌

‌ تنبِيهٌ:

إذا سبَّ إنسانٌ إنساناً، فسبَّه ولم يتجاوز في رده عليه، ولم يكذب في سبِّه، لم يحرم عليه، ولكن الأولى أن لا يجيبه ويعرض عنه بالكلية، فهو أولى من الانتصار وإن كان مع الاقتصار على القدر الواجب لقوله تعالى:{وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: 63].

وقوله تعالى: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199].

-‌

‌ ومن أحوال العجماوات، بل والجمادات: طاعتها لله تعالى، وانقيادها له، وتسبيحها بحمده، وشهادتها بوحدانيته

.

قال الله تعالى: {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11].

(1) رواه ابن أبي الدنيا في "الصمت وآداب اللسان"(ص: 207).

(2)

رواه ابن أبي الدنيا في "الصمت وآداب اللسان"(ص: 208).

ص: 195

قيل: أراد الله تكوينها فلم تمتنعا عليه.

وقيل: قال الله لها: أخرجا ما خلقت بكما من المنافع لمصالح العباد؛ أمَّا أنت يا سماء فأطلعي شمسك وقمرك ونجومك، وأما أنت يا أرض فشقي أنهارك، وأخرجي ثمارك ونباتك.

وهذا هو المأثور. أخرجه ابن المنذر، والحاكم وصححه، والبيهقي في "الأسماء والصفات" عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه (1).

وقيل: المراد بقوله: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} : أنهما قالا بلسان الحال، أم بلسان المقال بأن أنطقها الله تعالى، وجعل فيها إدراكاً حقيقة لسماع الكلام ورد الجواب.

والقولان جائزان، والثاني مذهب المحدثين وأكثر المحققين، ويدل عليه قوله:{قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} ، ولم يقل: طائعات، أو طائعتين إلحاقاً لهما بالعقلاء من أهل المنطق.

وقال الله تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [الرعد: 15].

وقال عز وجل: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [النحل: 49].

(1) رواه الحاكم في "المستدرك"(73)، والبيهقي في "الأسماء والصفات"(782).

ص: 196

وقال سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18].

وقد حمل أكثر العلماء السجود في هذه الآيات على الانقياد والتسخير لقدرة الله تعالى، ولكن هذا المعنى غير ظاهر في هذه الآية الأخيرة لأنه قال:{وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} [الحج: 18].

فأشار إلى أن منهم من يسجد، ومنهم من يمتنع، ولو أراد بالسجود التسخير لعمَّم السجود كما عممه في الآيتين المذكورتين قبلها؛ فإن الكافر أيضاً مسخَّر منقاد بيد القدرة والقدر فيما هو فيه، وإنما المراد السجود حقيقة إذ بامتناع المكلف منه يحق عليه الوعيد.

والتحقيق في هذا المقام: أنَّ الله تعالى أمر جميع المخلوقات بالسجود على حسب ما أعطى كل واحد منها من القابلية، وجعل في ابن آدم قابلية الإجابة والطاعة من وجهين:

- من حيث التسخير والانقياد لما خلق بيد القدرة.

- ومن حيث القيام بحق الأمانة التي عرضت عليه، فقبلها وحملها على وفق الأمر والخطاب.

ولم يجعل في غيره من المخلوقات قابلية الإجابة والطاعة إلا من الحيثية الأولى، فأطاع الحيثية الأولى كما أطاع غيره.

ص: 197

وأمَّا من الحيثية الثانية فمن غمسه الله تعالى في نور الهداية من جنس البشر أطاع بقدر ما وفقه الله تعالى له فعلاً على سائر الحيوانات والجمادات بهذا الاعتبار، ثم لم يبلغ كمال الطاعة التي تليق بجلال المطاع سبحانه وتعالى، فمن ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم:"اسْتَقِيْمُوْا وَلَنْ تُحْصُوا"(1).

نعم، يعلو قدر الطائع المكلف على قدر طاعته وتقواه لقوله تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].

وحقيقة التقوى هي الطاعة، ولذلك قال أبو رجاء العطاردي رحمه الله تعالى: من سرَّه أن يكون متقياً فليكن أذل من قعود إبل؛ كل من أتى عليه أرغاه. رواه ابن أبي الدنيا (2).

وإنما ضرب المثل بالقعود لأنه مع كبره وقوته ليس في الحيوانات أطوع منه لمتصرف فيه، كأن لسان حاله يقول: إنه لا يتصرف فيه متصرف إلا بتصريف من خلقه، فطاعته طاعة لمن صرفه فيه.

وكذلك يكون طاعة المؤمن لله تعالى ولمن أمره بطاعتهم من رسوله صلى الله عليه وسلم، وأولي الأمر.

وقد تقدم في وصف المؤمن في الحديث أنه كالجمل الأنف؛ إن

(1) تقدم تخريجه.

(2)

انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (1/ 62).

ص: 198

قيد انقاد، وإن أُنيخ على صخرة استناخ (1).

ومن بقي في ظلمة الخذلان، وحقت عليه كلمة الحرمان لم يطع الله تعالى من الحيثية المذكورة، فوقعت الإشارة إليه بقوله تعالى:{وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} [الحج: 18].

