الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقلت: [من مجزوء الرمل]
إِنَّ خَوْفِي وَرَجائِي
…
كَجَناحَيْنِ لِطَيْر
بِهِما أَظْفَرُ مَهْما اعْـ
…
ـتَدَلا مِنِّي بِخَيْر
-
ومن أحوال الطير والوحش: الإمساك يوم عاشوراء عن الطعام والشراب
.
روى الأصبهاني في "الترغيب" عن قيس بن عباد رحمه الله تعالى قال: بلغني أن الوحش كانت تصوم يوم عاشوراء (1).
وروى ابن قانع في "معجمه" عن سلمة بن أمية قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى يدي صرد فقال: "هَذَا أَوَّلُ طَيْرٍ صَامَ".
وفي رواية: "أَوَّلُ طَيْرٍ صَامَ يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ"(2).
قال الحاكم: هذا حديث باطل، انتهى (3).
وممن خرجه أبو موسى المديني، والخطيب (4).
وروى الحكيم الترمذي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: الصرد أول طير صام (5).
(1) ورواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(9/ 41).
(2)
رواه ابن قانع في "معجم الصحابة"(1/ 276).
(3)
انظر: "المصنوع في معرفة الحديث الموضوع" لعلي القاري (ص: 264).
(4)
رواه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(6/ 295).
(5)
رواه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول"(2/ 14).
والصرد - بضم الصاد المهملة، وفتح الراء -: طائر فوق العصفور، نصفه أبيض ونصفه أسود، ضخم الرأس والمنقار، عظيم الأصابع، ممتنع لا يقدر عليه أحد.
وروى الأصبهاني عن الفتح بن شخرف - وكان رحمه الله تعالى من الزهاد - قال: كنت أفُت للنمل خبزاً كل يوم، فلما كان يوم عاشوراء لم تأكل.
وروى أبو موسى المديني عن رجل أتى البادية في يوم عاشوراء، فرأى قومًا يذبحون ذبائح، فسألهم عن ذلك، فأخبروه أن الوحوش صائمة، وقالوا: اذهب بنا نرى، فذهبوا إلى روضة فأوقفوه، فلما كان بعد العصر جاءت الوحوش من كل وجه، فأحاطت بالروضة رافعة رؤوسها، ليس شيء منها يأكل حتى إذا غابت الشمس أسرعت جميعاً فأكلت.
قلت: لعل الحكمة في صوم الوحوش والطير يوم عاشوراء: أنَّ سفينة نوح عليه السلام استوت على الجُودي يوم عاشوراء، فهي تصوم خصوصية لذلك اليوم.
كما روى الأصبهاني، وغيره عن أبي هريرة قال: إنَّ سفينة نوح عليه السلام استوت على الجودي يوم عاشوراء، فصام نوح عليه السلام ذلك اليوم، وصامته الحيوانات التي كانت معه في السفينة (1).
(1) ورواه الطبري في "التفسير"(12/ 47) لكن عن عبد العزيز بن عبد الغفور عن أبيه.
ولا يلزم أن تصوم عاشوراء سائر الحيوانات؛ فإنها غير مكلفة، وإنما يصومه منها الطير والوحش، أو شيء منها بإلهام من الله تعالى لتبقى آثار معجزة نوح عليه الصلاة والسلام كما بقيت له آثار معجزة أخرى، وهي ما رواه الثعلبي بإسناده عن مالك بن سليمان الهروي: أن الحية والعقرب أتيا نوحاً عليه السلام، فقالتا: احملنا.
قال: إنكما سبب الضرر والبلايا والأوجاع، فلا أحملكما.
قالتا: احملنا؛ فإنَّا نضمن لك أن لا نضر أحداً ذَكَرَك، فمن قرأ حين يخاف مضرتهما:{سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} [الصافات: 79 - 81] ما ضرتاه (1).
وروى ابن عبد البر في "التمهيد" عن سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى قال: بلغني أن من قال حين يمسي: {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ} [الصافات: 79]؛ لم يلدغه عقرب (2).
وروى ابن عساكر عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَالَ حِيْنَ يُمْسِي: صَلَّى اللهُ عَلَىْ نُوْحٍ وَعَلَىْ نُوْحٍ السَّلامُ، لَمْ يَلْدَغْهُ عَقْرَب تِلْكَ اللَّيْلَة"(3).
وكما بقيت آثار آية الله تعالى في هلاك قوم هود عليه السلام
(1) رواه الثعلبي في "التفسير"(5/ 170).
(2)
انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (21/ 241).