فهو - وإن أطاع الله تعالى من حيث إنه يسخر لقدرته في يد قضائه وقدره - فإنه لم يحمد على هذه الطاعة حتى يأتي بالطاعة الأخرى التي هي مقتضى الأمانة التي حملها حين عرضت عليه، ولو أباها حين العرض كما أبتها سائر المخلوقات لم تطلب منه هذه الطاعة، ولم يكلف بها.

هذا ما يتعلق بالإنس من الثقلين.

وأما الجن فإن قلنا: إنهم مكلفون بمثل ما كُلِّفنا به - وهو الأصح - فيحتمل أن الله تعالى عرض عليهم الأمانة فقبلوها كما قبلها البشر، ولمَّا لم يقع النص على حملهم للأمانة في القرآن العظيم كما وقع النص فيه على حمل الإنسان لها، وقع الخلاف من العلماء في أنهم مكلفون بمثل ما كلفنا به أم لا، وفي أنهم مثابون ومعاقبون كما أنَّ البشر كذلك أم لا؟

والأول أصح؛ لأنَّ القرآن نص على تكليفهم بما كلفنا به، ولا مانع أن يكون تكليفهم بذلك دليلاً على أنهم قبلوا الأمانة حين عرضت

(1) تقدم تخريجه.

ص: 199

عليهم كما قبلناها، وإنما وقع الاقتصار في فنون الأمانة وحملها على الإنسان إظهاراً لمزيته وتكريمه وتفضيله، وتنويهاً بمقامه في المعرفة والإدراك.

وقد يقال على القول بأنَّ إبليس أبو الجن: إن النكتة في تكليفهم بذلك: أن إبليس لمَّا عُرِضت الأمانة على الإنسان فحملها، ووصف بأنه كان ظلوماً جهولاً تشفَّى بأمره وشَمَت به، وكلفَّه تعالى وذريته ما كلف به البشر عقوبة وابتلاء.

وحاصله: أنَّ الإنس خاصة، أو هم والجن مكلفون بالطاعة من وجهين، وبقية المخلوقات مأخوذة بالطاعة من وجه واحد، وكل شيء فهو طائع لله حق الطاعة وساجد له حق السجود إلا ما كان من المكلفين، فلا يقضى لهم بأنهم أطاعوا حق الطاعة حتى يقوموا بحق التكليف الذي هو مقتضى الأمانة، والقائمون بذلك قليل، وكل شيء فهو قائم بحق الطاعة التي هي طاعة التسخير والانقياد للقدرة، فصح ما ورد عن بعض كتب الله تعالى: كل شيء أطوع لله من ابن آدم (1).

ومن هنا يظهر لك وجه الحكمة في أن الله تعالى يستشهد على العاصي بجوارحه، وهي شهود عدول بسبب انقيادها لله تعالى وسجودها لها، فيكون محتجًّا عليه بنفسه كما قال الله تعالى:{كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: 14].

(1) انظر: "تفسير الثعلبي"(4/ 310).

ص: 200

وروى أبو نعيم عن بشر بن الحارث رحمه الله تعالى قال: قال فضيل بن عياض لابنه رحمهما الله تعالى: لعلك ترى أنك في شيء الجُعَل أطوع لله منك (1)؟

وعن أحمد بن عاصم الأنطاكي رحمه الله تعالى قال: قال فضيل ابن عياض لابنه علي: لعلك ترى أنك مطيع؟ لَصَرصر من صراصر الحُشِّ أطوع لله منك (2).

قال: يعني بالصرصر: الذي يصيح بالليل.

وقال بعض العلماء: سجود الدواب والجمادات لله تعالى على بابه، وكذلك تسبيحها بحمده المشار إليه بقوله تعالى:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44] على حقيقته، إلا أنه تسبيح خاص وسجود خاص غير ما ذكر من الانقياد والتسخير، ولكن ذلك السجود والتسبيح لا يعلمه إلا بعض أهل الولاية والخصوصية كما قال تعالى:{وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44].

روى البزار بإسناد جيد، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كتبت عنده سورة النجم، فلما بلغ السجدة سجد، وسجدنا معه، وسجدت الدَّواة والقلم (3).

(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(8/ 108).

(2)

رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(9/ 282).

(3)

قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 285): رواه البزار ورجاله ثقات.

ص: 201

وروى الترمذي، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "صحيحه"، وغيرهم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني رأيتني في هذه الليلة فيما يرى النائم كأني أصلي عند شجرة، وكأني قرأت سجدة - وفي لفظ: سورة السجدة - وسجدت، فرأيت الشجرة كأنها سجدت لسجودي، وكأني أسمعها وهي تقول: اللهم اكتب لي بها عندك ذكراً، وضع عني بها وزراً، واجعلها لي عندك ذخراً، وتقبلها مني كما تقبلت من عبدك داود.

قال ابن عباس: فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم السجدة، فسمعته يقول في سجوده كما أخبره الرجل عن قول الشجرة (1).

والرجل المذكور في هذا الحديث [يحتمل] أنه هو أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، ويحتمل أنه غيره.

روى أبو يعلى عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: رأيت فيما يرى النائم كأني تحت شجرة تقرأ (ص)، فلما أتت على السجدة سجَدَت، فقالت في سجدتها: اللهم اغفر لي بها، اللهم حُطَّ عني بها وزراً، وأَحْدِثِ لي بها شكراً، وتقبلها مني كما تقبلت من عبدك داود سجدته.

(1) رواه الترمذي (3424) وقال: غريب، وابن ماجه (1053)، وابن حبان في "صحيحه"(2768)، والحاكم في "المستدرك"(799).

ص: 202

فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال:"سَجَدْتَ أَنْتَ يا أَبا سَعِيدٍ؟ ".

قلت: لا.

قال: "فَأَنْتَ أَحَقُّ بِالسُّجُودِ مِنَ الشَّجَرَةِ".

ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة (ص)، ثم أتى على السجدة، فسجد، وقال في سجوده ما قالت الشجرة في سجودها (1).

وروى الإمام أحمد، والحاكم وصححه، والبيهقي في "الدلائل" عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه: أنه رأى رؤيا أنه يكتب (ص)، فلما بلغ الآية التي يسجد بها رأى الدواة والقلم وكل شيء بحضرته انقلب ساجداً، قال: فقصصتها على النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يزل يسجد بها بعد (2).

ومن هذا الفصل سجود البعير للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه من طاعة الله تعالى، وإجابة الشجر لدعائه صلى الله عليه وسلم كما قال البوصيري:[من البسيط]

جاءَتْ لِدَعْوَتهِ الأَشْجارُ ساجِدَةً

تَهْوِي إِلَيْهِ عَلى ساقي بِلا قَدَمِ

(1) رواه أبو يعلى في "المسند"(1069)، وكذا الطبراني في "المعجم الأوسط" (4768). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/ 285): فيه اليمان بن نصر، قال الذهبي: مجهول.

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 78)، والحاكم في "المستدرك"(3616)، والبيهقي في "دلائل النبوة"(7/ 20).

ص: 203

وحنين الجذع لقراءته صلى الله عليه وسلم، وفراق موعظته وكلامه، وتأمين أسكفة الباب، وحوائط البيت لدعائه لآل بيته، وتسبيح الحصى في يده، والطعام كما هو مشهور في كتب الخصائص، والمعجزات، وكتب الحديث، والسير، ونحوها مما لا يحتمل هذا الكتاب تفصيله (1).

إلا إني أقتصر هنا على قصة الذئب لاشتماله حديثها على ما يكون في آخر الزمان من كلام السباع، وبعض الجمادات كثيراً من الناس، وهو يحقق إذ ذاك ما أشرنا إليه من أنَّ الله تعالى إذا شاء جعل فيما شاء من العجماوات والجمادات قوة النطق والإدراك.

فروى الإمام أحمد، وابن سعد في "طبقاته"، والبزار، والحاكم في "المستدرك"، والبيهقي في "الدلائل" وصححاه، وأبو نعيم في "الدلائل" من طرق عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: بينما راعٍ يرعى بالحرَّة إذ عرض ذئب لشاة من شياهه، فحال الراعي بين الذئب وبين الشاة، فأقعى الذئب على ذنبه، ثم قال للراعي: ألا تتقي الله! تحول بيني وبين رزق ساقه الله إليَّ؟

فقال الراعي: العجب من ذئب يتكلم بكلام الإنس.

فقال الذئب: ألا أحدثك بأعجب مني؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحرتين يُحدِّث بأنباء ما قد سبق.

فساق الراعي غنمه حتى قدم المدينة فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم،

(1) انظر: "الخصائص الكبرى" للسيوطي (2/ 94 - 143).

ص: 204

فحدَّثه بحديث الذئب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"صَدَقَ صَدَقَ، أَلَا إِنَّهُ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعة كَلَامُ السِّبَاعِ لِلإِنْسِ، وَالَّذِيْ نَفْسِيْ بِيَدهِ لَا تَقُوْمُ السَّاعَةُ حَتَّى تُكَلِّمَ السِّبَاعُ الإِنْسَ، وَيُكَلِّمَ الرَّجُلَ شِرَاكُ نَعْلِهِ، وَعَذَبَةُ سَوْطِهِ، وَيُخْبِرُهُ فَخِذُهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ مِنْ بَعْدِهِ"(1).

وروى البخاري في "تاريخه"، وأبو نعيم، والبيهقي؛ كلاهما في "الدلائل" عن أُهبان بن أوس رضي الله تعالى عنه: أنَّه كان له غنم، فشدَّ الذئب على شاة منها، فصاح عليه، فأقبل على ذنبه، قال: فخاطبني، فقال: من لها يوم تشغل عنها، أتنزع مني رزقاً رزقنيه الله؟

قلت: والله ما رأيت شيئًا أعجب من هذا.

قال: وتعجب ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين هذه النخلات يحدث الناس بأنباء ما سبق، وأنباء ما يكون، وهو يدعو إلى الله وإلى عبادته.

فأتى أهبان إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره وأسلم (2).