(3)
رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(62/ 256).
بالريح العقيم في الأيام الثمانية والليالي السبع الحُسُوم في عجز الشتاء بحيث يظهر فيها في كل عام الرياح الباردة والتغيرات الظاهرة.
- ومن ذلك النحل؛ فإنَّ لها أخلاقاً مدحها الشرع، وأرشد الشارع صلى الله عليه وسلم إليها؛ فينبغي للمؤمن أن يتخلق بها.
روى ابن حبان في "صحيحه"، والطبراني في "الكبير" عن أبي رزين صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ النَّحْلَةِ لا تَأْكُلُ إِلا طَيِّبًا، وَلا تَضَعُ إِلا طَيِّبًا"(1).
وروى الرامهرمزي في "الأمثال"، والحاكم وصححه، عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ النَّحْلَةِ أَكْلَتْ طَيِّبًا وَوَضَعَتْ طَيِّبًا، وَوَقَعَتْ فَلَمْ تُفْسِدْ وَلَمْ تكْسِرُ، وَمَثَلُ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْقِطْعَةِ الْجَيِّدَةِ مِنَ الذهَبِ نَفَخَ عَلَيْهَا فَخَرَجَتْ طَيِّبَةً وَوزِنَتْ فَلَمْ تَنقُصْ"(2).
ورواه البيهقي في "الشعب"، ولفظه:"مَثَلُ المْؤُمِنِ مَثَلُ النَّحْلَةِ إِنْ أَكَلَتْ أَكَلَتْ طَيِّبًا وَإِنْ وَضَعَتْ وَضَعَتْ طَيِّبًا وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَىْ عُوْدٍ نَخْرٍ لَمْ تكْسِرْهُ"(3).
(1) رواه ابن حبان في "صحيحه"(247)، والطبراني في "المعجم الكبير"(19/ 204).
(2)
رواه الحاكم في "المستدرك"(253).
(3)
رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(5766) مرفوعاً، و (5765) موقوفاً، وقال: هذا هو المحفوظ بهذا الإسناد موقوف.
قوله: "إِنْ أَكَلَتْ أَكَلَتْ طَيِّبًا"؛ أي: وكذلك المؤمن لا يأكل إلا طيباً وهو الحلال، وما لا مِنَّة فيه لمخلوق.
"وإِذَا وَضَعَتْ وَضَعَتْ طَيِّبًا"؛ أي: وكذلك المؤمن لا يظهر من أقواله وأفعاله إلا الطيب، وهو الحسن المقبول عند الله تعالى وعند المؤمنين، لا يتكلم إلا بخير، ولا يتحرك إلا في خير، ولا يجد الناس منه إلا خيراً، ولا يقول في أحد إلا خيراً، ولا يظن في مؤمن إلا خيراً، ولا يضره قول المنافقين، ولا ذم من لا يذم بحق، أو من يتكلم بغرض النفس، أو من لا يعرف الحق من الباطل، كما لا يضر النحلة من يذمها باللسع ويعرض عن العسل، والنحلة لا تلسع أذية بل دفعاً للأذى عنها، وكذلك المؤمن لا يضره الانتصار بحق، والمؤمن لا ينوي إلا خيراً، ولا يريد بعمل ولا بقول إلا الخير، ولا يسلك إلا سبيل الخير، كما أن النحلة لا تخرج من بيتها إلا للاجتناء الطيب سالكة سبل ربها ذُلُلاً كما أمرها الله تعالى.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَىْ عُوْدٍ نَخْرٍ لَمْ تكْسِرْهُ"؛ أي: وكذلك المؤمن لين العَرِيكة لا يصيب الناس منه أذى، وإن استضعفهم فمؤنته خفيفة وكُلفته لطيفة، وسيرته نظيفة، ونفسه كريمة عفيفة.
والمراد من الحديث: تهييج الأمة إلى التخلق بهذه الأخلاق التي لا يتحقق الإيمان إلا بها.
وقال ابن الأثير: وجه المشابهة بين المؤمن والنحلة حذق النحل وفطنته، وقلة أذاه وحقارته، ومنفعته وقنوعه، وسعيه في النهار، وتنزهه عن الأقذار، وطيب أكله؛ فإنه لا يأكل من كسب غيره، ونُحُولُه وطاعته
لأميره، وأنَّ للنحل آفات تقطعه عن عمله؛ منها: الظلمة، والغيم، والريح، والدخان، والماء، والنار، وكذلك المؤمن له آفات تفتره عن عمله: ظلمة الغفلة، وغيم الشك، وريح الفتنة، ودخان الحرام، وماء السمعة، ونار الهوى، انتهى (1).