وقصة الذئب مشهورة ثابتة من طريق ابن عمر، وأنس، وأبي هريرة، وغيرهم (3).

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 83)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى"(1/ 174)، والحاكم في "المستدرك"(8444)، والبيهقي في "دلائل النبوة"(6/ 41) وصححه.

(2)

رواه البخاري في "التاريخ الكبير"(2/ 44) وقال: إسناده ليس بالقوي، والبيهقي في "دلائل النبوة"(6/ 43).

(3)

انظر: "الخصائص الكبرى" للسيوطي (2/ 102 - 105).

ص: 205

وروى ابن عساكر عن محمد بن جعفر بن خالد الدمشقي قال: رافع بن عميرة الطائي فيما يزعمون كلمه الذئب وهو في ضأن له يرعاها، فدعاه الذئب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمره باللحوق به، وله شعر قاله في ذلك:[من الوافر]

رَعَيْتُ الضَّأنَ أَحْمِيها زَماناً

مِنَ الضَّبُعِ الْخَفِيِّ وَكُلِّ ذِئْبِ

فَلَمَّا أَنْ سَمِعْتُ الذِّئْبَ نادَى

يُبَشِّرُنِي بِأَحْمَدَ مِنْ قَرِيبِ

سَعَيْتُ إِلَيْهِ قَدْ شَمَّرْتُ ثَوْبِي

عَنِ السَّاقَيْنِ قاصِدَهُ الرَّكيبِ

فَأَلْفَيْتُ النَّبِيَّ يَقُولُ قَوْلاً

صَدُوقاً لَيْسَ بِالقَوْلِ الكَذوبِ

فَيَسَّرَنِي لِدينِ الْحَقِّ حَتَّى

تَبيَّنَتِ الشَّرِيعَةُ لِلْمُريبِ

وَأَبْصَرْتُ الضِّياءَ يُضِيءُ حَوْلي

أَمامِي إِنْ سَعَيْتُ وَعَنْ جنوبِ

أَلا أَبْلِغْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ

وَإِخْوَتَهُمْ جُدَيلةَ أَنْ أَجِيبِي

دُعاءَ الْمُصْطَفَى لاشَكَّ فِيهِ

فَإِنَّكِ إِنْ أَجَبْتِ فَلَنْ تَخِيبِي (1)

وذكر ذلك أبو عمر بن عبد البر في "الاستيعاب"، وقال: إنه كان لصًّا في الجاهلية، فدعاه الذئب إلى اللحوق برسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم قال: يقال: إنَّ رافع بن عميرة قطع ما بين الكوفة إلى دمشق في خمس ليال لمعرفته بالمفاوز، أو لما شاء الله تعالى (2).

(1) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(18/ 15).

(2)

انظر: "الاستيعاب" لابن عبد البر (2/ 483).

ص: 206

ومن قبيل ما تقدم أيضاً مخاطبة النملة والهدهد لسليمان عليه السلام، ومنطق الطير والبهائم الذي كان يخبر عنه عليه السلام، فذكر الثعلبي في "تفسيره" عن فرقد السبخي رحمه الله تعالى قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على بلبل فوق شجرة يحرك رأسه ويميل ذنبه، فقال لأصحابه: هل تدرون ما يقول هذا البلبل؟

قالوا: الله ونبيه أعلم.

قال: يَقُوْلُ: أَكَلْتُ نِصْفَ ثَمَرَةٍ فَعَلَىْ الدُّنْيَا العَفَاءُ (1).

وقد تقدم هذا عن مالك بن دينار.

وروى بسنده عن كعب رحمه الله تعالى قال: صاح ورشان (2) عند سليمان بن داود عليهما السلام، فقال: أتدرون ما يقول؟

قالوا: لا.

قال: إنه يقول: لِدوا للموت، وابنوا للخراب.

وصاحت فاختة عند سليمان عليه السلام فقال: أتدرون ما تقول؟

قالوا: لا.

قال: فإنها تقول: ليت الخلق لم يخلقوا.

وصاح طاوس عند سليمان عليه السلام فقال: أتدرون ما يقول؟

(1) انظر: "تفسير الثعلبي"(7/ 193).

(2)

ورشان: طائر شبه الحمامة.

ص: 207

قالوا: لا.

قال: فإنه يقول: كما تدين تُدان.

وصاح هدهد عند سليمان عليه السلام، فقال: أتدرون ما يقول هذا؟

قالوا: لا.

قال: فإنه يقول: من لا يَرْحم لا يُرْحم.

وصاح صرد عند سليمان عليه السلام، فقال: أتدرون ما يقول؟

قال: فإنه يقول: استغفروا الله يا مذنبين.

قال: فمن ثَمَ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتله.

قال: وصاحت طيطوى عند سليمان عليه السلام، فقال: أتدرون ما يقول؟

قالوا: لا.

قال: فإنها تقول: كل حي ميت، وكل جديد بال.

وصاح خطاف عند سليمان عليه السلام، فقال: أتدرون ما يقول هذا؟

قالوا: لا.

قال: فإنه يقول: قدِّموا خيراً تجدوه.

فمن ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتله.

وهدرت حمامة عند سليمان عليه السلام، فقال: أتدرون ما تقول هذه الحمامة؟

ص: 208

قالوا: لا.

قال: فإنها تقول: سبحان ربي الأعلى ملء سمائه وأرضه.

وصاح قُمْري عند سليمان عليه السلام، فقال: أتدرون ما تقول؟

قالوا: لا.

قال: تقول: سبحان ربي الأعلى.

قال: والغراب يدعو على العشار.

والحدأة تقول: كل شيء هالك إلا وجهه.

والقطاة تقول: من سكت سلم.

والببغاء تقول: ويل لمن الدنيا همُّه.

والضفدع يقول: سبحان ربي القدوس.

والباز يقول: سبحان ربي وبحمده.

والضفدعة تقول: سبحان المذكور بكل مكان (1).

وروى أيضًا بإسناده عن مكحول رحمه الله تعالى قال: صاح دراج عند سليمان بن داود عليهما السلام قال: أتدرون ما يقول؟

قالوا: لا.

قال: فإنه يقول: الرحمن على العرش استوى (2).

(1) رواه الثعلبي في "التفسير"(7/ 194).

(2)

رواه الثعلبي في "التفسير"(7/ 195).

ص: 209

قلت: وقدمنا عن الدميري، والسيوطي أن الدراج يقول: بالشكر تدوم النعم.

وكان يخطر لي أنه يقول في صياحه: سبحان القديم الأزل، ثم رأيت ذلك منقولًا عن بعض العلماء، وهو أليق وأوفق لقوله تعالى:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44].

ويزعم عوام الناس أنه يقول: طاب طبيخ السنبل، والذي دعاهم إلى ذلك أنَّ هذا وزَّان صوته، وأنَّ وقت صياحه في آخر فصل الربيع حين يبدو نضج السنبل، وهو سنبل الزرع.

ومن لطيف ما وقع لي مع بعض عوام مصر أني كنت مرةً ماشياً بين بساتين دمشق ودرَّاج يصيح، وهذا المصري مصْغٍ إليه متعجب من حسن صوته، وفي نفسه كلام نشأ عن فكر كان قد عيي منه ولم يجد من يبثه إليه حتى وقع بصره عليَّ، فقال: يا سيدي! لقد لقيت عجباً في بلدتكم هذه؛ هذا الطائر يصيح: طاب طبيخ السنبل، وما كنت أظن أن هذا الطائر يوجد في غير مصر حتى وجدته اليوم، إلا أني سمعته يقول في هذه البلدة: طاب طبيخ السنبل ولا يزيد عليها شيئاً، وأمَّا في مصر فإنه يزيد عليها: طاب طبيخ السنبل، سبحان القديم الأزل، ينطق بها كذلك في مصر لا يشك في نطقه، فلم أزده على التبسم والتعجب.

وروى أبو الشيخ في "العظمة" عن فرقد السبخي قال: مرَّ سليمان ابن داود عليهما السلام ببلبل ساقط على شجرة يحرك رأسه ويميل ذنبه، فقال لأصحابه: أتدرون ما يقول هذا؟

ص: 210

قالوا: الله ونبيه أعلم.

قال: يقول: أكلت نصف تمرة وعلى الدنيا العفاء.

قال: ومرَّ بديك يسقع، فقال: أتدرون ما يقول؟ يقول: اذكروا الله، اذكروا الله يا غافلين (1).

وهكذا الرواية بالياء، وأصله يا غافلون.

ووجه الياء أنه أراد خطاب غافلين، لكن غير مقصودة.

وتقدم نظيره عن الصرد: استغفروا الله يا مذنبين.

وسبق هذا الأثر عن الثعلبي إلا أنه بدون الزيادة الأخيرة فيه؛ أوردته هنا إشارة إليها، وإلى أنها من رواية أبي الشيخ.

وروى الثعلبي عن الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدِّيْكُ إِذَا صَاحَ قَالَ: اذْكُرُوْا اللهَ يَا غَافِلِيْنَ"(2).

وروى أبو الشيخ عن أبي هريرة، وابن مردويه عن عائشة، قالا رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صَوْتُ الدِّيْكِ تَسْبِيْحُهُ، وَضَرْبُهُ بِجَنَاحَيْهِ رُكُوْعُهُ وَسُجُوْدُه"(3).

(1) رواه أبو الشيخ في "العظمة"(5/ 1740).

(2)

رواه الثعلبي في "التفسير"(7/ 195).

(3)

رواه أبو الشيخ في "العظمة"(5/ 1765) عن أبي هريرة رضي الله عنه، ورواه الديلمي في "مسند الفردوس"(3775) عن عائشة رضي الله عنها، وانظر:"الدر المنثور" للسيوطي (5/ 289).

ص: 211

وروى أبو الشيخ عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: حين يقول الملك: سبحوا القدوس تحرك الطير أجنحتها (1).

وروى الطبراني، والبيهقي في "الشعب" عن جابر رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ للهِ ديْكًا رِجْلَاهُ في التُّخُوْمِ وَعُنُقُهُ تَحْتَ العَرْشِ مُنْطَوِيةٌ، فَإِذَا كَانَ هِنةٌ مِنَ اللَّيْلِ صَاحَ: سُبُّوح قُدُّوْسٌ، فَصَاحَتِ الدِّيَكَةُ"(2).