وروى أبو نعيم عن أشرس بن عبد الرحمن - وكان فاضلاً - عن وهب رحمه الله تعالى قال: مر عابد براهب، فأشرف عليه، فقال: منذ كم أنت بهذه الصومعة؟
قال: منذ ستين سنة.
قال: وكيف صبرت فيها ستين سنة؟
فقال: من آفات الدنيا.
ثم قال: يا راهب! كيف ذكرك للموت؟
قال: ما أحسب عبداً يعرف أنه لا يأتي عليه ساعة لا يذكر الموت فيها، وما أرفع قدماً إلا وأنا أظن أني لا أضعها حتى أموت، وما أضع قدماً إلا وأنا أظن أني لا أرفعها حتى أموت.
قال: فجعل العابد يبكي، فقال له الراهب: هذا بكاؤك في العلانية، فكيف أنت إذا خلوت؟
فقال العابد: إني لأبكي عند إفطاري فأشرب شرابي بدموعي، وآكل طعامي بدموعي، ويصرعني النوم فأبل مضاجعي بدموعي.
(1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (5/ 28).
قال له: إنك أن تضحك وأنت معترف لله بذنبك خير لك من أن تبكي وأنت تمن على الله عز وجل بذلك.
قال: فأوصني بوصية.
قال: كن في الدنيا بمنزلة النحلة؛ إن أكلت أكلت طيباً، وإن وضعت وضعت طيباً، وإن سقطت على شيء لم تضرَّه ولم تكسره، ولا تكن في الدنيا بمنزلة الحمار؛ إنما همته أن يشبع ثم يرمي نفسه في التراب، وانصح لله نصح الكلب لأهله؛ فإنهم يجيعونه ويطردونه وهو يحرسهم.
قال أبو عبد الرحمن الشرس: وكان طاوس رحمه الله تعالى إذا ذكر هذا الحديث بكى، ثم قال: عز علينا أن تكون الكلاب أنصح لأهلها منا لمولانا عز وجل (1).
وفي هذا المعنى قال الشاطبي رحمه الله تعالى: [من الطويل]
وَقَدْ قِيلَ: كُنْ كَالْكَلْبِ يُقْصِيهِ أَهْلُهُ
…
وَلا يَأْتَلِي فِي نُصْحِهِمْ مُتَبَذِّلاً (2) ومما يناسب هذا ما رُوي عن بعض أهل الغلم: أن في الكلب عشر خصال ينبغي لكل مؤمن أن تكون فيه:
- إن الكلب في الغالب جائع.
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(4/ 43).
(2)
انظر: "متن الشاطبية"(ص: 8)(رقم البيت: 90).
- وليس له مكان معروف.
- ولا ينام من الليل إلا قليلاً.
- ويرضى من الأرض بأردأ الأماكن.
- وإذا غُلِب على مكانه تركه وانصرف إلى غيره.
- وإذا رحل من مكان لا يلتفت إليه.
- وليس له ميراث.
- ولا يترك صاحبه وإن جفاه.
- وإذا ضرب وطرد ثم ألقي عليه كسرة أجاب ولم يحقد على ما مضى.
- وإذا حضر الطعام جلس بعيداً عن الأكل (1).
وكذلك ينبغي للمؤمن أن يكون مُؤثراً للجوع، غريباً عن الناس، متواضعاً، محتملاً للأذى، غير متأسف على شيء من الدنيا، مكثراً من قيام الليل في طاعة الله تعالى، فقيراً، ودوداً، ذليل النفس، عفواً، غير حقود ولا شره.
وقال بعضهم: [من المتقارب]
تَعَلَّمْتُ أَخْلاقَ هَذِي الكِلابِ
…
وَمَنْ لِي بِأَمْثالِها فِي صِحابِي
وَفاءٌ وَصَبْرٌ وَحِفْظُ الذمامِ
…
وَذَبٌّ عَنِ الْخيلِ عِنْدَ الضِّرابِ
(1) انظر: "فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب" لابن المرزبان (ص: 34) وقال: ينسب للحسن البصري.
وَيَسْهَرُ إِنْ نِمْتُ فِي قَفْرَةٍ
…
وَيَحْفَظُنِي مِنْ ضَوارِي الذِّئابِ
كِلابٌ وَلَكِنَّها فُضِّلَتْ
…
عَلى بَعْضِ قَوْمٍ مَشَوْا فِي الثِّيابِ
وقال ابن عبد ربه في "العقد": أهدى علي بن الجهم كلباً وكتب: [من المنسرح]
اسْتَوْصِ خَيْراً بِهِ فَإِنَّ لَهُ
…
عِنْدِي يَداً لا أَزالُ أَحْمَدُها
يَدُلُّ ضَيْفِيَ عَلَيَّ فِي غَسَقِ اللَّـ
…
ـيْلِ إِذا النَّارُ نامَ مَوْقِدُها (1)
وأنشد غيره للشريف الموسوي: [من الكامل]
أَنا كَالْكَلْبِ الَّذِي إِنْ تُوْلهِ
…
شُكْرَ الْجَمِيلِ غَدا لِبِرِّكَ شاكِراً
وَإِذا تَكَرَّرَ ذاكَ مِنْكَ إِلَيْهِ أَضْـ
…
ـحَى عَنْكَ للأَعْداءِ سَيْفاً باتِراً
وروى الإمام أحمد في "الزهد" عن جعفر بن سليمان قال: رأيت مع مالك بن دينار كلباً، فقلت: ما تصنع بهذا؟
قال: هذا خير من جليس السوء (2).
وروى القاسم بن سلمة - بإسناده - عن علقمة بن عبد الله قال: أول شيء اتخذ الكلب للحراسة نوح عليه السلام؛ قال: يا رب! أمرتني أن أصنع الفلك وأنا في صناعته، أصنع أياماً فيجيئون في الليل فيفسدون كل ما عملت، فمتى يلتئم لي ما أمرتني به؟ قد طال علي أمري.
(1) انظر: "العقد الفريد" لابن عبد ربه (6/ 299).
(2)
ورواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(2/ 384).
فأوحى الله تعالى إليه: يا نوح! اتخذ كلباً يحرسك.
فاتخذ نوح عليه السلام كلباً، وكان يعمل بالنهار وينام بالليل، فإذا جاء قومه ليفسدوا بالليل نبحهم الكلب، فينتبه نوح عليه السلام، فيأخذ الهراوة، ويثب لهم فينهزمون، والتأم له ما أراد (1).
والحراسة مطلوبة لأمور الدنيا والآخرة.
قال الله تعالى: {خُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء: 71].
وهذا منه، وأفضلها الحراسة في سبيل الله.
وروى الترمذي وحسَّنه، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عَيْنَانِ لا تَمَسَّهُمَا النَّارُ؛ عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ"(2).
وروى الطبراني في "الكبير" بسند جيد، عن معاوية بن حيدة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثَلاثة لا تَرَى أَعْيُنَهُم النَّارَ؛ عَيْنٌ حَرَسَتْ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ، وَعَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، وَعَيْنٌ غَضَّت عَنْ مَحَارِمِ اللهِ"(3).
(1) ورواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(36046) عن علقمة، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(19/ 416). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 288): فيه أبو حبيب العنقزي ويقال: القنوي، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.
ومن لطائف الشريف أبي المختار أحمد بن محمد العلوي ما كتبه إلى بعض الأمراء: [من الوافر]
مَرَرْتُ عَلى كِلابِ الصَّيْدِ يَوماً
…
وَقَدْ أَلْقى الغُلامُ لَها سِخالاً
فَلَوْ أَنِّي وَمَنْ يَحْوِيهِ دارِي
…
كِلابُكَ لَمْ نَجِدْ أَبَداً هُزالاً
فَقُلْ ما شِئْتَ فِي رَجُلٍ شَرِيفٍ
…
يَكُونُ الكَلْبُ أَحْسَنَ مِنْهُ حالاً (1)
وهذا الذي قاله حال كثير من الأمراء والأجناد الآن؛ يتعانون الصيد فيتخذون لها الكلاب، فربما أطعموها اللحوم والنفائس، وجلَّلوها بالجِلال، واستخدموا لها الرجال، وأعرضوا عن الأكباد الجائعة من الأناسي حتى أخص الناس بهم.
وهذا من الغفلة التي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "مَن اتَّبَعَ الصَّيْدَ غَفَلَ"(2).
بل منهم من يخرج إلى الصحراء أياماً وليالي للصيد، ثم يبيتون في بعض القرى، فيكلفون أهلها أضعاف أضعافِ ما صادوه، وهذا ضلال مبين وظلم عظيم.
وفي المثل: كلب أعتس خير من أسد ربض.
وربما قالوا: كلب أعتس خير من أسد أندس.
وربما قالوا: كلب عس.
(1) انظر: "الوافي بالوفيات" للصفدي (8/ 94).
(2)
تقدم تخريجه.