وَقَالَ: "إنَّ للهِ دِيْكًا بَرَاثِنُهُ في الأَرْضِ السُّفْلَىْ، وَعُنُقُهُ مَثْنيٌّ تَحْتَ الْعَرْشِ، وَجَنَاحَاهُ في الهَوَاءِ يَخْفِقُ بِهَا فيْ السَّحَرِ".

وأخرج نحوه جعفر الفريابي في "فضل الذكر"، وأبو الشيخ عن ثوبان، وقال:"إنَّ لله تعالى ديكاً براثنه في الأرض السفلى، وعنق مثني تحت العرش، وجناحاه في الهواء، يخفق بها كل [سحر] ليلة يقول: سبحان الملك القدوس، ربنا الرحمن الملك لا إله غيره"(3).

وصحح الحاكم عن أبي هريرة مرفوعاً، وتقدم في التشبه بالملائكة: "إنَّ اللهَ تَعَالى أَذِنَ لي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ دِيْكٍ قَدْ مَرَقَتْ رِجْلَاهُ

(1) رواه أبو الشيخ في "العظمة"(5/ 1741) لكن عن ابن أبي عمرة.

(2)

رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(5175) وقال: تفرد بإسناده هذا علي بن أبي علي اللهبي وكان ضعيفاً. وكذا ابن عدي في "الكامل"(5/ 184) وأعله بعلي هذا.

(3)

رواه أبو الشيخ في "العظمة"(3/ 1006)

ص: 212

فيْ الأَرْضِ وَعُنُقُهُ مَثْنِيَّةٌ تَحْتَ الْعَرْشِ وَهُوَ يَقُوْلُ: سُبْحَانَكَ مَا أَعْظَمَ شَأْنَكَ، فَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا يَعْلَمُ ذَلِكَ مَنْ حَلَفَ بيْ كَاذِبًا" (1).

وروى الأئمة الستة إلا ابن ماجه من حديثه: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ فَسَلُوْا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ، فإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكًا، وإِذَا سَمِعْتُمْ نهاقَ الحِمَارِ فَتَعَوَّذُوْا بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهَا رَأَتْ شَيْطَاناً"(2).

وفي الحديث: "ثَلَاثَةُ أَصْوَاتٍ يُحِبُّهَا اللهُ تَعَالى، صَوْتُ الدِّيَكِ، وَصَوْتُ قَارِئِ القُرْآنِ، وَصَوْتُ المُسْتَغْفِرِيْنَ بِالأَسْحَارِ". رواه الثعلبي (3).

وقال عبد الله بن صالح العجلي رحمه الله تعالى: في الديك عشر خصال.

- هو أحب الطير إلى الله عز وجل.

- وأبعد الطير صوتاً.

- وأشد غَيرة.

- وأشده قتالاً.

- وأسخاه نفساً.

- وأعلمه بأوقات الصلاة.

(1) تقدم تخريجه.

(2)

رواه البخاري (3127)، ومسلم (2729)، وأبو داود (5102)، والترمذي (3459)، والنسائي في "السنن الكبرى"(11390).

(3)

رواه الثعلبي في "التفسير"(3/ 30) عن أم سعد.

ص: 213

- ويؤنس الجيران.

- وهو أحسن الطير.

- وأكثره سفاداً؛ أي جماعاً. أخرجه أبو الشيخ في "العظمة"(1).

وأخرج فيه عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير: أنَّ رجلين اقتمرا، أي: غرَّهما القمر، فأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالديكة أن تذبح، فقال له رجل من الأنصار: يا أمير المؤمنين! تقتل أمة تسبح؟

قال: فتركها (2).

وروى الستة إلا الترمذي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"نزَلَ نبيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَلَذَغَتْهُ نَمْلَةٌ، فَأَمَرَ بِجِهَازهِ فَأُخْرِجَ مِنْ تحتِهَا، وَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ، فَأَوْحَىْ اللهُ تَعَالى إِلَيْهِ: مِنْ أَجْلِ نَمْلَةٍ وَاحِدَةٍ أَحْرَقْتَ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ تُسَبِّحُ، فَهَلَاّ نَمْلَةً وَاحِدَةً"(3).

وذكر الثعلبي عن جعفر الصادق رضي الله عنه عن أبيه، عن جده، عن الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهم قال: إذا صاح النسر قال: عش ما شئت آخره الموت.

(1) رواه أبو الشيخ في "العظمة"(5/ 1757).

(2)

رواه أبو الشيخ في "العظمة"(5/ 1740).

(3)

رواه البخاري (3141)، ومسلم (2241)، وأبو داود (5265)، والنسائي (4359)، وابن ماجه (3225).

ص: 214

وإذا صاح العقاب قال: في البعد عن الناس أنس.

وإذا صاح الصقر قال: اللهم العن مبغض آل محمد.

وإذا صاح الخطاف قرأ: الحمد لله ربِّ العالمين، ويمد الضالين كما يمدها القارئ (1).

وذكر الثعلبي، وغيره: أن الخطاف معه أربع آيات من كتاب الله تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ} [الحشر: 21] إلى آخر السورة، ويمد صوته بقوله:{الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر: 24](2).

وروى ابن عدي عن سفيان رحمه الله تعالى: أنَّه قال: يقال: إنه ليس شيء أكثر ذكراً لله تعالى من الضفدع (3).

وروى أبو الشيخ في "العظمة" عن أبي بردة بن أبي موسى، قال: بلغني أنه ليس شيء أكثر ذكراً لله تعالى من الدودة الحمراء (4).

وعن الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى قال: بينما داود عليه السلام جالساً يوماً إذ مرَّت به دودة حمراء رافعةً رأسها، ففكر داود في خلقها، فنطقت الدودة، وقالت: يا داود! أعجبتك نفسك فتفكرت؛ تسبيحة واحدة أسبحها خير من كذا وكذا (5).

(1) انظر: "تفسير الثعلبي"(7/ 195).

(2)

وانظر: "تفسير القرطبي"(13/ 166).

(3)

رواه ابن عدي في "الكامل"(4/ 316).

(4)

رواه أبو الشيخ في "العظمة"(5/ 1723).

(5)

رواه أبو الشيخ في "العظمة"(5/ 1751).

ص: 215

وروى الإمام أحمد في "الزهد"، وأبو الشيخ في "العظمة" عن المغيرة بن عتبة قال: قال داود عليه السلام: يا رب! هل بات أحد من خلقك الليلة أطول ذكراً لك مني؟

فأوحى الله تعالى إليه: نعم، الضفدع (1).

وروى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: صلى داود عليه السلام ليلة حتى أصبح، فلما أصبح وجد في نفسه سروراً، فنادته ضفدعة: كلا يا داود! كنت أدأب منك، قد أغفيت إغفاء (2).

وروى أبو الشيخ عن بكر بن عبد المزني رحمه الله تعالى قال: قال داود عليه السلام: يا رب! اغفر لي؛ فمن أكثر ذكراً لك مني؟

فنام إلى صخرة إلى جنب نهر حتى أصبح، فناداه ضفدع: يا داود! تَمُنُّ على الله وأنا ضفدع أسبح الله الليل والنهار من خشيته (3)؟

ورويا عن شهر بن حوشب رحمه الله تعالى قال: خرج داود عليه السلام إلى البحر في ساعة يصلي فيها، فنادته ضفدعة، فقالت: يا داود! إنك حدثت نفسك إنك قدَّست في ساعة ليس يذكر الله فيها غيرك، وإني

(1) رواه الإمام أحمد في "الزهد"(ص: 69)، وأبو الشيخ في "العظمة"(5/ 1748).

(2)

ورواه أبو الشيخ في "العظمة"(5/ 1748)، وانظر:"الدر المنثور" للسيوطي (5/ 293).

(3)

رواه أبو الشيخ في "العظمة"(5/ 1746).

ص: 216

في سبعين ألف ضفدع كلها قائمة على رجل تسبح الله تعالى وتقدسه (1).

وروى البيهقي في "الشعب" عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: إن نبي الله داود عليه السلام ظنَّ في نفسه أن أحداً لم يدعُ خالقه جلَّ وعلا بأفضل مما مدحه، فأنزل الله تعالى عليه ملكاً وهو قاعد في محرابه والبركة إلى جانبه، فقال: يا داود! افهم ما تصوت به الضفدع.

فأنصت إليها فإذا هي تقول: سبحانك وبحمدك منتهى علمك يا رب.

فقال له الملك: كيف ترى؟

فقال: والذي جعلني نبياً إني لم أمدحه بهذا (2).

والمراد بالعلم هنا المعلومات أولاً نهاية لعلم الله تعالى الذي وصفه.

وذكر أبو عبد الله القرطبي في كتابه "الزاهر": أن داود عليه السلام قال: لأسبحنَّ الله الليلة تسبيحاً ما سبحه به أحد من خلقه، فنادته ضفدع من ساقية في داره: يا داود! تفتخر على الله بتسبيحك، وإن لي سبعين سنة ما جفَّ لساني من ذكر الله، وإنَّ لي لعشر ليال ما طعمت خضراً ولا شربت ماءً اشتغالاً بكلمتين.

قال: وما هما؟

(1) رواه أبو الشيخ في "العظمة"(5/ 1747).

(2)

رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(4581).

ص: 217

قالت: يا مسبَّحًا بكل لسان، ويا مذكوراً بكل مكان.

فقال داود في نفسه: وما عسى أقول أبلغ من هذا.

وروى أبو الشيخ عن أبي إدريس الخولاني رحمه الله تعالى: أن داود عليه السلام عَبَدَ الله تعالى ليلة حتى أصبح، فحدَّث نفسه، فأوحى الله عز وجل إلى ضفدع في جانبه: أجيبيه.

فقالت: يا داود! أعجبت بليلتك وأنا في مقامي هذا منذ ثمان مئة سنة أعبد الله وأشكره (1)؟

فقلت: جعل الله تعالى في الضفدع في كثرة تسبيحها وتأنقها في تقديسها مَأدَبة لداود عليه السلام لئلا يعجب بكثرة عبادته وتسبيحه وتأنقه فيه، كما جعل في النملة في تأنقها في الخطاب وسياستها للنمل ونفوذ أمرها فيهم، والهدهد في مجيئه بخبر بلقيس وملكها في زمن يسير من مسيرة شهر مأدبة لولده سليمان عليهما السلام لئلا يعجب بملكه وسياسته لرعاياه، وبلوغه مسيرة شهر في غَدوته ورَوحته، واطلاعه على مدائن الأرض وأقاليمها إشارةً إلى أنَّ الله تعالى إذا أنعم على عبد بنعمة فلا تتم له النعمة إلا إذا لم تحجبه عن المنعم سبحانه وتعالى بالنظر إليها والإعجاب بها.

وروى أبو الشيخ أيضاً عن عبد الحميد بن يوسف قال: تسبيح الضفدع: سبحان المعبود بكل مكان، سبحان المحمود بكل مكان،

(1) رواه أبو الشيخ في "العظمة"(5/ 1746).

ص: 218

سبحان المذكور بكل لسان (1).

وذكر الزمخشري أنها تقول: سبحان الملك القدوس.

وتقدم عن كعب أنها تقول: سبحان ربي القدوس.

وروى أبو الشيخ، وابن عدي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَقْتُلُوْا الضِّفْدَعَ؛ فَإِنَّ تَنْقِيْقَهَا تَسْبِيْحٌ"(2).

وروى الإمام أحمد في "الزهد" عن عطاء بن يسار - مرسلاً - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قَالَ نُوْحٌ عليه السلام لابْنِهِ: يَا بُنَيَّ! أُوْصِيْكَ بِاثْنتَيْنِ وَأَنْهَاكَ عَنِ اثْنتَيْنِ، فَأمَّا اللَّتَانِ أُوْصِيْكَ بِهِمَا فَإِنِّي رَأَيْتُهُمَا يُكْثِرَانِ الولُوجَ عَلَى اللهِ وَرَأَيْتُ اللهَ تَعَالَى يَسْتَبْشِرُ بِهِمَا وَصَالحَ خَلْقِهِ، قَوْلُ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمدهِ فإنَّهَا صَلاةُ الْخَلْقِ وَبِهَا يُرْزَقُ الْخَلْقُ، وَقَوْلُ: لا إِلَهَ إِلَاّ اللهَ وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ لَهُ، فَإِنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ لَوْ كُنَّ حَلَقَةً لَقَصَمْتُهَا، وَلَو كُنَّ فْي كَفَّةٍ لَرَجَحَتْ بِهِنَّ، وَأَمَّا اللَّتَانِ أَنْهَاكَ عَنْهُمَا فَالشِّرْكَ وَالْكِبْرَ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَلْقَى اللهَ وَلَيْسَ فِي قَلْبِكَ شَيْءٌ مِنْ شِرْكٍ وَلا كِبْرٍ فَافْعَلْ"(3).

وأخرجه النسائي عن سليمان بن يسار، عن رجل من الأنصار،

(1) رواه أبو الشيخ في "العظمة"(5/ 1747).

(2)

رواه أبو الشيخ في "العظمة"(5/ 1745)، وابن عدي في "الكامل" (6/ 388) لكن عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه وقال: الحديث موقوف.

(3)

رواه الإمام أحمد في "الزهد"(ص: 51).

ص: 219

وقال فيه: "وَأُوْصِيْكَ بِسُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدهِ؛ فَإِنَّهَا صَلَاةُ الخَلْقِ وَبِهَا يُرْزَقُ الخَلْقُ، {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: 44] "(1).

وأخرجه البزار، والحاكم وصححه، عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه.

وفي بعض ألفاظه: "فَإنَّهَا صَلَاةُ كُلِّ شَيْءٍ وَتَسْبِيْحُ كُلِّ شَيْءٍ"(2).

والآية تدل على ذلك، ولذلك قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم مدرجة في مقالة نوح عليه السلام.

وروى ابن أبي شيبة عن عمرو بن دينار رحمه الله تعالى - مرسلاً - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تتَّخِذُوْا ظُهُوْرَ الدَّوَابِّ كَرَاسِيَّ لأَحَادِيْثكُمْ؛ فَرُبَّ رَاكِبٍ مَرْكُوْبَة هِيَ خَيْرٌ مِنْهُ وَأَطْوَعُ للهِ عز وجل وَأكثَرُ ذِكْراً"(3).

وروى الإمام أحمد، وابن حبّان في "صحيحه"، والطبراني عن سعد بن معاذ بن أنس، عن أبيه رضي الله عنه قال: مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على قوم على

(1) رواه النسائي في "السنن الكبرى"(10668) عن سليمان بن يسار عن رجل من الأنصار.

(2)

رواه الحاكم في "المستدرك"(154)، وكذا الإمام أحمد في "المسند"(2/ 169). وصحح العراقي إسناده في "تخريج أحاديث الإحياء"(1/ 249).

(3)

رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(25965)،

ص: 220